الديمقراطية على القياس العميل والخائن
( رواتب واعتقالات وبطاقات )

 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

ملاحظة : ما اكتبه لايمثل غير موقفي وآرائي الشخصية فقط ولا علاقة له لا بحزب ولا بجمعية

 

صمم الحصار الامريكي المجرم على العراق ليحول العراق من بلد متقدم في مستوى معيشة العراقيين وقدراتهم الشرائية واقتصاد الدولة اجمالا الى شعب بائس وبقدرات اقتصادية خاوية. هذا فضلا عن الموت الفعلي لملايين الاطفال والشيوخ وتدهور الخدمات والنخر التدريجي في روح المجتمع التي اسستها دولة العراق الوطنية على معايير وطنية وقومية وانسانية رفيعة المستوى. اربعة عشر عام متواصلة من عزل تام للبلد في كل شئ يرافقها عدوان عسكري متواصل وتقسيم للجغرافية الى ثلاث مناطق واعلام شرس يشرذم الانسان ايضا ويضيّع او يغيّب عنه بوصلة الحق من الباطل. وكان هذا الحصار للعارفين بالسياسة طريقا سينتهي بالاحتلال بعد ان يوصل البلد وقدرات شعبه ودولته الى نقطة الوهن التي يدخل معها الغزو ليس بدون خسائر كبيرة في ارواح ومعدات الغزاة، بل وايضا في قبول اجتماعي للغزو ونتائجه حيث يصير الاحتلال منطقا مقبولا من الشعب كلا او جزءا، وأهم من هذا ان الخونة الموظفين من قبل المحتل يصبح لهم قدر من القبول وربما الوجاهة والقدرة على التعامل مع العراقيين.

 

هكذا يكون بوسع الاحتلال وعملاءه, وبعد ايقاف عجلة النمو المعروفة في حركة الدولة العراقية في ميادين الزراعة والصناعة والخدمات, ان يلجأ الى زيادة الرواتب للموظفين كخدعة كبيرة يلوذ خلفها في الحصول على قدر من الاسناد و دعم سياسة الاحتلال ونتائجها الكارثية على الشعب والامة. فعملاء الاحتلال لم يرفعوا رواتب بعض الموظفين حبا بهم او تعبيرا عن اقتدار حقيقي في اقتصاديات العراق وانما لأجل تحقيق مصالح شخصية لهم ولمرتزقة الاحتلال من الاحزاب والمليشيات التي جاءت خلف الدبابات، وكذلك لاستخدام الرواتب العالية في عمليات السرقة باستخدام الاسماء الوهمية والقوائم الوهمية التي سادت بعد الاحتلال على نطاق واسع ويعرف امرها كل العراقيين.

 

اهل الاقتصاد يعرفون متى تصبح زيادة الرواتب ونقلها الى مستوى يرفع من قدرات الموظف بشكل حقيقي ويعبر عن تمكن اقتصاد الدولة. ونتمنى هنا ان ينبري الاخوة المتخصصين ليقولوا للعراقيين المنافع والاضرار التي تُرفع فيها الرواتب بطريقة منافقة تضر بالشعب واقتصاد البلد عموما وتضع مستقبله كله في مهب الريح. وتبقى العموميات المعروفة حاكمة حيث ان رواتب موظفي الدولة مرتبطة بالدخل القومي وبمستويات الانتاج ... فهل حققت حكومة الاحتلال نموا في هذه النواحي الاقتصادية لكي تغرق قسم من الموظفين برواتب لا صلة لها باقتصاد البلد، بل هي رشاوي مفضوحة لكسب الود الحرام والكاذب و المنافق من بعض الموظفين و اهم من ذلك لتمرير انتفاع العملاء بهذه الرواتب؟

 

اليقين ان حكومة الاحتلال ساذجة وعديمة الدراية الادارية والاقتصادية، كما انها تبني تقديرات الصلة المرتجاة بينها وبين ابناء الشعب العراقي على تقديرات خطلة وخاطئة وقصيرة النظر، فموظفي العراق في جلهم لايتخلون عن وطنيتهم ومعايير انتماءهم الى اسلامهم الحنيف وعروبتهم واخلاصهم لوحدة العراق وحيثيات سيادته وكرامته لمجرد ان تقوم الحكومة العميلة بمنحهم رواتب هي في حقيقتها خراب ودمار للموظفين و للبلد ولابناء العراق عموما، حيث يغرق البلد بالفساد المالي والاداري وانعدام قنوات الانتاج المختلفة، وتعطيل ما تبقى ونجى من الدمار الشامل، وتبذير وارد الدخل القومي الوحيد من النفط، ورهن ارادة وسيادة العراق بيد الدول المانحة، وقروض صندوق النقد الدولي المعروفة بشروطها المذلة والاحتكارية. ولا ندري لماذا تقترض الحكومة العميلة من هذه الاطراف في الوقت الذي تبيع فيه يوميا تحت اشراف الاحتلال كميات مفتوحة بملايين البراميل من النفط وتهرب ملايين اخرى من براميل النفط الخام والمنتجات النفطية الى دول معروفة.!!!

 

خلاصة القول هنا .. ان العراق بلا انتاج زراعي او صناعي وتجارته غير النفطية تقترب من الصفر .. ولايدري احد لماذا تدفع رواتب بالملايين او المليارات سنويا الى عملاء الاحتلال الامريكي و للمليشيات والاسماء الوهمية في وزارتي الدفاع والداخلية الاحتلالية وغيرها، وتقيد ديون خرافية على العراق في الوقت الذي يحاولون فيه خديعة شعبنا بالتحرك لاسقاط الديون .. ولا احد يعرف معنى ان يستلم الموظف زيادة في الراتب ليقف امام قوائم الشحة في الخدمات التي يكلف البديل المجهز لها  في السوق السوداء عشرات او مئات الاضعاف من القيمة الحقيقية ... ولا نعرف معنى زيادة الرواتب ليقف المستهلك العراقي امام منتجات زراعية جلها مستورد من الخارج وباسعار باهضة ... وما هو مغزى زيادة رواتب الحكومة والبرلمان واعضاءها ومليشياتها اذا كان العراق مرغما على رفع اسعار المنتجات النفطية خضوعا لشروط صندوق النقد الدولي وما هي نسبة او فارق الزيادة لأعوان الحكومة مقارنة ببعض الموظفين، وماجدوى راتب مرتفع ازاء ايجار بأرقام فلكية؟ ... الرد على هذه الحقائق يكمن في النتيجة التي تريد حكومة الاحتلال الوصول اليها، ألا وهي: التسجيل في قوائم الناخبين لهؤلاء الموظفين واستخدامهم في التاثير بهذا الاتجاه. وهكذا تكون دولة الاحتلال هي دولة رواتب فقط.

 

صدرت تعليمات مشددة مؤخرا الى دوائر الحكومة كلها بضرورة تنفيذ امرين للتغلب على فضيحة عزوف الناس عن تجديد بطاقة الناخب حيث اعلنت ما تسمى بالمفوضية العليا للانتخابات على ان مجموع الذين راجعوا لتحديث البطاقة الانتخابية في كل العراق لايتجاوز 700 الف عراقي !!! وهذا الرقم طبعا يدخل فيه كل البيشمركة وجيش المهدي وفيلق بدر واعضاء المجلس والدعوة وعملاءهم وضباط فيلق القدس الايراني واطلاعات الايرانية واحزاب الخيانة الكردية ..الخ  .

 

1-  ان دوائر الحكومة المختلفة لاتروج معاملة اي مواطن الا بعد تحديث البطاقة الانتخابية .

2-  على موظفي الحكومة كلهم ان يجددوا او يحدثوا البطاقة العتيدة.  

 

يعني ان على المراجعين لدوائر الحكومة وموظفيها ان يشاركوا في الانتخابات رغما عنهم, واليقين ان من يرغم الموظفين على المشاركة بهذه الطريقة فانه يعرف كيف يرغمهم على انتخاب قائمته!!

 

هذا وجه من وجوه الديمقراطية الامريكية والتي كلفت بها الجهات الساقطة تحت بساطيل العملية السياسية, ووجهها الآخر ينبثق بشعا مجرما قذرا في صيغة تُعبر اصدق تعبير عن وحشية وظلامية ودموية عملاء المحتل وعن كونهم ادعياء بلا اخلاق ومنافقين بلا رجولة، ألا وهي صيغة الاعتقالات عبر مداهمات ليلية خاسئة جبانة لبيوت المئات بل الآلاف من العراقيين في مختلف محافظات العراق. المداهمات والاعتقالات في ذي قار وبابل وبغداد وديالى وصلاح الدين وكركوك والانبار وغيرها في الاونة الاخيرة لم تقتصر على البيوت الآمنة بل تعدتها الى دور وبيوت العبادة من مساجد وجوامع واستهدفت بشكل خاص ضباط الجيش العراقي الباسل وساهمت بها بشكل فاعل مخابراتيا وعمليا طائرات ومارينز اميركا. ويعلم كل العراقيين الشرفاء ان الضباط المعتقلين هم مواطنين يبحثون عن لقمة العيش لهم ولعوائلهم ويشتغلون ككسبة او عمال او فلاحين بعد ان تم اقصاءهم في قرار الاحتلال واذنابه بحل الجيش العراقي البطل. انهم وعوائلهم يعانون شظف العيش بعد ان قطعت ارزاقهم غير انهم وطنيون نجباء وابناء عشائر لم تسمح لهم عزة النفوس ولا كرامة الرجال ان يوسخوا ايديهم بمصافحة الاحتلال ولا قردته وخنازيره، ولم يسمحوا لقساوة الظروف والاستهداف الدائم بالموت والاعتقال على اجبارهم لمغادرة وطنهم. انهم عراقيون شرفاء وهذه هي كل جريمتهم.

 

ان على ابناء شعبنا في كل مكان ان يناصروا هؤلاء العراقيين الشرفاء ويمارسون كل وسائل الضغط على حكومة الخيانة والعمالة لاطلاق سراحهم وايقاف عمليات الملاحقة الاجرامية والاعتقالات المسكونة بهوس الخوف المستوطن في نفوس القردة والخنازير من اذناب الاحتلال وعبيده. وان على شعبنا ان يدرك قذارة وحقارة اللعبة الانتخابية التي يصورها الاحتلال واذنابه وكأنها هي الطريق الوحيد لاعادة العراق الى وضعه الطبيعي في حين ان الحقائق ابعد بكثير من ان تكون هكذا. فالعراق لايعود الى حاله الا بمغادرة المحتل وانهاء كل ما انتجه من قوانين وتطبيقات سياسية واعلامية وتعويض ابناء العراق الاخيار عن كل ما لحق بهم وبوطنهم من حيف وعدوان غاشم وخسائر كارثية.

 

الديمقراطية قد تكون موجودة في اي شبر من ارض العالم غير انها غير موجودة قطعا في العراق المحتل وانه لعار على اميركا ان تعتقد انها قادرة على الضحك على ذقون العراقيين بما فيهم العراقيين الذين لايفكون حروف اللغة, ولا يمكن لرواتب النفاق والرشوة المجانية ان تكون هي السبيل لتحقيق ديمقراطية فرض الانتخابات  ببطاقات التسجيل الوظيفية ولا الاعتقالات بقادرة على اجبار العراقيين على الاستمرار بالعيش تحت حراب اميركا وفساد عملاءها.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١٨ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور