في شهر رمضان المبارك وقفنا مع إخواننا العرب ضد الصهاينة وفيه انتصر جيشنا المغوار على الفرس وأذاقهم السم الزعاف ودعس على رأس دجالهم الأكبر

﴿ الحلقة الاولى ﴾

 
 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

في هذا الشهر المبارك الكريم نترحم أولا على شهداءنا الابرار الطاهرين، ونسأل المولى عز وجل أن يسكنهم فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا... كما نسأله سبحانه أن يفك أسر رجالنا الأبطال وإخواننا المرابطين في عرين الشرف، وينصر رجالنا المرابطين المقاومين الأبطال المدافعين عن شرف الأمة والوطن... كذلك لن ننسى الترحم على روح رجل العراق الكبير في حياته والكبير في مماته، العروبي المتألق اسمه دوما سعدون حمادي، ورفيقه المرحوم طه محيي الدين معروف، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته...

 

في شهر رمضان المبارك، وقف جيشنا المقدام إلى جانب أشقاءه العرب في حرب السادس من تشرين عام 1973 والتي صادف يومها أيضا يوم العاشر من شهر رمضان المبارك، وتزينت بلاد الشام بجثامين شهداء الجيش العراقي العظيم، وشهدت جبالها ووديانها وسهولها آثار معركة بطولية خاضها رجال العراق الأشاوس دفاعا عن الأمة العربية... يومها قالوا – والقول الحق ما قالوا – إنه لولا الله ثم لولا الجيش العراقي لكان الصهاينة يمرحون في قلب دمشق.... ولن ينسى السوري والعراقي على السواء أن أهل الشام قالوا لرجال العراق القادمين اليهم، وبلهجتهم الشامية المحببة: (الحقوا شرفنا...... الله يعطيكم العافية... اسرعوا..... الاسرائيليين اقتربوا منا.....

 

وكوفاء منا لهؤلاء الرجال الأشاوس الميامين، ولشهيد العراق الاول، الإمام صدام، ولكافة الرجال الابطال المرابطين في عرين الشرف، والرجال المقاومين في ميادين الوغى، نعيد جزء مما كتب عن هذه الحرب، كي يبقى العراقي دوما واضعا نصب عينيه أن قيادته الوطنية كانت قيادة من نوع خاص، وأن رجالها كانوا رجالا من طراز فريد قل مثله هذه الأيام...

 

.......شرع لواؤنا بقيادة المقدم الركن محمود وهيب المجهز بعجلات قتال نوع (M-113) التي دخلت الخدمة في جيشنا عام 1963 بالتنقل على طريق الانبار – الكيلومتر 160 – الرطبة – الحدود الدولية مع سورية والاردن... وكان آنذاك طريقا رديئا للغاية بعرض 7 أمتار يتخلله العديد من الحفر والكثبان الرميلة..... مستغلا خفة هذه العجلات وسرعتها إلا أن مسافة 1000 كم التي كانت تفصل عن الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة كانت معضلة كبيرة تؤثر على القدرة القتالية والفنية للعجلات، وكان المطلوب من كتيبتنا المباشرة بالتنقل لمسافات محدودة باتجاه الكيلومتر 160 لحين وصول الناقلات الاردنية، في ظل هذه الظروف استبدل آمر الوحدة الرائد عبد القادر بآمر جديد هو وليد محمد صالح التكريتي، ولم يبدو هذا التغيير سهلا لا عليهما ولا علينا كمقاتلين، لأن الفهم والمعرفة المتبادلة لخصائصنا كان مهيمن جدا من الناحية المعنوية في العلاقة ما بين الآمر ومرؤوسيه.

 

...... في قطنا، حدد السوريون اتجاه تقربنا نحو العدو حيث انحرفنا جنوبا على طريق دمشق – الكسوة – الصنمين – الشيخ مسكين، ثم انحرفنا من الصنمين غربا باتجاه قيطة تل عنتر – تلول المال – تل الشعار، وكان اللواء الثاني عشر المدرع بقيادة المقدم ركن سليم شاكر الامام ولواؤنا قد ضربا مركز قيادة العدو يقيادة الجنرال لاتر، حيث توقف الاندفاع المدرع المعادي باتجاه الكسوة – دمشق، حيث احتواه الهجوم العراقي الصاعق من الجناح الايمن، فقد كانت تدور هناك معركة دبابات كبيرة... وكان أول واجب لكتيبتنا ناقص السرية الاولى المشتركة في المعركة هو مهاجمة الجناح الايسر باتجاه تل الحارة لمنع الالتفاف على قواتنا من ذلك الاتجاه، في الوقت الذي شاهدنا فيه تراجعا غير منظم من قبل القوات السورية التي قاتلت ولاشك ببسالة في الايام الاولى من الحرب حيث تمكنت من خرق معظم مواضع الاسرائيليين بأعماق مختلفة، وتمكن لواء مدرع منها من الوصول الى بحيرة طبريا، وبعض المستعمرات الشمالية، إلا أن التعرض المقابل أرجع القوات الى الخلف......

 

واستمرت ألوية مدرعة اسرائيلية باندفاعها على محور القنيطرة – تل الشعار – مفرق سعسع – الكسوة – دمشق مستهدفة تهديد العاصمة وعزل القطاع الجنوبي من الجبهة السورية بكامله اذا ما استطاعت بعض القوات الاسرائيلية المتقدمة على المحور أعلاه من قطع طريق دمشق – شيخ مسكين – درعا في منطقة غباغب، إلا أن هجومنا الذي ضرب الجناح الايمن للاسرائيليين في منطقة تل الشعار – تل العدسية – تل الحارة أوقف التعرض الاسرائيلي المقابل في الوقت الذي وصلت فيه قطعات الاستطلاع الاسرائيلية مفرق سعسع وكناكر...... فجرت معركة تصادفية (خصم يصادف خصمة وهما في حالة الحركة) لقواتنا مع الاسرائيليين في هذه المنطقة تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة، إلا أن خسائر الجانب العراقي كانت بسبب الطيران الاسرائيلي الذي لعب دورا في المعركة، لكنه في المقابل تكبد خسائر أيضا، وخسائر جسيمة نتيجة فعالية أسلحة الدفاع الجوي السوري....

 

أقول،

 

احفظ ما كتب جيدا أيها العراقي، واحفظ أيضا الابطال العراقيين الذين وردت أسماؤهم، فهم تاج على رأس كل عراقي وعربي من المحيط إلى الخليج....

 

ثم.....

 

وفي نفس شهر رمضان (الذي صادف شهر نيسان في عام 1988)، وفي نفس شهر آب ايضا، انتصر رجال العراق بقيادة شهيد العراق الأول رضوان الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى باقي اخوانه الشهداء، على دولة الكفر المجوسية الكسروية الكورشية الخمينية، ودعس رجال العراق على رؤوس ملالي العار القابعة في حوزات التفخيذ بالرضيعة واذاقوا كبير السحرة فيهم السم الزعاف... فنفق بعدها مثلما تنفق الخنازير المنتنة....

 

في هذا الشهر، (شهر آب الميمون التي تزينت فيها بلادنا بأكاليل الغار)، نزل العراقيون إلى الشوارع يرقصون فرحا وطربا يدقون الطبول... ولازلت أذكر، وكأن المشهد أمامي اليوم، كيف كانت فرق الموسيقى المدرسية تروح جيئة وذهابا يقرع أفرادها الطبول بانتظام، احتفالا بانتهاء العدوان الخميني المجوسي، وبالنصر العراقي العربي المبين.... لقد خرج شعبنا الابي المغوار في ذلك اليوم الأغر عن بكرة أبيه مُحتفلاً بثمرات جهاده في تحقيق النصر المُبين في كافة المعارك الشرسة التي خاضها دفاعا عن الوطن والبوابة الشرقية للأمة العربية على مدى ثمان سنوات حاسمة... لم يخض أي جيش في العصر الحديث مثل هذه الملحمة البطولية العظيمة التي خاضها جيشنا وأثبت فيها العراقي نخوته ورجولته وشجاعته...... لقد قاتل رجالنا الأبطال (الجيش والحرس الجمهوري ونمور صدام وباقي أفرع القوات المسلحة المجاهدة) على امتداد جبهة طويلة زادت على الـ 1200 كم، أثبتوا فيها أبناء أنهم ورثة القادة العظام الاماجد الكرام الفاتحين الاوائل الذين نشروا الدين الاسلامي الحنيف.....

 

أيضا، كوفاء منا لهؤلاء الابطال، سواء الشهداء منهم أو الاحياء أو الاسرى المرابطين في عرين الشرف، الذين كان لهم دورا حاسما في صد العدوان الخميني المجوسي الكسروي... نعيد ما كتب عن ملحمة القادسية الصدامية... وخاصة المعارك الاخيرة التي تلت تحرير الفاو... مدينة الفداء وبوابتنا إلى يوم النصر العظيم...

 

...... استلم قائد الحرس الجمهوري توجيه الشهيد صدام بالتهيؤ السريع لتحرير الأجزاء المحتلة من تراب العراق العظيم في قاطع عمليات الفيلق الرابع – قاطع الزبيدات – بالرغم من قساوة المناخ الحار.. وتعب القطعات التي أنجزت ثلاث معارك كبرى.. وذلك بالمشاركة مع قوات من الفيلق الرابع بقيادة اللواء الركن أياد خليل زكي...

 

إن ساحة العمليات الجديدة ذات أرض متموجة، وكانت سلسلة حمرين تشكل الجزء الوعر منها، ويعتبر نهر دويريج المحاذي للحدود الدولية مانعا لعمل القطعات المدرعة، حيث يتحدد العبور بالجسور..

 

أو....

 

من خلال المخاضات المحدودة....زودتنا الاستخبارات العسكرية بصور جوية جيدة... كانت مهمة قوات الحرس الجمهوري التي حددتها توجيه الخطط للقيادة العامة تتمثل بالهجوم على مواضع العدو في منطقة الشرهاني لاستعادة الاراضي العراقية المحتلة من شمال مرصد القائد بحوالي 2 كم والى منطقة الحدود الدولية جنوب مخفر الشرهاني داخل، وتدمير العدو داخل الاراضي الفارسية من مخفر عنكيزة وحتى شمال جم صريم بحوالي 2 كم... ثم الاندفاع الى منطقة عين الخوش لتدمير مدفعية العدو واسر اكبر عدد ممكن من مقاتليه.. وذلك بهدف معادلة عدد الاسرى العراقيين في معسكرات العدو...

 

في الصفحة الاولى من هذه المعركة تهجم فرقة بغداد وفرقة المدينة المنورة وفرقة نبوخذنصر مع الضياء الاول ليوم 12/7/1988... من مرصد القائد وحتى مخفر عنكيزة.... وتبقى فرقة حرس جمهوري احتياط... اما في الصفحة الثانية فتهجم فرقة بغداد وفرقة المدينة المنورة وفرقة نبوخذ نصر على مواضع العدو في مفرق الطريق العام ونهر دويريج وتصل الى عقدة الطريق شمال جم صريم للوصول الى عين الخوش وموسى الحادي في العمق الفارسي.... خرجت مع قائد الحرس الجمهوري لاستطلاع نهائي لأهدافنا، اولا بواسطة مروحية، ثم بواسطة عجلة استطلاع صغيرة...

 

بعد اكمال التحشدات، بدأت العملية في الساعة 06:45 من يوم 12/7/1988 بقصف تمهيدي شديد من مدافع وصواريخ اكثر من 40 كتيبة مدفعية... وفي الساعة 07:15 عبرت قطعات الصولة خطوط شروعها تحت ستر نار المدفعية والدبابات.. وفي الساعة 07:40 من نفس اليوم اكمل لواء المشاة 19 حرس جمهوري واللواء 11 مغاوير احتلال الساتر الاول... واندفع لواء المشاة 20 ولواء المشاة الخامس ولواء المشاة 22 لاحتلال الساتر الثاني... وفي الساعة الثامنة صباحا بدأ القتال في الساتر الثاني... وفي الساعة التاسع والربع تم احتلاله... وفي الساعة 10:40 اكمل الفوج الاول من اللواء السادس عشر قوات خاصة حرس جمهوري احتلال هدفه شمال نهر دويريج... وفي الساعة 11:32 بدأ قتال الصفحة الثانية... وفي الساعة 12:57 اكملت اهداف الصفحة الثانية وشرعت وحدات الهندسة بإزالة السواتر فورا...

 

حضر الشهيد صدام الى مقرنا للاشراف على التنفيذ وكان هاديء الاعصاب... يتفحص تقارير الموقف بدقة، ويستمع باهتمام لشرح قائدنا عن سير العمليات ويبدي ملاحظاته، ثم يتصل بالقادة المتنفذين واحدا بعد الاخر يبارك لهم الانتصارات، وكواثق بالنصر أشار الى ضرورة اسر أكبر عدد ممكن من جنود العدو وتدمير ما يمكن تدميره من أسلحة وعتاد...

 

في يوم 14/7/1988 تم احتلال مقر الفرقة 21 الفارسية، ومقر عملياتهم، وسبق ذلك انزال فوج قوات خاصة من اللواء السادس عشر حرس جمهوري بواسطة الطائرات السمتية في عين الخوش، وتم الوصول الى منطقة جنانة، وكان مجموع اسرى العدو قد بلغ 7221 اسيرا بين ضابط وجندي... وكنا نتابع عمليات تطور الخطة بالطائرات، وكنت استقل واحدة من نوع غازيل.... كنا نضطر للهبوط اكثر من مرة عندما يتسلم الطيار تحذيرا بوجود طيران معاد.. وحصلت حادثة مؤسفة حين استشهد بنيران صديقة صديقي المقدم قدري شاكر صالح وكان مساعدا لي حين كنت آمرا لكتيبة دبابات الحمزة... كذلك وللاسف استشهد أحد الصحفيين العرب الذي كان يتجول بين قطعاتنا....

 

كانت هذه المعركة تتميز بأنها جرت بأقل وقت من التحضيرات ونطاقها كان واسعا جدا وتطور خلال مراحل التنفيذ، كما انها كانت المعركة التي اسر فيها أكبر عدد من جنود العدو... وهي المعركة التي نفذ فيها جيشنا اكبر نطاق مناورة... وكانت مفخرة للجيش العراقي العظيم سجلت له انه ناور بفيلقي عمليات ثقيلين بتوقيتات وظروف عملياتية تعتبر قياسية جدا تعجز عنها جيوش دول كبرى... كذلك في هذه المعركة فقد العدو ارادته في القتال، حيث كان افراده لا يبذلون جهدا كبيرا للتخلص من الاسر... فقد كانوا يستسلمون فورا....

 

نتابع ما كتب عن بطولات الجيش العراقي العظيم ...

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٥ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أب / ٢٠٠٩ م