الفن الأعلامي المغرض - تشويه الحقائق والوقائع والاحداث

( أيها الفنانون ،،، أنكم تنحرون مصداقيتكم كما تنحرون الحقيقة )

 
 
 

شبكة المنصور

هاني الحاج عمران

أطل علينا شهر رمضان المبارك ومعه برامجه الرمضانية الممتعة ومسلسلاته الجميلة، لينقلنا من واقع الحياة الروتينية إلى أكشن المتابعة اليومية الشيقة، ويحلق بنا بساط الفن من حكاية لأخرى ومن بلداً لأخر، لنعيش تلك الحقبة من الزمن التي يسردها لنا ذلك العمل الفني، الذي يخلق لنا رؤيا وتصور عن تلك الأحداث والوقائع والشخصيات.

 

تترك الأعمال الفنية كالأفلام، المسلسلات والمسرحيات، أثراً بالغاً لدى المتابع، يعكس هذا الأثر الانطباع الذي خلفه سرد القصة المجسدة بالعمل الفني، وخاصة عندما يكون العمل عبارة عن أحداث حقيقية وقعت في زمن ما لعبت فيه شخصيات ووقائع دوراً له أثر في التاريخ، ولهذا فأن الأعمال الفنية تُعتبر مصدراً من مصادر التوثيق التاريخي التي يصنعها المتخصصون في هذا المجال الحيوي من فنانين وكتاب وفنيين، وبذلك يصبح العمل الفني سجلاً بحد ذاته يدون تفاصيل مرحلة ما في زمن معين وينقلها لأجيال لم تدرك تلك الحقبة الزمنية، كما هو حال الحضارات السالفة التي أتخذت من فن الرسم وسيلة لنقل تاريخها للأجيال اللاحقة لها، وهنا نقف عند هذه المسؤولية الجسيمة التي ستقع على عاتق العاملين في هذا المجال، مخرجاً، كاتباً، ممثلاً وغيرهم من المعنيين بهذا العمل، كونهم المسؤولون عن تجسيد النسبة الأكبر من الحقائق قدر المستطاع، وهذا يعني أن يتجردوا من كل معاني العاطفة التي من شأنها أن تحرف الحقيقة وتؤثر على المصداقية مثل الانتماء، الولاء والاحكام الشخصية على القضية العامة، فتغييب جزء من الوقائع سيغير كثيراً من الحقيقية ويشوه معالم الحقيقة وتقضي على مصداقية النقل والتوثيق، وبالتالي سيؤثر على تاريخ الفن والفنانين وكتاب النصوص، وعلى الفنان أن يتذكر أنه حامل رسالة أجتماعية نبيلة يجب عليه أن يحترمها، ويصون فنه ويجعله مجرداً من شذوذ الكيل بمكيالين أو التحيز، وإلا فأن الفنان سيفقد أستقلاليته ويصبح أداة وسلعة تخدم من يدفع ثمن الدور المطلوب منه.                                                          

 

فضائية البغدادية ،،، أنتجت وعرضت العام الماضي مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان "أمطار النار"، يتحدث هذا العمل الفني الذي ألف قصته "صباح عطوان" عن أهوار العراق أبان الحرب الإيرانية العراقية ، وقد ركز الكاتب على علاقة الدولة بسكان الأهوار، فقد منح الكاتب صباح عطوان صفة المظلومية لسكان الأهوار من خلال أستهداف الدولة لهم بسبب موقفهم من سياسة الدولة ورفضهم للحرب العراقية الإيرانية، وسلط الضوء على معاناة سكان الأهوار وأضطهادهم وتهجيرهم والهجمات التي تعرضوا لها من قبل الجيش وقوات الأمن، وقد أجتهد الكاتب لطبع صورة سلبية عن دور الحزب في تلك المناطق، حيث وصف البعثيين بالانتهازيين الذين أستغلوا طيبة وبساطة المجتمع الريفي لمصالحهم الخاصة، كما حاول أن يبين الكاتب أن المؤسسات الحكومية آنذاك كان يعمها الفساد والحلل.

 

أن من عاصر تلك الفترة التي أتخذ منها الكاتب حقبة زمنية لأحداث قصته، سيلاحظ حجم أنحياز الكاتب لجانب سكان الأهوار على حساب تشويه صورة الحقيقة التي يجب أن توثق كتاريخ لتلك الفترة، لقد تجاوز الكاتب عن ذكر جوانب مهمة عن طبيعة تلك المناطق وحقيقة ماكان يجري هناك أبان تلك الفترة، فأظهر صورة وحشية لشكل الدولة والنظام الحاكم آنذاك، وبهذا فقد أخفى جزءاً كبيراً من الحقيقة لصالح سكان الاهوار مقابل الطعن بالدولة والنظام الحاكم، وبذلك يكون قد شوه معالم الحقيقة، من خلال التستر على شطر مهم من الواقع، له التأثير على قلب المعادلة وأنصاف الدولة العراقية، ومردود هذا العمل ليس على الكاتب فقط، بل كل المعنيين بهذا العمل الفني، كونهم شاركوا بتجسيد صورة غير مكتملة الجوانب عن تلك الحقبة، ولم ينقلوا الحقيقة المنصفة ليطلع عليها من لم يعاصرها، فقد أغفل المسلسل الجانب الايجابي للدولة وأهتمامها بالاهوار وسكانها على الصعيدين الخدمي والتربوي، من بناء المدارس والمستوصفات وأمدادات الكهرباء، وكذلك أغفل المسلسل الدور الحقيقي لتلك المناطق في الحرب العراقية الإيرانية، وكيف أنها أصبحت الملاذ الآمن للخارجين عن القانون والهاربين من أداء الخدمة العسكرية وقطاع الطرق، الذين عاثوا فساداً من خلال عمليات السطو المسلح وتسليب السيارات والركاب على الطرق البرية ومن ثم الألتجاء لتلك المناطق بالغنائم التي سلبوها، وقد ذهب ضحية تلك العمليات أبراياء كثيرون سلبت أرواحهم وأموالهم، وأذا ما أردنا أدلة واقعية فأن "كريم ماهود المحمداوي" الذي أطلق على نفسه "أمير الأهوار" كان زعيم لجوقة من القتلة واللصوص والمجرمين الذين مارسوا أبشع الجرائم كالقتل، تهريب المخدرات، الخطف والاغتصاب، ولسكان الاهوار حق على الدولة لحمايتهم وحفظ كرامتهم من تلك الفئة الظالة التي تغلغلت في الاهوار، فليس كل سكان الاهوار هم خارجون عن القانون أو متورطين مع تلك المجموعات، وللدولة كل الحق في القضاء على هذه الفئة الظالة من الخارجين عن القانون ومحاسبة المتسترين عليهم، على أعتبار أن من يتستر على جريمة فأنه يصبح شريكاً فيها، لكن المسلسل المذكور لم يتطرق لهذا الجانب المهم من الحقيقة، الجانب الآخر الذي لم يتطرق له هذا العمل الفني هو أهمية تلك البقعة، فقد كانت الأهوار ممراً مفتوحاً لعبور المتسللين والمخربين القادمين من إيران لتفيذ عمليات تخريبية داخل العراق، بالاضافة إلى أن المخابرات الإيرانية أتخذت من الأهوار مقراً متقدماً لممارسة نشاطها داخل الإراضي العراقية، كما وأن تلك المنطقة شكلت ثغرة عسكرية استغلها الإيرانيون في هجومهم عام 1985الذي مكنهم من الوصول إلى الطريق العام الذي يربط بين بغداد والبصرة، في المقابل كان هناك استهداف مباشر لأفراد للجيش العراقي في تلك المناطق، فقد تم أغتيال عدد من الضباط والجنود وآسر البعض الآخر، وجدوا فيما بعد مقتولين، حيث تم أعدامهم بشكل جماعي بشع، ولسنا بحاجة للخوض في الاسلوب الوحشي الذي امتاز به أفراد تلك الفئة الظالة عند معاملة المآسورين وكيفية القصاص منهم، فهو شبيه بما يحدث اليوم في سجون المنطقة الخضراء من تعذيب وقتل بشع وتقطيع أوصال، لكننا لم نشهد شيء من هذا العمل الفني يشير إلى هذا الجانب، وهنا نقف عند حقوق الدولة العراقية بحماية أراضيها، مواطنيها ومؤسساتها العسكرية والمدنية، ونتسائل أن كان للدولة العراقية الحق كبقية دول العالم أن تفرض القانون على أراضيها، أم أنها يجب أن تخضع لإرادة بعض اللصوص وقطاع الطريق؟، وهل من حق الدولة أن تمنع المتسللين لاراضيها وتعاقب المتعاونين معهم أم لا؟، وهل من حق الدولة الدفاع عن أراضيها من قوة عسكرية معادية أم أنها تسهل لهم المرور لأحتلال اراضيها؟، وهل من حق الدولة أن تحمي مواطنيها وتطلب منهم الرحيل من مناطق عمليات عسكرية للحفاظ على حياتهم أم تتركهم يلاقون الموت؟، أليس من حق العراق كدولة أن تتخذ الاجراءات التي تراها مناسبة على أراضيها لسد جميع الثغرات أمام اعداء العراق والخارجين عن القانون معاً؟، كل هذا والعراق كان في حالة حرب ودفاع عن أراضيه!!.

 

لقد ركزت ماكنة الأعلام المعادي للعراق، على تشويه الحقائق المتعلقة بمنطقة الأهوار، وكما هو دور الاعلام المغرض كان هناك دوراً للسياسيين في هذا المجال، فقد عمل الأمير تشارلز على أثارة قضية أهوار العراق من خلال دراسة أعدها ونشرها وكذلك محاضرات كان يلقيها في مختلف دول العالم، وهنا يتجلى سؤال أمام أنظار كاتب هذه المقالة، لماذا لم يتكلم تشارلز عن مليون طفل قتلوا بسبب الحصار الاقتصادي على العراق بينما أهتم بمسألة تجفيف الاهوار؟.    

 

 لقد عمل الكاتب صباح عطوان على تحويل حق فرض قانون الدولة على أراضيها إلى مظلومية لصالح سكان الأهوار، مع طمس معالم الحقيقة التي كانت شائعة عن تلك المناطق لتظهر صورة مغايرة للواقع نسفت مصداقية الكاتب والمعنيين بهذا العمل، فهل أصبح الفنان والقلم سلعة رخيصة بيد ماكنة الاعلام المغرض؟؟!! سؤال بحاجة لإجابة !!. 

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٣ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / أيلول / ٢٠٠٩ م