العقيد القذافي يحدث العالم بالعربي

 
 

شبكة المنصور

أ. د. كاظم عبد الحسين  - أكاديمي عراقي

الفيلسوف, هو الباحث عن الحقيقة وسبل اثباتها واتباعها كمنهج حياتي مقابل مناهج التضليل والتزوير والتدليس. والحقيقة, كلمة متعددة الدلالات شاملة لمعاني كثيرة .. الله سبحانه، هو الحقيقة الاعظم والأهم في الكون وكينونته، لذلك فان من يتجنب الحقيقة بأي شكل من الاشكال فانه يجحد بحقيقة الله سبحانه وتعالى سواءا كانت الحقيقة الربانية التي يتعامل معها وفق فهم يهودي او مسيحي او اسلامي او غيرها. والى جانب الحقيقة المطلقة للذات الالهية المقدسة فان: الاديان والنبوة والكتابة والمصداقية والشرف والوفاء والامانة وغيرها من الفضائل والقيم الايجابية كلها حقائق ترتبط بالحق الالهي المطلق لانها هي جوهر الطريق الى آخرة مضمونة العواقب في جنان الخلد وبعيدا عن نار الله الموقدة.


الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي اثبت امس امام العالم انه فيلسوف من الطراز الاول وعربي مسلم من طراز متفرد لانه اخترق رؤوس العالم الخاوية, المتثاقلة بهَمْ الخوف, الساقطة تحت اراجيف الجبن والنفاق والتحريف .. اخترقها كلها بحقائق الفلسفة وفلسفة الحقائق .. الحق والصدق والشرف والشجاعة والموقف المنتمي الى الله والى الله وحده.


كنا نسمع عن توق قذافي ومواقف قذافية وتقاطعات قذافية تصطرع كلها في بوتقة الرغبة في قيادة القومية العربية والتصدي لمقومات وحدة الامة. وكنا نقرأ طروحاته وتنافسه مع رؤوس القومية وهو يحاول ان يثبت ذاته ومنهجه القومي العروبي المسلم وكان ذلك يسعدنا تماما، لأن التنافس في هذا الاطار مثمر حتى لو بدى عليه بعض الغبار او الاتربة هنا او هناك ومن هذا الطرف او ذاك في ظل التناطح تحت غيوم سايكس بيكو التي لاتمطر علينا غير البؤس والتخلف. ولم يستطع اي دعيّ ان يتهم العقيد ونظامه بالعمالة رغم ان هناك دعوات منها ما هو مصيب ومنها ما هو يغرد خارج السرب تماما باتجاه تعزيز اتجاهات وتطبيقات الديمقراطية والمعارضة على سبيل المثال. ونحن ابناء العراق كما يعلم الجميع قد كفرنا بالمعارضة العميلة الخائنة وبالديمقراطية المزيفة بعد ان جرى علينا ما جرى بدعاوى هاتين المفردتين التعيستين تحت تأثير فعل مايدعى بالمعارضة وديمقراطية الغزو والاحتلال, ووصلنا الى قناعات مريرة من ان الديمقراطية لاصلة لها بالمعارضة وفق مفاهيمها الحقيقية في ساحة العراق وربما في ساحات اقطار عربية اخرى. وايقنا ايضا بعد سيل الدم الجارف والخراب المفجع ان المعارضة في جلها في اوطاننا تعني العمالة والانحدار بأخلاق السياسة الى احط ميكافلياتها وتعني بيع الاوطان والشرف .. بيع الحقيقة الربانية ... مقابل الوصول الى سلطة بلا سلطة وكراسي بلا قانون ولا نظم .. سلطة تحقق ارادة المحتل وسياساته تكتيكيا واستراتيجيا، وتحقق منافع فئوية وعرقية ومادية على حساب الوطن والامة والدين.


تحدث العقيد امس كأسد عربي مسلم كما لم يتحدث احد قبله من قبل, بعد ان غادر عبد الناصر وياسر وبومدين وصدام حسين. تحدث بدون وجل او خوف من ان تضيق غرفته او جناحه في الفندق المدفوع الثمن لان الرجل اخذ معه خيمته التي طالما سخر منها الساخرون دون وعي او بوعي مدنس بالسحت الحرام ومدفوع الثمن ومتعالي على الخيمة رغم ان رمزيتها وكينونتها في حياة العرب لاغبار عليها, وهي خيمة معلومة الابعاد ومكشوفة لضياء القمر والنجوم فلا يدخلها الظلام ولا انفاقه النخرة المتعفنة وهي مكان لا يروق لمن لايروق لهم الا العيش في معطيات الظلمة. تحدث القذافي كوريث شرعي للفكر القومي العروبي المسلم مع حزب البعث العربي الاشتراكي والقوى الوطنية والقومية والاسلامية, وكوريث شرعي للشرعيات الثورية, وكوريث شرعي لارادة المعدمين والفقراء والاميين والجهلة والمثقفين والمتعلمين وانصاف المتعلمين والعلماء, تحدث بالنيابة عن الاثرياء والاغنياء والمستثمرين والبائعين والشارين في سوق السياسة، فنطق بالنيابة عن شجاعهم وعن حقيرهم وجبانهم .. فقال للعالم انه عالم فاسد .. منخور ... متعفن .. اخرس وجبان .. عالم متجاهل ومتغابي ويمسك ربع الربع من الحقيقة دون ان يفتح عينا او فما ليبحث او يطالب بالاجزاء المبعثرة والضائعة المتبقية منها. لقد تحدث الرئيس الليبي بلسان الحقيقة دون تزويق وببساطة متناهية ترتقي الى مستوى الفن الخلاّق المعبر عن كينونة الحقيقة.


ان القومية والتوجه السياسي المُعَبَّر عنها ليس كلام على ورق، بل هو تطبيق ميداني على ساحة الواقع فيه تفرعات معلومة وواضحة للعرب من اميّهم الى عالمهم، واليقين ان ساحة السياسة العربية الرسمية وكل جغرافيتها تكاد تخلو الآن، وعلى العقيد ان يملئها بذات التوق الذي تحرك به عندما غازل عبد الناصر ونافس صدام حسين ذاك التنافس الذي ليته طال وامتد. والامة كلها تطالبه ان يملئه ليس بالخطابات فقط، بل بمد اليد والتعاون الوثيق مع المقاومة العربية عموما والعراقية خصوصا ودعمها واسنادها بكل السبل ومنها المادية التي تخلّص بعض اطرافنا المقاومة من ازمة المال التي قد تلقي بهم في احضان اعداء الامة وحملة مشروع تمزيقها جنبا الى جنب مع اميركا والكيان الصهيوني المجرم حيث صاحب الحاجة اعمى كما يُقال. وكذلك توثيق الروابط فورا مع القوى القومية والاسلامية الشريفة المجاهدة من اجل صيرورة الامة ووحدتها وكرامتها. وهذا الذي نقول به ليس مطلبا نضعه بين يدي القومي المسلم الشجاع العقيد معمر القذافي، بل هو واجبه والتعبير الوحيد عن انتماءه لأفق وارادة وتوجهات وطموحات الامة، وشعبنا العربي المبتلى. ولا يكفينا من الرئيس الليبي شجاعته الادبية المعهودة والمعروفة، بل هو مطالب بعد خطابه التاريخي ان يحتضن الامة كلها في طرابلس كما احتضن صدام حسين الامة كلها في بغداد.


ان ما طرحه العقيد من هموم عربية وانسانية كلها تُسَجَل له كقائد مخلص وشجاع. غير ان ما يعنينا اكثر من سواه نحن ابناء العراق بتكثيف لاينقصه الاحترام والتقدير الخاص هو:


1- ان العقيد قد طرح حقائق ما حصل في العراق بطريقة تعيد الحياة للحق العراقي الذي اريد له ان يصفىّ تصفية كلية، بل اريد له ان يُجتث اجتثاثا مبرما مع سيادة منطق واعلام الاحتلال المجرم وعملاء الاحتلال الخونة المجرمين. حيث صارت الخيانة وطنية, والاغتيال اعدام قانوني, والشرعية سفاح, والصدق نفاق وتدليس, والشفافية غموض وتيه في عالم الظلامية, والتطهير العرقي والطائفي عملية سياسية. صار عالم العراق اليوم عالما متفردا في تزوير الحقيقة وتغييب النزاهة وعفة النفوس وساد الفساد والافساد كقانون ودستور ووسيلة رثة وحقيرة لتمزيق العراق وشرذمة شعبه وتحقيق سياسات ليس احقر واخس منها سياسة في كل تاريخ الشعوب، حيث الاحزاب الكردية العميلة للصهيونية ولايران تؤسس لاقتطاع الشمال متوافقة ومتحالفة مع الاحزاب والمليشيات الفارسية المتجهة لفدرلة الجنوب كخطوة تضليل مفضوحة نحو الحاقه بايران الفارسية الصفوية. ان طروحات العقيد عن ما حصل في العراق تعيد الامل في ان تتفتح العقول التي تجمدت خلف باطل الغزو ولا شرعية الاحتلال، واغمضت العيون عن اكبر جريمة ترتكب بحق شعب وامة في زمن يدعي فيه العالم بالتحضر والمدنية واشراق شمس الديمقراطية والحرية والانعتاق من الاستغلال والرق.


2- الاعلان بشجاعة متفردة ان اغتيال الرئيس العراقي البطل الشهيد صدام حسين كان خرقا لقوانين العالم الوضعية وكفر بشرائع السماء لانه كان اسير حرب حيث أُعتقل وهو يقاتل الاحتلال ويقود فصائل المقاومة لتحرير بلده. فضلا عن الخروقات الاجرامية التي رافقت عملية الاغتيال والتي مثلت تجاسرا فضا وبشعا لارادة العرب والمسلمين ولاعراف الاسلام الحنيف. كما ان الاحتلال عمل اجرامي ليس من حق الولايات المتحدة الامريكية او اي قوة في عالم اليوم ممارسته بحيث يؤدي الى تغيير هيكل الدولة ونظامها الاجتماعي والقانوني والتربوي واخلاقيات شعبها وفق النموذج الذي طبقه الاحتلال في العراق.


3- تسليط ضوء في منبر العالم الاول والاكبر على حق العراقيين في مقارعة الغزو والاحتلال كتصرف غير شرعي وغير اخلاقي وتثبيت شهادة للتاريخ وامام كل دول العالم ان للعراقيين الحق الكامل ليس في مقاتلة الاحتلال وتفريخاته فقط، بل وفي حق العراق والعراقيين التعويض ماديا واعتباريا من الدولة المعتدية وهي الولايات المتحدة. ان العقيد قد ثبت شهادة كبيرة عن شرعية المقاومة العراقية وعن باطل العملية السياسة الامريكية كمحصلة حاصل وهذا دعم مشهود يسجل له ولليبيا التي ظلت يدها بيضاء وغير ملوثة بحيثيات غزو وتدمير العراق ويمكن ان يشكل هذا الموقف الليبي المشرف نقطة تحول في موقف الانظمة العربية حتى ولو جزئيا.


4- اعاد العقيد الى الواجهة حقيقة ان اميركا قد جيشت الجيوش ضد العراق بما فيها جيوش عربية بحجة وتحت ستار تحرير الكويت في الوقت الذي كان العراق فيه موافقا ومستعدا ويرتب مع الجامعة العربية وعدد من زعماء العرب للانسحاب من الكويت .. فكيف يتعامل العالم الجبان مع اميركا بصفة محررة رافضة لصيغة (الاحتلال) من جهة ومن جهة اخرى يتعامل معها بنفس القدر وهي غازية محتلة مجرمة؟ لقد سقطت اميركا بكل معاني ومعايير السقوط .. فلماذا يسقط معها نظام العالم في اغلبه؟ انه تساؤل سيجد اذانا صاغية إن عاجلا او آجلا خاصة وان المقاومة العراقية الباسلة تقوم بواجبها بمعاونة العالم على الخروج من رتابته وخوفه بل قل انها تحييه حتى من موت سريري لبعض اعضاءه وتشكيلاته.


ننتهي الى القول / ان كل طروحات الرئيس الليبي كانت تمثل لسان حالنا نحن ابناء العروبة والمسلمين وابناء العالم المستلب وبلغتنا البسيطة المباشرة الخالية من المناورات والدبلوماسية المنافقة. ونطالب العقيد بان يحول اقواله الى برامج عمل لدعم جهاد العراقيين لاسقاط مشروع الاحتلال وعمليته السياسية الخبيثة المجرمة. ونرى ان تتحرك ليبيا في فضاءاتها العربية والافريقية والدولية المعروفة لاعادة صفحة الميثاق الذي مزقه العربي المسلم الشجاع معمر القذافي عبر اعادة صياغته بحيث لايبقى في هذا العالم صغير يسير خلف ذيل الكبار فالكرامة الانسانية لاتعرف الصغير ولا الكبير, لاتقر بعبد او رق, لاتفرق بين اسود وابيض واصفر واسمر .. فكلنا خليقة الباري سبحانه وكلنا نحمل رسالته كخلفاء له في الارض .. ولافرق بيننا الا في مقدار ما نمتلكه من ارادة في دحر الظلم والتعسف و مقاومة خرق القانون والشرائع.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٠٥ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / أيلول / ٢٠٠٩ م