ماذا بعد الحقيقة ؟

 
 

شبكة المنصور

عبـيد حسين سعـيـد
أخذت قضية قذف منتظر الزيدي الرئيس الأمريكي الأسبق بوش بفردتي حذاءه حيزاً من الأخذ والرد في منتديات الإعلام والسياسة وكلٌ أخذ على عاتقه توصيف المشهد , واخذ مشرط الجراح وادعى الحكمة والدفاع عن قناعاته ينطلق في ذلك من ثقافته وميوله ومدى انحيازه لهذه الجهة أو تلك لكن الذي جرى وشاهده الملايين مدى ما اعترى وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة بعد عملية الشروع إنَّ هذه القناعات كما يقول المنطق والعقل السليم لا بد أن نحتكم ويحتكم غيرنا إلى العقل والحكمة للغوص في ملابسات وتفكير الرجل والقوة الدافقة الدافعة التي جعلته يضع روحه فوق راحته ويضحي بنفسه وهو الذي يعيش مآسي وإرباكات خلقها المحتل ووضعها في ميزان القدرة وتحمل ما شاهده عبر عدسة كامرة المصور المصاحب له وهو يتجول في مواقع الأحداث الساخنة وما اختزنته خام أشرطة قصَّ بعضها مقص الرقيب ,ونضوب القدرة التحملية التي جعلت الرجل يفكر ويحزِمَ أمره للعبور إلى ضفة المجد ما سبقه إليها غيره فكان أول من قذف رئيس دولة بحذاء على مدى التاريخ المقروء سبقها فما أن أنهي بوش كلامه حتى عاجله برمية وقودها الدافع الحمية والغيرة اليعربية واضطرام نار الحقد المشروع وتوارد أفكار ومشاهد البؤس والقتل والتشريد والتدمير التي يعيشها أهله وناسه جعلت منه إنسانا آخر يَنذر نفسه فداءً لقضية آمنَ بها وأصبحت تؤرقه بمشاهدها المهولة وأثرت خياله واستحالت عبءً يؤرقه وكابوس أحلام لا بد من التخلص منه ,

 

فحملً على كبير ائئمة الكفر أينما حل ومن ذلك انه أخذ بالحسبان واحتاط للأمر بكل عناية حتى نضجت لديه الفكرة ليرسم خطاً وهميا أوله محل جلوسه ونهايته المنصة التي يقف عندها الهدف, لتنطلق باتجاه دماغ رجل قتل مليون عراقي وشرد وهجَّر ملايين أخرى وبها يستكمل مشهد أروع رمية لآخر عملية سطو قام بها رئيس الدولة (الأقبح ) أنها ليست مجرد رمية وإنما هي إشارة بليغة تداخل بها الإصرار والفتح كما في قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق الانبياء18 ) علامات الثورة انبثقت من عناءات ومرارات الوضع الذي عاشه وهو يتجول برفقة عدسته الأمينة في نقل الغث والسمين فانغرس في ضميره اليقظ بداية مأثرة وشرارة ثورة لم يكن يتصور إنها ستكون بهذا المستوى من ردود الأفعال وفق بناء تصور اليأس من الوضع العربي ,

 

لكن المفاجئة واندلاع نار الثورة الشعبية في قارات الدنيا بأجمعها يشبه اضطرامها هشيم زرعٍ لفحته شمس تموز لم يكن ليحتاج إلاّ لعود ثقاب كان بانتظار منتظر وما به من خزين حقد ثوري التي ينعم الله بها على البعض ويبتلي البعض ببرودة تصل حد الدياثة وهو يرى آلاف الناس تموت تحت سرف الدبابات وعويل المدافع وأبخرة غازات محرمة- ناهيك عن حفلات القتل اليومي في السجون الحكومية والتي لو كانت إيزابيلا وفرديناند أحياء لغطوا رؤوسهم خجلا - إن الفعل الذي قام به الهمام منظر يوازي في جرأته وصداه اقتحام القوات المصرية استحكامات خط بارليف الإسرائيلية بخراطيم مياه كانت تحول دون اختراقه لكن عقلية العربي تمثلت في الجندي المصري الشجاع الملازم (سعد الشاذلي) الذي أدى دوراً رائعا ومبتكرا في تحريك راكد الشارع العربي نحو انتصارٍ زانه الشهداء وزرع الرعب في قلوب الصهاينة وأربك كل ما أعدوه من خطط على الأرض ولكن فعل منتظر يوازي فعل الشاذلي من حيث الجِدّة والابتكار فقد جرد كل من دخل إلى قاعة المؤتمر الصحفي من أي شيء يمكن أن استخدامه استخداما مزدوجا وهذا الاستخدام المزدوج هو نفسه الذي جَوّعَ شعبنا من قبل عشر سنين وحرم أطفالنا حتى من أقلام الرصاص والحليب ولم يدر في خلد (صانعي الحضارة) أن يكون للحذاء استخداما مزدوجاً يمكن أن يكون تأثيره ونتائجه على الرأي العام العالمي بهذهِ القوة وأن يضرب رأس زعيم أكبر دولة ,

 

أما الحقيقة المرة التي يريد الكثيرين من أبناء جلدتنا تجاهلها هي مسألة تصديق فرية الاستقلال والتي أصبح طعمها مجّاً تعافه الأسماع فكيف لنا أن نصدق إن مؤتمراً صحفيا يعقد في منطقة خضراء سكانها من العبيد يحرسها الجيش الأمريكي ومرتزقة الشركات الأمنية يدققون في كل شيء ولم يبق من وسائل التعبير التي توازي أفعال الأمريكان وأكثر إهانة لهم سوى أن يضرب الرأس الذي فكر وخطط واستباح أرضا كانت في يوم من الأيام تحتضن حضارة علمت البشرية الحرف والقانون والموسيقى .

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٩ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٨ / أيلول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور