حادثة بسيطة ... عميقة ... تأملوها !!

 
 
 

شبكة المنصور

الهادي حامد / تونس

صباح 11/6/2009 قمت صباحا كعادتي...أعددت لنفسي قهوة الصباح وتركت للزوجة والصبي فرصة الاستمتاع بالنوم الصباحي الثقيل...تناولت حبة الدواء التي صارت عادة يومية من مرض مزمن أصابني تحت تأثير شنق الشهيد البطل صدام حسين ، وقصدت الغرفة الخاصة لتفقد بريدي الالكتروني والمقالات المرسلة من مجموعات غوغل، التي يعود الفضل في اشتراكي فيها إلى الصديق العزيز عراق المطيري والذي أوصل كلماتي إلى المواقع المقاومة الشريفة ومكنها من المدى الذي كنت أتمناه...فجأة رن هاتفي..( وأنا أتشاءم بطبعي من الهاتف الصباحي)..فإذا الاتصال يأتيني من بلدتي (تبعد عن مكان إقامتي وعملي 150كلم) ويعلمني أن خالة والدي وأعمامي توفيت...هذه الخالة هي آخر ماتبقى من كبار العائلة الموسعة...وهي عجوز تجاوزت التسعين من العمر...والحمد لله أني اشتريت لها هذا الشتاء حذاءا جديدا وجوربا يقيها البرد القارص وقد مكنتني من سيل الدعاء الذي أراهن عليه في هكذا أفعال...نهضت الزوجة مشوشة ومكنتها من الخبر...ثم طلبت أن تعد الولد وتتهيأ للسفر مباشرة...اتصلت بصديق كان درس في العراق وكان يحكي لي شهامة العراقيين ونبلهم ووطنية القيادة واستمد منه روحي المعنوية مما يتعرض له بلدنا من تخريب وإفناء..فمكنني من سيارته...وانطلقنا إلى البلدة..

 
وصلنا إلى دار العزاء خلال ساعتين تقريبا...صلينا الظهر ثم العصر...وبعدها حملنا الفقيدة إلى المقبرة...بعد الصلاة على جثمانها الطاهر بدأنا في مواراتها التراب...كنت أشاهد العملية عن قرب...في حالة شرود وخشوع...وفي صراع مع الدمع...فسني لا يسمح لي بالبكاء...وانأ أتابع العملية جال بخاطري شهداء العراق الذين يكون عددهم كبيرا في العائلة الواحدة...كيف يتحملون هذه المصائب ومر الفراق..؟؟!!!..كيف يجرف الإنسان التراب على أبيه أو أخيه أو أمه أو ولده...ويغادر سكون الموقع الأبدي المهيب دونه...؟؟!!..فلن يسمع صوته ونداءه ولن يرى هيئته وهامته ووجهه بعد الآن!!!...إذا كانت خالتي أشعلت في قلبي الحزن و الحرقة إلى هذا الحد...فكيف هو الأمر بالنسبة لهؤلاء ؟!!...سبحان الله ولا اله إلا الله....هي حكمتك يارب...وهذا عدلك...الموت حق علينا جميعا...لكن الموت الغادر أقسى وأمر...والثار من الغادر عميلا كان أو محتلا...احسبه حقا أيضا...وواجبا شرعيا وأخلاقيا ووطنيا...لكن لو كانت رقبة العراقي برقبة علج أمريكي لكان للشعب الأمريكي دين لنا على رقاب شعبنا...لان رقاب علوجهم في العراق لا تساوي عددا عدد رقاب أهلنا...

 

الحمد لله وحده...أمواتنا في الجنة بحول الله وأمواتهم في جهنم وبأس المصير..
وقد تولد لدي إحساس ، وأنا أتابع دفن الخالة أن روحها سترسل سلامي إلى روح عمي وجدتي وروح الشهيد صدام حسين...تصوروا...لم أر لحظتها أن هكذا سلام خيالا أو تخريفا... وبصراحة من حق المؤمن أن يثق في ربه ويطمع فيه... وكنت  اثر قراءة القران ليلا أرسل السلام للشهيد وصدقوني أني أراه ( أتخيله بصريا) جالسا على حجر أو تحت شجرة مبتسما لي في كل مرة...وحلمت في إحدى الليالي الأخيرة أن كوكبة من الفرسان آتية من الشرق ، تسير الخيول في الهواء ، على ارتفاع عن الأرض يقارب 3 أمتار ،ويسمع وقع الحوافر على الحصى!!..يتوسط الصف الأول والصفوف الورائية فارس يرتدي زيا اخضر فاتح شعرت خلال الحلم انه صدام حسين..مر الجمع المهيب على مقربة من عائلتي فيما كنت أشجعهم وأقول لهم لا تخافوا من الموت!!.. وأحسست باني مترددا بين الانضمام للركب وبين الاكتفاء بمتابعة المشهد الجليل والمهيب...وكم أتطلع بعد موتي إلى لقاء الأحبة!!..

 
هذه مشاعر وليست أفكارا أردت أن انقلها إلى قارئها العربي...خروجا عن نمطية التنظير وهندسة المواقف..أرجو أن تتوفر على الطرافة قدر مافيها من صدق و بساطة وعفوية.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م