حوار الأستاذ المناضل الرفيق : علي الريح الشيخ السنهوري
عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي
و أمين سر قيادة قطر السودان  
لصحيفة أخبار اليوم  

﴿ الحلقة السابعة ﴾

 
 

شبكة المنصور

 

الحزب الشيوعي السوداني كان حزباً ناصرياً  أكثر منه حزباً ماركسياً!!!

 

عبدالخالق محجوب استعجل القيام بحركة 19 يوليو لانقاذ الحزب الشيوعي من الذوبان في مايو ؟!!

 

في المعتقل كاد الشيوعيون أن يفتكوا بالدكتور أبوالقاسم الشرتاي بسبب نظرية دارون !


اعترف لي عبدالخالق أن الحزب الشيوعي لم يؤسس تنظيما على أساس الفكر الماركسي ؟

 

الحزب الشيوعي السوداني هو الحزب الوحيد الذي لم يعترف بالكيان الصهيوني

 

 لازلنا مع ضيف أخبار اليوم نبحر في دروب البعث  والسياسة ونقلب الأوراق التاريخية ونستحضر المواقف والأحداث مع محدث لبق الحديث حلو العبارات هاديء النبرات .. عركته المعارك السياسية وهو يلتحف رداء القومية مقاتلاً في فضاءات عالمنا العربي.. يحلم بعالم مثالي الاشجان.. والاشواق .. ويراه قريباً في متناول اليد ولكن تحفه الأشواك من كل جانب .. أنه الاستاذ على الريح الذي نصحبه في هذه الحلقات المثيرة.. فالى جانب آخر من دروب المسرح السياسي.. نلقي الأضواء ونبحث عن الإجابات !! التحليلية الفلسفية المباشرة.

 

شخبطة الحيطان هي وسيلة من وسائل المعارضة للأنظمة حيث تكتب الشعارات المضادة للنظام على حوائط المنازل وغيرها.. استاذ سنهوري هل هذه الممارسة هي قرار من الحزب أم هي إجتهادات من البعثيين ؟

 

الأحزاب الثورية تمتلك الجرأة في النضال .. في ظل الديكتاتورية قد لا تتوفر أمامك فرصة لمخاطبة الجماهير فتخاطبها بوسائل العمل السري بالجريدة السرية التي توزع على الناس بطريقة سرية ..اما الشعارات الاساسية التي تريد من أوسع الناس أن يطلعوا عليها فتكتب على الحائط.. وفي الحقيقة في الحقبة المايوية وبداية الأنقاذ إشتهر البعثيون بهذا الأسلوب وكان له دور كبير بالذات في الفترة من مايو 84  الفترة التي وجدت فيها محاكم الطواريء .. ووصل فيها الأرهاب الى مستوى لم يصله في أي وقت مضى في السودان.. كان ممكن أن تقطع يدك أو رجلك دون أن تكون لك القدرة على نقض هذا القرار بأية وسيلة من الوسائل ..وبتهم واهية.. مثل تهمة الفساد  في الأرض ..وانت تعلم أن البعثيين قدموا إلى محكمة بتهمة الردة . وكان المقصود محاكمة فكر البعث في تلك الفترة .. هذه الحالة خلقت قدرا عالىا من الرعب وسط  الجماهير وبكل أمانة أقول ان كل القوى السياسية قد تراجعت وانحنت أمام عاصفة  القمع تلك  ولكن البعثيين رأوا أن النظام يحاول أن يكتسب هيبة من خلال الأرهاب لاخضاع الشعب فقرروا أن يتحدوه وان يكسروا هذه الحالة. وأن يضعفوا هيبة النظام.. فلذلك كثفوا من الكتابة على الحائط.. وكانت وسيلة أنجح من وسيلة البيانات.. البيانات في الفترة من  أبريل 84 إلى أبريل 85..

 

طلعت مئات المنشورات من حزب البعث العربي الاشتراكي وكانت جريدة الهدف تصدر شهرياً واحياناً أكثر من مرة في الشهر ولكن دور الشعارات في الحائط وتأثيرها كان أكبر من تأثير البيانات وجريدة الهدف فالمسألة هذه أدت لأضعاف النظام وكنا كما قال المرحوم بدر الدين مدثر في تلك الفترة ( أن حزب البعث إما مطارد أو مُطارد) للنظام واعتقل عدد كبير من البعثيين جاوز المئات في مناطق السودان المختلفة ومع ذلك كان الحزب مصمما على أن يستمر إلى ان يتم اسقاط الحكومة واعلن في جريدة الهدف تحديه للنظام وقدرته على اسقاط النظام ..قلنا نحن مستعدون لتقديم التضحيات ونحن متأكدون في ذات الوقت أننا سنسقط النظام قبل ما نسقط بواسطة أجهزة قمع النظام وقد كان فعلاً.. تمكن البعثيون والوطنيون من اسقاط نظام نميري قبل أن يتمكن نظام نميري من اجتثاث البعث في السودان. وقدكانت هناك خطة للأجتثاث ..النظام كان ضالع في هذه الخطة بتأييد من أجهزة خارجية منها الـ (C.I.A) التي كان لها وجود ميداني داخل جهاز أمن الدولة ! وانشأت غرفة عمليات لمراجعة فكر وسيكالوجية حزب البعث والبعثيين وكيفية مواجهتهم واقتلاع هذا الحزب ولكنهم فشلوا ونجح الحزب ونجحت الانتفاضة ونجح الشعب في اسقاط نظام نميري.

 

وكان لهذه الشعارات دور كبير في تعبئة الجماهير. وحينما يكون هناك إنفراج ديمقراطي ولو ضمن هامش ضيق مثل الهامش الموجود الآن. فالناس لاتلجأ لمثل هذا الأسلوب . نحن لا نلجأ لمثل هذا الأسلوب إلا عندما لا تتوفر امامنا الفرضه في أي عمل ديمقراطي .. عندما يلغي هذا الهامش ولا تكون امامنا أية فرصة لمخاطبة الجماهير فحينها نستميح أصحاب البيوت عذراً أننا سنستخدم حوائطهم في توعية الشعب!!!

 

أصحاب هذه المنازل ألم يقدموا أي أحتجاج ضد هذه الكتابات؟!

 

بعضهم .. أو قليل جداً منهم كانوا ينزعجوا ويرفضوا وكنا نراعي هذه المسألة ولكن الأكثرية كانوا يرحبون بذلك. مع ذلك بعد أن تجاوزنا المرحلة الصعبة تلك قبلها وبعدها كنا نقول الكتابة تجري في المؤسسات العامة المدارس مواقع لاتشوه منازل المواطنين أو جدران حوائطهم.. ولكن للضرورة أحكام وإذا إقتضت الضرورة ذلك فهذا جزء من التضحية التي يقدمها المواطن في سبيل  بلده واضعف الإيمان ان يسمح بالكتابة على حائط المنزل الخارجي حيث أنه لا يتحمل مسؤلية ذلك إنما الكاتب هو الذي يتحمل هذه المسئولية فيمكن أن يعتقل ويعذب ويحاكم.. ولربما يفقد حياته ! .

 

ولكن عندما تنتفي الضرورة كما هو الحال الآن لا يمكن أن نلجأ للكتابة على جدار أي مواطن من المواطنين حتى لو أردنا أن نضع (بوستر) على الجدران الآن فاننا نستأذن صاحب هذه الجدران فإذا وافق نضعها وإذا لم يوافق لا نضعها.

 

في حلقة سابقة ذكرت أن محمد أحمد الريح رجل متدين .. وقاريء للقرآن ثم ذكرت أنه أقرب للحزب الشيوعي من حزب البعث في ميوله فكيف تفسير ذلك؟!

 

الشهيد محمد أحمد الريح كان رجلاً متدينا .. مصلياً قارئاً للقرآن .. يخاف الله في كل كبيرة وصغيرة ومع ذلك ومنذ أن كان في المدرسة  الثانوية.. كانت له ميول إلى جانب الحزب الشيوعي باعتبار أن الحزب الشيوعي كان الحزب التقدمي الوحيد في ذلك الحين في السودان من ناحية .. ومن ناحية أخرى فان الحزب الشيوعي في تلك الفترة لم يكن يطرح الماركسية من الناحية الأيدلوجية كان الحزب الشيوعي يعتمد على البرنامج السياسي البرنامج ضد الاستعمار واعمار البلد ويطرح شعارات التقدم وفي مرحلة الستينات إنتقل الحزب الشيوعي إلى طرح أقرب إلى الناصرية منه إلى الماركسية وكانت شعارات الحزب الشيوعي في الشارع السوداني ( نحن نناصر عبدالناصر) (للاشتراكية عبدالناصر .. للحرية عبدالناصر..

 

لوحدة العربية عبدالناصر) وهي الشعارات التي جمعته مع التيار القومي العربي التقدمي في الساحة السودانية لدرجة ان عددا كبيرا جدا من القوميين والعناصر القومية التقدمية قد إنتسبوا إلى الحزب الشيوعي السوداني.

وليس هناك أي تناقض في هذا الموضوع . بين أن يرتبط محمد أحمد الريح أو غيره في ذلك الحين بالحزب الشيوعي مباشرة أو في التنظيمات الديمقراطية المرتبطة بالحزب الشيوعي إذ أن الحزب الشيوعي كما ذكرت كان جبهة عريضة تجمع كل التقدميين والوطنيين في السودان ولذلك في فترة الستينات تحول الحزب الشيوعي إلى قائد للحركة الجماهيرية النقابية وحركة المزارعين وغيرها .. وقد تميز الحزب الشيوعي السوداني عن غيره من الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي.. انه الحزب الوحيد الذي لم يعترف بالكيان الصهيوني ولم يقم علاقات مع الحزب الشيوعي الاسرائيلي.. وكان يحترم استقلاليته كحزب شيوعي عن الخط المركزي للاحزاب الشيوعية في العالم ويعود الفضل في ذلك إلى شخصية وقدرات المرحوم عبدالخالق محجوب فهو الذي صاغ النظرية الوطنية للحزب الشيوعي السوداني في تلك المرحلة   .

 

إنقسام الحزب الشيوعي :

 

ولكن هذه المسألة جعلته يواجه مشكلة كبيرة بعد 25 مايو ..لأن 25 مايو 1969م طرحت برنامج القوى الوطنية والتقدمية في السودان ووجد فيها كل التقدميين الوطنيين السلطة التي تعبر عن أفكارهم وبرامجهم واستطاعت أن تستقطب اعدادا  كبيرة من الشيوعيين حتى عندما بدأت تتحول من سلطة وطنية  إلى سلطة تعتمد على الأجهزة المباحثية. وحتى عندما بدأت تتحول من سلطة وطنية إلى سلطة تعتمد على الاجهزة المباحثية.. وحتى عندما بدأ يظهر التناقض بينها وبين الحركة الشعبية ظل عدد مقدر من الشيوعيين مرتبطبين بسلطة مايو اكثر من ارتباطهم بالحزب الشيوعي وتطور هذا الموقف ليتجلى في انقسام مجموعة معاوية سورج . ومجموعة معاوية سورج لم تكن بالمجموعة الصغيرة بل شكلت الأكثرية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وخرج فيها من خرج من قادة الحركة الشيوعية. الحاج عبدالرحمن والشيخ الأمين . أحمد سليمان وفاروق أبوعيسى . هذا التطور جعل المرحوم عبدالخالق محجوب يشعر بالخطر على وجود الحزب الشيوعي السوداني ولذلك عمل على تميز الحزب الشيوعي عن سلطة 25 مايو وانتبه إلى أن برنامج الحزب الشيوعي الذي اعتمد عليه طوال المرحلة السابقة لا يتميز عن برنامج 25 مايو.

 

ما هي الخطط التي أتبعها عبدالخالق لمجابهة هذه الأشكالية؟

 

في هذه المرحلة بدأت عملية العودة للتثقيف الماركسي للكوادر ..ولاحظ أن الفترة كانت قصيرة جداً بين الأنقسام داخل الحزب الشيوعي وحركة 19 يوليو.. لذلك يقال ان من الأسباب التي دفعت عبدالخالق إلى استعجال قيام حركة 19 يوليو هي محاولته لانقاذ الحزب الشيوعي . فإذا نجحت حركة 19 يوليو يستطيع أن يميز الحزب الشيوعي عن 25 مايو .. وإذا فشلت حركة يوليو التصحيحية فسوف يتحول الحزب الشيوعي إلى حزب معارض لنظام 25 مايو وفي كلا الحالتين يستطيع أن ينقذ الحزب الشيوعي من محاولات الاحتواء من نظام 25 مايو

.. 

لقد أدرك عبدالخالق محجوب منذ فترة مبكرة منذ منتصف الستينات ماأدركه دكتور حسن الترابي متأخرا في منتصف الثمانينيات . وهو خطر العداء للتيار القومي العربي التقدمي حيث  أن الحركتين كانتا معاديتين للتيار القومي العربي إلى مطلع الستينات . ولكن الشيوعيين بقيادة عبدالخالق  محجوب سرعان ما غيروا موقفهم وبدأوا في الانفتاح على الحركة القومية التقدمية وفي  هذا الصدد سعي المرحوم عبدالخالق محجوب لاقامة تحالف وثيق مع حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان و مع القيادة القومية في بغداد.. وكان مهتماً جداً بأن لا يتهم الحزب الشيوعي بالعداء للحركة القومية أو لايحارب انطلاقا من هذه الفكرة أن الحزب الشيوعي معادياً للحركة القومية بينما دكتور حسن الترابي انتبه لهذه المسألة فقط في الثمانينيات ومارس نقداًَ ذاتياً أو مارست الحركة الاسلامية نقداً ذاتياً لمواقفها المعادية لعبدالناصر وللحركة القومية وبان هذا الموقف قد جلب لهم خسائر كبيرة وسط الشعب .. من هذا كله يمكنك أن تدرك أن الانتساب للحزب الشيوعي أو لأي من تنظيماته الديمقراطية في تلك المرحلة لم يكن شيئاً غريباً من عناصر متدينة أو قومية إلى آخره.. لأن الحزب الشيوعي كان إطاراً فضفاضاً مفتوحاً لكل الوطنيين والتقدميين . هذا الشعور بالتناقض بين الدين والماركسية لم يكن قائماً في ذلك الحين.  

 

وساذكر لك بعض الطرائف في هذا الشأن .. وهو أنه بعد أن اعتقلنا بعد 22 يوليو 91 كان أأمتنا في الصلاة في المعتقلات من الشيوعيين . وفي أحدى المناسبات تحدث دكتور أبوالقاسم سيف الدين الشرتاي في ندوة (وهو ليس شيوعياً ولا بعثياً واعتقل ضمن المواطنين الذين اعتقلوا لانه جرت اعتقالات واسعه جدا وسط الذين ليست لهم علاقة بالأحزاب الثورية وانما لأسباب كيدية وغيرها ) فتقدم الدكتور الشرتاي بدعوة من بعض الأخوة لطرح محاضرة حول (نظرية دارون) باعتباره دارس لهذه النظرية وخبير زراعي . فعرض الرجل النظريه وعندما انتهي من العرض كاد الشيوعيون أن يقتلوه .. حدثت مشكلة كبيرة جداً بينه وبين الشيوعيين الذين اعتبروا محاضرته تلك تحتوى على تشكيك في القرآن .. (حول بداية الخلق) وتتبني خط لا ديني وكادوا أن يفتكوا به وكنا نحن نقوم بحجزهم وتهدئتهم ونحمي هذا الرجل من غضبهم باعتبار أنه ليس مؤمناً بهذه الأفكار وإنما هو يعرض نظرية من النظريات للتنوير والمناقشة.

 

إعتراف عبدالخالق محجوب !

 

وهذا يدل على أن قاعدة الشيوعيين آنذاك لم تكن تلك القاعدة الملحدة أو غيرها لأنهم لم يتثقفوا بالماركسية . وقد اعترف لي المرحوم عبدالخالق محجوب في لقاء جمعني به في منزل دكتور شيخ ادريس عبدالرحيم بالأبيض وبحضور ساتي بكري بأن الحزب الشيوعي لم يدرس الماركسية ولم يؤسس تنظيما على أساس الفكر الماركسي وإنما أسسه على أساس برنامج وطني تقدمي. فالحزب الشيوعي السوداني إلى مطلع السبعينيات من القرن الماضي لم يكن حزباً ماركسياً بمعني الكلمة.. الماركسية كانت هي ثقافة الكادر المتقدم أو القلب داخل الحزب الشيوعي ولكن العضوية الواسعة للحزب الشيوعي وجمهور الحزب الشيوعي لم يكن جمهوراً متأدلج ماركسياً.. لم يكن جمهوراً يتبني الأيدلوجية الماركسية بأبعادها الفلسفية والمادية.


وكنت في حلقة سابقة في بداية هذا التوثيق قد ذكرت لك أن مختلف الأحزاب السودانية وعلى رأسها الحزب الشيوعي والاتحادي والأمة قد صعدت على موج التيار القومي التقدمي. والتيار الناصري مما ضيق الهامش أمام الحركة القومية في الكسب والتوسع جماهيرياً ..في ذلك الحين كان التمييز بين الحزب الشيوعي والاشتراكيين العرب  صعباً , فالناس كانوا يتهمون الاشتراكيين العرب بأنهم شيوعيون أو إحدى مدارسهم الماركسية ننتيجة التقارب الكبير في الطرح الذي كان قائماً في الفترة التي توحدت فيها الساحة خلف الشعارات القومية التقدمية .

 

الخرطوم الأمس واليوم :

 

لنخرج قليلاً في إستراحة بعيداً عن الاحداث السياسية.. لقد أخذتم زمناً طويلاً في العراق ثم كانت العودة للخرطوم ثابتة فكيف رأيت الخرطوم بعد طول الغياب هذا ؟!

 

الخرطوم القديمة هي نفسها مع بعض التغييرات على الصعيد العمراني.. ولكنني بحكم اهتماماتي الفكرية رأيت أن الأنقسام الطبقي صار أكثر حدة . والهوة إتسعت بين الأغنياء والفقراء.. وأن الطبقة الوسطى قد ذابت تقريباً ..قد تراجعت إلى مستوى الكادحين بينما صعد البعض منهم إلى الفئات العليا في المجتمع.. لاحظت أن الثروة أصبحت محتكرة من فئة قليلة من الشعب السوداني .. لا تتجاوز (نصف في المائة).


هذه الثروة .. لم يديروها في الإتجاه الصحيح .. فهذه الثروة لم تترجم إلى مصانع ومزارع ومؤسسات إنتاجية وتنموية . أو مؤسسات خدمة منتجة بقدرما تحولت إلى فلل وقصور فارهة .. وإلى نوع من الترف وزيادة النزعة الاستهلاكية وبالقدر الذي كان متوفراً من الإنتاج الصناعي والزراعي قد تراجع في السودان وحل محلة النشاط التجاري الذي إعتمد على الاستيراد .. بما في ذلك استيراد سلع زراعية وصناعية باسعار متدنية مما جعل  المنتج المحلي غير قادر على المنافسة .. وهذا نهج مستمر حتى يومنا هذا .. الاعتماد على الاستيراد وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي.

 

ومن ناحية اخري تضخمت المدن على حساب الريف بسبب اهمال الزراعة ونتيجة للاعباء الثقيلة التي ناء بها ظهر المزارعين مما جعلهم ينفرون من القطاع الزراعي . ويحتشدوا في المدن وبالذات العاصمة ويمارسوا نشاطات طفيلية لاعلاقة لها بالإنتاج وبالطبع هناك عوامل طبيعية فالجفاف والتصحر الى جانب الحروب قد اسهمت في دفع اعداد كبيرة من المواطنين للنزوح إلى المدن حيث وضع الأمن فيها أفضل من الريف ..ولكن النهج المالي والاقتصادي الذي اعتمد على نشاط  رأس المال الطفيلي أي النشاطات غير المؤسسة التي تركتز على الفساد والفوضى وعلى اغتنام الفرص دون ضوابط من الدولة لعبت دورا كبيرا في هذا الامر .

 

التراجع عن الثوابت  الوطنية :

 

ومنها أيضاً تصفية القطاع العام وتشريد العاملين هذه العملية انعكست على الحركة النقابية وانعكست على سلامة النسيج الاجتماعي في البلد الذي أصبح هشاً ..وجملة هذه الأمور انعكست على القيم والأخلاق لذلك نلاحظ التراجع عن الثوابت الوطنية والثوابت الدينية وفجور بعض العناصر بما في ذلك الالتجاء إلى الكيان الصهيوني.. هذه كلها دلالة على الانحطاط في القيم وفي الأخلاق . هذه المسائل مرتبطة بعضها ببعض إرتباطا وثيقا . فالازمة العامة في السودان الأساس فيها والجانب المهم هو الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاسات هذه الازمة على الكل.. وفي ظل  غياب تنمية متوازنة في ظل غياب عدالة اجتماعية في ظل غياب دولة القانون التي يحتكم إليها الناس. كان لا بد ان  تهز القيم وتهتز المثل. ويحدث هذا الخلل الأخلاقي .. هذه إنطباعاتي منذ الأيام الأولى لقدومي إلى البلاد.

 

بالطبع كل سوداني يعرف ان الدخل العام الدخل الشهري لاكثرية السودانيين الساحقة لا يتناسب على الاطلاق مع احتياجاته ومصروفاته الشهرية.  

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الإثنين / ١٧ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أيلول / ٢٠٠٩ م