المالكي والقدرة على القيام بالافعال !!

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبدالله / باحث سياسي عراقي
لاشك بان القرارات السياسية للدول تخضع للامكانات المتاحة لصاحب القرار , والمتحققة على الارض , والتي تتيح له تحويل الاقوال الى أفعال , وكذلك القدرة المتوفرة على الموازنة مابين متطلبات الداخل والاملاءات المفروضة من الخارج , في نطاق حدود التاثير السياسي الدولي والاقليمي ونقل التاثير من الحالة السلبية الى الحالة الايجابية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي , ولكي يكون هذا الفعل تام الانجاز فانه يتطلب وجود كيان سيادي تام الشروط , ومؤسسات شرعية الولادة والتكوين واضحة المعالم والاهداف , عندها يمكن الاقرار من قبل المحيط الاقليمي والدولي بندية هذا الكيان وأمكانيته في التاثير المقابل , وأهليته كي يملا حيزا ضمن الاخرين , فالمجتمع المحيط سواء كان دوليا أو أقليميا ليس مؤسسة خيرية قائمة على أساس العمل التطوعي , تقبل الاخرين ضمنها لمجرد توفر الرغبة وحسن النية دون النظر الى المؤهلات , كما أن المحيط ليس معنيا بتقديم العون والمشورة للولادات الغير شرعية , فقد يكون من مصلحة دوله أن يبقى الوليد كسيحا غير قابل على التاثير , لضمان أستمرار تحقيق الاهداف المرتبط بالمصلحة القومية العليا لهذه الدول ومتطلبات أمنها القومي .


واذا نظرنا الى عراق 9 نيسان 2003 ومابعدها , فيقينا اننا لايمكن ان نطلق عليه تسمية دولة بكل المقاييس والاعراف , فهو كيان شكلي ولد بتشكل كاذب من رحم الاحتلال وعمليته السياسية المنبثقة من تصورات خارج الاطر الوطنية العراقية , وخارج الاطر القومية الي تأسست عليها الدولة العراقية الحديثة , بل أنها جاءت اصلا بالضد من كل تلك التوجهات التي فرضتها الارادة الوطنية والقومية , والتي كانت من ركائز الدولة العراقية الحديثة حتى عام الغزو والاحتلال , لذلك فقد هذا الكيان وجوده الشرعي والقانوني من خلال هدم مؤسساته والغاء قوانينه والسطو على ممتلكاته وأسراره , والعبث بنسيجه الاجتماعي , وأحلال مؤسسات تخدم الاهداف الاستعمارية للمحتل , وسن قوانين بأرادة أجنبية خلافا للقرارات الدولية التي تحضر على المحتل المساس بالقوانين والتشريعات الوطنية للدولة الواقعة تحت الاحتلال , وبذلك فقد أصبح من الواضح جدا غياب الاجماع الوطني , وتعدد الولاءات الطائفية والقومية والاثنية , وامتداد الولاءات الى دول الجوار التي راحت تبحث عن مصالحها - لا عن مصالح الذين وجهوا قبلتهم اليها - في كومة القش التي تخلفت عن عملية دمار العراق كدولة محورية مهمة , كما أن البعض راح يصفي حساباته مع الدول الاخرى في ارض العراق , مستبعدا الشر عن أرضه وشعبه , مستغلا أنطفاء الشرعية القانونية والدستورية للدولة العراقية عمليا على أرض الواقع , على الرغم من الاحتفالات البروتوكولية التي أقامها المحتل على مدى سنوات سبع , تارة باسم تسليم الرئاسة وأخرى بتسليم السيادة , وغيرها من الاحتفاليات التي ليس لها قيمة قانونية أو عرفية , ولايمكن أن تشكل معيارا حقيقيا لسيادة قائمة , وأرادة حرة .


أذن وفي ضوء كل ذلك هل تدخل تصريحات المالكي ضمن أهتمامات الدول المحيطة بالعراق وهو يؤكد أمكانيته كدولة ب(القيام بعمل مماثل لولا قيمنا وحرصنا ورغبتنا في التوصل الى أتفاق مع هذه الدولة للتخلص من هؤلاء الذين يؤونهم ....)في معرض تهديده للدولة التي أتهمها بانها وراء تفجيرات يوم الاربعاء الدامي في بغداد ؟ وهل هو قادر فعليا على أن يحول الاقوال الى أفعال ؟ وما هي الوسائل المتاحة لديه التي تجعل أمكانيات التاثير متحققة ونقل الفعل الى دائرة الخصم ؟ وهل هو متحرر فعليا من الارادات الدولية والاقليمية ويتحكم وحده بالقرار السياسي المستقل ؟ وهل لديه الغطاء الشعبي الداعم لهكذا أفعال في ظل الوضع العراقي الراهن ؟ أم أنها دعاية كلامية تدخل في أطار الحشد الاعلامي لما يسمى عودة السيادة الوطنية بعد أعادة الانتشار الامريكي في القواعد على أعتاب المدن والذي سمي بالانسحاب ؟


أن أي مراقب سياسي سيجد بان لديه الكثير من الحقائق التي تدعم اجابته بكلمة ( لا ) على كل هذه التساؤلات , وان الانجاز المتحقق على الارض في كافة الاصعدة لازال هزيلا هشا ومتراجعا , واقل حتى مماتقدمه أضعف الحكومات في العالم , وان الاقوال والتصريحات التي نسمع مهددة متوعدة تارة , أو راسمة صورة مجتمع وردي تارة أخرى ,هي متقدمة على حقيقة الواقع , أن لم نقل أنها صادرة من أشخاص وجهات ومواقع تعاني من أمية الوعي السياسي , لان السياسية الدولية تعتمد على ماذا يستطيع أن يفعله صاحب القرار , وبماذا يستطيع تحقيقه من أهداف , فلا سلطان للكلام المنطلق من أفواه قلقة وخائفة من قوادم الايام والذي أثبتته التصريحات الاخيرة التي عكست بجلاء عمق الازمة , والفشل الذريع للادارة العراقية في الامساك بخيوط اللعبة السياسية على الصعيد الداخلي , وبقائها أسيرة قوى الاستقطاب الفاعلة على الارض , ومرد ذلك الى أنها ألابن الشرعي لهذه القوى الطائفية والعنصرية والعشائرية والحزبية . كما أن هذه الادراة تعاني أيضا من فشل أخر على الصعيد الخارجي , يجعلها مشلولة وغير قادرة على أدارة اللعبة السياسية الخارجية , لان الاركان المحيطة بها من دول الجوار خاصة , لازالت تنظر اليها على أنها مشروع تفتيت بأرادة خارجية , كما أن وسائلها لتحقيق أدارة ناجحة للعبة السياسية الخارجية , لازالت معدومة , فجيشها مؤسسة هجينة ضعيفة ذات مهمات شرطوية داخلية , وهو حاصل جمع ميليشيات ومجاميع خاصة , ومؤسسات الامن القومي الخارجي لازالت تعمل بعقيدة أمريكية لخدمة أهداف المحتل , كما أن الادارة العراقية هي نفسها تعاني من شلل كبير وعدم تجانس , وعليه فقد أنعكس كل ذلك بصورة واضحة على فقدان العراق لدوره الفاعل في تحقيق التوازن في محيطة المجاور أولا ومحيطه الابعد كذلك , حتى أن بعض الزعامات العربية تهربت بشكل أو باخر من اللقاء برئيس هذه الادارة في مؤتمرات عربية على الرغم من حرصه على لقائهم .


أما على صعيد البناء الداخلي فلازال الفساد ينخر المؤسسات ويضع العراق في مواقع متقدمة على صعيد الدول التي تعاني من الفساد , وان حملة محاربته والقضاء عليه لم تستمر سوى اسابيع قليلة ولم تحقق اية نتائج تذكر , كما أن الزيارات التي تحققت الى بريطانيا وفرنسا والمانيا وتركيا وايطاليا وروسيا وواشنطن والتي كانت لاغراض الاعمار والاستثمار والبناء , لم يتحقق منها شيء , ولم تثمر عن نتائج أيجابية على صعيد الواقع . أما الاحزاب والمكونات السياسية العراقية المتشاركة اليوم في السلطة فلازالت تتحرك وفق أجندات قوى دولية وأقليمية تدير بعضها وتسلح بعضها الاخر وتمول غيرها , وأن هذه القوى ذات نسيج مختلف ومصالح متقاطعة , لذلك نجد بان هذه الاحزاب على الرغم من أن مناهجها واحدة لكنها متقاطعة ومتصارعة بحكم تقاطع مصالح الداعمين الرئيسسين لها , وبالتالي فهي عامل أضطراب سياسي وأجتماعي متواصل . فهل بعد كل هذا المشهد المأساوي تستطيع الادارة في العراق الادعاء أو التبجح بانها قادرة على الخروج من دائرة التاثير السلبي الى الفعل المؤثر على الاخرين ؟

 

أن تحقيق أندماج مجتمعي فعال , وتكامل وطني حقيقي , وقبول وأقتناع شعبي بحقيقة وأحقية من يمثلونه , ووجود مستوى راقي من التفاعل بين النخب السياسية , والابتعاد عن الطائفية والقومية والعشائرية , وولادة مكونات حقيقية لدولة حقيقية , ونظام سياسي يمثل الارادة العليا للشعب ومصالحه الوطنية الحقيقية , ورفع الظلم عن المتظلمين , واستكمال القانون وسيادته على الجميع ,واعادة الهوية الوطنية كلها أسس حقيقية تنقل العراق من دائرة التخبط والقاء التهم على الاخرين للهروب من المازق الداخلي , وتجعل منه بلدا سيدا مهابا .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الإثنين / ١٧ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أيلول / ٢٠٠٩ م