بورنوقراطية الدراما العربية في المسلسلات الرمضانية

 
 

شبكة المنصور

نبيل ابراهيم

لست من متابعي المسلسلات ولا من مدمني الجلوس امام شاشات التلفاز ولكن قيل لي أن هناك مسلسلا بدا عرضه في رمضان هذه السنة يحكي عن قصة احتلال العراق ويبرز معاناة الشعب العراقي من الاحتلال من خلال مجموعة من الصحفيين العرب  فكان هذا الوصف الذي سمعته كافيا للتحفيز لمشاهدة هكذا عمل , وهكذا وجدت  نفسي جالسا مقابل شاشة التلفزيون أشاهد احدى الحلقات من هذا المسلسل ويحمل عنوان (هدوء نسبي ) وبالمناسبة يشارك في إنتاجه شركات عربية عدة وهو من تأليف الكاتب السوري خالد خليفة, وإخراج المخرج التونسي شوقي الماجري.), ويشترك في إنتاجه أكثر من جهة عربية (روتانا خليجية، ART ، قطاع الإنتاج في مصر، شركة إيبلا في سورية) والمنتج الفني صلاح طعمه ويشارك في التمثيل مجموعة من الفنانين العرب .

 

للحقيقة اقول كانت الحلقة الرابعة او الخامسة التي شاهدتها لا اذكر,  بدايتها كانت مشجعة فأحداث المسلسل تحكي قصة مجموعة من المراسلين والصحفيين وعملهم اليومي القائم على نقل مشاهد الموت والقصف العشوائي للطائرات الأمريكية وما خلفته من تخريب للبنية التحتية العراقية قبل احتلال بغداد وصولاً إلى الفترة التي تلت انتهاء الحرب, والصحفيون الذين يظهرون في المسلسل هم من الأقطار العربية (تونس, سورية, لبنان, فلسطين, مصر).وما أن مر وقت قصير حتى اصبت بخيبة امل لم اكن متفاجأ منها بل كنت في قرارة نفسي متوقعا لها , حيث اتضح لي من اول نصف ساعة من مشاهدتي لمجريات ولاحداث المسلسل أن الغرض الرئيسي لهذا المسلسل هو شيطنة 35 عاما من تاريخ العراق والتسقيط بالقيادة الشرعية المتمثلة بالشهيد صدام حسين رحمه الله وباقي رفاق دربه من الابطال الميامين , فنصف ساعة كانت كافية لان افهم مغزى ورسالة القائمين على هذا العمل ودعوني اسرد لكم مشهدين من المسلسل يدلان على كلامي...

 

المشهد الاول ــ

هناك صحافية من مصرية تبث تقريرا مصورا عن معاناة المواطنين العراقيين جراء القصف وعن نقص الادوية ونقص المعدات الطبية وقي نهاية تقريرها الصحفي المفترض تقول أن معاناة هؤلاء العراقيين تكمن في نقص الادوية وعدم وجود المستشفيات الكافية والمعدات الطبية ... الى  هنا كل شئ في المسلسل يبدو طبيعيا لكن الاحداث التي جرت بعد ذلك انه جاء افراد جهاز الامن العراقي (المفترض) والقوا القبض على هذه الصحافية المصرية وتم زجها خلف القضبان الحديدية دون سابق انذار وتم تصوير مشاهد تدل على اذلال هؤلاء للصحافية المصرية واهانتها وبعدها يستدعيها مسؤولهم ومن خلال الحوار الذي يجري بين المسؤول الامني العراقي(المفترض) وبين هذه الصحافية المصرية يومئون للمشاهد أن الجهة الامنية العراقية انما القت القبض على هذه الصحافية لانها اهانت المسؤولين العراقيين من خلال تقريرها الذي بثته عندما لفتت الانتباه الى نقص الادوية والمعدات الطبية في المستشفيات ولهذا اجبرها هذا المسؤول الامني أن تعمل تقرير اخر تنفي ما جاء في تقريرها الاول.!!!!!!!!!

 

المشهد الثاني ــ

هناك صحفي سوري يفترض انه يحب هذه الصحافية المصرية يقلق على حبيبته ويحاول كل الوسائل أن يعمل على اطلاق سراحها ويتدخل لدى من يعرفهم للتوسط بهذا الشأن وترينا احداث المسلسل ان هناك من ينصحه أن يدفع رشوة مقابل اخلاء سبيل حبيبة قلبه حتى سائق الميكرو الباص الذي يستخدمونه في تنقلاتهم ينصح هذا الصحفي السوري أن يدفع الرشوة في سبيل اخلاء سبيلها لكنه ( هذا السائق ) يتوسل لدى الصحفي أن لا يذكر اسمه لان خائف من عقوبة الاعدام التي ستواجهه فيما لو عرف رجال الامن انه نصح الصحفي السوري بهذا !!!!!!!

 

بربكم الا يكفي هذان المشهدان للحكم على المسلسل برمته ؟؟ الم يكن العراق يصرخ باعلى صوته وينادي العالم باسره بسبب مآسي الحصار الظالم على العراق؟ الم يكن العراقيون جميعهم من اعلى سلطة متمثلة بالشهيد الحي والى اصغر مسؤول عراقي يصرحون بأن الحصار على العراق سبب نقصا في الادوية والمعدات الطبية بل نقصا في  كل ما يحتاجه الانسان العراقي ؟؟ هل أن حجة القاء القبض على الصحافية المفترضة في المسلسل و الذي ورد في السيناريو يكفي لاقناع المشاهد بمظلومية هذه الصحافية هل يعقل هذا؟ ثم مشهد السائق الذي يخشى عقوبة الاعدام لمجرد انه نصح الصحفي السوري بالرشوة؟؟...الا يشير كل هذا الى محاولة خبيثة ودنيئة وقذرة من القائمين على هذا العمل لشيطنة النظام الشرعي في العراق قبل الاحتلال؟ الا يدخل هذا العمل ضمن سلسلة محاولات شيطنة وتسقيط البعث الذي تبنته وسائل اعلام الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي ؟؟.

 

لقد حاول بعض الإعلام العربي المتصهين شيطنة العراق وتشويهه على مدى الأعوام القليلة الماضية، بينما بقي الإعلام العربي عموما يجتر خطابه البائس غير قادر حتى على مجاراة السياسة الاستسلامية العربية، ويقال إن بعض أجهزة الاستخبارات العربية وضعت أمام رؤساء عدة دول عربية وضعت تقارير تحذر فيها من التأثير البالغ للدراما الرمضانية على الشارع العربي، خاصة بعد أن تمكن من تحقيق وحدة عربية عز نظيرها و فشلت في تحقيقها الأنظمة العربية الرسمية مجتمعة، على الأقل على صعيد لم شمل المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج حول شاشة واحدة، وقد نبه البعض مثلاً إلى ظاهرة لم تحدث من قبل في الشارع العربي عموما، وهو اختفاء الناس من الشوارع خلال عرض مسلسلات رمضان و هنا  ادرك هؤلاء أن الفن يمكن أن يكون أقوى من السياسة والإعلام بعشرات المرات، فبينما السياسة والإعلام يفرقان، فإن الفن يجمّع، ويحقق حتى الأهداف السياسية بطرقة أنجع وأقوى.

 

ففي الوقت الذي فشلت فيه مؤسسات الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي الاعلامية برغم صرفها لمليارات من الدولارات واستخدامها للمئات من المؤسسات الاعلامية  عربيية كانت ام غربية في هذا الوقت الذي فشلت في شيطنة النظام الوطني الشرعي الذي قاد العراق طيلة 35 عاما قبل الاحتلال تبرعت المؤسسات الفنية العربية هذه المرة للقيام بدور وبمحاولة تشويه هذا النظام من خلال دخولها الى بيت المواطن العربي البسيط والدخول إلى عقله عبر المسلسلات الدرامية التي تعرض في شهر رمضان المبارك ادراكا منها أن هذا المواطن سيشاهد هذه المسلسلات وبالتالي من الممكن الضحك على عقله وإيصال ما فشلت مؤسسات الاحتلال الإعلامية قبل ذلك فكان مسلسل هدوء نسبي   إحدى المحاولات

 

أن اصحاب الضغائن والنيات المغرضة من المحسوبين على الوسط الفني العربي واسميهم فنانوا السلطة على مختلف جنسياتهم يجمعهم قاسم مشترك هو العِداء المفرط لنظام حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الشهيد صدام حسين، والتحامل عليه بشكل يفوق التصور . وفي سبيل تهيئة الأجواء لتمرير جريمة العدوان والغزو، تم تجنيد الكثير من المؤسسات الفنية الخائبة. وجرى شراء العديد من الصحف والفضائيات و«المواقع« وغيرها من وسائل الإعلام التي تحولت كلها إلى أبواق في الماكنة الإعلامية الجهنمية، هدفها الوحيد تسويق أكاذيب وأباطيل زمر الشر والعدوان في واشنطن ولندن وشيطنة وتشويه صورة قيادة العراق ولأن معظم هؤلاء الفنانين والقائمين على الفن في البلدان العربية واغلبهم ( استثني القلة القليلة جدا من الشرفاء منهم من اصحاب الضمير الحي ـ لطفي بوشناق وعزت العلايلي ـ على سبيل المثال ) , يمتازون بأنعدام الضمير والحس القومي لديهم في الوقت الذي كان فيه المخلصون من أبناء الأمة العربية  يحذرون من الأهداف والمخططات الأمريكية الصهيوصفوية التي يجرى الإعداد لها ورسمها للمنطقة من بوابة العراق.

 

أقول لهذه المؤسسات الفنية العربية ( وليعذرني عمرو بن العاص ـ لانني سأقتبس احدى مقولانه ) , اقول لهذه المؤسسات ولكل القائمين عليها أن نساءكم لعب ورجالكم عبيد لمن دفع اكثر فانتم قوم يجمعكم الدولار الاخضر وتفرقكم العصى . انتم استهزئتم بعقلية المواطن العربي فمن منا لا يتذكر شعار ( الجمهور عايز كده )  والذي اطلق في سبعينيات القرن   الماضي نتيجة سياسة الانبطاح الساداتية وانتاجكم لاعمال اقل ما يقال عنها انه تافهة , ثم ظاهرة الفديو الكليب الذي صورتم فيه المرأة العربية ـ اللبنانية خصوصا ـ وكأنها سلعة للمتاجرة وللبيع , وللاسف نرى هذه الايام نفس الاسلوب في التسويق العهري يمارس من قبل المؤسسة الفنية السورية من خلال بعض اعمالها, انه فعلا زمن بورنوقراطية الفن العربي .

 

اخيرا اناشد جميع كتاب ومؤلفي الدراما والمسلسلات من الشرفاء ومن اصحاب الضمير الحي خصوصا العراقيين منهم أن يكتبوا اعمالا عن الواقع الحقيقي لماساة ولمحنة الشعب العراقي اطلب منهم أن يكتبوا عن اعمال القتل الطائفي وعن تشريد الملايين من العراقيين داخل وخارج الوطن اطلب منهم أن يكتبوا عن جرائم فرق الموت الايرانية والصهيونية , اطلب منهم أن يكتبوا عن جرائم الاغتصاب التي وقعت وما زالت بحق العراقيين والعراقيات , اطلب منهم أن يكتبوا عن سرقة وطن بأكمله وطن اسمه العراق .

 

تحية للعراق العربي الحر الواحد الموحد

تحية لابطال ومجاهدي المقاومة العراقية الباسلة بكل فصائلها وصنوفها و مسمياتها

الرحمة والخلود لشهداء العراق و مقاومته وفي مقدمتهم شهيد الحج الأكبر صدام حسين رحمه الله

الحرية لاسرانا في سجون الاحتلال .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢١ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / أيلول / ٢٠٠٩ م