ذكرياتي عن مدينتي الحبيبة الاعظمية

﴿ الحلقة الثانية

 
 

شبكة المنصور

د. يوسف اليوسف
في الحلقة الاولى حول مدينة الاعظمية , دار الحديث في مقهى (( ابو عثمان)) القديمة حول التسميات القديمة لمناطق هذه المدينة العريقة , وحول المقاهي العريقة في مدينة الاعظمية , حيث توقفنا عند كتابة بقية الحلقات لحين استكملت امانة العاصمة صيانة الساحة المقابلة لجامع الامام الاعظم ( رض) ووضعت النافورات والورود الجميلة واصبحت الجلسات في هذا المقهى تقتصر على المساء , فقط , واماكن جلوس رواد هذه المقهى اخذ يمتد على طول هذه الساحة , مختلطا بطاولات المطاعم الجميلة المجاورة . توزعت في هذه الساحة الانارة اللطيفة حيث اصبحت تحاكي هذه الاضاءة معمارية واضاءة مرقد الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان , وكأن الجالسين في مقهى ابو عثمان والمقاهي والمطاعم المجاورة يتباركون بقدسية هذه الصرح الشامخ , وتراهم عند الاذان في اوقات المغرب والعشاء يتسابقون الى الجامع لاداء فريضة الصلاة , ومن ثم يعاودوا التقاطر مجدداً الى هذا المقهى في هذه الجلسة الجميلة من هذا اليوم اخذت الاتربة تنجلي عن سماء بغداد وبدأ الهواء عليلاً , وانت تسمع اختلاط الحديث المسائي مع رنات ملاعق الشاي وبالمناسبة ان صاحب هذا المقهى قد تماشى مع تطوير واناقة هذه الساحة واصبح بامكان الجالسين ان يطلبوا الشاي والحامض وكذلك القهوة


و(( الكاباجينو)) مضاف الى التنسيق اللطيف مع المقهى المجاورة لصاحبها ((عمر)) حيث تختص هذه المقهى المشتركة من ناحية المساحة مع مقهى ابو عثمان بتقديم (( النركيلة)) لزبائنها فقط . جمعت هذه الجلسة المسائية الجميلة كل من الاخوان جاسم العبيدي ((ابو محمد)) ومظفر ((ابو سيف))والاخوين ((الخالدين)) ابو عمر وابو وسيم , والاثنان هما ( ملح الجلسة) وبقية الاصدقاء الاخرين ودار الحديث هذه المرة حول العلاقة ( الحميمية) التي تربط بين اهالي الاعظمية والكاظمية المقدستين وان نكهة هذه الروحية والعلاقة الوجدانية لايزال حديث الشارعين واهل المدينتين في المناسبات الدينية وغيرها من المواقف الانسانية , شأنهما في ذلك شأن بقية المدن العراقية , هنا بدأ استعراض الحديث من قبل ابو سيف حيث عرج على عمق العلاقة الصحيحة وطيبة اهل المدينتين حيث اردف جازما ان العلاقة بين مدينتي الاعظمية والكاظمية مرهون برابط قوي هو رابط الاخوة والانسانية قبل ان يربطهما قديما الجسر القديم وحديثا جسر الائمة ومن ثم جاء دور الاخ ابو محمد مؤكدا على عمق هذه العلاقة الوطيدة لهاتين المدينتين حيث تتعمق يوما بعد يوم رغم مرور المحنة التي مرت بها المدينتين ( فاجعة جسر الائمة) التي اراد الاعداء من خلالها خلق الفتنة الطائفية بين اهالي المدينتين , ويعود ابو محمد ليؤكد ولكن خاب فألهم الان الشعب الذي ينجب مثل الشهيد ( عثمان العبيدي) وغيره من الشهداء الذين ضحوا بانفسهم لانقاذ جموع الزائرين في يوم عاشوراء اثناء زيارة مرقد الامام موسى الكاظم (ع), هنا تداخل الاخ ابو عمر قاطعا الحديث باسلوبه الشفاف مستأذنا من الاخ جاسم وبدأ مسترسلا بحديثه وهو يقول ان هذه الفاجعة ويقصد بها فاجعة جسر الائمة التي خطط لها اعداء الدين والعراق انعكست بالسلب عليهم من خلال تناخي اهل الاعظمية والكاظمية في تضميد ولملمة الجراحات وعودة المياه الى مجاريها وهنا تنهد كل من ابو وسيم وابو سيف واراد كل واحد منهم ان يقاطع ابو عمر وهو منهمك في توضيح وجهة نظره المحقة بحق هؤلاء الابطال الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل ابناء بلدهم , الا ان الاخ ابو سيف سبق الاستئذان بعد ان اعياه الانتظار ليكمل حديثه الشيق حين قال :-

 

وانا صغير في العمر وكثير مثلي كنا نذهب الى مدينتنا المقدسة الكاظمية وكلنا شوق لزيارة اهل البيت الكرام والصلاة في حضرة الامام الكاظم (ع) ولم يكن احد من اهل المدينة يشذ عن طقوس الصلاة والزيارة وخصوصا في الاماكن المقدسة وهنا استدرك ابو سيف مسألة مهمة هي عملية عمق العلاقة وقدسيتها في هذا المكان هو الذي جعل الترابط حاصلا بين المدينتين المقدستين وهنا سارع ابو وسيم لتغيير الموضوع بأعتذاره الجميل حيث قال : هل يعلم احد منكم ان جزءا كبيرا من خطوط منطقة الكاظمية تابعة الى بدالة الاعظمية حيث كانت تغذي مئات الخطوط في منطقة الكاظمية وابو وسيم عندما طرح هذه الحقيقة التي اسمعها لاول مرة منطلقا من اختصاصه الدقيق في الاتصالات السلكية واللاسلكية وهنا ينبري ابو محمد ليقول ان هنالك قاسم مشترك بين اهل المدينتين حيث الجميع اجابوا وما هي هذه المشتركات فقال ابو محمد هل تعلمون ان بريد الاعظمية القديم كان مشتركا بين المدينتين بعد هذا الحديث الشيق والمعلومات الجديدة اردت ان اغير مسار الحديث لسحب الاخوة الحضور الى اكبر كمية ممكنة من ذكريات هاتين المدينتين عندما طرحت للنقاش ذكرياتنا في شهر رمضان المبارك في كل من الكاظمية والاعظمية وقدسية هذا الشهر في عموم مدن العراق والنكهة اللطيفة لهذا الشهر في هاتين المدينتين المتوائمتين في كل شئ تفاجأت عندما بدأت ذاكرة الاخوة تتدفق جميعها على شكل سيل من المعلومات والذكريات الجميلة في هذا الشهر المفضل وكيف ان اهل المدينتين يعيشوا باجواء من القدسية والتصوف في العبادة والسهر بعد الافطار الى الصباح الباكر عندها يذهبوا الى بيوتهم للسحور ومنهم من يبقى حتى بعد السحور في رحاب التقديس الروحي والخشوع في الصلاة والدعاء حيث شارك جميع الاخوة الحضور في هذه الذكريات الجميلة لشهر رمضان المبارك مستذكرين لعبة (( المحيبس)) المتميزة والتي تجري تحديدا في هذا الشهر في هاتين المدينتين حيث ذكرنا ابو سيف بأنه ردا على ما اثير من اعمال طائفية عقدوا العزم اهل المدينتين لسنتين متتاليتين ان يكون جسر الائمة مسرحا معدا لهذه اللعبة حيث اكدا با سيف ان المشاركة كانت رائعة بين الاهالي مما يدلل على عمق العلاقة بينهم .


بعد هذا الحديث الشيق اردت ان اغير دفة الحديث باتجاه ذكريات اهالي الاعظمية بخصوص سينما الاعظمية كانت تعرض الافلام الرومانسية والحربية والاجتماعية كل يوم وبدورين وبعض الايام ثلاثة ادوار وخصوصا ايام العطل والجمع وكانه نوعين من مقاعد الجلوس اولهما الطابق الارضي وسعر التذكرة (40 فلسا) وهنالك طابق علوي يسمى (( ابو السبعين)) لان سعر التذكرة كان (70 فلسا) وكان هنالك ما يسمى ( اللوج) للعوائل البغدادية لان الحضور بهذا المرفق لم يكن مقتصرا على اهالي الاعظمية وانما كانت جميع مناطق بغداد تؤم هذه السينما وبالاخص كان اهل الكاظمية من الرواد الدائميين لهذه السينما لان منطقة الكاظمية تخلو من مثل هذا المرفق .


وهنا اثرت بعض الاسئلة الاستفزازية لعلي اجد من يسعفني بذكرياته عن سينما الاعظمية التي كانت الرئة التي تتنفس بها العوائل البغدادية وتفاجأت هنا من سرعة بديهة الاخوان الجلوس حيث بدأ كل يدلو بدلوه مبتدئاً كاتب هذه السطور بسؤاله المفاجئ وهو ( من منكم يعرف الاخ اسماعيل الحديدي (( رحمه الله)) الذي كان يعمل في هذه السينما وكيف كانت اناقته ولباسه اللطيف يحببه للناس وهنا سارع الاخ ابو سيف يذكرنا بشخصية ( مالو) الذي كان يخرج الى سطح السينما شتاءا وهو يلبس (( الشورت)) فقط لينظف ( جملون) السينما ولا يبالي بقساوة برودة الجو وذكرنا الاخ جاسم بالباعة المتجولين في صالة السينما اثناء الاستراحة ومنهم بائعي الحب والعلك والشامية ومن ثم انتقل الاخوان الثلاثة ابو سيف والخالدين الى الساحة المقابلة للسينما حيث بداوا يستذكرون بائع العمبة ( ارزوقي ) ومراد بائع الازبري وبائعي انواع المشروبات الغازية واخذنا الحديث نحن الجالسين بتشعباته الى ان نصل الى خلاصة ان يكون هناك تقليدا سنويا للمدينتين المقدستين الاعظمية والكاظمية وهو (( توأمه )) هاتين المدينتين ليكون هذا السياق كرنفالا سنويا يستعرض به احتياجات هاتين المدينتين وتطويرهما لتصبحا جديرتين بالزوار القادمين اليهما .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٥ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / تمــوز / ٢٠٠٩ م