في سبيل البعث : مقتطفات من '' واجب العمل القومي ''

 
 
 

شبكة المنصور

زيد احمد الربيعي
كيف يجب أن يكون موقف الشباب الواعي من قضيته القومية؟ كل سؤال إذا أحسن وضعه يتضمن في باطنه الجواب، اذن فلنحاول ان نضع سؤالنا بغاية ما يمكن من الدقة والضبط فنقول: كيف يجب ان يكون موقف الشباب العربي الواعي من قضيته القومية في مرحلتها الحاضرة؟
 
ونعتقد بأننا على هذه الصورة قد حددنا السؤال او المسألة بأكثر ما يمكن من الدقة، ومن وضعها على هذا الشكل نستخلص جملة نتائج. نحن سمينا هذا الشباب فقلنا عنه الشباب العربي، ووصفناه بالوعي، وطلبنا أن يكون له موقف من قضيته القومية، لا من شيء مجرد عام مبهم هو القضية القومية. لم نطلب منه موقفا تجاه مسألة فلسفية هي القومية بل طلبنا منه موقفا من أمر حيوي ذي اتصال مباشر بحياته وقلنا من قضيته القومية. ولم نترك المسألة عرضة للإبهام والتناقض، فحددناها بقولنا من قضيته القومية في مرحلتها الحاضرة.

 أي ما استنتجناه من قولنا الشباب العربي، هذه النقطة تبين لنا وضع الأمة العربية الخاص، اذ نحن لا نبحث في الشباب بصورة عامة، في شباب أية أمة من الأمم في أي زمن من الأزمان، بل نبحث عن شباب أمة معينة في وقت معين. وهذا يعني أننا نعرف الوضع الخاص لهذا الشباب بالنسبة لوضع امته الخاص أيضا، أي للفارق بينها وبين غيرها من الأمم. فلو أردنا ان نصف هذه الأمة وصفا مجملا لقلنا انها أمة عظيمة الماضي وهزيلة الحاضر ومجزأة في داخلها تخضع لحكم الأجنبي في أكثر أقطارها، ونتج من ذلك ان هذه الأمة تريد ان تتحرر من الأجنبي وان توحد أجزاءها وتنهض من تأخرها لتستطيع تحقيق إمكاناتها كلها وتسترجع هكذا رسالتها الخالدة بين الأمم.

هذه الأمة، الأمة العربية التي نبحث الآن عن فئة منها، الشباب، تنظر من جهة الى ماضيها ومن جهة أخرى الى حاضر غيرها، فماضيها مجيد عظيم وحاضر غيرها كذلك. وكما أنها لا تستطيع تجاهل ماضيها وصم سمعها عن ندائه، فهي كذلك لا تستطيع التعامي عن حاضر غيرها من الأمم التي تحيط بها وتؤثر في مصيرها بشتى الطرق.

وكما ان البون شاسع بين هذه الامة وماضيها فكذلك البون شاسع بينها وبين حاضر غيرها من الأمم. وهي انما تطلب غاية واحدة تبدو للنظرة الأولى مزدوجة. تطلب ان ترتقي الى ما يساويها بماضيها المجيد وبحاضر الأمم الأخرى.. هكذا يكون تذكرها لماضيها ووعيها لحاضر غيرها حافزا مزدوجا لها للنهوض. أو نقول: يكون لها من هذا الوعي لحاضر غيرها والتذكر لماضيها حافز وضرورة قاهرة. تذكر الماضي يحفزها، ووعي حاضر الأمم الأخرى يريها الضرورة القاهرة الى النهضة ويشعرها بها. وهذا الارتقاء إلى مستوى ماضيها وحاضر غيرها هو بالنسبة لذلك البون الكبير لا يكون بالنمو أو بالتطور الطبيعي، فالشقة واسعة وبعيدة ولا بد من الانقلاب حتى يتحقق الارتقاء العسير

هذا ما يجري في الأمم الراقية القوية وهذا ما نلمسه ونسمع به يوميا، فإن رقي تلك الأمم يجعلها في غنى عن الانقلابات العنيفة. والجسم السليم هو محافظ بطبيعته لا يرجو غير النمو الطبيعي لان فيه تكاملا لصحته وسعادته، اما الجسم المريض، فالنمو الطبيعي بالنسبة اليه هو استفحال المرض وتفاقم الخطر.

قلنا ان الامم الراقية تتقدم دون حاجة لانقلاب، ويكفيها بين حين وآخر اصلاح بعض نواحي حياتها، كما يكفي الجسم السليم أن ينتبه بين حين وآخر لمعالجات جزئية وبسيطة ولوقاية نفسه من خطر الأمراض، يكفي هذه الأمم لتتقدم ان تبدل بين حين وآخر بعض الأنظمة والأشخاص، وهذا هو التطور، ولكن حالة كحالتنا لا يكفيها التطور بل يؤذيها وتستدعي الانقلاب. ليست المعضلة فيها معضلة أنظمة وقوانين أمست عتيقة بالية ولا معضلة أشخاص قصرت كفاءاتهم او اشتبه في أخلاقهم، بل المعضلة جوهرية وعامة وأعمق بكثير من كل تلك المظاهر أي مظاهر القوانين والأنظمة والأشخاص. فعندما نقول انقلاب نعني تغيير العقلية والخلق. وهذا لا يتم من نفسه ولا يتم بالتطور الطبيعي. وقد قلنا ان الزمن يزيد الصحيح صحة كما يزيد المرض استفحالا: فاذا كنا نشكو من تشويه قد انتاب جوهر امتنا أو على الاقل انتاب التفكير من اساسه، والخلق في صميمه، فليس تبديل الأنظمة والقوانين والأشخاص بمبدل شيئا في جوهر الحياة.

خلاصة القول في هذا الموضوع هو ان الشباب يجب أولا ان يتذكر صفته الأساسية، وهي انتماؤه لأمة معينة معروفة، وان يعرف صفته الثانية التي اهلته لها ثقافته وهي صفة الوعي، فبالصفة الأولى يدرك الفارق بينه وبين القسم الآخر من العالم، بينه وبين الأمم التي يطمح لبلوغ مستواها، ولن يبلغ مستواها بتقليدها... فلا بد لنا من جيل يناضل حتى تتهيأ شروط الرقي التي نماثل بها الأمم الأخرى.
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٣ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / تمــوز / ٢٠٠٩ م