كل أمة تحتاج  إلى عناصر التطور الثقافي والسياسي في حياتها ،  وتستمد هذه العناصر من مؤسسات فكرية وأشخاص ذو ثقافة وقدرة على فهم شامل  ومتكامل لمعضلات الأمة ومشاكلها وتحديد السبل لمعالجة الأزمات  المفاجئة وكذلك طويلة الأمد التي تواجه تطور الأمة .  إذا كانت مقومات الأمة العربية اللغة والدم والأرض والتاريخ والآمال المشتركة والمصير الواحد للشعب العربي من المحيط إلى الخليج العربي ، فان مقومات فكر هذه الأمة  في تاريخها وثقافتها وحضارتها ومورثوها الديني ، فالأمة موجودة بوجود هذه المقومات . وبلورة هذا الفكر تعتمد على المفكرين اللذين لديهم المقدرة على صياغة هذه المكونات بإطار ثقافي  وسياسي يُبعث للمواطن العربي   بصيغة خطاب نهضوي تحفيزي إرادي ، يدعوا إلى الحماسة في بناء الأمة الواحدة وتحررها وإمكانية تطورها وترسيخ ثوابتها .

تمـر أمتنـا في مرحلـة حساسة جدا من تاريخها وهي تواجه مشروع عالمي صهيوفارسي ماسوني لإعدام الأمة العربية واستئصال مفكريها ومثقفيها ( قانون اجتثاث البعث الذي اقره بريمر) ومحاربة النهج القومي للأفراد والتنظيمـات تمهيدا لإلغاء العرب كأمة ، من خلال بث الرعب بين الناس من المفهوم القومي للأمة العربية واعتباره  وسيلة تدمير  تلحق بالأمة  ، ويستدل أعداء العروبة بالمرحلة الناصرية والبعثية !! كمؤشر لهلاك الأمة متجاهلين عن عمد المؤامرات التي تستهدف الأمة العربية في وحدتها وتقدمها  والخوف من تطورها . 

أن دور المفكر العربي الثوري هو استخلاص الدروس لمرحلة تاريخية  ونقدها وتقديم الحلول والطروحات والتصورات المتكاملة التي تلامس الإجابات على معضلات المرحلة واهم القضايا الراهنة التي تواجه الأمة. إن الإقدام بجراءة على تناول أهم المعضلات والخوض فيها يعتبر صفة نهضوية يمتلكها القومي الطليعي  .

نحن القوميون العرب المستقلون تنظيميا ، مؤمنون أن الأمة العربية جوهر الإسلام ولابد لها أن تنتصر وتحقق أهدافها بالوحدة ، واهم بنود هذه الوحدة هو البناء الفكري الواحد للقوميين العرب . ولم نجد ما يفرق فكريا بين  أعمدة القومية العربية  الناصرية والبعث في كل الأطروحات الفكرية والثقافية والسياسية . كنا نتمنى أن يبادر مفكر قومي عربي لطرق باب الانفتاح على مناقشة سبل الوحدة من خلال المناقشة الواضحة  وفتح مسار للحوار السياسي المعتمد على فكر قومي عربي تحرري  .

أن المناقشة التي طرحها المفكر العربي صلاح المختار في مقالته (وجهة نظر بعثية في التجربة الناصرية) هي خطوة نهضوية للرد على حالة السكون التي تواجه العلاقة بين أعمدة القوميين العرب ، وهي قراءة نقدية بروح بناءة لتجربة قومية ودعوة للاتقاء على طريق الوحدة الفكرية للعرب لمواجهة الهجمة الشرسة الموجهة ضد امتنا العربية .  في قراءة متأنية لمضمون المقالة نكتشف إن الوعي والحرص على الفكر القومي بالاستفادة من دروس التجربة الناصرية قائم على أساس  ضرورة استلهام التجربة من قبل كل القوى القومية في الوطن العربي إلى جانب التجربة البعثية  ، وذلك من اجل قيام وحدة عمل مشتركة بين ينابيع الفكر القومي العربي . ويشدد المفكر العربي صلاح المختار على ضرورة  إعادة بناء  وحدة التيار القومي العربي للتمكن من الوقوف بوجهة الهجمة الشرسة الموجهة ضد امتنا العربية . أن هذا الفهم وإعلانه يجعلنا نؤمن أكثر إن امتنا تعيش حالة نهضوية  يتطور فيها الفكر القومي العربي مجتازا بتحد كل عوامل القهر والاحتلال ويقينا على إن امتنا ولادة  بالنجباء والمفكرين اللذين يتحملون المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم .

إن هذه الدعوة الشجاعة يجب أن تؤخذ على محمل الجد  للعمل على تطبيق ما ورد فيها من طرح خلاق . وعلى المثقفين القوميين العرب اغتنام  الفرصة  للتمسك بهذا الطرح ودعوة كل الأطراف القومية إلى ضرورة التحرك الجاد لخلق حالة من القبول الذهني  للعمل على تحقيق وحدة ينابيع الفكر القومي العربي . أن الوحدة من أهم عوامل النصر للأمة وهي شعار لكل القوميين العرب ، فكيف بنا ندعو إلى وحدة الأمة  ونقف حائلا أو نعجز أمام وحدة تيارها الطليعي  ، ( كيف نحب الشجرة و لا نحب أغصانها ؟ ) .

لذا ندعو للاستفادة من مقالة المفكر العربي صلاح المختار  لحوار هادئ فعال يهـدف إلى بناء جسـور التواصل الفكري لمعالجة جوانب التشنج التي لم نتلمسها فكريا  إلا في حالة المرور بموقع ممارسة الدولة للتعامل مع الأفراد من هذا التنظيم القومي أو ذاك ، وإن التخلص من الإرث المخزون السلبي في الذاكرة عن العلاقة بين الطرفين ( القومي والدولة القومية ) هو  البداية التي يجب أن يرتكز عليها الجميع  ، لان المؤامرة على الأمة تستهدف أولا  تياراتها الرئيسية وشخوص مفكريها ومثقفيها دونما تمييز . وليس أدل على ما نشير أليه  شمول كل الوطنيين العراقيين والقومين العرب المدافعين عن عروبة العراق ووحدة أراضيه متهمون بالانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي  وكل من يناهض التطبيع والاستسلام متهم بالناصرية والقومجيـة .