نصر الله ينعي الحكيم  فيطعن المقاومة العراقية !

 
 

شبكة المنصور

علي شندب / اعلامي وكاتب لبناني

اذا كان الموت حقا وحقيقة، واذا كان الموت يدفن مع الميت حقائق وأسرار، فالموت ايضا يولد حقائق ومفاجآت بل واسرار، لدرجة يظن المرء معها ان الموت بحد ذاته حدثا سياسيا، يمكن ان يرقى الى مرتبة الاستراتيجي في بعض حالاته. لا بل ان الموت في بعض حالاته يبرز وبشكل ساطع ومريع خبايا مفجوع، ما تكهن امرء ما بدرجة فجيعته، وكأن هناك شخصا اخر داخل انسان ما يتجاوز كل فلسفات الباطنية، بلحظة الموت، يتصدى للموقف فيردد "تبّا للموت.. كيف يأخذ عزيزا حكيما".


قد يكون هذا التخيل او التصوير مبالغا فيه، لكن عندما يكون الميت "عبد العزيز الحكيم" ويكون الناعي "حسن نصر الله"، تكون الحقيقة سيدة الموقف. فالسيد نصر الله عندما ينعي، اعتدنا ان يكون المنعي شهيدا مقاوما؛ ان يكون احد رجالاته الذي سقطوا في ساحات الشرف والكرامة في مواجهة العدو الاسرائيلي؛ ان يكون بطلا تُستلهم البطولة من اقدامه المنغرسة في ارض الشرف، فيصبح تقبيلها شرفا بحد ذاته.


والسيد نصر الله عندما ينعي، يتحول المأتم الى عرس والشهيد الى عريس عروسه الشهادة، والذرية المنتظرة هي وعد صادق. لذلك فهو يزف ولا ينعي.


هذه هي ثقافة النعي عند قائد اسمه حسن نصر الله، بل هكذا عودنا ان نقرأها، فصارت نهجا او عرفا. ذلك ان السيد نصر الله، عندما ينعي، فليس هو الذي ينعي، وانما صفته وموقعه "السيد"، ليس بالمعنى الديني وانما بالمعنى الرمزي كقائد للمقاومة والمقاومين. وبهذا المعنى، فهو ينعي اما رجالاته واما اقرانه من القادة المقاومين، مع استثناءات تتمثل بنعي رجالات من صنف العلماء الذين أفادوا البشرية وقدموا لها النصح والعلم والمعرفة، كما هو حال الشيخ محمد باقر بهجت.


لكن السيد نصر الله، بنعيه للسيد عبد العزيز الحكيم قد خرج عن حقيقته ومألوفه، ليدخل في حقيقة جديدة قد تنسف حقائق لطالما تم التعاطي معها كمسلـمـّات لا غبار عليها. ففي نهاية المطاف، لا يحق، بل لا يمكن، قراءة النعي بمعزل عن التعبير السياسي الذي يحمله في طياته. وبهذا المعنى، فإن السيد نصر الله عندما توجه الى السيد عمار الحكيم ناعيا والده السيد عبد العزيز الحكيم بالقول "اود ان اعبر لكم عن مشاعري ومشاعر اخوانكم في حزب الله وتأثرنا البالغ برحيل الاخ الكبير العلامة السيد عبد العزيز الحكيم عن هذه الدنيا الى جوار ابائه واجداده الميامين بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة الى الله والتبليغ والهجرة والجهاد والنضال والصبر والتضحيات الجسام في سبيل الاسلام من اجل انقاذ الشعب العراقي المظلوم واعزازه ورفع شأنه"، يكون قد بعث برسالته السياسية الى كل من يهمه الامر، ويكون قد اعلن حكمه السياسي بحق رجل لم يستطع السيد نصر الله ان يعلنه فيه وهو حي، او لم يفعل، لكنه فعلها وهو ميت.


وفي مطلق الاحوال، فعبد العزيز الحكيم وبموجب حكم السيد نصر الله هو مجاهد ومناضل في سبيل الله وسبيل انقاذ الشعب. وهي الاوصاف عينها التي يطلقها السيد نصر الله على رجالاته الشهداء المقاومين في حزب الله، وكأنه يريد او يقصد ان ينزله في منزلتهم. الامر الذي يعني ان هناك غزاة ومحتلين قاومهم عبد العزيز الحكيم يقفون في منزلة واحدة مع الغزاة والمحتلين الصهاينة الذين قاومهم ويقاومهم رجالات حزب الله. الامر الذي يعني ايضا ان السيد الحكيم قد قاوم الاحتلال الاميركي للعراق. وهو الامر غير الصحيح، فاللقب الذي يشتهر به عبد العزيز الحكيم في الشارع العراقي هو "صديق العدوين معا" اي صديق اميركا وصديق ايران.

 

واللقب الاخر الذي يشتهر به هذا الرجل في الشارع العراقي ايضا هو "ابو الفدرالية"، وهي شهرة تتوأمت مع الحكيم نتيجة مطالباته المستمرة بفدرلة العراق وتقسيمه الى ثلاث دويلات طائفية، دولة للاكراد في الشمال ودولة للسنة في الوسط ودولة للشيعة في الجنوب، وعندما فشل في الوصول بالعراق الى الفدرلة، اصر ممثلوه أثناء مناقشات اللجان التي كلفت بإعداد مسودة للدستور ان يوجد نص يقول بحق ثلاث محافظات مجتمعة في تقرير ما يشبه مصيرها، اي يحق لهذه المحافظات ان تعلن ومن جانب واحد استقلالها في دولة خاصة بها تنفصل عن الوطن الام، العراق. وعبد العزيز الحكيم هو، وكما يجمع غالبية المراقبين للمشهد العراقي، احد ابرز مؤسسي ومنظري نظام المحاصصة الطائفية في العراق، والذي اول ما تجلى بمجلس الحكم الذي ترأسه الحكيم في اولى فتراته. وعبد العزيز الحكيم، قبل كل ذلك، هو القائد العسكري الاول لفيلق بدر ذات الخمسين الف عنصر او اكثر والمتهمين بارتكاب اعمال ارهابية وطائفية بحق ابناء الشعب العراقي، وقد اتهمته اكثر من جهة سياسية عراقية بالوقوف وراء الهجمات الارهابية الاخيرة في المنطقة الخضراء، بهدف احراج المالكي واشهار ضعفه في تأمين الامن والاستقرار للعراقيين، وبالتالي احراق شعاره "دولة الامن والقانون" الذي يعتقد البعض انه سمح للمالكي بجذب جزء من الشارع العراقي على حساب احزاب اخرى، خسرت انتخابات مجالس المحافظات وكان ابرزها حزب الحكيم.


ان كل هذه المعطيات تقود لطرح مجموعة من الاسئلة الجوهرية والكبيرة: فلماذا وصف السيد نصر الله عبد العزيز الحكيم بالمناضل والمجاهد، وهو ليس كذلك؟ وهل أخطأ السيد نصر الله في وصفه ام انه لم يخطأ، قاصدا امرا بعينه؟ ثم ما هي تداعيات ذلك على حزب الله بشكل العام والسيد نصر الله بشكل خاص؟


ان محاولات جدية لاجابات جدية ومنطقية لهذه الاسئلة تفرض علينا الجرأة في القول ان نعي ورثاء المالكي وورفسنجاني وخامنئي ورجالات اخرى من هذا المقام والنوع، للسيد عبد العزيز الحكيم قد بنيت، اساسا وجوهرا، على "مأثرة" مواجهة هذا الرجل لصدام حسين ونظامه. فالمالكي نعا الحكيم قائلا "عرفنا الحكيم عالما، مجاهدا صابرا في مواجهة النظام الدكتاتوري البائد"، ورفسنجاني نعاه بالقول "لقد كان عالما تقيا ومجاهدا قارع نظام صدام حسين لسنوات متمادية"، اما الامام الخامنئي فرثاه مصرحا "ان الحكيم قضى حياته في مواجهة صدام حسين".


انطلاقا من ذلك، فلو اخذنا حملات النعي هذه، وأسقطناها على نعي السيد نصر الله للسيد الميت، مع الاخذ بعين الاعتبار عدم مواجهة الحكيم للاحتلال الاميركي لا بل دعمه وسيره في ركب ومركب هذا الاحتلال، واعتلائه ظهر الدبابات الاميركية الزاحفة لاحتلال بغداد والعراق، لتوصلنا حتما الى نتيجة لا يرقى اليها الشك مطلقا، وهي ان السيد نصر الله انما وصف الحكيم بالمجاهد والمناضل، فقط، لما بذله هذا الاخير من جهود وما حاكه من فتن ومؤامرات للاطاحة بصدام حسين، خصوصا ان السيد نصر الله قد ربط "جهاد ونضال" الحكيم بما اسماه "انقاذ الشعب العراقي".
وبهذا المنطق الواضح والجاحظ، يكون السيد نصر الله قد لعب بثوابت ومسلمات، كمن يلعب بالجمر والنار. فمن الآن وصاعدا، وكما يفهم من كلام نصر الله، "النضال والجهاد ضد خصم داخلي هو شرف يسقط عنك كل خياناتك وعمالاتك للعدو الخارجي حتى لو كان هذا العدو اميركا، وضمنا اسرائيل"، وهذا هو حال وتاريخ عبد العزيز الحكيم. فالشيطان الاكبر ما عاد اميركا وما عاد اسرئيل وانما هو نظام عربي يقف سدا بوجه مشروع ما.


اذن، المسألة تتجاوز ازدواجية المعايير التي يشتهر بها السيد نصر الله والتي كنا قد كشفنا عنها في مقال سابق، لتصل الى حدود استحضار نظريات خطيرة وهستيرية وبالتحديد نظرية ميكيافللي القائلة بـ "الغاية تبرر الوسيلة". لكن هل يحتمل السيد نصر الله تبني خصومه لتلك المعادلات التي اخذ بها؟ وكيف يمكنه بعد ذلك ان يحاججهم؟.


لا يمكن للسيد نصر الله ان ينكر انه قد اصبح في لبنان وبعد احداث السابع من ايار، اصبح يُنظر اليه من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين، تماما كما نظرت شريحة الحكيم والسيستاني والخامنئي الى صدام حسين. قد لا يكون هذا رأي خاص لكنه بالتأكيد رأي سوادا اعظما من سُنـّة لبنان ودروزه، الذين منحهم نصر الله رخصة الاستعانة بأي كان ليصبحوا اقوياء، والاخطر انه قدم لهم ولغيرهم الحجة والدليل عندما يقررون انكار موقعه وسيادته على المقاومة فكرا وعملا، كيف لا، سيما وان تمييز المقاوم عن العميل الخائن لم تعد تتجاوز كونها وجهة نظر، واستنساب. فرب مواطن لبناني مؤيد للسيد نصر الله قرأ وشاهد بيان نعي السيد للحكيم، فاندهش وقال "كيف لسيد المقاومة وزعيم حزب الله ان ينتقد ويستنكر القداس الذي اقامته الكنيسة المارونية في لبنان عن نفس "العميل عقل هاشم" نائب انطوان لحد، ثم يفجع بموت هاشم العراق وعقل العمالة فيه، عبد العزيز الحكيم، فيتصدى لموته بنعي حسيني يفي بالمناسبة ويفيض!". ورب مواطن عراقي شيعي يسمع نعي نصر الله للحكيم، فيقول "اذا لم يكن الحكيم عميلا فمن هو العميل! واذا كان الحكيم مجاهدا ومناضلا فما هي الاوصاف التي تبقت لنطلقها على المقاومين الشرفاء في العراق!"؛ المقاومين العراقيين الذين منحهم السيد نصر الله في السابع من ايار اللبناني رخصة الهجوم على العملاء في العراق لاستئصال شأفتهم، بعدما تمادوا في تآمرهم مع الاحتلالين السياسي والعسكري على المقاومة العراقية، كما يقول مقاوم عراقي. فهل يقبل السيد نصر الله بهذا الاسقاط فيبارك على الملأ سلوكا مشابها لسلوكه بعدما تم التبريك ضمنيا، ام سيقع في فخ الازدواجية مجددا وينكر حق المقاومة العراقية في تخليص الشعب العراقي من الخونة والعملاء ويندد بأي سلوك مقاوم من هذا النوع؟.


كل هذا الكلام هو خطأ والسيد نصر الله بالتأكيد يعرف ان الحكيم عميل وغير مجاهد، لسبب بسيط، هو نعي سيد المقاومة لسيد العمالة ووصفه بالمجاهد، يعني ان نصر الله قد وضع الحكيم في مرتبته شخصيا. وهذا ما لا يمكن ان يصدقه مجنون. لكن لماذا فعلها نصر الله؟


هل يكون الجواب شافيا لو قلنا ان الحكيم هو سيدا؟، فالسيد بهذا المعنى يتعرى من ثوبه السياسي لنراه فقط بثوبه الديني، الذي يمنحه عصمة عن الخطأ وعن مصطلحات اخرى من عائلة العمالة والخيانة. لكن السيد نصر الله يعيدنا الى مربع الشك والحيرة عندما يردد على مسامعنا في كل خطاب يلقيه: ان الخيانة والعمالة هي آفات لا وطن ولا دين ولا مذهب ولا مبررات لها.


اذن، لم يبقى الا تفسيرا واحدا يتيما نجد السيد نصر الله امام عبء دحضه واثبات عدم صحته وهو ان "سيد المقاومة في لبنان" هو "حليف استراتيجي لأسياد" العملية السياسية في العراق، وهي التنظيم السري لاستئصال المقاومة في العراق؛ المقاومة كمشروع متناقض مع مشروع كبير لم يتردد السيد نصر الله في وضع نفسه جنديا لحماية اسواره واسراره...

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبب  / ١٥ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أيلول / ٢٠٠٩ م