الاقتصاد العراقي في ظل الاحتلال

﴿ قراءة تحليلية ﴾

 
 

شبكة المنصور

إعداد - عضيد شياع عواد
المقدمة


في عراق اليوم وهو يرزح في ظل الاحتلال تتفاقم الأزمات التي تعصف بالمجتمع العراقي وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية متمثلة بانهيار شامل في البنى والركائز الأساسية وفي التضخم وارتفاع الأسعار وفي ضخامة البطالة وشيوع الفقر وتعاظم نسب الفئات المسحوقة تحت خط الفقر وتعطل مسارات الإنتاج بشكل عام في المفاصل المهمة والانفتاح على الاستيراد الواسع لكل شيء، هذا إلى جانب عدم وضوح في التخطيط الاقتصادي إن لم نقل عدم توافر خطة إستراتيجية شاملة وواضحة المعالم والأهداف ، إضافة إلى سؤ الإدارة وضعف الخبرات وشيوع ظاهرة الفساد المالي والإداري على كافة المستويات بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة العراقية .. لاشك أن تتبع حالة الاقتصاد العراقي وتداعياته بكل الحيثيات والتفاصيل المؤلمة يحتاج إلى كتب ومجلدات للإحاطة بالموضوع بشكل عام ومن كافة جوانبه ، لذا سوف أعمد في هذه الدراسة إلى التطرق إلى أهم المحاور الرئيسية المؤثرة في هذا الاقتصاد متجنباً قدر الإمكان الخوض في جفافية المصطلحات الاقتصادية الصرفة بغية وصول فكرة الموضوع إلى القارئ الكريم بسهولة ويسر.


الزراعة

من المعروف أن الزراعة كانت السلاح الأمضى في تعزيز الأمن الغذائي الوطني وتأمين مستلزمات مفردات البطاقة الغذائية لمواجهة الحصار الذي دام أكثر من ( 13 ) عاماً على كاهل العراقيين ، باعتبارها النفط الدائم والثروة التي لا تنضب ، حيث وصل أنتاج الحبوب في السنوات الثلاث الأخيرة قبل الاحتلال إلى ( 3,5 ) مليون طن بفائض مليون طن عن حاجة العراق ووصل معدل الإنتاجية للدونم الواحد إلى أكثر من ( 360 ) كغم .. وكلنا نتذكر كيف كانت الطائرات الأمريكية تلقي بحمم النيران ومشاعل اللهب لإحراق محاصيل الحنطة والشعير في سهل نينوى وضواحيها بغية كسر شوكة العراقيين وإجبارهم على الإذعان بتجريدهم من أهم عوامل الثبات والمنعة .


إلا إن واقع الزراعة في العراق بعد 2003 قد تردى وتراجع كثيراً حيث انحسرت الأراضي المزروعة والصالحة للزراعة وتقلص حجم الإنتاج الزراعي بشكل عام ليصل نسبة مساهمته إلى أقل من ( 4 % ) من حجم الناتج المحلي ألأجمالي ، ومن المؤكد إن هناك أسباب طبيعية وسياسية تقف عائقاً خلف هذا التقهقر الكبير ، فالأسباب الطبيعية تتعلق بحالة المناخ والظروف الجوية والاحتباس الحراري التي ساهمت في قلة تساقط الأمطار حيث لن تتعدى معدلاتها عن نصف المعدل المعتاد الأمر الذي أنعكس سلباً على العديد من المحاصيل التي تعتمد اعتماداً مباشراً ورئيسياً على موسم الأمطار ،


كما إن انخفاض كمية المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات من تركيا وإيران نتيجة تحكم تركيا بالحصة المائية وإقامة السدود على المنابع الرئيسية كما أنشأت إيران السدود على روافد نهر دجلة وتحويل مسار الروافد الأخرى داخل العمق الإيراني والتي أدت الحالة إلى شحه مناسيب المياه في هذين النهرين والذي أثر بشكل كبير في تعرض مساحات واسعة من الأراضي الزراعية للملوحة والتصحر، فقبل الاحتلال كان معدل تدفق المياه في نهر الفرات يبلغ ( 950 ) م3/ثا في حين أنخفض بعد الاحتلال إلى ( 230 ) م3/ثا أي بنسبة انخفاض قدرها ( 75 % ) عما كانت عليه كمية المياه قبل الاحتلال .. وبعد مفاوضات مطولة قامت تركيا بزيادة هذا المعدل إلى ( 360 ) م3/ثا في بداية عام 2009 ثم أعلنت بغداد إن الجانب التركي قد وافق على زيادة أخرى لكمية المياه المتدفقة في نهر الفرات إلى ( 570 ) م3/ثا وهو المنسوب الذي يطالب به العراق لتأمين المياه لزراعة نصف الأراضي المخصصة لزراعة الرز وسط وجنوب العراق ( حسب تصريح وزارة الموارد المائية العراقية ) .

 

بينما لازالت كميات المياه المتدفقة في نهر دجلة لا تصل في مستواها نصف معدلات مناسيب تدفقها قبل الاحتلال ، فضلاً عن قيام إيران بتحويل مجرى نهر الكرخه الذي كان يصب في هور الحويزة وكذلك نهر الكارون الذي كان يصب في شط العرب وتغيير مجراهما إلى داخل العمق الإيراني ، يضاف إلى ذلك استمرار العمليات العسكرية لقوات الاحتلال وقيامها بتقطيع الكثير من أشجار الحزام الأخضر حول المدن والشوارع الرئيسية لأسباب عسكرية وأمنية ، وهكذا فقد أدت تلك الظروف بمجملها إلى إصابة القطاع الزراعي في العراق بالشلل وتسببت في بروز ظاهرتي الملوحة والتصحر بمستويات مخيفة جدا .. ووفقاً لتقارير وزارة الزراعة العراقية فأن نسبة الملوحة تؤثر حالياً على ( 40 % ) من الأراضي الزراعية ، كما تفيدً التقديرات إن حوالي ( 25000) هكتار من الأراضي تتأثر بالملوحة وتصبح خارج الخدمة الزراعية سنوياً خصوصاً في وسط وجنوب العراق .. في حين تصحّر ما بين ( 40- 50 % ) مما كانت تشكل أراضي صالحة للزراعة في العراق ، كما أفاد ( فاضل علي الدراجي / مدير عام هيئة التصحر في العراق ) في عرض توضيحي منشور على موقع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على الانترنيت : ( إن ( 5, 92 % ) من الأراضي العراقية معرضة للتصحر خلال السنوات القادمة ) .

 

هذا إضافة لما يعانيه القطاع الزراعي من تلوث البيئة وانتشار الآفات الزراعية التي تفتك بالمحاصيل الزراعية وارتفاع أسعار مستلزمات مواد المكافحة بشكل كبير .. كما يعاني هذا القطاع الإهمال الواضح والمتعمد من قبل الحكومة العراقية القائمة فبينما كانت الدولة العراقية قبل الاحتلال توفر للفلاح العراقي المستلزمات الأساسية للزراعة كالأسمدة والبذور ومادة النايلون وحديد التسليح ومستلزمات مكافحة الحشرات والآفات الزراعية إضافة إلى منح المزارعين القروض والسلف الزراعية بشروط ميسرّة وفي أطار قانون حماية المنتجات الزراعية الوطنية من التنافس في السوق المحلية .. أما في وضع الإهمال الحالي فيرى الفلاح نفسه أن الحكومة قد تخلت عنه تماماً وتركته يواجه مصيره بمفرده أمام هذا الحجم الهائل من الكوارث ، فبدلاً من اتخاذها الإجراءات الكفيلة باتجاه العمل الجاد لدعم هذا القطاع الحيوي وتوفير مستلزمات النهوض بالقاعدة الإنتاجية المحلية فأنها لجأت إلى تشجيع استيراد المحاصيل الزراعية وأصبح العراق يستورد كل شيء من دول الجوار اعتبارا من المكائن والمعدات الثقيلة و حتى المحاصيل الحقلية كالبطيخ والرقي والخيار والباذنجان وصولاً إلى الكرفس !!.. وغيرها مما دفع الكثير من المزارعين إلى مغادرة أراضيهم والتوجه إلى المدن أو المناطق القريبة ليضافوا إلى قوائم المستهلكين وليس المنتجين وينضّموا إلى جيش العاطلين عن العمل وقد أثرت عليه ترسبات التخطيط الاقتصادي الفاشل في قطاع الزراعة التي حولت العراق إلى سوق استهلاكي كبير يعتمد اعتمادا كلياً على واردات النفط في الحصول على كافة احتياجاته الزراعية من دول الجوار وجعلت الفلاح يشعر بحالة من الإحباط والخيبة وهو يترك مهنته الأصلية مجبراً للبحث عن بديل آخر لسد رمق عائلته .

الصناعة


لاشك أن ما تعرض له العراق من حصار ثم حرب مدمرة قد الحق بالقطاع الصناعي شديد الأذى وكانت مرحلة الغزو والسنوات التي أعقبتها قد فاقمت الأزمة وأجهزت تماماً بسياساتها وإجراءاتها وأسهمت بشكل مباشر بتدهور الإنتاج الصناعي غير النفطي لينحدر إلى أقل من ( 3% ) من الناتج المحلي ألأجمالي .. حيث دخل الاقتصاد العراقي في ما بعد عام 2003 في حالة الفوضى الاقتصادية وتوقفت تماماً منشآت كثيرة كانت تشكل البنى التحتية الأرتكازية للاقتصاد الوطني مثل : الحديد والصلب والأسمنت والبتروكيمياويات والأسمدة والكبريت والفوسفات والسكر والصناعات النفطية والغذائية والدوائية وصناعة النسيج وغيرها وأصبحت خارج الخدمة من الناحية الإنتاجية وبدلاً من استثمار جزء من عوائد النفط الضخمة في أعادة تأهيل وتشغيل تلك المؤسسات الإنتاجية الرئيسية وغيرها من القنوات الإنتاجية الوطنية فقد أتجه القائمون في أدارة دفة الحكم إلى التوسع في مجال الاستيراد كبديل عن النهوض الاقتصادي الوطني حيث ارتفعت إستيرادات العراق من حوالي ( 8 ) مليار دولار في عام 2004 إلى حوالي ( 24 ) مليار دولار في العام 2007 ومن هذه المستوردات مادة الأسمنت التي نسوقها كنموذج ومثال صارخ على التوجه السلبي للسياسات الاقتصادية وعدم الاستخدام الأمثل للموارد والطاقات المادية والبشرية الوطنية ذات الإمكانيات والخبرات المتراكمة ، فقد أستورد العراق خمسة ملايين طن من مادة الأسمنت في العام 2007 بينما تمتلك الدولة ( 14) مصنعاً للأسمنت إجمالي طاقتها الإنتاجية ( 17 ) مليون طن وتحتاج هذه المصانع إلى مبالغ جزئية بالنسبة لحجم الأنفاق الاستهلاكي للدولة من أجل أعادة تأهيلها وتشغيلها .. الآن سعر طن الأسمنت المستورد في الأسواق المحلية يتراوح بين ( 250 – 350 ) دولار حسب نوعية الأسمنت في حين لا تتعدى تكاليف أنتاج طن الأسمنت عن ( 50 ) دولار ومهما غالينا في التكاليف ، فإذا ما تمت أعادة تأهيل صناعة الأسمنت في العراق ولو بنصف طاقتها الإنتاجية وبُيع الطن منه بـ (100 ) دولار أي بهامش ربح ( 100%) فأن الوفرة المالية المتحققة سنوياً تزيد عن ( 570 ) مليون دولار وهذا سيؤدي بالنتيجة ليس فقط في حدود الوفرة المالية فحسب وإنما سيؤول إلى نتائج إيجابية أخرى :


1- تعتبر مادة الأسمنت مادة أساسية لتحريك النشاط العمراني الذي يؤدي إلى تحريك وتفعيل قطاعات إنتاجية محلية أخرى مترابطة معه كإنتاج حديد التسليح والطابوق والبلوك والحصى والرمل وغيرها من المواد الإنشائية .


2- امتصاص جزء كبير من البطالة وتحريك القوى العاملة في العراق .


3- التعويض عن المستوردات بتوفير العملة الصعبة التي تنفق سنوياً على استيرادها من الخارج .


4- توفير أمكانية التوسع في التصدير لتوفير موارد بالعملة الأجنبية للبلد تسهم في تمويل الموازنة العامة للدولة وتخفف من عبأ الاعتماد الكلي على الموارد النفطية .


ولنمعن النظر بما أدلى به المستشار الاقتصادي في وزارة الصناعة ( يعقوب شونيا ) إلى الجزيرة نت حيث يقول : ( توقفت عن العمل بشكل تام نحو ( 192 ) شركة إنتاجية حكومية تضم نحو (200) معمل وينتسب إليها قرابة ( 250 ) ألف عامل بين مهندس وأداري وفني والدولة مجبرة على دفع رواتب هذا العدد الكبير من العاطلين في تلك المعامل الحكومية المتوقفة والتي تشكل نحو ( 220 ) مليون دولار سنوياً ) .. ويطرح هذا الخبير أربعة حلول لمشكلة القطاع الصناعي الحكومي من وجهة نظره وهي : ( أما تأجير هذه المصانع والشركات العاطلة أو خصخصتها أو تحويلها إلى شركات مساهمة أو تمليكها للعاملين فيها ) .. ونلاحظ من هذا التصريح بأنه لا يوجد في خلد وتفكير الحكومة القائمة دعم هذا القطاع الإنتاجي والنهوض بإعادة تأهيله كقطاع حكومي أنتاجي مهم والذي لازال جاثماً بدون أية حلول إنتاجية لحد الآن !! .. وهكذا ففي ظل ووطأة الظرف الذي يمر به العراق خلال السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي لم تتوقف المصانع والمنشآت المملوكة للحكومة فحسب بل أنسحب الأمر على المصانع والمعامل الأهلية والمساهمة نتيجة الانفتاح في الاستيراد وغياب الدعم الحكومي لتنمية القطاع الخاص ، فمعامل أنتاج السيكائر توقفت جميعها وأن من بين ( 400 ) معمل لصناعة منتجات اللدائن والبلاستك لم يبق منها إلا ( 60 ) معملاً وهي في طريقها إلى الإغلاق بسبب امتلاء السوق بالبضاعة المستوردة الرخيصة السعر .. إضافة إلى ( 300 ) معمل للطابوق قد أغلقت تماماً بسبب إشباع السوق بالمنتج الإيراني المنافس في الأسعار .


إن الدولة قد أطلقت العنان لاستيراد كل شيء دون اعتماد برنامج استيرادي واضح ومحدد يكفل حماية المنتج الوطني وفي ظل غياب الرقابة الصحية والنوعية للسلع المستوردة بما تسبب في القضاء على المنتج الصناعي المحلي وإخراجه من قائمة التنافس في السوق المحلية لتتراكم المشاكل على هذا القطاع قياساً بنظيره في الدول المجاورة وما يحيط به من أزمات ومشاكل نتيجة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وارتفاع أسعار الوقود المحلية وارتفاع أجور العاملين وأسعار النقل وكثرة المداهمات الأمنية ومحاصرة المناطق و فرض حالات منع التجوال في الظروف الأمنية أو حتى أثناء المناسبات والزيارات الدينية إضافة إلى غياب الدعم الحكومي لتنمية هذا القطاع مما جعل قائمة الكلف الإنتاجية المحلية تفوق مثيلاتها في الدول المجاورة للعراق . مما دفع الصناعيين العراقيين إلى إغلاق مصانعهم أو اللجؤ إلى الغش الصناعي أو الاتجاه بمدخراتهم للعمل في القطاع التجاري المتميز بالرواج والربح السريع وأما إلى تهريب رؤوس أموالهم واستثمارها في الدول المجاورة . وبذلك أدت تلك السياسات إلى تهميش وإخراج ثم موت القطاع الصناعي المحلي وتفكيك القاعدة الإنتاجية الوطنية برمتها .


النفط وعقود المشاركة


تساؤلات مشروعة كثيرة تبرز حيال موضوع النفط في العراق وما أستجد من ظهور مسألة عقود المشاركة النفطية ومحاولة الشركات الأجنبية الحصول على موطأ قدم في هذا القطاع المهم والحساس ، وخاصة مع بدأ مرحلة استئناف التصدير العراقي لهذه الثروة وبعد أن زاح شبح الحصار عن صدور العراقيين والذي من المؤمل أن يجني هذا الشعب خيرات عوائده ويسترد أنفاسه بعد سنين عجاف من حرمانه من عوائد هذه الثروة .. وتأتي في قمة هذه التساؤلات :


1- ما هي المشكلة الحقيقية التي يعاني منها قطاع النفط في العراق ؟
2- لماذا عقود المشاركة النفطية وما هي مبرراتها ؟


ابتداء لابد من تثبيت الملاحظات التالية كمدخل للإجابة على تلك التساؤلات وغيرها وهي :


1- أن المراحل الصعبة التي مر بها العراق منذ عام 1980 بحرب طال أمدها أكثر من ثمان سنوات وما تلاها من حرب أخرى عام 1991 ثم حصار اقتصادي شامل ناهز من عمر العراق حوالي ( 13) عاماً ثم احتلال كارثي مدمر والتي استنزفت تلك المراحل الكثير من طاقات العراق المالية والاقتصادية والبشرية وانعكست سلباً بشكل عام على كافة المرافق ومنها القطاع النفطي حيث توقفت الاستكشافات وأهمل عدد كبير من الحقول المنتجة نتيجة تقادم وتخلف المعدات والآلات اللازمة في العمليات النفطية مما تتطلب مرحلة ما بعد 2003 والتي تتميز برفع الحصار عن العراق وتدفق صادراته وخاصة النفطية الممولة عوائده ( 95% ) لميزانية الدولة العامة ، أن يتم إيلاء هذا القطاع الاهتمام اللازم لتحديث معداته وآلياته بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات زيادة سقف الإنتاج ضمن تخصيصات الميزانيات التشغيلية ووفق برنامج مدروس وإستراتيجية واضحة لتطوير وتحديث هذا القطاع من المكمن وحتى ناقلة التصدير وخاصة مع وجود خبرات فنية نفطية متراكمة لكوادر شركة النفط الوطنية العراقية في كافة المجالات والتي يشهد لهم العالم على خبرة وكفاءة كوادرنا النفطية وتقدمهم على دول صناعية كبرى في هذا المجال مثل الصين وغيرها .


2- تلجأ كثير من البلدان إلى عقود مشاركة الإنتاج مع الشركات الأجنبية وتجد لها تبريراً منطقياً في حالة تتزامن فيها الحالات التالية :


أولهما : ارتفاع كلفة الإنتاج .
ثانياً : عدم وجود الأعتمادات المالية اللازمة لإنجاز العمليات النفطية
ثالثاً : ضعف الخبرات والكفاءات الوطنية للاضطلاع بهذا المهمة وفي كافة مراحلها .


لا توجد في العراق حقول بحرية ترفع كلف الإنتاج حيث إن الكلفة الكلية للإنتاج في الحقول العراقية هي الأرخص في العالم قاطبةً ولا تتعدى دولارين للبرميل الواحد ، ولا تقتصر هذه الكلفة المتدنية على الحقول المنتجة والتي تشرف عليها شركة النفط الوطنية العراقية والبالغة ( 17 ) حقلاً منتجاً من أصل ( 80 ) حقلاً مكتشفاً لحد الآن بل تشمل أيضاً الحقول غير المنتجة وغير المكتشفة والتي ستوكل للشركات الأجنبية مهمتها بموجب عقود مشاركة الإنتاج والتي ستقع ( 83 % ) من احتياطيات العراق تحت سيطرتها ، وعلى هذا الأساس سوف تلغى ( وضمن هذه الآليات الجديدة ) قوانين التأميم والقانون رقم ( 80 ) لسنة 1961 وستعيد العراق إلى مربع النصف الأول من القرن الماضي .. أما المسألة المالية والتي أتخذها البعض ذريعة لتمرير عقود المشاركة حيث يقولون أن العراق يعاني من أزمة مالية لا يستطيع رصد مبالغ ضخمة لتأهيل صناعته النفطية بسرعة حيث يتم تخصيص الأموال المتوفرة لديه كأسبقيات أولى لإشباع الحاجات الملحة للمواطنين من مأكل وماء وخدمات كهربائية وصحية وتعليمية وأمنية ، فإلى عهد قريب كانت التقديرات تشير إلى ضرورة تخصيص مبلغ يتراوح بين ( 20 – 25 ) مليار دولار لإعادة بناء الصناعات النفطية العراقية بما فيها تأهيل الحقول ،


في حين برزت قبل بضعة أشهر تقديرات أخرى بمبلغ ( 70 ) مليار دولار على الأقل ، ومهما يكن من مبالغات في شأن تقديرات الكلفة فأن الواقع يشير أن العراق لديه احتياطيات رسمية لدى البنك المركزي العراقي تفوق ( 20 ) مليار دولار نجمت عن ضعف أو عدم تنفيذ الكثير من المشاريع المدرجة في الميزانيات العامة للسنوات السابقة مضافاً إليه المبالغ المخصصة بالعملة الأجنبية والتي يقوم البنك المركزي العراقي ببيعها بالمزاد اليومي { والتي بلغت تلك المبيعات بحدود ( 75 ) مليار دولار وللفترة من 4/10/2003 ولغاية 26/2/2009 وبمعدل حوالي (15 ) مليار دولار سنوياً }ففي حالة توقف هذا البنك عن البيع وتخصيص تلك المبالغ لصالح تطوير القطاع النفطي زائداً المخصص أصلاً لتأهيل هذا القطاع في الموازنات التشغيلية من الميزانيات السنوية العامة للعراق .. عندئذ يظهر أن العراق لديه الموارد المالية شبه الكافية والتي يمكن استغلالها وتوظيفها لتمويل عمليات إعادة تأهيل وتطوير القطاع النفطي تدريجياً وفق خطة عمل مدروسة .. أما إذا أرادوا زيادة الإنتاج النفطي بصورة كبيرة وبسرعة ( وهذا قد يكون لها مردودات مضرة وغير مجدية على صعيد التسويق ) فعليهم اللجؤ إلى القروض المصرفية الداخلية أو الخارجية بدلاً من الاعتماد على عقود مشاركة الإنتاج وبضمان السداد من الإنتاج النفطي نفسه فعندئذ يمكن لإيرادات النفط تمويل الخدمات وإيجاد فرص للعاملين وتعزيز القدرة الإنتاجية للصناعات النفطية إضافة إلى سداد الديون المترتبة على تلك القروض ..


وانطلاقا من هذه المعطيات المبسطة فأن الكثير من خبراء النفط يؤكدون بأن عقود مشاركة الإنتاج المزمع العمل بها لا تليق بالمركز النفطي للعراق ولا تنسجم مع حالته المادية والمستقبلية والتي ستتمخض عنها حتماً نتائج مالية وسياسية خطيرة بسبب الشروط والضغوط التي ستنجم عنها.


3- فيما يلي جدول يتضمن معلومات عن عشرة حقول مكتشفة وغير مستغلة كمثل على الثروة النفطية الممكن استغلالها والتي من المقرر لوزارة النفط إعلانها لعقود المشاركة :


ت أسم الحقل الاحتياطي
(مليار برميل) أمكانية الإنتاج
(برميل/اليوم) الكلفة التقديرية للتطوير(مليار$)
1 مجنون 21 600,000 4
2 غرب القرنة 15 700,000 4
3 شرق بغداد 11 200,000 0,8
4 أبن عمر 6 470,000 3,4
5 الحلفاية 3,5 230,000 2
6 أرطاوي 2 180,000 1,3
7 الناصرية 2 300,000 1,9
8 الطوبة 1 150,000 1,25
9 الغراف 1 100,000 0,7
10 الأحدب 0,2 100,000 1,3
المجمــــــــــــــــــــوع 62,7 3,030,000
20,65


من الجدول أعلاه نستطيع أن نرى حجم الثروة لهذه الحقول العشرة فقط (غير المستغلة ) التي لو أخذنا احتساب إيراداتها بالحد الأدنى لأسعار النفط الحالية وبعائد مفترض ( 50 ) دولار/برميل فان قيمة العائد السنوي للحقول العشرة أعلاه سيكون ما يقارب (55) مليار دولار ، ولو أضفنا أنتاج الحقول المستغلة والمنتجة في الوقت الحاضر والبالغ حجم أنتاجها اليومي ( 2,4 ) مليون برميل يومياً وبعائد سنوي مقداره (43 ) مليون دولار فسيكون مجموع إيرادات العراق السنوية من تصدير النفط الخام حوالي ( 98 ) مليار دولار اعتبارا من العقد الثاني من هذا القرن ، وهو حجم ثروة هائلة يمكن للعراق من خلالها حل كافة العقد والأزمات المالية والاقتصادية وبالاعتماد المباشر على الإمكانيات الذاتية فيما إذا توفرت الإرادة الوطنية الصادقة لذلك .


الأطر القانونية للنفط بعد عام 2003 :


1- أن قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد حسم في بنوده القانونية موضوع أدارة النفط حيث تضمّن بند الاختصاصات الحصرية للحكومة الانتقالية (( إن الثروات الطبيعية من صلاحية الحكومة الانتقالية حصراً )) ، كما تضمن بنداً واضحاً وصريحاً في (( أن التشريعات الصادرة من قبل السلطات التشريعية الاتحادية تعلو على أية تشريعات أخرى صادرة من سلطة تشريعية أخرى )) .. بينما نجد في بنود دستور عام 2005 ( النافذ المفعول حالياً ) أن هناك تراجعاً خطيراً عن هذا الموضوع حيث جاءت بنوده بشكل مغاير تماماً لذلك وهي مليئة ومفعمة بشتى العبارات الملغومة ومنها ما يخص الثروة النفطية .


2- لم نجد ما يشير إلى مركزية الدولة الاتحادية في أدارة الثروة النفطية في منطوق المادة ( 107 ) من الدستور والمتضمنة الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية .


3- المادة ( 108 ) من الدستور تذكر أن (( النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات )) ، حيث أقحمت عبارة ( في كل الأقاليم والمحافظات ) في نهايتها لتعطي معنى مطاطياً في التفسير ومشوشاً في المعنى .


4- جاء في المادة ( 109 – أولاً ) : (( تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة )) ، ولا أدري ماذا يقصد المشرع بعبارة ( الحقول الحالية ) ؟ هل المقصود بها الحقول النفطية الـ ( 17 ) فقط التي تشرف عليها وتديرها في الوقت الحاضر شركة النفط الوطنية العراقية أم أن الأمر يمتد إلى الحقول المكتشفة وغير المنتجة في الوقت الحاضر ؟ وهل ستطول أدارة الدولة الاتحادية الحقول النفطية التي ستكتشف لاحقاً أم لا ؟ .. أسئلة كثيرة تطرح وتبقى مفتوحة بلا إجابة واضحة في سياق هذه المادة المبهمة .


5- المادة ( 110 ) تتكلم عن الاختصاصات المشتركة بين السلطة الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات وتشمل أمور عدة منها ( رسم سياسة التنمية والتخطيط العام ) والتي يفهم منها أن النفط هو العنصر الفاعل في رسم أي سياسة تنموية للبلد والذي يكون من الناحية القانونية من ضمن الصلاحيات المشتركة بين السلطات أعلاه .


6- المادة ( 111 ) تحدد توزيع الصلاحيات التشريعية بين المركز والأقاليم والمحافظات حيث تنص : (( كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ، والصلاحيات المشتركة الأخرى بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما )) ... وهذا يعني أن هذه المادة قد حسمت من الناحية القانونية جدلية موضوع أدارة النفط والغاز برمته وخلصّت المشرّع من الكثير من خلط الأوراق وطرق الالتفاف والألتواءات القانونية حيث منحت هذه المادة وبشكل واضح وصريح السلطة النهائية في أدارة النفط والغاز لسلطات الأقاليم والمحافظات ، ومن هنا يظهر جليا أن للأقاليم والمحافظات الكلمة النهائية في صياغة سياستها النفطية وهو أمر يثير الاستغراب ، فكيف بدولة تدار دفتها وتخطط سياساتها الاقتصادية والتنموية والكلمة الفاصلة والقرار النهائي في أدارة أهم ثرواتها التي تخص الأجيال الحالية والمستقبلية مشتت وممزق بيد الأقاليم والمحافظات المنتجة في أشبه ما يكون في كانتونات حكم ذاتي نفطي ؟ ثم أي تنمية وطنية يمكن الحديث عن بناءها والقرار النهائي لسياسة التنمية والتخطيط بيد سلطات الأقاليم والمحافظات ؟ وهو الأمر المضحك المبكي في هذا البلد ، فالآن وحسب بنود الدستور الحالي يستطيع أي إقليم أو محافظة أن يصدر قانونه النفطي الخاص به ويتعاقد مع من يشاء من الشركات الأجنبية وبأي شروط كانت لاستثمار حقوله النفطية دون الرجوع وحتى التشاور مع وزارة النفط أو السلطة الاتحادية وكذلك يمكن لتلك الأقاليم والمحافظات تضمين قوانينها الخاصة باستقطاع نسبة من عوائد النفط المصدر من حقولها بدعوى تخصيصها لتطوير هذا الإقليم أو تلك المحافظة ما دامت الأولوية لها في هذا الموضوع على قوانين السلطة الاتحادية والتي قد تفضي الحالة إلى نوع من التسابق في أنتاج النفط إضافة إلى الاحتمالات العالية للفساد المالي والتي ستضيع ثروة العراق كاملة في خضم هذه الفوضى المميتة .


7- أن المسودة العربية المعلنة في 15/1/2007 لقانون النفط والغاز تشير إلى وجود أربعة ملاحق لهذا القانون لكنها لم تظهر مع مسودة القانون عند نشرها ، وهذه الملاحق من الناحية القانونية هي جزء لا يتجزأ من القانون ذاته وقد تكون ذا أهمية كبيرة وتتضمن فقرات عالية السرية يُخشى من أن تمرر تحت جنح الظلام وبدون عرضها على الرأي العام والمختصين منهم .


8- أن العمل وفق مسودة قانون النفط والغاز المعلنة هو أجراء خارج الأطر القانونية المعروفة وخرق دستوري واضح لأن القانون المذكور لازال في طور المسودة المعروضة على مجلس النواب والتي لم يتم المصادقة عليها لحد الآن ..


أما جولة التراخيص نفسها فهي جزء من القانون أعلاه والذي لم يكتسب الصفة الشرعية . أما تبرير البعض بأن أجراء جولة التراخيص تلك تمت وفقاً لقانون النفط السابق والذي لازال نافذ المفعول والذي أجاز التعاقد مع شركات نفط أجنبية وحيث تم العمل في هذا المجال قبل وقوع الاحتلال بسنوات عدة ،ونرد عليهم بأن النظام السابق قد أجاز التعاقد بعقود خدمة نفطية لقاء أجور خدمة واضحة ولمدد محددة ( وليس إلى 20 و 25 سنة ) وفي حقول معينة خارج رقعة أنتاج وعمل شركة النفط الوطنية العراقية والى شركات من دول محددة منها ( روسيا وفرنسا والصين ) بهدف إيجاد مساحة واسعة لدعم الشعب العراقي أثناء الحصار الجائر ، لذا فأن التراخيص النفطية بصورتها الحالية تمثل عقود أنتاج وليس عقود خدمة وهي تجاوزاً وخرقاً قانونياً وتشريعياً .


9- أن عقود مشاركة الإنتاج تمثل بحد ذاتها بوابة لإثارة مشاكل مالية بوجه العراق وخاصة في ظروف العراق الحالية والتي ستزيد من خطورة هذه المشاكل ، فالشركات الأجنبية لا تنتظر طويلاً لاستعادة أموالها المنفقة بموجب نفط الكلفة ، لذا فأنها ستمارس ضغطاً لاسترجاع نفقاتها خلال فترة قصيرة مقابل هبوط حصة الدولة العراقية من عوائد النفط ، وذلك من خلال الأساليب والمنافذ التالية :


أ‌- أن الأحوال الأمنية المضطربة التي تسود العراق تساعد تلك الشركات على المطالبة بتعويضات متكررة عن تلك المخاطر والتي من المحتمل أن يطول مداها وتتعمق آثارها وخاصة مع وجود محتل أجنبي على أرض العراق .


ب‌- كما ستعمل هذه الشركات بكل جهدها على تضخيم نسبة التكاليف والمصاريف الدفترية التي تنفقها لاستخراج النفط وبصورة مبالغ فيها وبطرق محاسبية معقدة جداً بهدف تعظيم عوائدها المالية مقابل هبوط إيرادات العراق وخاصة أن المادة (5- ث – سابعاً ) قد أناطت بوزارة النفط ومن خلال لجانها التدقيقية مسؤولية ’’ مراقبة العمليات النفطية والتحقق من التكاليف التي يتم تكبدها من قبل حاملي التراخيص ،، ... والكلام هنا عن مليارات الدولارات كاستثمارات أو عوائد مالية والتي عندها ستكون هذه الشركات سخية جداً في شراء ذمم تلك اللجان وغيرها من أجل أقرار الترتيبات التي تناسبها وبالشكل الذي يضمن مصالحها المالية .


ت‌- كما ستعمل تلك الشركات على التوسع في الإنتاج بهدف تحقيق أعلى عوائد مالية لها واختصار زمن استرداد أموالها المستثمرة بأقرب وقت ممكن دون أن تأخذ بنظر الاعتبار التزامات العراق بسقف أنتاج وتصدير محدد في أطار منظمة أوبك ، والذي سيؤدي هذا التوسع إلى إغراق السوق النفطية في حالة عدم التنسيق أو الاختلاف مع دول منظمة أوبك ، حيث ستتحرك هذه الشركات ومن ورائها حكوماتها في معارضة تقليل أو تقنين الإنتاج وبالتأكيد ستكون هناك ضغوطات سياسية واقتصادية وعسكرية وبذل المزيد من الرشاوى ونشر الفساد المالي للتأثير على ذوي السلطة والقرار من الحكومة العراقية لإعطاء مرونة في التغاضي عن فقرة تقنين الإنتاج جزئياً أو كلياً .. وبذلك سيكون وضع العراق المرتبك هو نقطة القوة للشركات وهو بذات الوقت نقطة الضعف للجانب العراقي الذي سيكون مضطراً لقبول أملاءات وشروط تلك الشركات وحكوماتها .


9- أن أبسط مفهوم للتراخيص النفطية هي عطاءات تنافسية للحصول على عقود أنتاج أو خدمة نفطية لحقول منتجة وغير مستغلة أو لحقول جديدة غير مكتشفة سابقاً وحسب شروط وترتيبات فنية وإدارية بهدف الوصول إلى طاقة إنتاجية محددة. إلا أن ما أعلنته وزارة النفط العراقية في جولة التراخيص الأولى يوم الثلاثين من حزيران 2009 يثير أسئلة عديدة بخصوص الرقم المستهدف للإنتاج النفطي في العراق ، حيث صرح وزير النفط (( أن الإنتاج المستهدف من قبل الوزارة هي زيادة الطاقة الإنتاجية للحقول المنتجة في العراق من مستواها الحالي البالغ ( 2,4) مليون برميل/يوم إلى (4 ) مليون برميل /يوم في غضون ثلاث سنوات )) .. وهذا ما أكده مدير الأعلام الذي أضاف بأن نسبة الزيادة ستكون ( 10% ) خلال السنتين الأوليتين ثم ترتفع إلى (25 % ) في السنة الثالثة .. ولكن الذي تبين يختلف عن ذلك تماماُ حيث أن العقد المبرم مع أئتلاف ( بي بي ) لاستثمار حقل الرميلة ينص على زيادة الإنتاج إلى ( 2,85 ) م ب ي { مقارنة مع مستهدف الوزارة البالغ ( 1,75 ) م ب ي } وأن مجموع عروض الإنتاج النفطي المقدمة من قبل الشركات المشاركة في هذه الجولة تتجاوز الحد المستهدف المعلن ( كما موضح في تفاصيل الجدول أدناه عن الجولة الأولى التراخيص النفطية ) وأن رفض العروض الأخرى كان بسبب الخلاف فقط في فقرة سعر الحوافز لا غير أي أن مجموع العروض المقدمة للحقول الستة فقط كان يستهدف إنتاج ما يناهز (8) مليون برميل /يوم وهذا ما يخالف مع ما صرح به وزير النفط ومسؤول أعلامها .


(( تفاصيل الجولة الأولى لبيع تراخيص النفط في عدد من الحقول العراقية والتي أغلقت بتاريخ 30/6/2009 )) وكما يلـــــي :



ت
أسم الحقل الحد المستهدف للإنتاج الحوافز ( لكل برميل يتجاوز المستهدف
الملاحظات
1 حقل الرميلة 1,850,000
برميل/يوم 2 $ أرسي العرض على تحالف ( الشركة الوطنية الصينية وبرتش بتروليوم البريطانية ) لإنتاج 2,850,000 برميل يومياً وبنفس الحافز
2 حقل باي حسن 220,000 برميل/يوم 4 $ رفض العرض المقدم لزيادة الإنتاج إلى ( 390,000 ) برميل/يوم بسبب عدم الاتفاق على الأسعار
3 حقل الزبير 400,000 برميل/يوم 2 $ رفضت جميع العروض حيث كان أعلى عرض لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى ( 1,125,000 ) برميل/يوم بسبب عدم الاتفاق على الأسعار
4 حقل ميسان 275,000 برميل/يوم 2,3 $ رفض العرض المقدم لزيادة الإنتاج إلى ( 450,000 ) برميل/يوم بسبب عدم الاتفاق على الأسعار
5 حقل غرب القرنة 600,000 برميل/يوم 1,9 $ رفضت جميع العروض
حيث كان أعلى عرض لإنتاج ( 2,325,000 ) برميل /يوم بسبب عدم الاتفاق على الأسعار
6 حقل كركوك 600,000 برميل/يوم 2 $ رفض العرض المقدم لإنتاج (825,000 ) برميل /يوم بسبب عدم الاتفاق على الأسعار

المجمـــــــــــــــــوع 3,945,000
برميل / يوم


- مجموع العروض المقدمة لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى ( 7,965,000 ) برميل/يوم



وهذا يعني :


أ‌- أن الطاقة الإنتاجية والتصديرية لنفط العراق المستقبلية سوف تصبح بحالة مهولة وكبيرة جداً ( الحالية / 2,4 م ب ي + جولة التراخيص الأولى / 8 م ب ي + الجولة الثانية .. والثالثة ... والرابعة / .. وهلم جرا ) والتي ستكون في أقل تقدير ( 20) مليون برميل في اليوم وهي بالتأكيد كمية هائلة وخارج سياق ما أعلنه المسؤولين في وزارة النفط العراقية وكذلك فوق ما تخصصه منظمة أوبك للعراق ، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تحفيز الدول المنتجة الأخرى إلى زيادة كمياتها المصدرة وإغراق السوق النفطية وتفكيك منظمة أوبك بالشكل الذي تفضي الحالة إلى تخفيض هائل في أسعار النفوط الدولية وربما انهيارها .


ب‌- أن تصبح أغلب الحقول النفطية العراقية في قبضة الشركات الأجنبية وخاصة الحقول العملاقة مثل ( حقل الرميلة ) الذي هو الآن ضمن الرقعة الجغرافية للحقول المنتجة لشركة النفط الوطنية العراقية ويبلغ أنتاجه الحالي ( 900,000 ) برميل يومياً ويعرف بأنه أعظم حقل منتج في العالم بعد حقل غوار في السعودية وتقدر احتياطياته بحوالي ( 18 ) مليار برميل وهو ما يعادل لوحده نصف مجموع احتياطيات الولايات المتحدة بأكملها ، وهذا يعني بالدرجة الأولى سحب البساط في مجال الإنتاج النفطي من شركة النفط الوطنية العراقية وعزلها وتحويلها إلى شركة قابضة مهمتها الأشراف والمتابعة مع الشركات الأجنبية في الحقول العراقية المستثمرة .


ت‌- لذا يتضح مما تقدم أن ما يسمى بجولة التراخيص وغيرها لا تمثل أجندة عراقية بل هي أجندة أمريكية تعكس مصالح وأهداف الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية في النفط العراقي التي هي أهم أهداف أمريكا في احتلالها العراق والذي أصبح أمراً واضحاً لكل مدرك لألاعيب أمريكا والغرب في الاستحواذ على نفط العراق وتحطيم منظمة أوبك وكسر ما يسمونه بالسياسة الاحتكارية لمنظمة أوبك ، وهذا ما صرح به وكتب عنه الكثير من الساسة والكتاب الغربيين قبل الاحتلال وبعده .. فقد أوضح أحد الكتاب الأمريكان بعموده اليومي : ( لو كان العراق بلد منتج للموز لما أهتم به أحد ولكنه بلد منتج للنفط !! ) .. ويقول أحد مدراء شركات النفط الأمريكية العملاقة قبيل الاحتلال : (نحن نعرف أين تقع أحسن الحقول النفطية العراقية وننتهز الفرصة للحصول على قسم منها ) .. وزلماي خليل زاده يصرح في تشرين ثان 2006 عندما كان سفيراً للولايات المتحدة في العراق : ( أننا نعمل على مساعدة القادة العراقيين على أكمال ميثاقهم الوطني وعلى القوى السياسية الأساسية أن تأخذ قرارات صعبة في الأسابيع القادمة .. سن قانون للنفط .. وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية ).


ث‌- أن أمريكا لا تخجل أن تقول أن العراق مستعمرة رسمية لها ولكنها تحاول كل جهدها أن تجمل وجهها في كارثة احتلال العراق وتدميره والتنصل منها من خلال الإمعان في تضليل الرأي العام في خطابها ألأعلامي وتجيير مجريات الأحداث بوجه العراقيين والحكام التي نصّبتهم بعد احتلالها العراق ، حيث تريد دائماً أن توحي للعالم أن العراقيين يديرون الآن بلدهم وهم أحرار في اتخاذ القرارات التي تخص بلدهم في أطار من الديمقراطية والإرادة الحرة !! .. فالعراقيين هم الذين سرقوا ونهبوا بلدهم وقد شاهدهم العالم عبر شاشات التلفزيون ، والعراقيين اختاروا المحاصصة الطائفية والعرقية وكذلك النظام الفيدرالي ألتقسيمي عبر مكوناتهم السياسية الجديدة ، والعراقيين هم الذين صنعوا دستورهم وكتبوه بيدهم واستفتوا على بنوده ، والعراقيين هم من حاكموا قادة النظام السابق وأعدموا رموزه الوطنية ، وأن العراقيين هم الذين أقروا قانون النفط والغاز وسمحوا لهم بالمشاركة من خلال إصدار قانون ينقض قوانين التأميم السابقة .


ج‌- لذا لابد أن ندرك أن كافة القرارات الصادرة من سلطات الاحتلال وحكوماته المتعاقبة كانت وستكون تحت ضغط المحتل ووفق منهجه ومشروعه الأحتلالي الذي جاء من أجله والتي لابد أن تصب في مصلحته أولاً وقبل كل شيء ومنها قانون النفط والغاز الذي يتعلق برهن مصير العراق وثرواته الوطنية بيد المحتل وشركاته الاحتكارية ولعقود طويلة قادمة .


ح‌- ومما تقدم يمكننا وببساطة استيعاب وأدراك مسألة النفط في العراق بأنها ليست بالغة التعقيد كما يتخيل للبعض وأن المشكلة الحقيقية لهذا القطاع تكمن في حاجته الماسة إلى تحديث وتطوير معداته وآلياته وأجهزته التقنية ليكون قادراً على الإنتاج وتأهيل صناعته النفطية ومنها مراحل ما بعد الإنتاج من تكرير وتصفية ، أن ما يستورده العراق الآن من مشتقات نفطية والبالغة أكثر من ( 500 ) مليون دولار شهرياً وهذه الأقيام الضخمة التي يخسرها العراق سنوياً تعادل بناء عدد من المصافي فضلاً عن مصادر الثروة العراقية التي نوهنا عنها سابقاً والقادرة بتوظيفها  ووفق منهج وطني سليم من أعادة تأهيل القطاع النفطي بأكمله وزيادة الطاقة التصديرية للعراق إلى أكثر من ( 5 ) ملايين برميل يومياً بجهود وقدرات وطنية صرفة وبدون الحاجة إلى قانون نفط أو استثمار أجنبي في هذا القطاع الحيوي .


السياسة المالية والنقدية


لقد عكست مرحلة ما بعد عام 2003 رؤية ومعرفة ضبابية لمفهوم السياسة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة لدى الأوساط الحاكمة والمسؤولة عن تلك الملفات وعن نظام مالي ونقدي مرتبك وقاصر وقيادة مالية بعيدة عن فهم دور السياسة المالية والنقدية في الحياة الاقتصادية ... فالعراق يفتقر إلى قاعدة معلومات دقيقة ومتكاملة عن الاقتصاد العراقي بجميع مجالاته يمكن الاعتماد عليها من أجل وضع الافتراضات واستنباط النتائج اللازمة في وضع مفاتيح الحلول للمشاكل الناجمة ، كما أن الخطة الاقتصادية الإستراتيجية بعيدة المدى مفقودة تماماً ويتم اعتماد خطط سنوية يتم وضعها وتقدير إيراداتها ونفقاتها السنوية في ضؤ موارد النفط المصدر وعوائده المالية المخمنة ، كما أن السياستين المالية والنقدية اللتين يفترض أنهما ينبعان من متطلبات الخطة الاقتصادية العامة للدولة ويصبان فيها لم نجد لهما أثر في ذلك وأهم ما يؤشر هو ضعف التنسيق بل التباين والتعارض بينهما وأن كل منهما يشد باتجاه يختلف عن الآخر .


السياسة النقدية :

فالسياسة النقدية التي يضعها البنك المركزي العراقي في الوقت الحاضر عبر أدواته النقدية هي سياسة نقدية انكماشية فيما الاقتصاد العراقي يمر بحالة التضخم ألركودي لذا فأن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي إلى زيادة نسب الادخار ويعد معوقاً للاستثمار في كافة مجالاته الأمر الذي يتطلب أصلا أتباع سياسة نقدية توسعية محسوبة عبر تخفيض أسعار الفائدة والانفتاح في تشجيع الاستثمار المحلي وزيادة القروض والسلف للقطاعات الإنتاجية والخدمية الفاعلة في الاقتصاد الوطني ، أما ما يتعلق بسعر صرف الدينار العراقي في السوق المحلية الذي يعتبره البنك المركزي المؤشر الأساس الذي يكشف أداء الاقتصاد وصحة برامجه فمن المعروف أن وفرة الاحتياطيات النقدية بالعملة الأجنبية التي تراكمت لدى البنك المركزي والمتأتية عن عوائد تصدير النفط العراقي بعد الاحتلال كانت عاملاً أساسياً في هذا التثبيت المؤقت عن حدود معينة وأن عمليات السوق المفتوحة التي أتبعها البنك في بيع العملة الأجنبية بالمزاد اليومي والذي يصرح مسؤولي هذا البنك بأنها تؤدي مفعولها باتجاهين الأول : المحافظة على توازن الكتلة النقدية في التداول من خلال سحب الدينار العراقي الفائض عن حاجة السوق المحلية ،


والثاني : توفير السيولة النقدية اللازمة للتجار ورجال الأعمال بالعملة الأجنبية لتغطية احتياجاتهم في استيراد السلع والخدمات ..إلا أن أغلب المراقبين الاقتصاديين يرون إن آثار هذا الأجراء يبقى مؤقتاً ومرهوناً بحجم وتواصل تلك المزادات اليومية التي يطرحها البنك المركزي في البيع اليومي والتي تؤدي سلباً في استنزاف الرصيد الوطني من العملة الأجنبية المستحصلة عن بيع النفط عبر عمليات هروب رؤوس الأموال إلى خارج العراق نتيجة ضعف الاستثمار واختلال بنية القطاعات الإنتاجية وضعف الوضع الأمني في العراق ومما يدلل على ذلك ما تشهده أسواق الدول المجاورة على ذلك .


أما ما يتعلق بالتضخم الاقتصادي الذي يعانيه الاقتصاد العراقي والذي لازالت نسبه مرتفعة حيث بلغت معدلاته حالياً أكثر من ( 30%) والذي يجب على البنك المركزي أولاً مغادرة المفهوم الخاطئ الذي أتبعه هذا البنك في تشخيص أسباب هذا التضخم في كونها أسباب نقدية بالدرجة الأولى وخاصة بعد رفع الحصار وقيوده في تصدير الثروات النفطية الوطنية وما آلت إليه من عوائد مالية ضخمة ممولة للميزانية الحكومية ، فبالرغم من أن التضخم النقدي هو أحد وجوه التضخم الاقتصادي العام إلا أن النسبة الأكبر المؤثرة في معدلاته ذات أسباب ناجمة عن أختلالات في الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني مما يستوجب الاهتمام أولاً بتنمية القطاعات الإنتاجية الفاعلة في هيكل الاقتصاد الوطني التي تؤدي بدورها الفاعل في توفير السلع والخدمات الضرورية للمجتمع وتقليل الاعتماد على الاستيراد والحد من آثار الضغوط التضخمية وخاصة التضخم المستورد .


السياسة المالية :


من اللافت للنظر إن السياسة المالية في العراق تعمل وفق النظرية الاقتصادية القائلة إن زيادة الأنفاق الاستهلاكي الحكومي يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع المنتجة محلياً وازدهار القطاعات الإنتاجية المحلية .. إن هذا التوجه النظري قد ينطبق على اقتصاديات الدول التي بلغت تطوراً معيناً وتمتلك القواعد الإنتاجية الفاعلة ونمطاً اقتصاديا واضح المعالم والذي لا ينطبق بدوره على حالة العراق في الوضع الراهن المتميز أصلاً بضعف القاعدة الإنتاجية في مجالي الزراعة والصناعة إضافة إلى تدهور البنية التحتية اللازمة لمساندة القطاعات الإنتاجية الفاعلة .. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الطلب مما دفع إلى التوسع في الاستيراد وهذا ما حصل فعلاً في الاقتصاد العراقي الذي تحول بدوره إلى ضاغط باتجاه سلبي على الإنتاج المحلي المتدهور أصلاً ليزيده عمقاً وأتساعاً . ثم إن السياسة المالية في العراق بعد عام 2003 اعتمدت على موارد النفط وعوائده السنوية بشكل أساسي لتمويل الميزانية وتغطية النفقات المطلوبة بدلاً من البحث على موارد أخرى مستحصلة لخزينة الدولة مثل الضرائب وتفعيل دور الضريبة في الاقتصاد الوطني وكذلك دون اتخاذ إجراءات عملية لتوظيف جزء من هذه العوائد في تنمية القطاعات الإنتاجية الفاعلة في الاقتصاد الوطني وبعكس ذلك فقد أتبعت سياسة توسعية ( غير نوعية ) بتغليب النفقات التشغيلية على الاستثمارية في أعداد وتصميم وتنفيذ موازناتها السنوية كما يظهر من الجدول أدناه :



السنة تخصيصات الميزانية
( مليار دولار ) نسبة النفقات
التشغيلية نسبة النفقات
الاستثمارية
2003 6,1 100% -
2004 13 100% -
2005 25 88% 12%
2006 34 79% 21%
2007 41 78% 22%
2008 80 72% 28%
2009 63,3 80% 20%


ثم أن ضعف الكفاءة والخبرة في رسم السياسة المالية قد أسهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية وجعلت الخطط المالية مشوهة وسلبية وذات دوافع غير اقتصادية فوزير المالية الحالي هو شخص ( مهندس مدني كما يزعم ) أي خارج نطاق الخبرة المالية ثم أن الطاقم الوظيفي الحالي كان أغلبهم من موظفي المستويات البعيدة عن رسم الخطط المالية وإلا كيف نفسر أن الموازنة المالية التخطيطية لعام 2009 قد تم وضع تخمين إيراداتها النفطية الممولة لتلك الموازنة اعتمادا على سعر تصديري بـ ( 70 ) دولار/برميل والذي تهاوى سعره مع بداية تنفيذ الخطة السنوية إلى حدود (45) دولار/برميل  مع أن أي اقتصادي متابع يعرف إن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وبلوغه أكثر من ( 160 ) $/ برميل هو سعر غير واقعي أصلاً ومنفوخ لأسباب سياسية وهو خارج سياق السعر الحقيقي لسوق النفوط الدولية . وهذه الحالة من ضعف الخبرة والكفاءة المالية والإدارية لا تقتصر على الجانب التخطيطي بل تشمل كذلك الجانب التنفيذي لتلك الخطط الذي تضطلع به الوزارات ومجالس المحافظات والذي تميز خلال السنوات المنصرمة بنسب تنفيذ متدنية في الخطط الاستثمارية حيث أوردت تقارير مكتب المحاسبة الأمريكية إن نسبة التنفيذ لا تتعدى بين ( 5 – 10 % ) من التخصيصات الاستثمارية المقررة في عموم الموازنات للسنوات السابقة وبالتالي أعادة الفوائض المالية المخصصة لمشاريع المحافظات إلى وزارة المالية سنوياً نتيجة للتلكؤ في البرامج الاستثمارية و ضعف التنفيذ وغياب الكفاءات الوطنية الحريصة والمخلصة كما أن تأخر أطلاق التخصيصات المالية ووصولها إلى حسابات الوزارات والمحافظات إلى ما بعد الشهر الرابع أو الخامس من كل سنة قد أسهم كذلك بتدني وضعف مستوى التنفيذ .


الآن وفي ظل تلك السياسات القاصرة فأن الاقتصاد العراقي يعتمد على قناتين فقط : قناة التمويل من إيرادات النفط وقناة الاستيراد لسد متطلبات الحاجة المحلية من السلع والخدمات بحيث أمست ثقافة الاستيراد من الخارج هي محور القائمون على أدارة الملف الاقتصادي والتي تفاقمت سنة بعد أخرى بحيث ارتفعت أستيرادات العراق من حوالي ( 8 ) مليار $ في العام 2004 إلى حوالي ( 24 ) مليار $ في العام 2007 وليس من المستغرب أن نعرف بأن قيمة مستوردات العراق من معجون الطماطم يصل إلى ( 100 ) مليون $ سنوياً !! وأصبح العراق يستورد كل شيء حتى المشتقات النفطية من دول الجوار (بعضها دول غير منتجة للنفط) حيث بلغت تلك المستوردات في الأعوام السابقة ثلث إستيرادات العراق ( وهذا ما صرح به د. مظهر محمد صالح / مستشار محافظ البنك المركزي العراقي ) .


وفي ضؤ ذلك تزداد حملات الهجمات الإعلامية وإلقاء أعباء الفشل بين أقطاب المسؤولين عن الملف الاقتصادي التي تعكس واقع الفوضى والتخبط وعدم التنسيق .. فوزارة المالية تهاجم وزارة النفط وتحملها مسؤولية العجز في موازنة عام 2009 متهمة إياها بعدم القدرة على زيادة كمية التصدير رغم استثناء العراق من حصص إنتاج سقف دول أوبك مما أسفر عن عجز بلغ نسبته ( 10% ) في تلك الموازنة .. ووزير التخطيط د. علي بابان يهاجم البنك المركزي العراقي ويعتبر انتهاجه سياسة البيع بالمزاد اليومي أسلوب لاستنزاف فوائض العوائد النفطية وتشجيع تهريب موارد البلد من العملة الأجنبية .. ووزارة الكهرباء تحمل وزارة النفط المسؤولية في انخفاض القدرة على توليد الطاقة الكهربائية لعجز الأخيرة عن تجهيزها بكميات الغاز اللازمة لتشغيل محطات التوليد . وهكذا .........


وكل ما يمكن القول إن اقتصاد العراق في ظل هذا التخبط والارتباك هو اقتصاد أحادي متدهور تسوده الفوضى وعدم الانتظام بل هو اقتصاد معطل وغير فعال .



الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها


النظام الاقتصادي الرأسمالي يحمل بذاته جذور أزماته وذلك بسبب الطبيعة التكوينية لهذا النظام المبني على الجشع واستلاب خيرات الشعوب بما تستوجب العوامل المحركة لآليات هذا النظام وجود أنفاق عسكري يتناغم مع شراهته في التوسع واستعباد الشعوب ، فالولايات المتحدة الأمريكية قد تصدرت العالم في المصروفات العسكرية كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية وبلغت مرحلة النمو الحاد في الأنفاق العسكري بعد التفرد القطبي وخاصة خلال فترة رئاسة بوش الأب والابن حيث بلغ حجم الأنفاق العسكري عام 1998 حوالي ( 334 ) مليار دولار ليقفز هذا الرقم عام 2007 إلى ( 547 ) مليار دولار ثم إلى ( 607 ) مليار دولار عام 2008 ، وبنسبة زيادة قدرها ( 45 % ) عن العقد الماضي حيث تمثل الولايات المتحدة وحدها نسبة ( 42% ) من الأنفاق العسكري العام لكل دول العالم وذلك بهدف تلبية الحاجة الجامحة لتغطية تكاليف الحروب والمؤامرات وشراء الذمم في كثير من دول العالم ثم الحرب واحتلال كل من أفغانستان والعراق واستمرار الحرب فيهما لحد الآن ( علماً أن الولايات المتحدة تنفق مبلغ 16,5 مليون دولار في كل ساعة خلال فترة احتلالها العراق لوحده) ، مع تواصل الحرب المعلنة ضد ما يسمى بـ ( الإرهاب ) إلى جانب الاستعداد لحروب محتملة في عدد من نقاط التوتر الدولية ، والذي يقابل كل هذا عجزاً متواصلاً في الميزانيات العامة للولايات المتحدة ومنذ سنوات عدة . بما أفضت الحالة إلى أن يكون قلب هذا النظام هشاً ومتصدعاً على الدوام وآيل للتأثر بأية أزمة تضاف إلى أزماته .


إن الأزمة المالية الحالية تعود أسبابها إلى سؤ الإدارة المالية التي نجمت عنها أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت عندما أقدمت البنوك الأمريكية المتخصصة بالعقارات على شراء العقارات أو بناءها بسعر فائدة منخفض مما شجع مئات الآلاف من المواطنين من ذوي الدخل المحدود على زيادة الطلب على العقارات والتي أدت إلى ارتفاع أسعارها مما دفع مالكي العقارات للحصول على قروض لمواجهة ارتفاع أسعار عقاراتهم وأقدام البنوك العقارية على رفع سعر الفائدة على تلك القروض بما أدى إلى عجز المشترين لتك العقارات عن تسديد القروض وقيام البنوك بحجز تلك العقارات وبيعها . وأمام هذا الوضع ساد جو من الخوف في أسواق المال وفي أوساط المستثمرين في العقارات مطالبين بسحب استثماراتهم التي عجزت الشركات العقارية والمصارف عن سدادها . ولمواجهة الأزمة أضطر العديد من المواطنين على تخفيض طلبهم على السلع والمواد مما أدى إلى وجود فائض في عرض السلع وأفضى الوضع المتفاقم إلى انهيار كبرى المصارف ( والتي بلغت لحد الآن 77 مصرفاً ) وإعلان إفلاس مصانع السيارات العملاقة وإغلاق الكثير من المرافق الإنتاجية الضخمة ودفع المنتجين إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين وتقليص الطلب على موارد الطاقة التي يشكل النفط أحد مصادرها المهمة وبذلك أنخفض سعر برميل النفط في الأسواق العالمية من ( 160 ) $ إلى ( 120 ) $ ثم أخذ بالهبوط السريع إلى ما يتراوح بين ( 45 – 55 ) $/برميل في مدى أشهر قليلة .


إن تشابك الأقتصادات العالمية جعل الأزمة تخرج عن حيزها العقاري إلى كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى وكذلك تتسع لتتجاوز حيزها الجغرافي لتلقي بظلالها القاتمة على اقتصاديات جميع الدول وبدرجات متفاوتة ، أي أن الاقتصاد العراقي لن يكون بمنأى عن آثارها وخاصة أنه اقتصاد ريعي مكشوف يعتمد بصورة كلية على عوائد النفط المصدر والذي يشكل حوالي ( 95% ) من إيرادات الموازنة العراقية وأن أي تأثير في أسعار النفط سينعكس سلباً وإيجاباً على إيرادات العراق النفطية ، وأمام هذا التراجع الكبير والسريع في أسعار النفوط العالمية والذي أنعكس سلباً على إيرادات العراق النفطية وموارده من العملات الأجنبية وخلق أزمة سيولة واجهت وزارة المالية العراقية فقد طلبت الوزارة قرضاً من البنك المركزي العراقي لمواجهة العجز في تمويل موازنة عام 2009 والبالغة تخصيصاتها (79 ) مليار دولار ولكن البنك المركزي رفض هذا الطلب تحت مبررات بأن الاستجابة لذلك يعني انهيار القوة الشرائية للدينار العراقي ومن ثم تعرض الاقتصاد الوطني لضغوط تضخمية جديدة تنعكس بآثارها بصورة مباشرة على ارتفاع الأسعار بشكل عام.. مما دفع وزارة المالية العراقية إلى تخفيض الموازنة العامة لعام 2009 لثلاث مرات متتالية لتستقر في حدود (3,63 ) مليار دولار بعد أن كانت ( 80 ) مليار دولار عام 2008 .


الديون الخارجية وشروط صندوق النقد الدولي


وهي من أكثر القضايا المثيرة للجدل بشقيها : الديون الخارجية والتي ترتبت على العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) وكذلك التعويضات الناجمة عن دخول الجيش العراقي للكويت للفترة من 2/8/1990 ولغاية 28/2/1991 وكما يلي :


التعويضات :

وسأتناول هذا الموضوع بالأرقام والتواريخ كاملة وبشكل تفصيلي كدليل على الظلم والإجحاف الذي لحق بالعراق وكما يلــــــــي :


أولاً : الغطاء القانوني :

1- تم أقرار تقديم التعويضات للدول والأشخاص عن الخسائر المترتبة عن دخول العراق إلى الكويت بموجب قرار مجلس الأمن ( 687 ) لسنة 1991 .


2- كما قرر مجلس الأمن بقراره رقم ( 692 ) لسنة 1991 تشكيل لجنة التعويضات تابعة له من أعضاء مجلس الأمن ( أي أن العراق لم يكن عضواً في اللجنة بالرغم من أن التعويضات تستقطع من أمواله ) وقد حددت اللجنة فترة التقديم من عام 1991 ولغاية 1996 للدول والأشخاص والشركات عن الخسائر التي تعرضوا لها بغية النظر والبت في تلك الطلبات وقد استثنت اللجنة العراقيين المتضررين من تقديم تلك الطلبات .


3- قرار مجلس الأمن رقم ( 705 ) لسنة 1991 المتضمن تشكيل ( صندوق التعويض ) تكون وارداته من استقطاع نسبة ( 30% ) من صادرات العراق النفطية .


4- تم تخفيض نسبة الاستقطاع إلى ( 25 % ) من صادرات العراق النفطية بموجب قرار مجلس الأمن رقم ( 1330 ) لسنة 2000 .


5- تم تخفيض نسبة الاستقطاع مرة أخرى وبعد الاحتلال إلى ( 5% ) من صادرات العراق النفطية بموجب قرار مجلس الأمن رقم ( 1483 ) لسنة 2003 .


ثانياُ : صادقت لجنة التعويضات على طلبات بلغت أقيامها ( 52,4) مليار دولار وقد دفع العراق لحد الآن تعويضات بحدود ( 25 ) مليار دولار من رصيده النفطي إلى الصندوق الخاص للأمم المتحدة ، والنسبة الأكبر من هذه التعويضات كانت من حصة الكويت والتي خصصت اللجنة لها مبلغ ( 41,3 ) مليار دولار وتم تسديدها مبلغ ( 11 مليار و 165 مليون و 212 ألف دولار ) لحد الآن .. إن مجمل مطالب التعويضات التي قدمت كانت مجحفة وغير منطقية وتهدف كما يبدو من الأرقام أدناه إلى استغلال الفرصة والتمادي في بشاعة النهش في الجسد العراقي وتكبيل الشعب العراقي وأجياله القادمة بقيود والتزامات تجعل العراق ضعيفاً ومتخلفاً بصورة دائمة ، وقد شاركت دول الجوار في هذه العملية والتي بلغت مستويات مضخمة بدرجة لم تتمكن فيها حتى لجنة التعويضات من هضمها وندرج أدناه على سبيل المثال بعض نماذج القوائم المقدمة من تلك الدول وقرار لجنة التعويضات بشأنها وكما يلي :


الدول المطالبة المبالغ المقدمة للتعويض المبالغ التي أقرت لجنة التعويضات منحها
الكويت 73 مليار دولار 1,5 مليار دولار
السعودية 29 مليار دولار 46 مليون دولار
إيران 11 مليار دولار 27 مليون دولار
تركيا 3,2 مليار دولار 1,8 مليون دولار


ومن جهة أخرى كانت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا تضغط على لجنة التعويضات لقبول بعض الفقرات الخاصة بطلبات التعويض لصالح دول محددة حيث تقدمت الكويت بمطالبة للتعويض بمبلغ ( 12,7 ) مليار دولار عن قيمة الصادرات النفطية الكويتية التي لم تتحقق أثناء فترة احتلال العراق لها ، في وقت كان مخزون النفط الكويتي على حاله ولم يتم بيعه لحساب العراق فحكمت اللجنة تحت الضغوط (الأمريكية – البريطانية ) بتعويض الكويت بمبلغ (16,7 ) مليار دولار أي بزيادة ( 4 ) مليارات دولار أكثر مما طلبته الكويت تعويضها عن ذلك .. كما تم تعويض الكويت عن المنشآت النفطية الكويتية المتضررة بمبلغ ( 21,5 ) مليار دولار ( والتي قصفت بطائرات بريطانية بموجب اعتراف بريطاني صريح ) بحجة أن ذلك تم بسبب وجود القوات العراقية في الكويت والتي استفادت من هذا المبلغ في نهاية المطاف الشركات الأمريكية والبريطانية من عملية إعادة البناء لتلك المنشآت وبأموال عراقية التي كانت تنهب منه تحت ذرائع التعويضات .


كما أن هناك حالات كثيرة وطلبات بالتعويض تم أقرارها من قبل اللجنة وتم تعويضها أشرت مستوى المضحك المبكي من النهب والسلب للمال العراقي وندرج بعض تلك الوقائع كنماذج من سياقات عمل اللجنة ومنها :


- كانت رواتب عمال الخدمات الآسيويين العاملين في الكويت لا تتجاوز (100 ) دولار شهرياً بموجب عقود مسجلة رسمياً ولأغراض التعويض قامت اللجنة باحتساب مبلغ ( 800 ) دولار شهرياً لكل عامل عن فترة توقفهم عن العمل أثناء دخول القوات العراقية والحرب التي أعقبتها.


- أقرت اللجنة تعويض مواطنة أجنبية كانت في رحلة سياحية في البحر الميت أثناء قصف العراق لإسرائيل بالصواريخ والتي تدعي هذه السيدة أصابتها بحالة نفسية نجمت عن سماعها هدير تلك الصواريخ .


- دولة عربية تقدمت بطلب تعويض نتيجة غيمة مرت في سمائها وأمطرت ماء ملوث بزيوت نفطية .


- قدمت شركة نقل بحري أندونوسية بطلب تعويض عن أضرار أصابت أحدى سفنها من جراء قلة إقبال الركاب على تلك السفينة للإبحار من أندونوسيا إلى أستراليا نتيجة أزمة الخليج الناجمة عن احتلال العراق للكويت .


- إدارة سينما في إسرائيل تقدمت بطلب تعويض لقلة عدد الرواد إلى السينما .


- أفراد وشركات كويتية قاموا بإحراق مخازنهم بعد تفريغها من البضائع والسلع وتقدموا بقوائم للتعويض عن المخازن والمواد التي قاموا بإحراقها .


الديون الخارجية :


حيث تؤكد الوثائق الرسمية العراقية والتصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين حكوميين في وزارة المالية والبنك المركزي العراقي قبل الاحتلال وكذلك المذكرة الرسمية التي رفعها العراق إلى الأمم المتحدة عام 1991 بخصوص ذلك تؤكد بأن أجمالي ديون العراق الخارجية بلغت ( 47,1 ) مليار دولار مقسمة كالآتـــــــي :


- ديون الدول المتقدمة : 22,6 مليار دولار
- ديون الدول الاشتراكية : 16,5 مليار دولار
- ديون الدول العربية غير الخليجية : 3,8 مليار دولار
- ديون المنظمات الدولية : 0,9 مليار دولار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجمــــــــــــــــــــــــــــــــوع : 47,1 مليار دولار


أما ديون الدول الخليجية البالغة ( 40 ) مليار دولار وأغلبها للسعودية عن شراء طائرات ميراج مقاتلة لصالح العراق من فرنسا فقد كان موقف الحكومة سابقاً عدم التعامل مع هذا المبلغ كدين على العراق واعتباره ساقطاً حسب الاتفاق بين الحكومتين العراقية والسعودية في حينها لأنه كان مخصص لشراء أسلحة في الحرب مع إيران وللدفاع عن الدول الخليجية نفسها ، علماً أن أغلب ديون دول الخليج هي في حقيقتها ليست قروض مستنديه وإنما كانت تقدم للعراق كمنح خلال عقد الثمانينات ولذلك فهي ليست ديون تعاقدية واجبة الدفع من الناحية القانونية .


وإذا أخذنا تفاصيل بعض نماذج ديون العراق الخارجية حسب وجهة نظر الدول وشركاتها الدائنة التي تقدمت للمطالبة بها :


الدولة مبلغ الدين الدولة مبلغ الدين
السعودية 30 مليار $ الكويت 16 مليار $
الأمارات 7 مليار $ الولايات المتحدة 4,2 مليار $
فرنسا 3,5 مليار $ بريطانيا 2 مليار $
الصين 4,2 مليار $ اليابان 4,7 مليار $
روسيا 14 مليار $ ايطاليا 1,7 مليار $
بلغاريا 1,7 مليار $ يوغوسلافيا 1 مليار $
ألمانيا 3,1 مليار $ كندا 564 مليون $
تركيا 800 مليون $ بولندا 500 مليون $
هنغاريا 17 مليون $ أستراليا 499 مليون $
البرازيل 193 مليون $ السويد 189 مليون $
أسبانيا 321 مليون $ هولندا 97 مليون $
كوريا الجنوبية 55 مليون $ مصر 740 مليون $
المغرب 32 مليون $


حيث نلاحظ من الجدول أعلاه كيف أن هذه الدول قد قدمت بعد الاحتلال أرقاماً فلكية وغير واقعية ومخالفة للحقيقة للمطالبة عن ديونها للعراق مثل روسيا التي أدعت بأن ديونها على العراق يبلغ ( 14 ) مليار دولار وكذلك الكويت التي أدعت بأن ديونها على العراق يبلغ ( 16 ) مليار دولار وغيرها من الإدعاءات الباطلة بحيث أصبح أجمالي الديون الخارجية المترتبة على العراق مع الفوائد المتراكمة عليها يبلغ حوالي ( 147 ) مليار دولار مقسمة كالآتــــــي :
- الدول الصناعية ( نادي باريس ) : 42 مليار دولار
- مجموعة الدول الأشتنراكية : 20 مليار دولار
- القطاع الخاص الأوربي : 20 مليار دولار
- دول الخليج العربي ( خصوصاً السعودية والكويت ) : 60 مليار دولار



الفوائد المترتبة على ديون العراق الخارجية :


أن موضوع فوائد الديون يشكل حالة فريدة من نوعها في القانون الدولي منذ إن أخضع العراق للعقوبات الاقتصادية والمالية الشاملة وللحصار الاقتصادي الشامل بموجب قرار مجلس الأمن المرقم ( 661 ) لسنة 1990 والذي يفترض من الناحية القانونية تجميد احتساب هذه الفوائد وذلك لعدم جواز العمل بالفوائد من كافة النواحي القانونية والإنسانية فحتى في القوانين التجارية الدولية عندما تواجه المؤسسة أو الشركة الإعسار أو الإفلاس فعندها يتوقف احتساب الفوائد على ديونها من تاريخ الإعلان عن ذلك .. فكيف بدولة مكبلة ومقيدة عن الإنتاج والتسويق والسداد قسراً ؟!! .


فالحصار فرض بقرار من المجتمع الدولي ( كما يزعمون ) ومن ثم فأن التأخير في خدمة الدين أي تسديد الأقساط والفوائد كان نتيجة لإرادة المجتمع الدولي نفسه ، حيث شهدت الفوائد المحتسبة تراكماً هائلاً عند فرض الحصار على العراق بينما لم تحتسب أي فوائد لصالح العراق عن الأموال العراقية التي كانت في البنوك العربية والأجنبية عن فرض الحصار والتي تم اعتبارها ومن جانب واحد بأنها أموالاً مجمدة لديهم ، فضلاً عن الجانب الإنساني في أضرار مجتمع عراقي بأكمله والتي تدعي تلك الدول وتستغيث صباحاً ومساءً في أن المواطن العراقي مظلوم وبريء وهي نفس الحجج التي استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لتبرير عدوانها ضد العراق واحتلاله حيث أكدت هاتين الدولتين في سلسلة طويلة من التصريحات قبل احتلال العراق في محاولة لتمهيد وتبرير هذا الاحتلال على أن الشعب العراقي بريء وأن هدفها تحرير الشعب العراقي من (النظام الظالم) وإدخال هذا الشعب في عهد جديد من العيش الكريم والرفاه والطمأنينة وتمكينه من الاستفادة من وارداته النفطية تحقيقاً لهذا الهدف ، كما أصدر مجلس الأمن قراره المرقم ( 23500 ) في 31/1/1992 والذي عقد لأول مرة في تاريخه على مستوى رؤوساء الدول الأعضاء في المجلس وأصدر قراره بالإجماع والمتضمن حول العراق بأن ( مجلس الأمن يساوره القلق للظروف الإنسانية للشعب العراقي الذي أضطر إلى المعاناة بسبب قرار قادته دون خطأ أرتكبه هو نفسه ) .


معالجات الحكومة العراقية الحالية :


لقد كان حرياً بالحكومات العراقية اللاحقة في ظل الاحتلال أن تعمل بكل جد ووضوح على مطالبة مجلس الأمن بوقف عمل لجنة التعويضات فوراً وتحميل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية العمل :


أ‌- على ضرورة استخدام نفوذهما الدولي والضغط باتجاه إلغاء التعويضات والديون المترتبة على العراق والاستفادة مما جاء بتصريحات ووعود المسؤولين والتأكيد على تنفيذ ما جاء بخصوص العراق في قرار مجلس الأمن رقم (32500 ) لسنة 1992 .


ب‌- العمل وبكل شجاعة على تحميل كافة الدول التي شاركت بالعدوان والاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر ومطالبتها بتعويض العراق عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية جراء الحرب والاحتلال والذي تم بمخالفة للشرعية الدولية وتحدياً لمجلس الأمن .


ت‌- ضرورة العمل على مطالبة إسرائيل للحصول على تعويضات مالية بسبب قصفها وتدميرها المفاعل النووي العراقي في حزيران 1981 استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم ( 487 ) لسنة 1981 .


إلا أن هذه الحكومات التي ولدت في ظل الاحتلال ولكونها متشبعة بعقلية التبعية والخضوع للغازي المحتل وفاقدة للأصالة الوطنية والجرأة في الحرص على المطالب الوطنية فهي لم تجرأ على ذلك وأتبعت أسلوب التوسل في معالجة هذا الموضوع المهم والحساس وكما يلي :


فيما يخص التعويضات :


لم تنفع إجراءات الحكومة الحالية من خلال الاتصال بالدول طالبة التعويض وإرسال الوفود لإقناعها بإلغاء مبالغ التعويضات المتبقية أو إلغاء لجنة التعويضات التي لازالت تعمل وتحمّل العراق كافة تكاليفها من رواتب موظفيها والنفقات الإدارية الأخرى ، بل زادت هذه الدول في تعنتها وإصرارها على عدم التنازل عن مبالغ التعويضات المقررة لها . في حين كان يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا وقف عمل لجنة التعويضات وإلغاءها وإلغاء موضوع التعويضات برمته بكل بساطة إن أرادت ذلك ولمست هناك جدية وإصرار من الجانب العراقي على ذلك ، أن الأجراء الوحيد الذي عملته دول الاحتلال هي تخفيض نسبة الاستقطاعات لتلك التعويضات من ( 25% ) إلى ( 5% ) من الواردات النفطية للعراق .


فيما يخص الديون الخارجية :


لقد كان موقف الحكومة العراقية الحالية فيما يخص معالجة الديون الخارجية للعراق مع الدول الدائنة يتجاوز وصف الضعيف والهش إلى الموقف السلبي الذي يضيف على كاهل الشعب العراقي إيلاماً وثقلاً على وضعه المتعب أصلاً فهي لم تتخذ موقفاً صلباً لإنهاء موضوع الديون وغلق هذا الملف نهائياً من خلال العمل الجدي على تحميل الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية الالتزام بوعودهما وضرورة استغلال نفوذهما بالضغط على الدول الدائنة لإجبارها على إلغاء وشطب ديونها على العراق ، بل انتهجت الحكومة العراقية الحالية الأسلوب الضعيف بالتوسل لدى منظمات بروتن وودز المالية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ) التي وجدت هذه المنظمات ضالتها في أن تضع العراق تحت قبضتها وإجباره على القبول بشروطها المعروفة بـ ( الوصفة الجاهزة ) والمتضمنة المبادئ الأساسية للسير في الإصلاح الاقتصادي والإداري كمدخل في قبول معالجة ديونه ومنحه القروض اللازمة إذا أثبت العراق التزامه بكل فقراتها عندها تقرر منحه شهادة حسن السلوك والسيرة وفقاً لمحاورها الرئيسية الثلاث وهي :


1-- تحرير التجارة : أي رفع كافة القيود الكمركية والإدارية التي تمنع وتعيق انتقال السلع والبضائع ورؤوس الأموال من والى العراق .


2- خصخصة القطاع العام : أي تحويل المؤسسات الاقتصادية الحكومية إلى مؤسسات خاصة بضمنها القطاع النفطي الشديد الحساسية وانفتاحه لعمليات الاستثمار الأجنبي والشركات الأجنبية الاحتكارية .


3- تقليص النفقات العامة : وذلك من خلال إلغاء الدعم الحكومي لأسعار الوقود والمحروقات المحلية وإلغاء البطاقة التموينية الغذائية والدوائية وترشيق الجهاز الإداري للدولة والضغط على فقرة رواتب المتقاعدين .. وغيرها من المصروفات .


وحسب موافقة الجانب العراقي على هذه الشروط وتعهده بالالتزام بها وفق جدول زمني فقد خفض نادي باريس ديون أعضاء النادي من الدول الصناعية ألثمان عشر على العراق من (42) مليار دولار إلى ( 7 ) مليارات دولار وذلك بشطب ( 80 % ) منها وعلى ثلاث مراحل زمنية طولها ثمان سنوات وكما يلي :


- المرحلة الأولى : شطب ( 30 % ) عند توقيع الأفاق في 21/11/2004 .


- المرحلة الثانية : شطب ( 30 % ) من الديون في مرحلة لاحقة مرتبطة بمدى التزام العراق وتنفيذه لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المقرر .


- المرحلة الثالثة : شطب ( 20 % ) من الديون والتي ترتبط بمدى نجاح العراق في امتحان الإصلاحات بتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي بشكله النهائي .


وهكذا فقد أعتبر ( عادل عبد المهدي و باقر جبر صولاغ ) هذا التخفيض إنجازا كبيراً ومكسباً جديداً وفتح الفتوح وانتصارا لا يوازيه أي انتصار آخر في العراق الجديد !! .. بينما يرى الكثير من الاقتصاديين إن هناك الكثير من الملاحظات تشوب هذا التخفيض وفي مقدمتها :


1- إن الوفد العراقي قد قبل إدعاءات الدول الدائنة بحجم ديونها على العراق واعتبر الأرقام التي قدمتها هذه الدول نهائية وأساساً في الشروع بالمفاوضات دون الأخذ بنظر الاعتبار الوثائق والمستندات العراقية الرسمية لحجم دين كل دولة والقيود المستندية التي تثبت ذلك والتمسك بها كوثائق مهمة تحفظ الحق العراقي عند المحاججة والتفاوض مع تلك الدول لكبح جماحها وتفنيد ادعاءاتها .. أو الإصرار على مطالبة الدول الدائنة التي فقدت أو أتلفت وثائقها لدى الجانب العراقي نتيجة لظروف الحرب والتدمير بضرورة تقديم وأقران طلبات ديونها بما يؤيد صحتها بوثائق سليمة وذات صفة مالية قانونية للركون إلى أرقام حقيقية لتلك الديون .


2- لم يجر شطب الدين مرة واحدة كما حدث مع (نيجيريا ) وغيرها من الدول .. بل تم تجزئة الدين إلى ثلاث مراحل وهي حالة غير مبررة وتنم عن نيات سؤ مبيته اتجاه العراق حيث تشير إلى احتمالات إعادة النظر في هذا التخفيض في أي وقت يراه الطرف الدائن وليس مستبعداً أن يتراجع بعض الدائنين عن موقفهم هذا بحجة توفر الإمكانية المالية للعراق وقدرته على الوفاء بديونه نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية أو بحجة عدم التزام العراق بتنفيذ شروط برنامج الإصلاح الاقتصادي المقررة من قبل صندوق النقد الدولي ، كما يتيح استخدام هذا الأسلوب كورقة ضغط على العراق لإجباره على تبني قرارات وإجراءات تضر بالسيادة الوطنية فمثلاً ظهرت تصريحات ورسائل من أعضاء نادي باريس عن نيتهم القيام بإلغاء قرارهم السابق بشأن تخفيض الديون ومطالبة العراق بتسديد كافة الديون المستحقة عليه في حالة عدم توقيع الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن !!


3- أن التخفيض المعلن لدول نادي باريس يحمل في طياته هولاً إعلاميا أكثر من واقعيته في التنازل عن ديونه لصالح العراق فمثلاً أن أصل دين أعضاء نادي باريس على العراق عام 1990 كان بمبلغ ( 15 ) مليار دولار وقد احتسبت فوائد تأخيرية متراكمة خلال فترة الحصار بلغت ( 27 ) مليار دولار ليكون مجموع الدين وخدمته ( 42 ) مليار دولار وإذا اتفقنا إن احتساب الفوائد التأخيرية لا يحمل صفة قانونية أو إنسانية فأن التخفيض الفعلي من أصل دين العراق لنادي باريس هو ( 5 ) مليارات دولار فقط وليس كما يدعون بأنه ( 35 ) مليار دولار !! .

 

وكذلك الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان للعراق عند فرض الحصار عليه عام 1990 حوالي ( 4 ) مليار دولار في البنوك الأمريكية ، كما كانت ديون الشركات الأمريكية على العراق ( 4,2 ) مليار دولار وقد قامت تلك الشركات بمقاضاة العراق في المحاكم الأمريكية عام 1992 والتي قضت لصالحها وتم استقطاع ديونها من المبالغ العراقية المجمدة في البنوك الأمريكية ، وهكذا فقد تم تسديد أغلب الديون الأمريكية ولم يبق بذمة العراق غير مبلغ بسيط لا يتعدى ( 200 ) مليون دولار لذا فأن إعلان الولايات المتحدة عن شطب أو تخفيض ( 80% ) من ديونها على العراق ما هو إلا كذبة كبيرة وضحك على الذقون .


3- حملت شروط صندوق النقد الدولي جملة من الإملاءات التي لا تتلائم والوضع العراقي الخاص وأغفلت تماماً الجانب الاستثنائي لحالة العراق وأخضعته لشروط بلد منتج ومستقر من كافة الجوانب ، فخفض العجز في الميزانية ( بناء على شروط الصندوق ) على حساب تقليل وضغط الأنفاق العام بإلغاء كافة أشكال الدعم الحكومي والذي يعني من الناحية الواقعية بأنه لا معالجة للأزمة العراقية وإنما تعقيدها وتفاقم أوضاع الناس وتحميل الشرائح المسحوقة الثمن الباهظ بما سيلقى على أعبائها من فرض إجراءات تقشفية ناجمة عن تطبيق هذا الشرط والذي ظهر آثارها السلبية واضحة على مفاصل السوق العراقية بارتفاع كبير في كافة أسعار المواد الضرورية نتيجة قرار رفع أسعار المحرقات المحلية حيث كان سعر (1) لتر من البنزين قبل الاحتلال لا يتعدى ( 25 ) دينار ليرتفع في 1/1/2006 إلى ( 250 ) دينار /لتر والذي يطالب الصندوق بجعله ( 750 ) دينار /لتر محسوباً على أساس سعر استيراده( حيث يتم استيراد 10 ملايين لتر يومياً ) ، هذا فضلاً عن تقزيم مفردات البطاقة التموينية بغية إلغاءها نهائياً عن العائلة العراقية وإلغاء الرعاية الصحية المجانية والتي ستلحقها الكثير من الإجراءات التي تصب بنفس الاتجاه مثل إلغاء الدعم للتعليم الجامعي المجاني ….


وغيرها .
كما أن تطبيق شروط الصندوق فيما يخص خصخصة القطاع العام وخلال السقف الزمني الذي حدده الصندوق فسيؤدي إلى خصخصة سريعة وغير مدروسة لأهم مشروعات القطاع العام تنعكس على المواطن سلباً ويعود بالعراق إلى مربع عام 1972 ويلغي آثار وإيجابيات قرارات تأميم نفط العراق .


أما القبول بعملية تحرير التجارة وفتح الأبواب لواردات العالم في بلد يفتقر إلى القاعدة الإنتاجية الرصينة والواضحة فسيؤدي حتماً إلى حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأنه يلحق الضرر البالغ بالصناعة والزراعة الوطنية ويحول العراق إلى بلد مستهلك للبضائع الأجنبية كما يؤدي إلى الأضرار بالمصالح السيادية للعراق ويضع القرارات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية تحت رحمة الصندوق ومن خلفه الدول الكبرى .. لذا فأن هذا المطب الذي وقع العراق فيه بقبول شروط الصندوق إنما تعني أن الديون قد استبدلت بصكوك وسندات رهن العراق ومستقبله الاقتصادي والسياسي ولعقود طويلة في قبضة وإرادة الدول الكبرى .


لذا يعتقد الكثير من المحللين في الشأن الاقتصادي أن العراق قد وضع نفسه في نقطة منتصف الطريق من حيث معالجة الديون فلا هو مسدد ولا هو غير مسدد لديونه ، وخلق لنفسه وضع قاتم يشوبه الغموض والتوتر جراء قبوله بشروط صندوق النقد الدولي التي تزيد حياة المواطن العراقي إيلاماً وقسوة ،حيث لا تشكل نسبة ديون نادي باريس غير ( 26 % ) من حجم الدين الكلي المترتب عليه . ناهيك أن دول أخرى مثل روسيا التي ربطت تخفيض حجم ديونها بشرط منحها معاملة تفضيلية في عقود تطوير حقول نفطية وبناء محطات توليد الكهرباء ، ودول أخرى رفضت قطعاً أي تخفيض أو إلغاء لديونها على العراق مثل الكويت والسعودية ومصر بحجج مختلفة .


ونعتقد بأن على الحكومة العراقية الحالية حسم هذا الموضوع منذ أول وهلة بأحد الاتجاهين :


1- أما الإصرار والتمسك بتحميل الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية الضغط على الدول الدائنة لإلغاء كافة الديون والتعويضات المترتبة على العراق ( كما أسلفنا سابقاً ) .


2- وأما الاعتماد على النفس في مواجهة الأمر والتصدي له بكل شجاعة وحرص وطني عبر الاتصال المباشر بالدول الدائنة كل على حدة والتباحث معها وفق الأسس والآليات التالية :


أ- فيما يخص الديون :


أولاً : محاولة أقناع الدول الدائنة بالتنازل وإطفاء كامل ديونها على العراق مقابل منحها شروط تفضيلية بمساهمة شركاتها في عقود إعادة أعمار العراق وبما يتناسب مع حجم هذا الدين .

 

ثانياً : مطالبة الدول التي ترفض إطفاء ديونها بتقديم وأقران أية مبالغ لمطالب ديونها بوثائق سليمة وذات صلاحيات مالية قانونية لإقرار وتثبيت أرقام فعلية لهذا الدين ( بدون فوائد تأخيرية ) والاتفاق على جدولة التسديد اعتبارا من 2010 ولآماد متوسطة أو طويلة .



ب – فيما يخص التعويضات :


أولاً : ضرورة إعادة النظر في المعايير التي تم فيها تقييم التعويضات من خلال تشكيل لجنة مشتركة بذلك على أن يكون العراق عضواً أصيلاً فيها لدراسة حالات طلبات التعويض غير المسددة لحد الآن وإقرار وتثبيت أرقام فعلية لها .


ثانياً : ضرورة أقران ذلك بتحرك عراقي واسع لدى المنظمة الدولية ومجلس الأمن لتخفيض نسبة الاستقطاعات السنوية لتسديد هذه التعويضات إلى ( 1 % ) من واردات العراق النفطية .


ج - ضرورة التحرك في كافة المجالات والأطر القانونية للمطالبة باسترداد وتحصيل أموال العراق المهدورة نتيجة الفوضى الأممية التي طالت العراق والنيل من ثرواته الوطنية خلال العقود السابقة واعتبارها رصيد أساسي في صندوق تسديد التزامات العراق المترتبة عليه ومنها :


أولا : الأموال العراقية المجمدة لدى المصارف العربية والأجنبية والتي تجاوز رصيدها ( 17 ) مليار دولار .


ثانياً : الرصيد المتراكم من برنامج النفط مقابل الغذاء والبالغ ( 11 ) مليار دولار والذي لم تحول الأمم المتحدة منه إلى العراق إلا مبلغ ( 161 ) مليون دولار .


ثالثاً : الاحتياطيات النقدية للدولة العراقية والتي كانت محفوظة لدى البنك المركزي والمصارف الحكومية العراقية والبالغة ( 7 ) مليارات دولار والتي استولت عليها قوات الاحتلال بعد 9/4/2003 .


د- ضرورة التحرك لتحصيل التعويضات من إسرائيل نتيجة قصف الطيران الإسرائيلي مفاعل تموز النووي العراقي وتدميره في السابع من حزيران 1981 والاستفادة من قرار مجلس الأمن رقم ( 487 ) لسنة 1981 الصادر بذلك والمتضمن حق العراق في المطالبة بتعويضات من إسرائيل ، واعتبار ذلك قضية مهمة ترتبط بحقوق العراق الوطنية .



البطالة


يعتبر موضوع البطالة في الاقتصاد العراقي من المواضيع المهمة باعتبارها نتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية استشرت وتعمقت جذورها في الاقتصاد العراقي بعد عام 2003 وأصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو تركها لآليات سوق العمل الحرة حيث أن ارتفاع معدلات البطالة يمثل أحد المؤشرات الدالة على تدهور الوضع الاقتصادي .. إن استمرار البطالة وتزايدها يعني ببساطة نمو عرض القوى العاملة بمعدل يفوق معدل نمو الناتج المحلي ألأجمالي دون أن يصاحب ذلك زيادة تنافسية في الناتج القومي الحقيقي للسلع والخدمات .


كما إن العراق بوضعه الحالي يفتقر إلى قاعدة معلومات دقيقة ومتكاملة عن الاقتصاد الوطني بجميع مجالاته ( كما أسلفنا سابقاً ) وأن البيانات والإحصاءات المنشورة من جهات رسمية غير دقيقة وحتى الإحصائيات التي قامت بها وزارة التخطيط من خلال الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات عام 2006 عن القوى العاملة والبطالة في العراق غير موضوعية وتفتقر إلى الدقة المطلوبة لاعتمادها على مسح عشوائي وليس على مسح متكامل للقوى العاملة وجاءت لتحاول تخفيف وطأة وهول المشكلة من خلال تخفيض تلك النسب بغية تجميل الوضع العام للبلد ، حيث تشير البيانات المقدمة من قبل منظمات دولية مستقلة إن معدل البطالة التامة بين السكان في العراق تبلغ بحدود ( 34,6 % ) ومعدل البطالة الناقصة  ( 37,8 % ) لكلا الجنسين ( وتعني العاملون الذين يعملون لساعات تقل عن الحد الأدنى ليوم العمل المقرر ) .. فيما بلغ معدل بطالة الشباب في الفئة العمرية بين ( 15- 24 ) سنة نسبة  ( 30,3 % ) فيما بلغت معدلات نسب تشغيل الأطفال ما بين ( 6- 14 ) سنة ( 5,3 % ) ، وأن أكثر من ( 30% ) من الشعب العراقي يعيشون حالة الفقر بينهم ( 5% ) تحت خط الفقر .


ويرى الكثير من الباحثين إن تفسير عمق ظاهرة البطالة وتفاقمها في الاقتصاد العراقي يعود إلى جملة من العوامل والأسباب والتي هي :


1- تسريح إعداد كبيرة من منتسبي دوائر الدولة ومؤسساتها الإعلامية والعسكرية والأمنية .


2- تراجع الأهمية النسبية للقطاعين الصناعي والزراعي المستوعبان سابقاً لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة وذلك لتردي وتراجع الإنتاج الزراعي وتوقف المشاريع الإنتاجية الصناعية عن العمل .


3- تلكؤ برامج إعادة الأعمار وتوجيه قسم كبير من موارد المنح والمساعدات الدولية وتخصيصات الميزانيات العامة للدولة نحو نشاطات غير إنتاجية وعدم حصول تحسن ملموس على حالة البنى التحتية الأرتكازية .


4- عدم وجود خطة مدروسة وإجراءات فعلية مؤثرة من قبل الدولة باتجاه معالجة مشكلة البطالة .


5- قيام الكثير من الشركات العاملة في شمال ووسط العراق على استقدام العمالة الأجنبية من بلدان جنوب شرق آسيا ، والأنكى من ذلك إن بعض المشاريع السياحية في العراق قد استقدمت كذلك العمال من خارج العراق للعمل في تلك المشاريع كما حدث مثلاً في محافظة بابل والذي برر رئيس مجلس المحافظة هذا الأجراء بقوله : ( أن العراقي ليس لديه القدرة على الخدمة السياحية ) !!! .


برامج إعادة الأعمار


لم يقتصر التدمير الشامل للغزو الأمريكي للعراق على البنى المادية التحتية وإنما تعداها لتدمير البنية الاجتماعية والمؤسساتية السياسية والأمنية لتفكك الدولة والحكومة والقانون وعلاقات العمل والإنتاج ولتدمر القوى الفاعلة في ضبط المناخ الأمني والسياسي والاجتماعي لتستبدلها بـ ( اللاقانون واللانظام ) في أطار منظومة تخريب شاملة تستهدف إحلال الفوضى التي تضرب أطنابها على كل الصعد وتجريد العراق من إمكانيات النهوض واستئناف النمو إلى أمد بعيد . وفي خضم ذلك ومع تغير خارطة الوضع في العراق وبروز ترتيبات وقوى جديدة في الساحة العراقية منها المقاومة الداخلية التي جعلت هناك أولويات أكثر إلحاحاً للمحتل ألا هي التخلص من كل الفعاليات والقوى الرافضة للوضع الجديد وإعادة أعمار وبناء الدولة الجديدة ومؤسساتها الفاعلة سياسياً ومادياً .. لذا بدأ الحديث عن برامج أعمار العراق في حزيران 2003 حيث عقد أول اجتماع تحضيري في نيويورك تم فيه دراسة تخمين الحاجات الفعلية من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد وممثلي بعض الوزارات العراقية تم فيه تحديد قطاعات رئيسية لتكون موضوعاً في الأعمار وهي : ( التعليم – الصحة – فرص العمل – المياه – المجاري – النقل والمواصلات – الكهرباء –الإسكان – الزراعة – الموارد المائية – المالية ) والتي قدرت تكلفة أعمارها بـ ( 36 ) مليار دولار على المدى المتوسط ، وقامت سلطة الاحتلال من جانبها بدراسة حاجات الأعمار في ( 8 ) قطاعات أخرى منها ( النفط – البيئة – الأمن - العلوم والتكنولوجيا - ... ) والتي قدرت كلفة أعمارها بـ ( 18,6 ) مليار دولار عدا قطاع الأمن والنفط والغاز . أن الصعوبة الأكبر التي واجهت هذه البرامج في بدايتها هي في تقدير ما تحتاجه تلك العمليات من استشارات ومستلزمات ووقت فالتدمير شامل لكل مفاصل الدولة والاقتصاد والمجتمع وكل القطاعات السلعية والتوزيعية والخدمية مما يتطلب جهوداً واستثمارات كبيرة جداً لإصلاح بعض أو كل مظاهر هذا التدمير ،وقد ظهرت أرقام وتقديرات صادرة من منظمات أمريكية لتكلفة الأعمار بين ( 100- 340 ) مليار دولار ولمدة ( 25 ) سنة ، وأياً كانت التقديرات فأن الحقيقة الواضحة هي أن الأعمار يحتاج مبالغ ضخمة جدا هي أكبر بكثير من الجهود المبذولةً على هذا الصعيد وخاصة في ظل التعاطي مع أوضاع معقدة جداً أختلط فيها وضع سياسي سيء وواقع أمني رديء ونوايا بعيدة عن محاكاة الواقع .. لقد تم عقد عدة اجتماعات ومؤتمرات دولية في محاولة لجمع أموال وتبرعات لأعمار العراق من الدول المانحة في صندوق إغاثة العراق وأعماره منها مؤتمر مدريد ومؤتمر العقد الدولي .. وغيرها (على خطى مشروع مارشال الذي أعاد أعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ) ، حيث رصد مؤتمر مدريد مبلغ ( 32) مليار دولار لذلك ( الولايات المتحدة / 18,5 مليار دولار – الدول الأخرى / 8 مليار دولار – المؤسسات الدولية / 5,5 مليار دولار ) .. وبالرغم من الهول ألأعلامي الذي أحاط هذا البرنامج إلا أن الدراسات تشير إلى أن نسبة ما ينفذ من برامج الأعمار هي محدودة جداً ولم تتعد ( 5% ) فقط ، حيث أن تكاليف الأمن والحماية المرافقة للجهات المنفذة قد حصدت ما بين ( 50 – 60 % ) من الكلفة وأن مجموع ما أنفق على برامج الأعمار لا يتعدى في حقيقته عن مليار دولار معظمها تم رصده لتكاليف الحماية الأمنية والبعض الآخر لتغطية مستلزمات الإدارة وتدريب الموظفين ..


تشير أحدى الدراسات المعدة من قبل وزارة التخطيط العراقية إلى أن الولايات المتحدة وحتى مطلع عام 2005 أنفقت ما مقداره ( 2,9 ) مليار دولار جرى إنفاقها كالتالـــــي :


- 1,43 مليار دولار للأمن والأجهزة الأمنية أي حوالي (49 % ) من مجموع الأنفاق.
- 145 مليون دولار للبنى الأرتكازية والمجتمع المدني أي ما يعادل ( 5% ) .
- 47 مليون دولار للموارد المائية والصرف الصحي أي نسبة ( 16 % )
- 34 مليون دولار للعناية الصحية أي نسبة ( 11% ) .
- 29 مليون دولار مصاريف أدارية للبعثة الأمريكية ومنظمة المعونة الأمريكية .
أما بريطانيا فقد أنفقت كما تشير الدراسة أعلاه ما مقداره ( 324 ) مليون باوند جرى تبويبها كالتالـــــي :
- 70 مليون باوند لم تنفق فعلاً ولكنها وضعت في صندوق البنك الدولي والأمم المتحدة .
- 24,4 مليون باوند تكاليف خدمة استشارية لوزارة التنمية البريطانية .
- 9,1 مليون باوند للقوات متعددة الجنسيات .


(( وهي طريقة غير صحيحة في حساب ما أنفق لأعمار العراق حيث تسربت مبالغ نقدية قدرها ( 103,5 ) مليون باوند لترجع إلى بريطانيا نفسها في حين تم تسجيلها وكأنها أنفقت لأعمار مباشر في العراق )) أما الإتحاد الأوربي فقد وضع مبلغ ( 182 ) مليون يورو في صندوق الأمم المتحدة والبنك الدولي لم ينفق منها في العراق سوى مبلغ ( 25 ) مليون دولار للمنظمات غير الحكومية والانتخابات وكذلك مبلغ ( 6 ) ملايين دولار مساعدات فنية .. وتقدر المبالغ التي صرفتها كوريا الجنوبية في هذا البرنامج بـ ( 90 ) مليون دولار , وكندا بـ ( 65 ) مليون دولار كندي ، في حين قدمت إيطاليا ما مقداره ( 28 ) مليون يورو معظمها لحماية وتحسين أوضاع قواتها في العراق .


بعض الحقائق والملاحظات :


1- إن ما يسمى ببرنامج الأعمار في العراق لم يظهر منه للعيان أي قدر ملموس وأن الزائر للعراق لم يجد لها أي أثراً على أرض الواقع .


2- أن ما روّج له إعلاميا من برامج الأعمار لا يتعدى فعاليات محدودة جدا تمثلت في أعمار جزئي وبسيط ً وفي أغلب الأحيان دون المواصفات المقبولة وخاصة في أعمار المدارس والمراكز الصحية والمباني الحكومية المدمرة .


3- أن ما سمي مشروعاً في لغة وأدبيات الأعمار يمكن أن يكون عملاً بسيطاً جداً لا يتعدى ( صبغ بناية مدرسة أو دهان لمقتربات جسر حديدي أو أكساء شارع فرعي صغير .. وغيرها ) وهذا ما ضخّم أعداد المشاريع بصورة وهمية .


4- تتصف عمليات التعاقد بعدم الشفافية والاحتكار من قبل الجهات والشركات الأمريكية ، كما أنها فاقدة للضوابط والآليات المتعلقة بقواعد إرساء المشاريع وكذلك للمراقبة والتفتيش ، إضافة إلى ما اتصفت به من الإنابة في التنفيذ عبر حلقات الوسطاء ، فعلى سبيل المثال فازت شركة بكتل الأمريكية حتى نهاية عام 2003 بـ ( 138 ) عقداً لإعادة الأعمار فاتخذت من عمان مكتباً لها ومنحت منها ( 102 ) عقداً من الباطن إلى شركات أخرى ومقاولين عراقيين .


5- برنامج الأعمار كان مثاراً للجدل والريبة والشك في كافة جوانبه وخططه ولكن أكثر ما أثير جدلاً حوله هو الفساد الإداري الذي أكتنف هذا البرنامج والذي أتهم فيه مسؤولين أميركيين وعراقيين ساسة وإداريين أبتداءً من الحاكم المدني ومروراً بوزراء وساسة عراقيين معروفين ، بل يتفق الجميع أن مرحلة الاحتلال وتنفيذ برنامج الأعمار قد أرست قواعد الفساد والإفساد الإداري والمالي لهذه المرحلة ، فلقد بلغت التقارير عن هذا الفساد والمقدمة للمفتش العام الأمريكي ( 272 ) تقريراً و ( 113 ) تحقيقاً بقضايا وجرائم فساد متصلة بحملات الأعمار وهي أرقام أكثر ربما من أعداد المشاريع الحقيقية التي شملها الأعمار فعلاً حيث وجد المحققون إن شركة أمريكية حصلت على ( 186 ) مليون دولار مقابل بناء ( 150 ) مركزاً صحياً في عموم العراق ولكنها بنت فقط ( 6 ) منها في بغداد بطريقة الإنابة وبنوعية رديئة وتركت الباقي وقد قبضت ثمن الجميع ، وأن شركة عراقية تقدمت بعرض لإعادة بناء جسر ديالى بمبلغ ( 330 ) ألف دولار ولكنها استبعدت عن التنفيذ وأوكلت المقاولة لشركة أمريكية بمبلغ ( 1,6 ) مليون دولار .. هذا إضافة إلى اختفاء الملايين من هذه الدولارات في صفقات تتصف بالمبالغة في أقيامها وبعضها وهمياً وان نسبة التنفيذ الحقيقية لأجمالي هذا البرنامج لا يتعدى في أغلب الأحيان عن ( 5 % ) من المشاريع المخطط لها والتي بقيت أغلبها حبراً على ورق حسب التقارير الأمريكية ذاتها .


6- أن الذين تصوروا وروجوا أن حملات إعادة الأعمار في ظل الاحتلال سوف تكون نقلة نوعية في تاريخ العراق تضعه في مستوى متقدماً اقتصادياً وصناعياً وزراعياً لا يقل تطوراً عن ألمانيا أو اليابان اللتين شهدتا حالة أعمار شاملة بعد مالحقهما من دمار في الحرب العالمية الثانية .. هؤلاء وقعوا في وهم كبير من الخلط والاختلاط وقصر النظر في بصيرتهم عن فهم وأدراك رؤية المحتل الأمريكي وتفكيره الإستراتيجي بين الحالتين لاعتبارات جيو سياسية واجتماعية عديدة تجعل كل من ألمانيا واليابان جزءً لا يتجزأ من محور المشروع الغربي بينما العراق وفي كل أحواله لابد أن يكون يوماً حاضنة عربية وجزءً ريادياً في مقدمة المشروع العربي النهضوي والذي يتقاطع تماماً مع كافة المشاريع الغربية والشرقية في المنطقة .. وهنا تبرز خطورة أي برنامج علمي نهضوي في العراق وخشية أمريكا بأن ذلك سوف ينعكس سلباً على مشروعها ومخططها في المنطقة وهي التي جاءت بكل قوتها وعنفوانها لتدمر العراق حضارة وتاريخاً .. وبذلك فأن فشل جهود إعادة الأعمار في العراق لا يعود إلى الفساد الإداري والمالي للمقاولين الأميركان والمسؤولين العراقيين فحسب وإنما في اعتقاد الكثير بأنه عمل ممنهج ومصمم في حدود الهدف الرئيسي من الغزو والاحتلال بتجريد العراق من أمكانية النهوض واستئناف النمو والتطور .


الفساد الإداري والمالي


العراقيون أصبحوا أكثر قلقاً تجاه ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي أصابت مؤسسات الدولة واستشرت عمودياً وأفقياً بعد عام 2003 وباتت من أبرز المشكلات التي تتصدر المخاوف لدى الكثيرين وتضر بأية جهود لإعادة الأعمار وبناء العراق وتسهم بشكل مباشر في تردي الوضع العام وتقف خلف تدهور أغلب الخدمات الأساسية كانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر ونقص المياه الصحية أو انعدامها في أغلب مناطق العراق وما تعانيه شبكة الصرف الصحي من ضغط شديد وانسداد المجاري وكذلك في انتشار الرشا في المعاملات المدنية والتعيين في المؤسسات الحكومية وتحرير العقود الحكومية حتى وصل الأمر إلى المؤسسات التربوية والصحية إضافة إلى المؤسسات الأخرى بحيث أخذت هذه الظاهرة تنخر في جسد المجتمع وتشكل ضاغطاً جديداً وثقلاً أضافياً ترهق كاهل المواطن العراقي المتعب أصلاً من جراء الاحتلال والعنف .


ولكي نكون منصفين في تقييم هذه الظاهرة فأن الفساد الإداري والمالي ظاهرة قديمة وموجودة في كافة دول العالم تقريباً وكذلك أثناء الحكم الوطني في العراق قبل عام 2003 وخاصة خلال فترة الحصار ولكنها كانت محدودة وهامشية ومحصورة في نطاق بعض صغار الموظفين ، والتي تحدّها وتقف بوجهها حصانة الالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية والوطنية مع وجود أجهزة رقابية فعالة ونظام رقابي مشدد وإجراءات قانونية رادعة وصارمة بحق المسيئين ومرتكبي تلك الجرائم ، ولكن مع مجيء الاحتلال في 9/4/2003 بدأت بوادر هذه الظاهرة بالأتساع والاستشراء غير المسبوق عندما شرعنت قوات الاحتلال ثقافة السلب والنهب ( الفرهود ) وأطلقت العنان للسراق والمنحرفين وذوي النفوس الضعيفة بالتجاوز على ممتلكات الدولة العراقية من الأموال النقدية والأجهزة والمكائن والمعدات والآثار والوثائق والحرق المتعمد للمؤسسات الحكومية ( ما عدا وزارة النفط ) حيث جرت بعض تلك العمليات تحت أنظار القوات المحتلة وفي ظل حمايتها وفي أماكن ومقرات حكومية قريبة من نقاط تواجد تلك القوات حيث كان المحتل يستهدف منها إشاعة ثقافة اللاأنتماء في المجتمع العراقي ومسخ منظومة القيم الأخلاقية التي تحكم مسار الأفراد والمجتمع .. ثم تتابع ذلك بتعيين مشرفين أجانب على الوزارات كان لهم دوراً واضحاً في نشر الفساد بل قيامهم بسرقات كبيرة من الأموال العراقية وأعقبت ذلك فضائح بريمر وقوات الاحتلال بالاستحواذ على العملات الأجنبية من الرصيد النقدي المحفوظ لدى المصارف الحكومية والبنك المركزي العراقي ونقل تلك الموجودات تحت أدارتها واختفاء أكثر من (300 ) مليون دولار منها وتهريبها خارج العراق .. ثم جاء دور النخب السياسية التي دخلت العراق في ظل المحتل الأجنبي وهي متعطشة للمال والجاه والسلطة وأضحت اهتماماتها بالدرجة الأولى توزيع حصص القيادات العليا والحقائب الوزارية فيما بينها وفق نظام المحاصصة الطائفية واحتكار الوزارات والمؤسسات الحكومية لصالح أحزابها والاستئثار بأموالها في وضح النهار والتي استعجلت الخطى بوتيرة متسارعة في جمع المال بأي وسيلة وبأسرع ما يمكن نتيجة القلق الناجم من عدم الاستقرار في الأوضاع والتخوف من المجهول القادم وتحسباً لمواجهة هذا المستقبل المجهول بما غلي ثمنه وخف حمله والتي تشهد على ذلك انتشار عمليات شراء العقارات في عواصم غربية وعربية من قبل مسؤولين في الدولة الحالية ، حتى باتت ظاهرة الفساد الإداري والمالي تأخذ بالأتساع والانتشار وتصبح نظاماً قائماً وعدوى فيروسية بدأت بالانتشار  من قمة الهرم الإداري للدولة نزولاً للمفاصل والإدارات الوسطية والدنيا في السلم الوظيفي وهي تضرب بأطنابها عمودياً وأفقياً جسد المجتمع العراقي بحيث أصبح الموظف النزيه كالقابض على الجمر وسط هذا التلاطم الأخلاقي الرهيب القادم من أعلى الهرم الإداري وفي ظل ضغوطات سياسية وإدارية واقتصادية تحيط بوجوده وبمستقبله .


مفهوم الفساد الإداري والمالي :


إن الفساد مصطلح يتضمن معان ومحاور عديدة في طياته ولكنها جميعاً تنبع من سؤ استخدام النفوذ العام وانحراف في القاعدة الأخلاقية التي تفضي إلى إرادة سلوكية غير قويمة في التفريط بالأمانة والعهدة الاجتماعية والقانونية من قبل شخص أو أشخاص لهم قوة احتكارية مسيّطرة في استغلال نفوذهم وسلطاتهم واتخاذ سلوك وقرارات مخالفة للتشريع القانوني وضوابط القيم الأخلاقية أو الأعراف الاجتماعية المقبولة بهدف تحقيق مآرب ومكاسب شخصية مادية أو معنوية أو مصالح سياسية وحزبية محدودة .


تأثير الفساد الإداري والمالي :


يؤدي شيوع الفساد الإداري والمالي إلى جملة تأثيرات سلبية تلقي بظلالها القاتمة على مجمل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومنها :


1- ضياع وهدر أموال الدولة والتي كان من الأجدر استثمارها في مشاريع تخدم المواطنين .


2- تعطيل التشريعات القانونية الخاصة بمحاربة الفساد أو تجميدها وعدم العمل بها تحت مظلات الحماية للمفسدين من قبل أحزابهم وكتلهم البرلمانية .


3- يؤدي الفساد إلى ضعف الاستثمار وهروب الأموال خارج البلد وما يتبعه من قلة المشاريع الحقيقية وضعف فرص العمل وزيادة البطالة والفقر .


4- إحلال المصالح الخاصة بدل المصالح العامة والى تفاقم الصراعات والخلافات في جهاز الدولة بين الأشخاص والأحزاب المختلفة للاستئثار بالسلطة والمال العام .


5- يؤدي الفساد إلى تهديد قيمي وأخلاقي في منظومة القيم الاجتماعية والدينية وأضعاف المواطنة كسلوك وانتماء وطني وبروز ظواهر التحلل الاجتماعي والشراهة المادية أمام أتساع ثقافة الاستحواذ والتنافس في نهب المال العام باعتباره مال مهدور للجميع.


6- يؤدي الفساد إلى تعميق الفجوة الاجتماعية بإعادة أنتاج إصطفافات طبقية حادة من خلال زيادة أثراء طبقة المنتفعين على حساب إفقار الشرائح الفقيرة والمعدمة .


مظاهر الفساد الإداري والمالي :


سنتناول الفساد الإداري والمالي كقضية واحدة متداخلة التكوين والأفعال والنتائج ، حيث أثبتت الدراسات والتجارب بأن الفساد الإداري يتبعه ويفضي حتماً إلى فساد مالي ومن مظاهره التي برزت في العراق بعد عام 2003 بوجوه وأساليب عديدة منها :


1- الرشوة :

وتعني حصول شخص ما على منفعة مادية لقاء تمرير معاملات قانونية أو خلاف التشريع أو أصول المهنة ، حيث انتشرت هذه الظاهرة وبشكل غير مألوف على كافة المستويات التنظيمية والمواقع الوظيفية في هيكل الدولة الإداري وأصبحت أشبه بحالة عادية وسياق وظيفي عام في كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية ومدخل لإنجاز المعاملات المدنية مثل الحصول على جواز سفر أو هوية الأحوال المدنية أو شهادة الجنسية أو معاملات التقاعد ومعاملات التعيين أو الضريبة أو العقود الحكومية .. وغيرها من المعاملات والإجراءات الرسمية اليومية المعتادة في دوائر الدولة والتي ترهق بثقلها كاهل المواطن العراقي وتشاركه لقمة عيشه ، حيث يقول أحد المراجعين : ( عندما أذهب إلى أي دائرة حكومية أبدأ بدفع الرشا من الاستعلامات عند الباب حتى المسؤول الأعلى من أجل إنهاء المعاملة بسلام وأمان وإلا تبقى المعاملة مركونة في الدرج ) ، وآخر يقول : ( لا أستطيع أن أخطو خطوة واحدة دون رشوة .. الكل مفتوح الفم على مدار الساعة وكأنني أطعم طيوراً ) .


2- الابتزاز والتزوير :

لغرض الحصول على المال أو المنصب الوظيفي من قبل أشخاص مستغلين الوضع العام بتبريرات شخصية وحزبية كما يحدث الآن من تزوير الشهادات الدراسية من قبل الكثير من أعضاء مجلس النواب والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات والمسؤولين الإداريين .. كذلك ما يحصل من تقديم أسماء وهمية في قوائم الرواتب في وحدات الجيش ومديريات الشرطة بهدف الاستحواذ على مبالغ تلك الرواتب .. أو كما يحدث من تمرير السلع عبر منافذ السوق السوداء أو تشكيل وإنشاء جمعيات إنسانية خيرية ومنظمات المجتمع المدني الوهمية ... أو سرقة و تهريب الثروات النفطية التي تقوم بها مافيات تعود لأحزاب وميليشيات طائفية متنفذة عبر موانئ البصرة والتي تقدر أقيامها حسب تقرير مفتش وزارة النفط بحوالي ( 19 ) مليار دولار سنوياً تذهب إلى جيوب تلك المليشيات .


3-المحاباة الطائفية والسياسية :

أي تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق ولأسباب سياسية وطائفية وتمرير ما تريده التنظيمات المتنفذة ومن نماذجها الماثلة :


أ- ظاهرة احتكار المناصب الوزارية لتنظيمات سياسية وطائفية وفق نظام المحاصصة الطائفية والاستئثار بالمناصب الحكومية دون استحقاق وخلافاً لقاعدة ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) وذلك بتعيين أشخاص غير مؤهلين من ناحية الخبرة والكفاءة المهنية وكذلك من ناحية التحصيل العلمي الذي يؤهلهم لأشغال تلك المناصب وأبرز مثال على ذلك هو تبؤ كل من ( باقر جبر صولاغ وعبد الفلاح السوداني ) لثلاث حقائب وزارية مختلفة في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة ، لذا فليس من المستغرب أن نسمع تصريح (صولاغ ) كوزير مالية وهو يتحدث عن الأزمة المالية العالمية ( بأن ليس هناك في العالم من توقع حدوث الأزمة وعدم وجود من توقع احتمال حصول هذا الانخفاض في أسعار النفط الخام ) والذي عبر بهذا التصريح عن سذاجة اقتصادية وسياسية في فهم عالم الاقتصاد والمال وحركة الاقتصاد الدولي .. وكذلك ما أدلى به ( السوداني ) كوزير للتجارة في مجلس النواب بأنه لا يعرف ما يجري من فساد في وزارته أو أن أخيه يتقاضى ( 40 ) دولار عن كل طن سكر تستوردها الوزارة ضمن مفردات البطاقة التموينية .. أو تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية أن ما يحدث من جرائم في دور الأيتام والعجزة وفساد مالي في شبكة الحماية الاجتماعية لا علم له بها ..وغيرها من التصريحات الجوفاء التي تنم عن الفراغ العلمي والمعرفي وشحه الخبرة لمتبؤي تلك المناصب وهذا الأمر ينسحب على المناصب الوزارية الأخرى وكذلك وكلاء الوزارات والمدراء العامين والسفراء والقناصل والمحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية الأخرى وغيرها .


ب- أن الاستئثار بالمال العام واستباحة ممتلكات الدولة لا يقتصر على الوزارات والإدارات المركزية وإنما منتشر في كافة المؤسسات الحكومية والمدن والمحافظات وإدارات إقليم كردستان وكذلك لا يقتصر على المؤسسات التنفيذية وإنما يتجاوز ذلك إلى السلطات الأخرى التشريعية حيث أن هناك فساد في البرلمان وبين النواب ومجالس وأعضاء الرئاسة أيضاً وأبسط مثال على ذلك هو تصرف ( نوري المالكي ) بـ ( 117 ) مليون دولار والمخصصة في بند المنافع الاجتماعية لتوزيعها وبشكل شخصي على العشائر كمنح ورواتب إلى لجان الإسناد لدعم حزبه في انتخابات مجالس المحافظات ، كما برزت ظاهرة إهداء السيارات الحكومية العائدة إلى دوائر الدولة إلى الأحزاب والكيانات والشخصيات الدينية والسياسية وكذلك إلى الأهل والأقارب والحاشيات من قبل الأشخاص المتنفذين في الوزارات ومؤسسات الدولة وذلك بغية كسب وإرضاء تلك الأحزاب والشخصيات .


ج- إصدار هويات الأحوال المدنية من قبل دوائر وزارة الداخلية وكذلك إصدار جوازات السفر من قبل السفارات العراقية العاملة في الخارج لأشخاص غير عراقيين بضغط وإرضاء لأحزاب وكيانات سياسية متنفذة .


د- تمرير القوانين والقرارات الإستراتيجية والمهمة والتي تضر بمصلحة الوطن العليا ومستقبله لغايات وأهداف غير وطنية وإرضاءً للكيانات السياسية والمحتل الأجنبي وذلك من قبل أعضاء البرلمان ومجلس الرئاسة مثل : الدستور وقانون النفط والغاز وقانون الأقاليم والفدرالية ... وغيرها .


هـ - السكوت والتستر المتبادل عن الأخطاء والخطايا مقابل المساومة عليها بين الكيانات والكتل السياسية واستخدامها كورقة ضغط وتهديد بعضها لبعض في الوقت المناسب بعيداً عن الحرص الوطني والمصلحة الوطنية .. وأبرز مثال على ذلك ما أدلى به أحد نواب كتلة التحالف الكردستاني عندما طلب بعض النواب استجواب وزيرة كردية وفتح ملفات الفساد في وزارتها : ( بأن كتلته سوف تكون مضطرة لفضح كافة ملفات الفساد في جميع الوزارات) .. والمثال الآخر على ذلك هو ما صدر من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي من تهديد مباشر إلى النائب ( عبد الناصر الجنابي ) في جلسة مجلس النواب وأمام أنظار الجميع بأنه (سوف يفتح ملفات جرائم الإرهاب التي أرتكبها النائب أعلاه وأحالتها للقضاء ) ، وذلك عندما بدأ النائب ينتقد مسار الحكومة في نفس الجلسة ... وكرر رئيس الوزراء تلك الحالة مرة ثانية وذلك عندما أراد بعض أعضاء مجلس النواب استجواب بعض الوزراء ومسائلتهم عن ملفات الفساد في وزاراتهم والتي أعتبرها في بيان صادر من مكتبه بأنها محاولة سياسية لاستهداف وزراء من كتلة الائتلاف الموحد وبأنه مضطر (إذا أصر البرلمان على ذلك ) بفتح كافة ملفات الفساد وفي جميع الوزارات .


و- بروز ظواهر وعمليات ملتوية جديدة كشاهد على فساد المسؤولين في الدولة في أعلى المستويات والتي لا تقتصر على تعيين أفراد أحزابهم وإخوانهم وأقربائهم في مكاتب الوزراء وهيئات الرئاسة كمستشارين وبمناصب متقدمة أخرى وبدون مؤهلات بل الأمر تعدى ذلك إلى إصدار أوامر بإحالة بعضهم على التقاعد بعد مضي أسابيع أو أشهر قليلة على هذا التعيين وبرواتب تقاعدية مجزية يصل بعضها إلى خمسة ملايين دينار شهرياً وذلك بدون خدمة سابقة مناسبة واستثناء من شروط قانون التقاعد النافذ وذلك بقصد استغلال الفرصة وإضفاء منفعة مادية وضمان راتب تقاعدي جاري لهم من موارد الدولة بدون وجه حق.


ز- بروز استغلال حالة ما يسمى بإعادة تعيين المفصولين السياسيين سابقاً إلى الخدمة لأشخاص من الأحزاب السياسية المتنفذة بصورة مخالفة للقوانين والتعليمات الهادفة لذلك فقد تم إعادة تعيين أعداد كبيرة إلى دوائر الدولة لأشخاص لا تنطبق عليهم شروط وأهداف هذا القرار فمثلاً تم إعادة تعيين من أختلس مبلغاً من المال وهرب خارج العراق سابقاً أو حكم قضائياً بسبب ذلك وعاد بعد 2003 مظلوماً ومفصولاً سياسياً ، أو من باع أسئلة أمتحانية وقبض رشا على ذلك أو من رفض التعيين المركزي ولم يباشر في وظيفته أو من ترك الوظيفة أو استقال منها لأسباب اقتصادية وقلة الراتب في حينها وسافر خارج العراق أو تفرغ للعمل في القطاع الخاص وأثرى منه .. وحالات أخرى لا تمت لمفهوم الفصل السياسي بأي صلة وإنما جرت استغلالا له وهدراً للمال العام وبوثائق وشهادات مزوّرة وقد أعيدوا إلى الخدمة الوظيفية واحتسبت لهم فترة الترك لأغراض العلاوة والترفيع والتقاعد .


ح- كما يظهر الواقع الميداني وجود إبداع وتألق في الطرق المستخدمة في شفط ولفط الأموال العامة وإخفاء الوثائق والمستندات التي تثبت وتدين مرتكبيها وذلك باستخدام أسلوب الحرائق المفتعلة في هذه الوزارة أو تلك لإثبات جدارتهم في النهب ومواهبهم الفذة في أخفاء معالم الجريمة على وزن ( أنا فاسد إذن أنا موجود) والتي طالت وباء تلك الحالات لحد الآن مباني وزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومبنى البنك المركزي العراقي .


ل- بروز ظاهرة خطيرة من الجريمة المنظمة في استباحة ممتلكات وأموال الدولة هي سرقة المصارف ( مثل مصرف الزوية ) وغيرها وكذلك سلب رواتب موظفي الدولة عند الحواجز العسكرية والتي تقوم بها أحزاب ومليشيات مسلحة ومتنفذة وبالتعاون مع أفرادها العاملون في الجيش أو الشرطة وذلك بغية الاستحواذ على تلك الأموال لصالحها وتمويل حملاتها الانتخابية .


ويلاحظ مما ذكر أعلاه أن الفساد الإداري والمالي بعد 2003 قد تحول من عمل فردي إلى سياق جماعي عبر عمليات منظمة ومنسقة وأرتبط هذا الفساد بظاهرة السلاح فأصبح للمفسدين ميليشيات وجماعات مسلحة تحميهم ويتمترسسون خلف خطوط من الجريمة المنظمة والعنف المباشر ، وكذلك أتخذ الفساد مظاهر وأشكال عديدة بعضها خارج الصفة القانونية والبعض الآخر مغلف بإطار قانوني باستخدام الصلاحيات لاستغلال الموقع الوظيفي في التصرف بأموال الدولة ، وهناك فساد منظور من قبل المراقبين وعامة الناس وهناك فساد غير منظور بعضها متأتي عن صفقات عقود أو ترميم وأكساء طرق أو منشآت أو تأجير طائرات وأنواع أخرى تجري داخل كواليس ودهاليز مطبخ السياسة. إلا أن ما يتفق عليه الباحثين عند التطرق لهذا الموضوع هو عدم وجود بيانات وإحصائيات تعكس هول وحجم هذا الفساد الذي ينخر في جسد الدولة العراقية وثرواتها المهدورة والتي نال العراق من خلالها لقب بطل العالم في الفساد الإداري سوى ما يصدر عن هيئة النزاهة بين فترة وأخرى والتي قدرت في أحد تقاريرها حجم الأموال المهدورة في الوزارات العراقية خلال العامين السابقين بحدود ( 7,5 ) مليار دولار موزعة حسب حصة كل وزارة من هذا الهدر وكما يلي :


ت الوزارة مقدار الأموال المهدورة نسبة الفساد
1 وزارة الدفاع 4 مليار دولار 53.33%
2 وزارة الكهرباء 21 مليار دولار
13.33%
3 وزارة النفط 510 مليون $ 7.16%
4 وزارة النقل 210 مليون$ 2.95%
5 وزارة الداخلية 200 مليون$ 2.81%
6 وزارة التجارة 150 مليون$ 2.11%
7 وزارة المالية والبنك المركزي 150 مليون$ 2.11%
8 وزارة الأعمار والإسكان 120 مليون$ 1.69%
9 وزارة الاتصالات 70 مليون$ 98%
10 أمانة بغداد 55 مليون $ 77%
11 وزارة الرياضة والشباب 50 مليون $ 70%
12 وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 50 مليون $ 70%
13 وزارة الصحة 50 مليون $ 70%
14 وزارة العدل 40 مليون $ 56%
15 وزارة الزراعة 30 مليون $ 42%
16 وزارة الموارد المائية 30 مليون $ 42%
17 وزارة الصناعة والمعادن 20 مليون $ 28%
18 الهيئة العليا للانتخابات 10 مليون $ 14%
19 هيئة السياحة 10 مليون $ 14%
20 وزارة التربية 5 مليون $ 7%
21 وزارة العمل والشؤون الاجتماعية 50 مليون $ 7%
المجــــــــــــموع 7.5 مليار دولار


حيث يتبين من الأرقام أعلاه إن جميع القطاعات الحكومية قد هُدرت فيها الأموال العامة جراء الفساد الإداري والمالي حتى وصل الأمر إن كلفة تدريب الشرطي العراقي الواحد في الأردن خلال فترة تتراوح بين ( 6-8 ) أسابيع وصلت إلى قيمة تتراوح بين ( 40 – 60 ) ألف دولار في حين إن هناك دول عرضت على الحكومة تدريب الشرطة مجاناً مثل ألمانيا ودولة الأمارات العربية المتحدة ، كما إن بعض التصريحات والتقارير الدورية الصادرة عن هيئة النزاهة في محاربة الفساد وإحالة أكثر من ( 4000 ) قضية فساد إلى القضاء بينهم ( 350 ) موظفاً بدرجة مدير عام وعدد من الوزراء بتهمة الفساد الإداري والتي لانشكك في صحتها ولكننا لم نجد لها أثراً على أرض الواقع وذلك بسبب ضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ومحاولة التستر على المخالفات وحماية المخالفين وفق مظلات الحماية من قبل الأحزاب والكتل السياسية لهؤلاء المفسدين وكذلك أسلوب التحقيق الذي يستغرق فترة زمنية طويلة والذي يسهم في تمييع تلك القضايا وهروب بعض الجناة إلى خارج العراق قبل المحاكمة إضافة إلى الصعوبة التي تواجه القضاء في اتخاذ قرار قضائي يدين هؤلاء والذي يمكن أن يكلف متخذ هذا القرار حياته .


للاستذكار فقط


كي لا تغيب علينا في زحمة الزمان وأتون الأيام العصيبة حقيقتان أردت أن أركز عليهما في خلاصة هذه الدراسة والتي تتعلق بالثروة النفطية وأسلوب توظيف الإيرادات النفطية في العراق باعتباره عصب الحياة والممول الأكبر لموازناته طيلة عقود عديدة وهما :


1- أن الشروط المجحفة للعقود النفطية هي خسارة كبيرة لكل العراقيين وذلك لأن سيطرة الدولة على ثرواتها وتحقيق أقصى عائد ممكن من النفط على الصعيد الاقتصادي والإدارة المالية السليمة وبلوغ التنمية المنشودة لا تتم في ظل احتلال عسكري أجنبي ووصاية أجنبية مباشرة وغير مباشرة فلا استقلال اقتصادي حقيقي بلا استقلال سياسي ناجز وتام .


2- من خلال متابعة واقع الأسعار يظهر أن طفرة الأسعار بدأت في سوق النفوط العالمية في عام 2004 حيث وصل سعر البرميل إلى ( 40 – 50 ) $ ليواصل ارتفاعه في عام 2005 إلى ( 60 ) $ ثم الارتفاع غير طبيعي في بداية عام 2008 إلى أكثر من ( 160 ) $/ برميل ثم ليستقر بحدود ( 70 ) $/ برميل ، بينما كان السقف ألسعري خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي بين ( 10 – 20 ) $/برميل وقد أنخفض في كثير من الأحيان إلى حدود (7) و(8 ) $/برميل ، وفي عقد التسعينيات كان معدل السعر بحدود ( 15 ) $ وليستقر في بداية القرن الحالي بين (22 – 28 ) $/ برميل ، وبافتراض تقارب الكميات المصدرة خلال الفترتين حيث بلغ حجم صادراته الآن بحدود ( 2,4 ) مليون برميل في اليوم بينما كان العراق في أغلب الأحيان يصدر في حدود ( 3- 3,5 ) مليون برميل / يوم وأنخفض هذا الحجم وبشكل كبير لمدة ثمان سنوات خلال الحرب العراقية – الإيرانية ثم التوقف النهائي عن التصدير خلال الفترة الأولى من الحصار بين الأعوان 1991 – 1996 ويظهر مما تقدم وبحسبة رقمية بسيطة إن إيرادات العراق النفطية خلال ستة سنوات بعد الاحتلال في 2003 تعادل أو تزيد عما تحقق له من إيرادات مالية نفطية خلال ( 35 ) عاماً من الحكم الوطني في العراق .


واستطرادا في المقارنة بين ما تحقق خلال الفترتين يظهر لنا بؤس هذه المقارنة فقد استثمرت أموال العراق المتحققة من إيرادات النفط خلال الحكم الوطني في العراق في بناء القواعد المتينة لبناء عراق متطور في الاستثمار الإنتاجي والبشري نتناولها بشيء من التفصيل بغية التوضيح والاستذكار ، فقد أنجزت مشاريع عملاقة للتنمية الزراعية في الري والبزل وبناء السدود العملاقة ( سد الموصل – حديثة – حمرين – العظيم – حوران – مجيمين – بخمه – مكحول ) ، أما مشاريع الري ( ري كركوك – الأسحاقي – الدجيل – الثرثار- الدملج – الديوانية – 7 نيسان – جزيرة سيد أحمد الرفاعي – الرضوانية – الوحدة – الجزيرة – النهر الثالث ) ، وكذلك في بناء قاعدة صناعية متينة للنهوض بصناعة ثقيلة متطورة في ميدانها المدني والعسكري مثل مشاريع الحديد والصلب والبتروكيمياويات والفوسفات والكبريت والإلكترونيات ، وقد رافق ذلك كله مشاريع الخدمات العامة كبناء محطات توليد الكهرباء والمستشفيات والطرق الإستراتيجية والعامة وعلى رأسها الطريق الإستراتيجي الذي يربط البصرة أبتداءً من منطقة سفوان وحتى حدود العراق مع الأردن وسورية ثم أكثر من مائتي ألف كيلومتر طرقاُ عامة مع مئات الجسور العملاقة يتقدمهم الجسر ذو الطابقين والجسر المعلق وأغلبها تم بتخطيط وتنفيذ عشرات الآلاف من العلماء والمهندسين والفنيين التي أعدتهم الدولة العراقية . أما في مجال الاستثمار البشري فأن العراق قد أعلن منذ السبعينيات القضاء على الأمية في حملة واسعة لمحو الأمية ، كذلك في مجال تطوير القدرات الفنية بإنشاء العديد من مراكز التدريب الفنية والمعاهد والجامعات المتكاملة مع التوسع الهائل في البعثات الدراسية بإرسال آلاف الطلبة العراقيين إلى خارج العراق للدراسة في جامعات رصينة علمياً وعلى نفقة الدولة لاكتساب العلم والمعرفة ونيل الشهادات العليا في كافة الاختصاصات وقد حفل العراق نتيجة ذلك بأكثر من ( 11 ) ألف عالم متخصص في كافة العلوم وجيش من الباحثين والفنيين والمبدعين في كافة المجالات ، كذلك حرصت الدولة على تدريب أبناء الشعب العراقي على فنون استخدام السلاح والقتال بكافة أنواعه وملأت أرض العراق بالسلاح والعتاد بما يكفي لمقاتلة الأعداء المحتلين لعشرات السنين .. هذا غيض من فيض مرحلة الحكم الوطني في العراق والتي كانت محطات وضاءة في مسار الارتقاء واللحاق بركب التطور العالمي بإرادة وطنية مخلصة ومستقلة وضعت العراق في مصاف الدول المتقدمة بالرغم من الصعوبات التي تجلجل حد الاختناق حيث لم يترك العدو المتربص يوماً للمهادنة ويمر بسلام على البلاد ...


أما ما تحقق من استثمارات لأموال العراق النفطية وما آل مصيرها في ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة بعد 2003 فكم هائل لا يعد ولا يحصى من جرائم القتل والدمار والتخريب ونهب أموال وثروات العراق .. أترك تفاصيلها للقارئ الكريم والذي يعرف ويعرف العراقيون الكثير عن هذه التداعيات وأيديهم متذرعة بالدعاء إلى بارئها يرددون قول الخالق ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )) .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠٤ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٣ / أيلول / ٢٠٠٩ م