موسم المتاجرة بالدم العراقي

 
 

شبكة المنصور

د.مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي

أذا كان الغزو والاحتلال قد فعل مافعل في العراق من خراب وتدمير على نطاق واسع منذ 9 نيسان 2003 وحتى اليوم . واذا كان المحتل قد أعلن أنه في طريقه للانسحاب بعد خسارة مشروعه الحالم بتغيير الشرق الاوسط , وان العراق لم يعد في صدارة أهتمام حكام البيت الابيض كما يدعون, فان منظومته الفكرية والتطبيقية الضامنة لمصالحه الستراتيجية والمسماة (العملية السياسية) , ستبقى الى أمد غير منظور تاكل من جرف هذا البلد وتهدد أمنه ,وتستبيح حرماته, وتنهب ثرواته, وتنتهك سيادته , وتصادر حاضر ومستقبل أبنائه ,وتعبث بنسيجه الاجتماعي حتى يستحيل الى مجرد جماعات تحكم علاقاتهم , بعضهم بالاخر التمايزات المذهبية والطائفية والاثنية والعشائرية والحزبية الضيقة , بل أن الاختلافات أستعرت حتى داخل الطائفة الواحدة والقومية الواحدة , وعصفت باحزاب السلطة فتشظت وانتجت مزيدا من الاختلافات والاحقاد , وان كل الذي جرى ويجري أنما قاسمه المشترك هو التدافع للحصول على المزايا , التي ترجح كفة بعضهم ضد البعض الاخر على حساب قيم الدين الذي أكد الاختلاف بين الشعوب والقبائل لغرض التعارف وان الاكرم هو الاتقى , وعلى حساب التراث القومي المختلط الذي أنتج قيما معرفية سامية خدمت المجموع , وعلى حساب المباديء الحزبية الصادقة التي عرفها العراقيون في أحزابهم التاريخية , والتي كانت بوتقة انصهر فيها الكل في خدمة المجتمع , حتى أصبحت اليوم المناداة الصادقة بالوطنية والعمل من أجلها أبغاث أحلام وأصبح الكل يتحدث بعبارة (مكونات الشعب العراقي) التي يفهمونها على أنها ناتج جمع سلبي وليس أيجابي , للمميزات الطبيعية لكل مكون له حتى بدأنا نسمع ,بان هذا يمثل المواطن الانباري والاخر يمثل المواطن الكربلائي وثالث يمثل الكردستاني , وغيرهم يتحدث عن ضرورة حصر الفائدة بالمنشات الصناعية والكهربائية والثروات الطبيعية بابناء المحافظة على حساب ابناء الوطن الواحد , فاصبحت المناطقية بديلا للخيمة الوطنية التي تمزقت نتيجة شدها الى أوتاد طائفية وأثنية وحزبية ضيقة .


أن الارث اللاأخلاقي للطبقة السياسية الحاكمة اليوم في العراق ,قبل الاحتلال وبعده , قد جعل منها ممثلا شرعيا ووحيدا للمحتل وحاميا موثوقا لمنظومته ( العملية السياسية ) في التثقيف والتنفيذ , فلقد ما رست المتاجرة بمأسي الشعب والوطن منذ العام 1991 , وكان لها الفضل الاكبر في تسويق أكاذيب دول العدوان عن أسلحة الدمار الشامل العراقية , من خلال المعلومات المفبركة التي كانوا يقدمونها الى أجهزة المخابرات المعادية, والتي أدت الى أستمرار الحصار الظالم على الشعب العراقي , وتسببت بوفاة مليون ونصف المليون طفل, ثم مارست وعلى مدى السنوات السبع من عمرها التسلطي بعد الغزو أبشع الجرائم والانتهاكات يدا بيد مع المحتل . واذا كان عمر سلطة الاحتلال الرابعة في المنطقة الخضراء يحسبه العراقيون بعدد برك الدماء التي سالت على أرضهم بجهد هذه السلطة وأحزابها ومليشياتها, فان الفصل الجديد من سلوكهم المنحرف قد أبتدأ بعد حاثة (أربعاء بغداد الدامي) وهو موسم المتاجرة بالدم العراقي بأمتياز, خدمة لاهداف وطموحات شخصية وحزبية ضيقة .


لقد كشف ذلك اليوم عري المالكي أمام الجميع , بعد أن شنف أسماع الكل بانه الذي أرسى الامن وحقق دولة القانون , فاذا بحادث( الاربعاء الدامي) يكشف أن الامن الهش الذي تحقق كان بفعل زيادة القوات الامريكية , وليس بفعل صولات فرسانه وبشائر خيره وأسناد عشائره ,وان الاجهزة الامنية التي نفخ فيها من روحه, يحركها الفساد والمصالح لا القانون , حيث أن مجرد اعادة أنتشار تلك القوات وتموضعها على أعتاب المدن قلب الطاولة التي تعكز عليها وأظهره على حقيقته, واعاد اليه الوصف الذي أطلقه عليه الامريكان سابقا عندما وصفوه (بالرجل العاجز والفاشل ), ولكون المرحلة الحالية حساسة وحاسمة بالنسبة لمستقبله السياسي , في ضوء أنطلاق الحملة الدعائية للانتخابات المقبلة , فلم يكن أمامه الا أستغلال الحدث الى أقصى حد والمتاجرة بالدماء التي سالت في ذلك اليوم ,لتسجيل نصر سياسي ضد خصومه في الداخل والظهور بمظهر زعيم سياسي أيضا في الخارج , فراح يهدد ويتوعد بالرد رغم عدم أمتلاكه قوة للردع , ويسعى للتدويل ليس حرصا على دماء العراقيين, بل أنه أعتقد بان التدويل سيجعل منه قائدا مهابا في الداخل وعلى أطراف المحيط المجاور , عندما يتوافد رسل الزعماء وقادة العالم اليه متوسلين مترجين أن يتخلى عن طلب عقد المحكمة الدولية , عارضين عليه الامتيازات وفتح المزيد من السفارات , وبذلك يحصل على جبهة دعم دولية تسوقه الى الجوار العربي , خاصة تلك الدول التي حرص على لقاء قادتها في مؤتمر قمة الدوحة والذين تهربوا من لقاءه , والتي يعتقد ان اعترافها به سيجعله مقبولا في أوساط عراقية من لون مذهبي محدد , لكن فشله في هذا المسعى كان مدويا هذه المرة , فاالامريكان أعلنوا وبوضوح بان المشكلة بين العراق وسوريا شأن داخلي , وصمتت أوربا حد التجاهل ,وتحركت أيران على أستحياء لدوافع خاصة ,وبادرت تركيا للموازنة مع جهد الاخيرة وليس لسواد عينيه , وصدمته سوريا بموقفها القوي بل والمستهزيء به, حين تمنى وزير خارجيتها التمتع بجمال أسطنبول في حالة عدم حضور الوفد العراقي الاجتماع المقرر بينهم , مستلهما موقفه من قوة تصريح رئيسه بشار الاسد الذي وصف الموقف الحكومي العراقي من بلده باللاخلاقي .


لقد أعتقد المالكي بان التلويح بعقد المحكمة الدولية أنما هي افضل وسيلة أعلان لتسويق نفسه لكنه نسي بان الكثير من الجرائم التي أرتكبت في عهده ترقى الى مستوى جريمة أربعاء بغداد الدامي أو أكبر أذا ماقورنت بعدد الضحايا , وهو المسؤول الاول والاخير عنها باعتباره رئيس السلطة التنفيذية , أبتداءا من أنتشار المخدرات وسرقة مليارات الدولارات ,وأختطاف العشرات من موظفي وزارة التعليم العالي واللجنة الاولمبية العراقية ,وانعدام الخدمات التي بشر بانجازها عشرات المرات ,وصولا الى الكارثة التي باتت تهدد حياة الملايين بسبب تلاعب دول الجوار بحصة العراق المائية في نهري دجلة والفرات والروافد الاخرى, والتي يعود سببها الى ضعف حكومته , وغياب الهيبة الدولية للعراق لدى دول الجوار , فاين موقفه من كل ذلك ؟


أنه يراهن اليوم على العملية التي سماها ( أسوار العراق ) لحماية حدود العراق مع سوريا متوسما فيها نصرا سياسيا له يرفع رصيده في الانتخابات القادمة , على غرار مراهناته على عمليات صولات الفرسان وبشائر الخير , بينما حدود العراق الشرقية مستباحة , تدخل من خلالها المجاميع الخاصة المختصة بقتل الابرياء ,والمخدرات , وتقصف قرى الشمال العراقي منها يوميا ولانسمع منه حتى مجرد الاشارة الى هذا الموضوع , لانه يعلم جيدا بان مفاتيح هذا الملف ليست بيده , وان فتحه قد يكلفه مستقبله السياسي الذي يحرص عليه اليوم أكثر من أي شيء أخر, بل أنه يحاول أسترضاء القائمين على شؤون هذا الملف , كما فعلها في معسكر أشرف للاجئين الايرانيين .


أن المالكي ورهطه جائوا الى الحكم بجهود دول لها مصالح وليست منظمات أنسانية , ولازالت تحمي كراسيهم قوات أجنبية تم تثبيت واجبها هذا كبند مهم في الاتفاقية الامنية الامريكية -العراقية,لذلك ستبقى كل خطواته تعكس حالة من عدم الشعور بالثقة بالنفس وبشركائه الاخرين ومحاولة التغطية على ذلك بالقيام بادوار البطولة تارة , أوالظهور بمظهر المظلوم من رفاق الامس صارخا أما من ناصر ينصرني كي يجمع المزيد من الاصوات المؤيدة له في صراعه على السلطة , التي يبدو أنها باتت غايته كما هي غاية شركائه الاخرين , وان شعار الغاية تبرر الوسيلة أصبحت لافتة الجميع في هذا السباق المحموم , لذلك سيبقى العراق يدفع ثمنها غاليا من دماء أبنائه وموارده وتطلعاته المستقبلية , وسنرى مزيدا من الازمات الداخلية والخارجية التي يحاول فيها صنع بطولة له لايؤهله تاريخه في المعارضة سابقا وفي السلطة حاليا للقيام بها .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١١ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٣٠ / أيلول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور