هل هزمت الولايات المتحدة الأمريكية على يد المقاومة العراقية ؟

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
قد يتفق الكثير من العقلاء في العالم ,بما فيهم العقلاء الأمريكان على إن ما جرى في العراق ومازال ,لم يكن نزهة ولم يكن متوقعا,وخاصة إن الحرب النظامية التي جرت بين الجيشين قد انتهت بسرعة ,وذلك بسيطرة الجيش الأمريكي على الأراضي العراقية واحتلالها,مما دعا بوش إلى الإسراع بإعلان النصر وانتهاء العمليات العسكرية ,ويعتبر هذا الإعلان من المهازل التي سيؤرخها المؤرخون والتي ستوضح إن المستشارين العسكريين والاستراتيجيين الذين كانوا يعملون في الإدارة الأمريكية ,بما فيهم هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية قد ارتكبت خطا فادحا عندما تصورت إن خسارة الجيش العراقي لمعركة الدفاع عن العراق يعني استسلام غير مشروط ,والحقيقة هي إن الجيش لم ينته ولكنه خسر معركة ولم يخسر الحرب وان كل ما جرى هو تبديل الملابس العسكرية لقسم ليس بالقليل من هذا الجيش, بأخرى مدنية صاحبها تبديل في الأساليب القتالية والعمليات التعبوية بل شمل الأمر تبديل الإستراتيجية العامة والسوق العسكري للمعركة, من خلال استحداث تشكيلات جديدة لوحدات تناسب قتال العصابات وحرب الشوارع وقد تم ذلك بتخطيط بالنسبة للبعض من هذه التشكيلات وأخرى بدون تخطيط مسبق , وبالتالي فان إعلان بوش عن نهاية العمليات العسكرية في الوقت الذي بدأت فيه فعليا, لهو أمر محرج لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ولقادة الجيش لأمريكي لأنه يعبر عن سوء فهم وسوء إدارة للعمليات العسكرية ولمفهوم الحرب بل وللعقيدة العسكرية التي يستند إليها الجيش الأمريكي في إدارة العمليات العسكرية إضافة إلى فشل كبير للاستخبارات الأمريكية بكل أنواعها ,آما أسباب هذا الفشل الأمريكي بكافة مؤسساته فهو في تقييم الحالة في العراق رغم توفر بعض المؤشرات التي كانت تفرض إجراء تقييم دقيق للوضع العراقي والاستفادة من دراسة تاريخ هذا البلد ,فان الأسباب التي جعلت بوش يرتكب ذلك الخطأ المهين والذي سبقه بالخطأ الأساسي والمتمثل باحتلال العراق والذي لم يأخذ بنظر الاعتبار نفس الأسباب والتي هي :-


1_ القصور في فهم منظومة القيم والمبادئ الإسلامية والعربية التي تكون الشخصية العراقية .


2_  القصور في فهم مبادئ البعث وتأثير هذه المبادئ على تنظيم الحزب من خلال  التربية الحزبية المستمرة والذي نتج عنها خلق الشخصية البعثية المجاهدة والثورية .وكذلك تاريخ حزب البعث وعلاقة البعث بالشعب وبقضاياه الوطنية وبقضايا الأمة العربية ,وحتى بالقضايا الإنسانية لعموم الشعوب .


3_ القصور في فهم وتحديد التحولات التي أحدثها حزب البعث على طبيعة الشعب العراقي من خلال التثقيف القومي والإسلامي والإنساني طيلة 35 عام ,إضافة إلى التدريب العسكري الذي تلقاه جميع أفراد الشعب والذي أدى إلى خلق شعب مقاتل ,وخاصة بعد تجربة  القادسية الثانية و تحرير الكويت .


4_ القصور في فهم تاريخ العراق, وهو طويل جدا في مقارعة المحتل, بل يبدو انه لم يقرا حتى تاريخ العراق الحديث,أي منذ الاحتلال البريطاني  للعراق, حيث انه يثور على الأنظمة الوطنية أو المبرر حكمها دينيا أو قوميا , فكيف إذا كان النظام جاء من خلال احتلال ,إضافة إلى الاختلاف الديني والقومي والفكري زائدا الموقف المسبق منه نتيجة التجارب السابقة التي قام بها هذا العدو في محاربة كل ما له علاقة بمقدسات وقيم هذا الشعب .


5_ القصور في فهم مكانة القيادة ودورها في قيادة الحزب للمجتمع وأولها  قيادة الشهيد القائد للحزب وللمجتمع أولا, وإمكانية الحزب والشعب على خلق القيادات,وخاصة على المستوى الميداني وألعملياتي حتى لغير الضباط.


بل وتوفر البديل الذي لا يقل إيمانا وإخلاصا وشجاعة وحكمة وفهم لحركة التاريخ وغيرها من المواصفات المثالية للقادة العظام الذين صنعوا التاريخ.


6_ تأثير الاعتماد على المعلومات التي تقدم من الخونة على أوطانهم   والتي تؤدي إلى الاستنتاجات الخاطئة وبالتالي القرار الخاطئ في بناء خطط أو اتخاذ مواقف مصيرية (فان من يخون وطنه لا يمكن أن يكون أمينا حتى مع نفسه فكيف مع الآخرين ).


7_الغرور والعنجهية التي اتصفت بها إدارة الرئيس بوش والمحافظين الجدد والتي أثرت على قيادات الجيش وجرته إلى مستنقع جديد يشبه كابوس فيتنام بغفلة منه ودون أن يعي ,وهو مازال يعاني من عقدتها وعقدة مستنقعها والذي ما كاد ينساه حتى ورط بمستنقع لا يقل عن سابقه أن لم يزيد وخاصة انه مازال لم يحسم ولن يحسم موقفه في أفغانستان مما يفرض عليه تحديد ساحة واحدة للقتال ,حيث انه يعرف بأنه لن يستطيع القتال في جبهتين .


8_ عدم إدراك أهمية توفر المادة الأساسية للقتال وهي قطع السلاح الخفيفة بالأعداد التي لا يمكن أن تستنفذ إضافة إلى توفر الذخيرة ,مما جعل عملية الجهاد متاحة لكل من يريد دون أي صعوبات ,وخاصة بوجود الإيمان بان ما جرى هو احتلال غير مبرر من أي شريف أو مسلم أو إنسان ,وان من يبرر احتلال أرضه ووطنه لا يمكن أن يكون شريفا أو مسلما أو حتى أنسانا,لا بل إن حتى الحيوان يقاتل من اجل ملجئه .إضافة إلى التدريب العالي الذي يتمتع به كل أبناء العراق بما فيها الكثير من النساء,مما سهل عملية الجهاد على من يريد لتوفر كل المستلزمات .


9_ عدم صواب وعدم توفر المبررات المقنعة التي استندت إليها الإدارة الأمريكية لتبرير احتلالها للعراق وخاصة للعراقيين ,والسبب إن ما يهمها هو تقديم المبررات للشعب الأمريكي حيث إن العراقيين لا يستحقون أن تقدم لهم مبررات غزو بلادهم في حالة اقتناع دافع الضريبة الأمريكية والذي سيصوت لهم بهذه المبررات , كذلك فالعالم كله غير مهم عندما يتعلق الموضوع بإرادة الرئيس الأمريكي وخاصة إذا وافقته الاستطلاعات التي تجريها بعض المؤسسات التي هي جزء مكمل للعبة الرأسمالية وأدواتها الامبريالية في السيطرة على العالم .


علما بان صواب وصحة المبررات في أي عملية كبرت أو صغرت ,هي العمل الحاسم الذي يؤدي إلى نجاحها أو فشلها وعلى كل الأصعدة.


لقد أدت الإستراتيجية التي اتبعتها قيادة المقاومة والمتمثلة بأسلوب حرب الاستنزاف إلى تدمير الإرادة وزرع الخوف لدى الجندي الأمريكي والى تحطيم معنوياته.


والاستنزاف يعني القيام بجملة إجراءات أهمها:-

 
1_الابتعاد عن أي مواجهة حاسمة مع العدو وعدم الدخول في معارك كبيرة مع قوات العدو ,أي إفهام وإقناع العدو (بأنك موجود في كل مكان وانك غير موجود في أي مكان ).


2_عدم مسك الأرض أي عدم احتلال المدن والقصبات والقرى.


3_محاولة المحافظة قدر الإمكان على الإمكانيات البشرية والمادية أطول فترة ممكنة ,وحساب الكلفة لكل عملية وتأجيل أي عملية مكلفة (ماديا أو بشريا)مهما كانت نتائجها العسكرية إلا في الحالات ذات الأهداف الخاصة.


4_اختيار الوقت والمكان المناسب للضرب بغض النظر عن الخسائر التي ستقع بين قوات العدو حيث إن المهم هو الإزعاج الذي يسببه هذا الضرب على معنويات العدو وأكيد الخسائر البشرية والمادية التي يتحملها العدو تكون تحصيل حاصل ولكنها ليس الهدف .


5- إن حرب الاستنزاف تعتمد على المطاولة أي إنها ركضه المارثون كما سميتها سابقا ,من يتحمل أكثر ينتصر ومن يقول آه أولا,يخسر الحرب برمتها ويكون الهدف التعبوي هو إيقاع اكبر الخسائر الفردية المستمرة يوميا أو الإزعاج المستمر المتضمن عمليات صغيرة وكثيرة العدد والتي تغطي اكبر مساحة من الأرض والتي تجبر العدو على نشر قواته على اكبر مساحة مما يؤدي إلى زيادة تكاليفه والإنهاء التدريجي لمعنويات جنوده وإيصالهم إلى مرحلة اليأس,وهذا ما حصل حيث إن التقديرات الأولية التي قام بها البيت الأبيض والبنتاغون لم تتعدى المائة مليار وهذا يتضمن التكاليف الكلية للحرب ولمصاريف القوات ما بعد الاحتلال ولحين تبديل صاحب الصرف من الحكومة الأمريكية إلى الاقتصاد العراقي أي النفط العراقي,وهذا السيناريو لم يحدث ولم ينفذ والسبب هو إفشاله من قبل المقاومة العراقية ,وبدلا من أن تكون التكاليف مائة مليار دولار أصبحت أكثر من أربعة ترليونات دولار بعد ستة سنوات من الإنهاك المستمر للماكينة العسكرية الأمريكية ,والتي فقدت سمعتها وثقلها وقوة ردعها التي كانت إضافة إلى عشرات الألوف من القتلى والجرحى والمعوقين وتأثير ذلك على المجتمع الأمريكي حاليا ومستقبلا والآثار الاجتماعية والنفسية لكل الجنود الذين اشتركوا بهذه الحرب وعوائلهم .


ان الاستنزاف يعني استثمار واستغلال الزمن من خلال إطالة أمد الحرب إلى المرحلة التي تفرض على العدو الاستسلام من خلال عدم تمكنه من الاستمرار فيها.  


حيث إن الزمن من أهم العوامل التي تتحكم في أي مواجهة عسكرية أو غيرها لا بل هو العامل المتحكم بأغلب قراراتنا الفردية والجماعية لما له من تأثير على كل مناحي الحياة ,ومن المؤكد إن نسبة تأثير عامل الزمن يختلف من قضية إلى أخرى ,وما يهمنا هو إن الزمن عامل أساسي وحاسم في الكثير من الأمور العسكرية سواء على المستوى الاستراتيجي أو السوق العسكري أو التعبوي, ومن الملاحظ إن اغلب الدول الذي تعتمد الرأسمالية كنهج في تسيير اقتصادها تلجا إلى محاولة حسم أي صراع تدخل فيه وخاصة الصراعات العسكرية بأسرع وقت ممكن قبل أن يظهر تأثير تكاليف هذا الصراع عليها مما سيؤدي إلى التأثير على قراراتها أو تحمل ردود أفعال دافع الضرائب الذي يمول هذه الصراعات والذي يقوم بإلادلاء بصوته في الانتخابات التي تأتي بفلان أو علان إلى البيت الأبيض مما يوضح أهمية التكاليف وبالتالي الزمن الذي يضاعف هذه التكاليف في أي مواجهة ,وخاصة أذا كانت بعيدة عن حدوده ومع دول لا تشكل أي خطورة مباشرة عليه, إضافة إلى كذب الادعاءات التي سيقت كمبررات لهذه الحرب ,وهنا تأتي أهمية الزمن الذي يعني الاستمرار في صرف المزيد من المليارات لتمويل هذه الحرب في الوقت الذي يعاني اقتصاده من أزمة أدت إلى ملايين العاطلين وإفلاس المئات من الشركات والبنوك التي هي عمود الاقتصاد والتي كانت هذه الحرب احد أسبابها الرئيسية .


من كل ما جاء أعلاه يتضح إن الإدارة الأمريكي قد أخطأت مرتين, الأولى عند احتلالها للعراق والثانية عند إعلانها نهاية العمليات العسكرية ولنفس الأسباب .


من ذلك يتضح دور المقاومة العراقية منذ بداية مشوارها التحرري ومازالت مستمرة والذي أدى إلى تحجيم الدور السياسي للولايات المتحدة الأمريكية العالمي من خلال إنهاء مرحلة القطب الواحد الذي كانت تمثله , فتهيأت الساحة العالمية لمرحلة ما بعد القطب الواحد ,وهذه كانت هدية المقاومة العراقية للإنسانية وللتاريخ ,بل إن الحقيقة إنها قد جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية والجيش الأمريكي والتهديدات الأمريكية عبارة عن أضحوكة ومهزلة لشعوب العالم والتي كانت من نتائجها الأزمة الاقتصادية العالمية والتغيير الذي طرا على أساليب السياسة الخارجية الأمريكية والتي أرغمت عليه ,والذي لم يكن برغبتها ولا بقناعتها ولا بإرادتها,لان موقعها كدولة عظمى يمكن أن تحدد الاملاءآت وعلى الآخرين التنفيذ, قد ولى , وان موقعها كدولة ترسم وتتحكم بمصير العالم دون الالتفات إلى مصالح وطموحات هذه الدول وسيادتها قد ولى أيضا,إضافة إلى انتهاء سيطرتها المطلقة على المنظمات الدولية , ويبدو إن الكثير من السياسيين الأمريكان قد فهم الدرس حتى وان لم يعترفوا بذلك والدليل ما نراه من تغييرات ابتداء من وصول اوباما إلى سدة الحكم وما يمثله من اتجاه, محاولة لاستعادة ما تبقى من ماء الوجه ومحاولة للمحافظة على اكبر قدر ممكن من المصالح وبأقل التكاليف والخسائر ,وكل ذلك لأنها فقدت قوة الردع التي تملكها,والأصح إن المقاومة العراقية أفقدتها هذه القوة التي كانت تعطيها الزخم والقوة للسير في طريق أمركة العالم باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان والتفاهات الغربية والتي أدت إلى ملايين الشهداء وملايين المهجرين وتدمير حضارة ودولة ومن لا يستجيب فان حاله لن يكون بأفضل من حال حكم البعث في العراق ,وهذا ما أرادوه ولكن فعل الشرفاء أبطال المقاومة قد غير هذه المعدلة لصالح قوى الثورة والجهاد والمبادئ والتي أدت إلى بداية النهاية , وما على القيادات سوى استثمار الفوز الذي تحقق بدم الشهداء ودموع الأمهات واليتامى ,لقد حان وقت الحصاد فلا تتهاونوا وما حكومة العملاء وأحزاب السلطة وجيش وشرطة السلطة إلا هياكل كارتونية تنتظر اللحظة التي تفر بها ,فان كل قطرة دم زكية أريقت في سبيل الله قد أصبحت برقبتنا وبرقبة قادة المقاومة حتى نأخذ بثأرها, ليس فقط من الأمريكان بل من كل عميل قذر باع وطنه ودينه,وعليه فان أي مصالحة أو مهادنة أو تفريط في الحقوق أو لقاء مع هؤلاء العملاء وبأي طريقة وخاصة موقفنا من العملية السياسية وانتخاباتها المسخ المزعومة والتي كانت الصفحة الثانية في تدمير بلدنا الحبيب ,ولأي سبب ما هو إلا تراجع عن  أهدافنا ومبادئنا وان اسمنا وسمعتنا وتاريخنا ومصيرنا ومستقبلنا مرهون بخطواتنا وبمواقفنا القادمة,فلا تغركم وعود الأمريكان فمثل هؤلاء لا تنفع معهم غير (القندرة), فالتاريخ شاهد على إن الأمريكان والغرب عموما لا يعطي شيء إلا إذا كانت رقبته تحت سيف الحق ,وفيتنام ليس ببعيدة ,وما تفعله الصهيونية بالقيادة الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية نعيشه كل يوم ,فلا تأخذكم بهم رحمة وان صواريخ الحق يجب إن تدك معاقلهم كل يوم بل كل ساعة وإلا لن نصل إلى اليوم المنشود ,فحذار من ألاعيبهم وحذار من إخواننا القادة العرب الذين مهدوا للغزو.


إن كل التضحيات التي قدمها شعبنا الأبي الشجاع وطليعتهم أبطال البعث والمقاومة ينتظرون بفارغ الصبر نهاية الاحتلال وعملائه سكنة المنطقة السوداء, وهذا لن يتم بسهولة وبدون تضحيات ,ومن غير المعقول أن تخرج أمريكا بجيوشها وهي تجر أذيال الهزيمة بسهولة ,بل وستحول بكل الطرق تطويق المقاومة وهنا سيأتي دور حراسها العرب في طرح المشاريع التصفوية لسرقة النصر الذي تحقق وذلك بعد أن فشلت حكومة العملاء في تنفيذ واجباتها وأصبح النصر قاب قوسين أو أدنى ,فأي محاولة لإشراك المقاومة في أي من هيكل العملية السياسية وتحت أي مسمى هو إضعاف للمقاومة ومحاولة لسرقة النصر.


إن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب في العراق على أيدي المقاومة الأبطال ,وما على المقاومة إلا رسم الخطط لكيفية استثمار الفوز, حيث إن احتلال الهدف العسكري وتدمير العدو فيه لا يساوي شيئا إذا لم يتم استثمار الفوز الذي تحقق,كان الله ناصركم وفي عونكم والله ولي التوفيق .                                               

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الأربعاء / ٢٦ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / أيلول / ٢٠٠٩ م