الـعـقــــــد الـبـلـيــــــــــــد

 
 

شبكة المنصور

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

تأسس عقد الشراكة الامريكية الايرانية قبل احتلال العراق في وجهين جمعا تناقض الاهداف. الوجه الاول لجهة المصلحة الامريكية التي قدمت عرش العصافير المحكوم ببسطالها الى ازلام ايران الموصوفين كذبا بالشيعة او بالمسلمين لكي تضمن لها دولة ولاية الفقية ما كانت تظن انه نصف جغرافية العراق او اكثر قليلا ونصف شعب العراق, تضمن لامريكا تعاملا سهلا مع هذا الجزء اثناء الغزو وبعد الاحتلال عن طريق فتاوي الحوزة. الوجه الآخر مقابل ذلك تضمن ايران لنفسها فرصة التأسيس لحلمها الكبير بتوسيع جغرافية دولة ولاية الفقيه الصفوية. العقد بدءا يحمل بذور خلاف متأصل غير قابل للحل، والكثير من مثقفي العرب واعلامييهم لم يدركوا معاني تعرضنا للدور الايراني وحسبوها خطأ وبضعف بصيرة على انه امتداد لحلقة الصراع التي عبر عنها بحرب القادسية الثانية دون ان يعوا خلفيات فهمنا الميداني ودون ان يقتربوا خطوة واحدة من ان القادسية الثانية لم تكن سوى حلقة دفع عراقي عن نزوة التمدد الفارسي الصفوي. وقد آن الاوان لتنفتح خطابات المقاومين لتبين للامة كلها اننا لم نقصد قطعا ان ايران واميركا كيان متوحد الرؤى والاهداف كما هو حال اميركا والكيان الصهيوني مثلا. ان عقد الشراكة الامريكية الايرانية هو عقد بصفحتين وليس صفحة واحدة ولكل من الصفحتين بنودا واشتراطات قائمة بحالها غير ان القاسم الاعظم المشترك فيها هو تمزيق العراق والامة العربية كلُ لصالح لون صفحته المجرمة مع بديهة ان يدعي كل طرف انه يعمل لصالح العراق!!. و وجه البلادة هنا هو ان كلا الطرفين قد عقدا شراكتهما الاجرامية دون حساب سليم لما سيؤول اليه رد فعل العراقيين .

 

ولعل من نافلة القول ان نذكر العراقيين قبل غيرهم ان القوى والحركات السياسية التي تقبل بالتعاون مع الاحتلال في اي زمان ومكان هي قوى تقع زمانيا ومكانيا خارج حركة التاريخ فضلا عن كونها سقط المتاع والنطيحة والمتردية. هذا ليس اجتهادا ثوريا، بل هو حكم العلم والمنطق وقبلهما حكم رب العالمين .. واما الزبد فيذهب جفاءا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ... فالتاريخ لم يسجل مذ اشرق فجر الانسانية واطئا باول قدم على المعمورة, عن اي نجاح لا مطلق ولا نسبي لمن استقوى بالاجنبي ضد شعبه ودولته الوطنية حتى لو امتد زمن المكوث بضع سنوات يخوض فيها ازلام الاحتلال في برك الدم وقمامات الفساد والافساد وتتفسخ كياناتهم تدريجيا مع الزمن حتى يصبح من غير الممكن لقوى الارض كلها ان تعيد تركيب الاشلاء المتحللة.فلا اميركا ولا ايران تستطيع بعث الروح في الاشلاء المتحلله وبعث الروح من اختصاص الخالق فقط سبحانه وتعالى.

 

فعقد الشراكة بين الغزاة المحتلين وبين العملاء هو عقد بليد لجهة اميركا لانها تدرك انها تعاقدت مع منتفعين حالمين بتحقيق مآرب شخصية وفئوية ضيقة, ولجهة العملاء اذ انهم يعلمون يقينا ان اميركا ستبدلهم بسواهم من احتياطات العمالة المتوفرة لديها وان اميركا تلعب لعبة سياسية اكبر منهم كأدوات تنفيذ آنية ومحدودة القدرات ..

 

ان القوى المنضوية تحت تدابير الاحتلال وحمايته يمكن ان تتدحرج لبعض الوقت تحت مشتركات مغلفة بالدين او الطائفة او العرق ضمن أُطر عقدها البليد مع المحتل تماما كما هو حال عقد الشراكة الفارسية مع الامريكان, غير ان المسالك الوعرة والمتهالكة هذه لن تصمد طويلا لا امام وعي ينشأ ويتجذر مع الزمنامام حلقات الاخفاق والفشل المخزي, ان لم يكن اصلا قائما ومبني وفق اسس وطنية وقومية مشهودة ومعروفة للعراقيين, ولا امام مشتركاتها الهشة التي تحمل من عوامل التآكل ما هو منظور وما هو غير منظور.

 

العقد البليد هو الوصف القائم على تحالفات عملاء الاحتلال. هو بليد لان ايران تعرف واميركا تعرف وعملاءهما يعلمون حجم الخلافات العقائدية بين حزب الدعوة العميل وبين المجلس الاعلى واعوان مقتدى الصدر وبقية اطراف الائتلاف وان التوافق ان حصل لبعض الوقت بفعل عمليات المسك بقوة العصا الامريكية والايرانية فانه لن يستمر تحت اصطراع الارادات والمصالح القذرة التي جبلت عليها هذه الاطراف. فالدعوة يرى في كيانه العراقة السياسية والمجد الذي اسسه لنفسه بعمليات التسليب والاغتيال والتفجيرات الاجرامية والتجسس لصالح ايران والذي تجنت او غبنته وهمشته ايران حين اسست المجلس الاعلى واعتمدته في تاسيس فيلق بدر من الاسرى التوابين والطابور الخامس الايراني واجاد اللعبة فيه محمد باقر الحكيم واخوه عبد العزيز الحكيم ودفع فيه هؤلاء المغرر بهم والذين اجبرتهم ظروف التعذيب الوحشي وعمليات غسيل الادمغة الى مهلكة الحرب ضد العراق وعبر عمليات التسلل وتنفيذ العمليات الاجرامية ضد شعب العراق. ونحن نصف العقد بالبلادة لسبب بسيط لانه لا يحقق لاي طرف كان اية نتيجة دائمية لا لهذه الاطراف ولا لصالح العراق ولا اميركا ولا ايران لان شعب العراق ومقاومته الباسلة ستنسف كل هذه التحالفات وكل ما نتج وينتج عنها.

 

آخر العقود البليدة، بل الاكثر بلادة هو ذاك الذي لجأ اليه اهل العقود الخائبة التي اشرنا اليها اعلاه وخاصة المجلس الصفوي الاعلى وهو يجهد ويتخبط في محاولته الخروج من عنق الزجاجة الطائفية والفدرالية المجرمة بعد ان وجد ان شعب العراق لايشتري الورقة الطائفية بخف نعال وان دوره قد كُشف بالكامل وأُطيح به. لجأ لعقد غبي مكشوف تم بشراء اشخاص لا وزن لهم لا سياسي ولا شعبي ولا اخلاقي. ان مَن يصدق ان العراقيين سيقبلون المجلس الحكيمي لانه تحالف مع نكرة اسمها حميد الهايس ونكرة اخرى من نكرات النفاق وهوس البحث عن الذات التائهة هو خالد الملاّ انما يكرس فكرة البلادة لهذا العقد الجديد. ان عشائر الدليم العربية العراقية المسلمة الاصيلة لا يمكن ان تكون حاضنة لعقود بيع الذمم والشرف والعرض مقابل حفنة من التومانات والدولارات التي جهزت بها ايران المدعو حميد الهايس قبل ظهوره المقرف مع ائتلاف القتل والتدمير والتقسيم والتطهير الطائفي, كما ان الشيخ الملا قد طُرد من التجمع الثقافي الذي ينتمي اليه ونال وزنه الخفيف من خلاله تماما كما تبرأت عشائر الدليم من ابنها العاق حميد الهايس. واذا كانت القشة التي تعلقت بها ايران لتخفي طائفية وصفوية مجلسها هو حميد الهايس وخالد الملا، او جعلت منها سفينة نجاة ائتلافها فيا لبأس الجائر ويا لبؤس المستجير بل يا لعار ايران وائتلافها وبلادتها.

 

البلادة وحدها قادت الى الغزو والتحالفات التي سقطت فيها اميركا ولطخت ما تبقى لها من سمعة اخلاقية او انسانية، وادت بها الى خسائر فلكية وضعتها على طريق الهلاك. والبلادة والغباء هو الذي اسقط من تحالف وتعاقد مع اميركا ظانا ان شعب العراق سيخضع ويخفض جناح الذل للغزو والاحتلال. والذين خاضوا في وحل السياسة تحت حراب اميركا هم اهل الدناءة الشخصية وقصر النظر السياسي وسوف ترى ساحة العراق مصداق رؤانا المبنية على إباء شعبنا وانتماءه الى شرف العروبة والاسلام الذي لايمكن ان يطأطئ لمحتل  او ان يخضع لخوان عميل.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبب  / ١٥ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أيلول / ٢٠٠٩ م