غنائم العصاة .. وواجبات الثوّار

 
 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

لكل عصيان ثمن يتقاسمه المخربون والعصاة..

وللثورة واجبات يضطلع بها الثوار..

 

لا يستطيع أيا كان أن يُنكر أن واحدة من أبرز مكونات الابداع والتواصل الحضاري والتطور والتفاعل مع كل مكونات المجتمع العراقي وفي قيادته والدفاع عنه هو وجود  الأكراد في الحياة العراقية العامة على مر العصور وإنطلاقا من حقيقة الإنتماء الوطني للعراق وليس الإنتماء للقومية أو الطائفة ..

 

ولقد مثلت مواقف الأخوة الأكراد في الدفاع عن تربة وسماء وماء العراق وكتاباتهم واسهاماتهم في مجالات الفكر والثقافة والعلوم ما قدم للمجتمع العراقي إضافات مميزة لطبيعته المتعددة الألوان والإتجاهات .

 

وفي الجانب السياسي لم يخلو حزب إشتراكي كان أم ديمقراطي ..قومي أو قطري.. ديني او ليبرالي.. من وجود عناصر كردية مؤثرة فيه ..وهذه هي سمة التعايش الحقيقي بين مكونات الشعب العراقي وواحدة من عناصر قوته .

 

وحتى عندما كانت حركة التمرد والعصيان الكردية التي قادها المرحوم مصطفى البرزاني والتي يسمونها  الآن  ( الثورة الكردية أو الكفاح المسلح الكردي )  في حين أن الذين يُنسبون انفسهم اليوم الى تلك  ( الثورة )   يعلنون معارضتهم الشديدة  ( للثورة الشعبية  العراقية الحالية المشروعة عرفا وقانونا  ضد الإحتلال الأمريكي )   ويسمونها بالأعمال الارهابية!.. فقد بقيت الرابطة القوية التي تجمع العراقي الكردي بأخيه العراقي العربي قائمة لأنها كانت تستند الى حب مشترك وهو حب العراق والانتماء اليه ..

 

وكانت العناصر الوحيدة التي تقف بالضد من العراق وشعبه وجيشه الذي ينتمي اليه  العربي والكردي هم أولائك الذين يتعاملون مع المشكلة في حينها بعنصرية وشوفينية ويتذكر الكثيرون كيف كانت بعض عناصر البيشمركة تقتل الجنود العراقيين العزل من السلاح بعد أسرهم من الربايا بدون ذنب يذكر إلا لكونهم ينفذون الأوامر العسكرية الصادرة لهم بحماية مواقعهم..

 

وتجاوز الأمر من قبل هذه العناصرالى حدود التعرض لكل سيارة مدنية تصل مناطق تأثيرهم وهي تحمل ركابا عرب وأسرهم حيث لازال مصير الكثير من هذه العوائل مجهولا لحد الآن..

 

وإرتبط توصيف العصاة بهذه العناصر لأنها وظّفت صفة العصيان لحكومة المركز في كل تصرفاتها وبغض النظر عن طبيعة الحكومة في بغداد..

 

وإلتحق بهذه المجاميع الخارجة عن القانون من كان يؤمن بحقوق الشعب الكردي وضرورة النضال من أجلها ..

وكذلك إلتحق بها من إمتهن إسلوب حمل السلاح لتحقيق مطامحه الخاصة ليتحول بعدها الى جزء من عصابة قطاع طرق كبيرة وخارجة عن كل تقليد وقيم..

 

وحولوا  ( العصيان  )  الى تسمية  ( الثورة ) !

وأيضا إلتحق بتلك  ( الثورة )  كل مَن هرب من الخدمة العسكرية خوفا أو مدفوعا من جهة ما  ( خارجية او حزبية داخلية )  وحتى طمعا في الكسب المادي ورغبة بالفرار من متعلقات جرائم الإختلاس والرشوة والسرقة ومِن ملاحقات القانون..

 

وإحتضنت هذه الحركة المعادية للسلطة المركزية وللقانون كل من ناصب الدولة والشعب العداء..

 

وإستمر ذلك الى عام 1990 عندما تغيرت ظروف المعادلة العراقية ودخل اللاعبون الكبار مباشرة الى الحلبة وهذه المرة دخلت الولايات المتحدة مدججة بكل ما يمكن ولايمكن إستخدامه من أسلحة بغية إسقاط النظام الوطني في العراق ..

 

وكانت واحدة من هذه الأسلحة الحاضرة المؤجلة هي موضوع المشكلة الكردية .

 

وهذه المرة إختطلت هذه المشكلة بمناهجها وتوجهاتها مع برامج وأجندات من إلتحق يها!..

 

على كل حال..

كنا نتمنى أن تكون نسبة من يحمل السلاح ضد الدولة العراقية في حينها من  ( أجل الشعب الكردي )  هي النسبة الغالبة !..

 

وأن لا يُسمح بتحويل الصراع المسلح مع حكومة بغداد الى صراع بين القومية العربية والقومية الكردية!..

 

وأن لا يُربط  ( نضال الشعب الكردي )  كأي شعب حي بشخص البرزاني والطالباني أبا وأبناء وعشيرة لكي يأتي وقت يتراجع فيه من حمل السلاح من أجل القضية الكردية ويتقدم من حمله من أجل مصالحه الخاصة ..ويختزل كل ذلك التأريخ الحق منه والباطل بأشخاص معينين  فقط هم وعائلاتهم المقربة ..وهذا الذي حصل ويحصل اليوم!..

 

وعندما شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق وأحتلته في نيسان 2003 ونزل  ( البيشمركة ! )  الى بغداد..تمنى الشعب العراقي المغلوب على أمره أن لا يكون من بين أحد المسؤولين القيادين الاكراد الذين سيدخلون في الحكومة المركزية أو حكومة  ( أقليم كردستان )  أو أحد سفراء العراق أو موظفي الخارجية أو الوزارات التي يرأسها أحد الأكراد من كان من  ( مناضلي )  البشمركة المتخصصين بخطف الجنود العزل ..

 

أو من الذين قاموا بأعدام جندي عراقي بسيط  كان ينفذ أوامر عسكرية محددة في الخدمة او الحراسة وذهب دمه هدرا في زمن النضال من أجل الأقليم !..أو ممن إستهواه حمل  ( البرنو )  لتحقيق مصالحه الخاصة والضيقة..وأصبح بين لحظة وأخرى   ( مناضلا  )  وشهادته على ذلك إنه كان يركب  ( البغل  )  ويجوب الجبال والوديان بحثا عن أي  ( عربي )  لقتله أو أسره!!..

 

وقد برعت بحق الولايات المتحدة في إستثمار عاملي الزمن والمكان لتأجيج النعرة العنصرية لدى شرائح مهمة من الشعب الكردي وتعميق كذبة قيام كل من بوش وبلير بعمل إنساني تأريخي بتحرير العراق وكردستان من  ( ظلم صدام حسين وحزب البعث ) ! ..

 

وقد ساعدهم في ذلك صفة الطيبة والبساطة التي  يتمتع بها شعبنا الكردي ..

ومن جانب آخر إستغلت الولايات المتحدة الصفة الثالثة لهذا الشعب الكريم وهي العناد لتركز وتضغط وتديم الزخم على تكريس ذلك حتى وصل الأمر الى درجة من الغرابة بمكان بحيث إن جيل كامل من خريجي الجامعات  من الشباب الأكراد لا يتكلمون اللغة العربية ويعرفون شيئين فقط هما:  

 

إن صدام حسين  ( يكره )  الاكراد وإن بوش  ( يحبهم ) !

 

وفي هذا الخضم تشكل أقليم كردستان..

وبعد ذلك سقطت الدولة العراقية  بفعل تآمري وخياني  وبغزو أجنبي غير أخلاقي وغير شرعي  وحاقد ..لعبت فيه القيادة الكردية الحالية دورا أساسيا  فيه عندما تنكرت لتراب العراق وساعدت المحتل على تدمير دولة العراق ونهبها ..ووصل الأمر بهم الى درجة سرقة كل مايمكن حمله من محافظات العراق من مواد وسيارات ومعدات وأثاث وخردة وركام ونقله الى السليمانية وأربيل وأصبح الطالباني رئيس للجمهمورية العراقية والبرزاني رئيس إقليم كردستان ونيجيرفان بارزاني رئيس وزراء الأقليم وأصبح للقادة الأكراد في الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني موقف مؤثر في رسم سياسة العراق..

 

وفي نفس الوقت بدأ التفكير العملي لأنشاء معالم الدولة الكردية المستقلة ..

 

وبعد كل هذه السنوات من  ( التحرير وشبه الإستقلال  )  نسال نفس المواطن الكردي المبدع والفنان والطبيب والمهندس الذي أسهم في بناء الحضارة والدولة  العراقية طيلة عهود طويلة :

 

يقولون إن مصلحة كردستان العليا كانت تتطلب هذا التآمر على وحدة وتراب وسيادة وإرادة العراق ..أليس هذا ما يقولونه باستمرار؟

 

فهل ان مصلحة كردستان العليا تتطلب سرقة كل مواد الدولة والوزارات والمؤسسات والاشخاص ونقلها الى السلسمانية وأربيل ودهوك؟

 

وهل مِن مصلحة كردستان العليا تكمن في الإستيلاء على كل بيوت المسؤولين العراقيين السابقين مهما كانت صفتهم وإستخدام أثاثهم وحاجياتهم ؟

 

وهل مِن مصلحة كردستان العليا أن يبقى نيجيرفان رئيس وزراء الأقليم الذي يغضب من أي شخص يكلمه بالعربية!!..لأنه إبن إدريس البرزاني وان يبقى مسعود رئيسا للاقليم ..ويتم تهيئة برهم صالح ليكون المنظر الإستراتيجي ليس فقط للقضية الكردية وإنما للمشكلة العراقية على الرغم من كره هذا الشوفيني لإسم العراق ولكل ما هو عربي ..

 

وفلان وفلان وفلان الذين تعرفهم أيضا ..هل أن بقاءهم مرهون بالمصلحة العليا لكردستان ..وهل أن وجود هوشيار زيباري في الخارجية العراقية له علاقة بالمصلحة العليا لكردستان وبابكر زيباري في رئاسة اركان الجيش ..والقائمة تطول ..

 

والسؤال ..أين هي مصلحة العراق ؟..

أم أنهم يحسبون إن منع رفع علم العراق في كردستان يعني أن لاحق للعراق على الأقليم ؟ لقد أجبروا الحكومة ومجلس النواب على رفع النجمات الثلاث من العلم ومع ذلك يمنعون رفع العلم هناك!!..

وأين هي مصلحة الشعب الكردي ؟ وهل يمكن فصل مصلحة الشعب الكردي عن مصلحة الشعب العراقي ؟ وبقرارات من طالباني ومسعود ؟ وهل إن مناصب الأقليم الأساسية حكر على مجموعة دون أخرى وأنتم تعرفون جيدا مالذي جناه هؤلاء لمصالحهم الخاصة ومصالح من التزمهم ..

 

وهل إن النظام السياسي الذي يتبعه الأقليم هو نظام الخلافة أو نسخة معدلة من النظام الملكي وأين هي إرادة الشعب وإرادة المثقفين والمناضلين. وهل خلت العشائر الكردية ومناطق كردستان من قادة يؤهلون لإستلام مناصب في وزارات حكومة الأقليم ؟ ومعروف إن نظام التعيين هو نظام محاصصي كما في نظام السلطة في بغداد ..ولكن المحاصصة لديكم هي تريد أرنب أخذ ارنب ..تريد غزال أخذ أرنب فقط!

 

ونسال لمن يريد الاجابة ..

 

ماهي إسهامات نيجيرفان برزاني للعراق ..وهل هو يعمل لكردستان أم للعراق أم لمصلحته الخاصة؟

 

إذا كان الجواب إنه يعمل لكردستان فقط فهذا غير وارد في نظام الحكم الجديد في العراق حسب توصيف الطالباني الدائم :  (  نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي موحد )  وتعريف هذه السلسلة المترابطة من المفاهيم إن كل حكام الأقاليم والفيدراليات تعمل لمصالح العراق من خلال عملها لمصالح اقاليمها والمصلحة العليا تبقى للعراق..

 

وهذا غير موجود في السياسة الفيدرالية  ( لأقليم كردستان )  وفي نهج نيجيرفان الذي لم يذكر في أي من كلماته ولقاءاته ومنهجه شيء إسمه الشعب العراقي بعربه وكرده بل يتركز حديثه وعمله على  ( الإقليم  )  فقط!..كما هو معروف ..فهم لا يعترفون بأي شيء لا يريدونه.

 

واذا كان يعمل من أجل العراق ..فليعطينا توضيح بما عمله من أجل العراق..وأعتقد انه سيركز على إسقاط النظام السابق كواحد من أهم الانجازات التي حققها للعراق!!.

 

لا بأس وعليه أن يذكر أيضا إن النظام الذي ساهم بإسقاطه كواحدة من الإنجازات التي يتغنى بها اليوم ..هو نفسه النظام الذي طلب منه هو شخصيا إنقاذ أربيل من الإيرانيين والطالبانيين عام 1996 عندما تناخى لها العرب والاكراد في جحافل جند القائد صدام حسين شهيد الإنسانية والأمة العربية والإسلامية ..رجال الحرس الجمهوري الابطال الذين قاموا بطرد المعتدين وأعادوا أربيل الى العائلة البرزانية ! ورجعوا الى معسكراتهم تحت تأثير الحصار الامريكي وسمحوا لكم بالمزيد من التآمر!.

 

اذا أراد نيجيرفان أن يتحدث عن إنجازاته للعراق عليه أن يتذكر تهديده لوزير النفط في حكومة الإحتلال المركزية بانه سيضطر الى توقيع ثلاث عقود إضافية لإستكشاف النفط  مع شركات أمريكية أخرى اذا اعترض الشهرستاني على عقد نفطي واحد!..ناهيك عن عدم رغبته حتى رد السلام باللغة العربية! وتصريحاته الخاصة بتطبيق المادة 140 بقوله  (  نطمئن سكان اقليم كردستان بأننا لن نسمح بعدم تطبيق هذه المادة الدستورية! ) 

 

الظاهر أن حكومة الأقليم في كردستان لازالت تتصور أن الحكومة المركزية الآن في بغداد هي حكومة صدام حسين لحد الان !! ونست ان الحكومة الحالية هي حكومة حليفة لها وكل الأطراف راضعة من ثدي واحد!

 

وكأن هذه الحكومة هي ليست الحكومة التي نصبها الأمريكان أنفسهم ..الذين حموهم وثبتوا مواقعهم!!

 

وسيضل شعبنا الكردي المسكين مبتلى بهؤلاء  ( القادة الأكراد )  وهم  ( يكتسحون ! )  ساحات الإقتراعات المتكررة وهم يحملون شعار:

 

 ( كردستان أولا وأخيرا..مع إحتفاظنا بأكثر من حقوقنا فيما يسمى بالعراق! )

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٥ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور