محكمة المالكي الدولية ومجرموها

( اول من يجب محاكمتهم حول الجرائم بحق العراق هو المالكي وجماعته )

 
 

شبكة المنصور

عبد الباري عطوان

لا نعرف ما هي الارضية الاخلاقية، او العسكرية، التي يستند اليها السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الحالي، في تصعيده الراهن ضد دول الجوار العراقي العربية، وسورية على وجه التحديد، وتهديده بأن من يحتضن 'المجرمين' سيدفع الثمن، فالذي يحتضن المجرمين الحقيقيين عمليا هو نظام السيد المالكي نفسه، والعملية السياسية التي جاءت به الى السلطة.


فلا نعتقد ان هــناك جريمة اكبر من تدمير العراق، وقتل مليون من ابنائه الابرياء، واغراقه في حرب اهلية طائفية، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، ونهب ثرواته، وزعزعة استقراره، والغاء دوره كقوة اقليمية عظمى مرهوبة الجانب في المنطقة.


السيد المالكي تقدم بطلب رسمي الى الامم المتحدة لتشكيل لجنة خاصة في تفجيرات 'الاربعاء الدامي'، متهما سورية بالتورط رسميا فيها، بإيوائها قيادات من البعث العراقي، خططت ونفذت هذه التفجيرات، وهو طلب مشروع يجب ان لا يزعج سورية او اي دولة عربية اخرى، لان اول من يجب ان تحقق معه هذه اللجنة في ارتكاب جرائم في حق العراق هو السيد المالكي نفسه، سواء لدوره من خلال حزبه في الوقوف خلف تفجيرات تسببت في قتل ابرياء في عراق ما قبل الغزو، او بتواطئه مع قوات الاحتلال الامريكي واجهزتها الامنية والعسكرية بعده.


تفجيرات 'الاربعاء الدامي' التي استهدفت ست وزارات سيادية، من بينها وزارتا المالية والخارجية، ومبنى البرلمان، مدانة بأقوى العبارات، ولا يمكن الدفاع عنها لان معظم ضحاياها من الابرياء، ولكن ماذا عن 'الارهاب الاكبر' الذي حصد ارواح الملايين من العراقيين، سواء اثناء الحصار الذي استمر ثلاثة عشر عاما، او بسبب الغزو الامريكي؟


كنا نتوقع ان يطالب السيد المالكي، وكل حكام العراق في فترة ما بعد الغزو، باللجوء الى الامم المتحدة مـــن اجل تشكيل محكمة دولية لمقاضاة مجرمي الحرب الظالمة، وغير الشرعية، التي استهدفت بلادهم، مثل جورج بوش وديك تشيني، وتوني بلير، ودونالد رامسفيلد، والمطالبة بدفع تعويضات للشعب العراقي عما لحق به من كوارث، على مدى السنوات الست السابقة من عمر الغزو والاحتلال، ولكنه لم يفعل، بل طالب فقط بمحاكمة ضحايا هذه الحرب غير الشرعية الذين ما زالت لديهم بعض النخوة الوطنية، وقرروا المقاومة من اجل طرد الاحتلال، وتحرير بلادهم من قواته والمتعاونين معها من الطائفيين بمختلف مذاهبهم.


دول الجوار العراقي العربية (باستثناء سورية) مجرمة فعلا، وارتكبت خطيئة كبرى عندما سمحت لقوات الغزو الامريكية بالانطلاق من اراضيها، وتبنت بطريقة مخجلة بعض العراقيين الذين وفروا 'الغطاء الشرعي' لغزو بلادهم تحت عنوان كاذب اسمه 'التحرير'، وترتكب حاليا جرما اكبر لانها ترفض تبني المقاومة العراقية المشروعة، وتغلق ابوابها في وجهها، وترسل السفراء، وتعيد فتح سفارات لها في المنطقة الخضراء في بغداد اعترافا بالوضع الجديد المنبثق من رحم الاحتلال.


كنا نتمنى لو ان المسؤولين السوريين الذين فوجئوا بالاتهامات التي وجهها اليهم السيد المالكي، الذي كان في ضيافتهم قبل يوم واحد من اطلاقها، كنا نتمنى عليهم لو طالبوا السيد المالكي، بالاضافة الى تقديم الادلة التي تدعم اتهاماته، بالاطلاع على ملفات المخابرات السورية، التي توثق حتما جميع انشطته، وقادة المعارضة العراقية من زملائه، الذين اتخذوا من دمشق في حينها 'قاعدة' لزعزعة النظام العراقي السابق بالطرق والوسائل كافة، وعروض ذلك النظام المغرية اقتصاديا وامنيا في مقابل تسليمهم.


مشكلة سورية في رأي الكثير من العرب ونحن منهم، انها لم تتعامل بالشكل المتوقع والكافي مع المقاومة العراقية، لحكمة نتفهمها، فالثور الامريكي الهائج كان متربصا بها ولن يتورع عن اجتياحها في غمرة هيجانه ضد العرب والمسلمين فعلى السيد المالكي وحلفائه، ان يتخيلوا ولو للحظة، لو ان القيادة السورية استقبلت اركان النظام العراقي السابق وقياداته العسكرية، ووفرت لهم كل التسهيلات لمقاومة الاحتلال، على غرار ما فعلت دول افريقية لمقاومي النظام العنصري في جنوب افريقيا، او مثلما فعلت سورية نفسها ولبنان والاردن ومصر لرجال المقاومة الفلسطينية، فهل سيكون بمقدور السيد المالكي الوصول الى سدة الحكم؟ ثم كيف سيكون العراق في هذه الحالة؟


السيد المالكي وبعض اركان حكمه متورطون، بشكل مباشر، او غير مباشر، في مخطط جديد لتقويض سورية من الداخل، تماما مثلما فعلوا بالعراق، تحت ذرائع دعم الارهاب، ولكن ربما تغيب عنه مجموعة من الحقائق لا بد من اعادة تذكيره بها اهمها ان الولايات المتحدة، التي تشكل الداعم الاكبر له، لم تعد مهتمة، ولا قادرة، على خوض حروب جديدة في المنطقة، بعد ان نجحت المقاومتان العراقية والافغانية في حرق اصابعها، واستنزافها ماليا وبشريا.


الولايات المتحدة الامريكية تدرك جيدا ان مخططات محافظيها الجدد في تفكيك دول المنطقة وتحويلها الى دول فاشلة (العراق وافغانستان والصومال)، وشبه فاشلة (اليمن والسودان ولبنان) بدأت ترتد سلبا على الغرب، اقتصاديا وامنيا وسياسيا، وتتسبب في الانهيارات المالية التي نراها حاليا، نتيجة للنفقات العسكرية الباهظة (الحرب في العراق تكلف واشنطن 13 مليار دولار شهريا، او 150 مليارا سنويا، وحرب افغانستان 50 مليارا سنويا) او الاجراءات الامنية الداخلية والخارجية المكلفة. هذا الادراك انعكس بشكل جلي في خطاب باراك اوباما التصالحي الذي القاه من القاهرة يعكس المزاج الامريكي الحالي في افضل صورة.


السيد المالكي يتخبط في مواقفه وقراراته، لانه بات يقف وحيدا دون اصدقاء، او قله من المنتفعين، في مواجهة كتلة ضخمة من الاعداء، معظمهم من حلفاء الامس، فشهر عسله مع السلطة الذي طال قليلا بسبب 'فهلويته'، ولعبه على التناقضات، واختياره كحلقة ضعيفة، اثناء تنافس الكبار الحاد على الزعامة، وانعدام البدائل له من وجهة النظر الامريكية، نقول ان شهر عسله اوشك على الانتهاء، بضـــعة اشهر فقط في افضل الاحوال، وريثما تنعقد الانتخابات المقبلة.


الرجل خسر معظم ابناء طائفته الشيعية دون ان يكسب الطوائف والاعراق الاخرى، واصطدم بحلفائه 'الوحيدين' في سورية الذين وقع معهم تحالفا استراتيجيا امنيا واقتصاديا، قبل ان ينقلب عليهم وحبر هذا الاتفاق لم يجف، فكيف يمكن ان يستمر ويهدد بمعاقبة هذا وتأديب ذاك؟


باختصار شديد نقول ان العمر الافتراضي لكل المشروع الامريكي الذي نما في ظل الاحتلال ودعمه بدأ يدخل مراحله الاخيرة وليس المالكي فقط. امريكا راهنت على الكثيرين داخل العراق لتكتشف انها راهنت على احصنة هزيلة خاسرة فاسدة، فقررت الانسحاب تقليصا للخسائر، وعلينا ان نتوقع فراغا في السلطة في الاشهر او الاعوام الثلاثة المقبلة.


مصير السيد المالكي لن يكون افضل من مصير الكثيرين من امثاله الذين استخدمتهم الادارة الامريكية السابقة لتمرير اهدافها وخدمة المصالح الاسرائيلية في المنطقة، ثم القت بهم الى سلة المهملات، فأين اعضاء مجلس الحكم، واين نجوم الاعلام في فترة ما قبل الغزو، اين اعضاء مؤتمر ريتشاردوني في لندن، بل اين 'العراق الجديد' الذي وعدوا به؟ الاسماء معروفة ولا داعي للتكرار وكل واحد يعرف نفسه، فقد عادوا جميعا الى لندن، مع استثناءات محدودة، اكثر ثراء وبذخا.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٩ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / أيلول / ٢٠٠٩ م