القدس ستبقى عربية وإن في القلب

 
 

شبكة المنصور

فؤاد الحاج

لاشك أن القدس بالنسبة للعرب والمسلمين تعد بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه من قبل أي طرف مهما كان، أو هكذا يفترض على الأقل أن يكون، لأنه بعد ضياع فلسطين على أيدي الأنظمة العربية المرتهنة أو المرتبطة - لا فرق لأنه لم يبق لتلك الأنظمة حتى ورقة توت تستر عوراتهم - بمصالح وسياسات طاغوت الشر الرأسمالي الصهيو-أمريكي وما يسمونه النظام العالمي وسياسة العولمة و"الأمن والسلم الدوليين"، فأنه لم يبق أمام العرب والمسلمين أنظمة وشعوباً سوى الرفض الكلامي، إن في المؤتمرات الرسمية - القمم العربية وجامعتهم - أو في تلك المؤتمرات غير الرسمية التي تعقد في بعض العواصم العربية سنوياً، أو في اللقاءات الجماهيرية الحزبية لمختلف القوى العربية ودون استثناء في كل العواصم العربية، أو الندوات واللقاءات شبه اليومية عبر مختلف شاشات الفضائيات، أو عبر الكتابة في وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال شبكة الانترنيت، فأنها جميعها ودون استثناء تقوم بدورها التنفيسي للجماهير الغاضبة، دون أن يكون هناك أي رد فعل شعبي وجماهيري وحزبي فعلي وعملي على أرض الواقع، في الوقت  الذي يستصرخ أبناء القدس خاصة وفلسطين عامة ما يقوم به الصهاينة في فلسطين المحتلة من محاولات لتهويد القدس وتغيير معالمها الجغرافية والديمغرافية، التي تتم بدعم دائم ومستمر من عتاة الصهاينة في العالم، في استراليا، وفي أوروبا، وبدعم كامل سياسي واقتصادي وعسكري من مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيان ومن خلال كل الإدارات الأميركية المتعاقبة بشقيها "الديمقراطي" و"الجمهوري" وآخرهم الرئيس باراك أوباما "الديمقراطي" علناً وليس سراً، خاصة بعد أن بدأ الكيان الصهيوني منذ بداية الألفية الثالثة يصرح علناً أن "القدس عاصمة أبدية" لكيانهم. فأنه وبالمقابل نجد أنه من الطبيعي أن تثور ثائرة العرب الشرفاء والأحرار الذين ينوبون عن الأغلبية التي كفرت بكل القوى الحزبية وبكل الفصائل الفلسطينية دون استثناء، بعد أن كفرت بكل الأنظمة العربية منذ بداية تسعينات القرن الماضي، لذلك نجدهم يبتهجون عندما تقوم أي مجموعة أو فرد بعمل ما ضد الصهاينة في فلسطين المحتلة أو في لبنان، حتى لو كانت هذه المجموعة ليست عربية الانتماء أو الأصل، ولنا في لبنان مثال أنه على الرغم من تدمير معظم البنى التحتية، والأبنية السكنية، ومسح أراضي زراعية من الوجود، ومقتل الكثير من اللبنانيين المدنيين الأبرياء، وإلحاق المزيد من التدهور الاقتصادي في هذا البلد في تموز/يوليو 2006 من قبل الكيان الصهيوني، فأن الملايين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية فرحوا ورقصوا لكل طلقة صاروخ، وقذيفة، ورصاصة انطلقت ضد الصهاينة، ليس لأنهم يؤيدون ما يسمى بـ"حزب الله" أو المذهب الذي ينتمي إليه عناصر وقيادة هذه المجوعة التي تنتمي إلى "ولاية الفقيه" الخمينية، بل لأنهم وجدوا فيهم متنفساً يعبّر عن ضميرهم في مواجهة الغزاة في فلسطين المحتلة، ونكاية بأنظمة الاستسلام التي تسميهم أمريكا "المعتدلين"، وكذلك لنا العراق مثال آخر لازال حياً ألا وهو الصحافي منتظر الزيدي الذي قذف الرئيس الأمريكي السيئ الصيت جورج بوش الصغير بفردتي حذائه، فأن عشرات ملايين العرب والمسلمين وغيرهم في أرجاء العالم فرحوا وكتبوا أنه بفعلته هذه شفى غليلهم وكذلك فعلوا بعد الإفراج عنه.

 

ولازال لدى أبناء الأمة العربية أمل كبير في المقاومة الوطنية والقومية في العراق، على الرغم من أن الجماهير العربية لا تعرف قيادات، ومجموعات، وفصائل المقاومين الحقيقيين هناك، ولكنها تعرف أن هناك تعتيماً إعلامياً عربياً أولاً على بيانات المقاومة الحقيقية، كما تعرف أن هناك من يحاول سرقة الفعل النضالي لقوى المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية في العراق، من خلال المقابلات المغرضة والبيانات وبعض الصور التي تبثها بعض الفضائيات وتشكك فيها، أو من خلال بعض الكتبة الطائفيين، وعلى الرغم من ذلك فأنه عندما تبث أي فضائية خبراً أو صورة لعملية ضد الغزاة والمحتلين الأمريكان والصفويين والصهاينة على حد سواء، فأنهم يفرحون ويرقصون ويدعون للمقاومة بالنصر.

 

لذلك يمكن القول أن هذه الثورة الكلامية العربية، التي في جانب من منها تدعو لمقاطعة منتجات شركات الدول التي تساهم في دعم الكيان الصهيوني، وإن لم تكن تلك الدعوات ذات تأثير كبير وبشكل يجعل هذه الشركات تعيد النظر بمواقفها أو بإغلاق فروعها في البلاد العربية، وعلى الرغم من ذلك فأن له آثاره الايجابية مرحلياً وعلى المدى البعيد لأنه يترك الأثر الذي لا يمكن أن يمحى من عقول الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة، وهذا ما تحاول أنظمة الذل والعار أن تسحبه من نفوس الجماهير العربية، من خلال طرح مطالب الجماهير للنقاش أو على جدول أعمال جلس جامعة دول العربان، واجتماعات وزراء الخارجية العرب في اجتماعاتهم الاستثنائية أو الدورية دون أن يصدر عملياً أي قرار إلزامي أو غيره حول تلك القضايا، أو كما فعل العقيد معمر القذافي خلال الدورة السادسة والأربعين لما يسمى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث عبّر في كلمات وشرح وافي عن رأي معظم إن لم يكن كل شعوب العالم وليس الشعب العربي فحسب، وأقيمت لكلمته ندوات مفتوحة في الفضائيات العربية نفست عن الجماهير ولو لحين وأصبح العقيد القذاف نجم الشاشات، مع العلم أن الدورة القادمة لجامعة دول العربان سيتولى رئاستها العقيد القذافي فلننتظر ونرى ماذا ستكون نتائج هذه القمة، مع التذكير بأن العقيد القذافي هو الذي قال في القمم العربية ما لم يقله مالك بالخمرة، والكل لازال يذكر كلماته في الملوك والأمراء والرؤساء العرب في كل قمة، في الوقت الذي يدعو لقيام ما أسماه "اسراطين" لحل القضية الفلسطينية وهو ما لا يخرج عن قبول أنظمة عرب الذل والهوان بوجود الكيان الصهيوني بعد اعترافهم به، إن من خلال قرارات ما يسمى "مجلس الأمن" (242) و(338) أو من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية وفتح مكاتب تجارية وغيرها!

 

وبذلك تتم عملية سحب بساط غضب الجماهير العربية بكافة ميولها ومعتقداتها!!.. وهذه المواقف للقمم والأنظمة العربية وجامعتهم ليست بجديدة، ولن تكون الأخيرة، لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة ومجلسي الشيوخ والنواب فيها اتخذا قرار "اعتبار القدس" عاصمة أبدية للكيان الصهيوني في نهاية عام 1999 وسيتم تنفيذها إن عاجلاً أم أجلاً وفي مقدمتها نقل السفارة الأميركية وعدد من السفارات الغربية الأخرى إلى القدس، عندها ماذا سيكون موقف تلك الأنظمة السابحة بحمد الرضا الأميركي؟!!. مع العلم أن المطروح وهو ما ستقبله الأنظمة العربية شاءت أم أبت وستوافق عليه بفضل المديونية أو الرهنية لصندوق النقد ولبنك الدوليين، مع دمج فكرة دعوة بابا الفاتيكان إلى جعل القدس منطقة مفتوحة مثلما كانت برلين بعد الحرب العالمية الثانية، وهنا مكمن الخطر الكبير الذي لم ينتبه له أحد من المتابعين لمجريات الأمور في فلسطين المحتلة أو في الدول العربية.

 

إن أهم ما تبرزه الأحداث المتتالية في البلاد العربية إن في اليمن أو لبنان أو في العراق وفي الصومال والسودان وغيرهم من البلاد العربية، أنها تسحب البساط والأضواء عما يجري ويحاك ضد القدس والتوسع الاستيطاني فيها في ظل الانقسامات والتشرذم العربي ضمن المخطط الصهيو-أمريكي الذي يسمونه "الفوضى البناءة"، ومحاولات الصهيونية العالمية المستمرة لتزييف الواقع التاريخي والقانوني والسياسي لمدينة القدس.. من هنا يمكن القول والتأكيد أنه حتى لو اعترفت الأنظمة العربية والدولية كلها بـ (أبو ديس) عاصمة دويلة فلسطين، ولو أن كل العالم اعترف بالقدس عاصمة مفتوحة لكل الديانات كما يقولون، فإننا لا ولن نعترف إلا بالقدس عاصمة فلسطين العربية، وأنها ستبقى بيت المقدس، ومدينة السلام، مدينة التعايش الإسلامي والمسيحي حتى لو كان ذلك بأضعف الإيمان.

 

نقطة تقاطع

* كان العالم، كل العالم، في الماضي القريب، كما عبر التاريخ، يفتخرون بحاملي لواء العلم من الجامعات العربية والإسلامية في بغداد والقاهرة، ودمشق وفاس.. الخ. واليوم نجد أن العربان أصبحوا يتهافتون على جامعات الغرب في الولايات المتحدة وفي بريطانيا تحديدا ليأتوا بشهاداتهم ومعلوماتهم العلمية والتاريخية من هناك، حتى أن معظمهم كي لا نقول الكل منهم لم يعد يستشهد بأقوال علماء العرب والمسلمين في مجالات الطب والفلسفة والفيزياء وكافة علوم الحياة، وكأن ذلك لم يكن له أي وجود في التاريخ.. فهل لذلك علاقة بما يسمونه النظام العالمي الصهيوني الجديد، أو "العولمة"..

 

ألم يكن العالم كله يغرف من منابع العلم والثقافة العربية عبر التاريخ.. فلماذا هذا الانحطاط والتردي اليوم.. هل من مجيب؟!..

 

* بعض وسائل الإعلام العربية في أحيان كثيرة تنشر الأخبار والتحاليل مما يجعل القارئ يصدق أن الخبر أو التحليل هو صحيح.. وكي لا نكون مجحفين بحق البعض نقول إنهم ينشرون الأخبار من مصادر إعلامية غربية مختلفة مثل (أ. ف. ب.) أو (رويتر) أو (اسوسيتد برس) أو (د. ب. أ) وفي بعض الأحيان ينشرون مقتطفات من وكالة الأنباء الصينية أو الخليجية ويحذفون منها النص الكامل للخبر أو لبيان أو حديث للمتحدث الرسمي باسم المقاومة العراقية بحيث يتم فقط نشر بعض الكلمات بين قوسين والباقي تعليق الكاتب، بحيث يصبح الموضوع كمن يقرأ من القرآن الكريم ((لا تقربوا الصلاة)) أو ((انكحوا ما استطعتم من النساء))، وهكذا يضيع القارئ العربي، بحيث يصدق كل ما في الموضوع، ويعتقد أن كل الكلام هو من البيان أو من حديث المتحدث، وهكذا أيضاً تفعل أجهزة الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية فيتم غسل أدمغة الشعوب في العالم والسيطرة عليها بعد تفريقها بين مصدق ومكذب.. فهل تتفضل وسائل الإعلام العربية بنقل الخبر بكامله دون أن تتعرض للقص من هنا ومن هناك وتدع القارئ يقرر موقفه من هذا الحدث أو من ذاك؟

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٥ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور