العراق بين مسلسل التفجيرات الدموية وتنوع ولاءات القوى الامنية

 
 

شبكة المنصور

طـــلال بركـــات

لقد بات الدم العراقي سلعة رخيصة في مزاد المزايدات والصراع على السلطة والنفوذ والمال، ولا احد يستطيع ان يحجب الحقائق مهما قامت وسائل الاعلام المشبوهة من فبركة افلام كارتونية لاتهام هذة الجهة او تلك. والحقيقة دائما تفرض نفسها خصوصا وسط شعب واعي رضع السياسة منذ نعومة اظافرة، لقد وضعت تفجيرات الاربعاء الدامي صورة ايران في واجهة المشهد العراقي حتى باتت محاولة التستر عن الفاعل الحقيقي مهزلة واستهتار بدم الابرياء ومشاعر ذويهم لان التصريحات المتضاربة للمسؤلين العراقيين اصبحت لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على احد لان النظام الرسمي الجديد في العراق بات يمثل الايدولوجية الايرانية في اطار الحماية الامريكية ومن الخطأ القول بان المالكي يميل للتيار العروبي والحكيم يميل للأجندة الايرانية بل الجميع في السلة الايرانية وتجمعهم وشائج طائفية مشبعة بروح الانتقام والتشفي وتفرقهم السلطة والصراع على المكاسب والمال والنفوذ لذلك نرى حضور دائم لأيران في قلب الاحداث الجارية في العراق خصوصا في اوساط الاقطاب المتصارعة داخل العملية السياسية التي غالبا ما يتم ترتيب اوضاعهم في سراديب قم وطهران حسب ما تملية ظروف المصالح والتوازنات الايرانية بين هذة الجهة او تلك، وما احداث الاربعاء الدامي والانفجارات التي استهدفت وزارة الخارجية والمالية وغيرها من المؤسسات العراقية ليست الا جرس انذار ايراني من اجل فك الاشتباك بين المجلس الاعلى وحزب الدعوة على اثر قيام عناصر مقربة من قيادات المجلس الاعلى بسرقة مليارات من الدنانير العراقية من احد البنوك وباتت مادة دسمة لحزب الدعوة من اجل استخدامها في لعبة التوازنات الانتخابية المقبلة،

 

لان شدة الخلافات والصرعات وتصفية الحسابات بين مكونات الائتلاف الموحد باتت على المكشوف وعدوى خطرها انتقل الى قادة الاجهزة الامنية بسبب انخراطهم في نفس لعبة المصالح وتصفية الحسابات لان بناء تلك الاجهزة قد تم وفق اسس المحاصصة الطائفية ومن مكونات ميلشيات الأحزاب المسايرة للمشروع الأمريكي والتي تحمل في ثناياها اجندات متناقضة بحكم تكوينها العنصري والطائفي وولائها لقيادات تلك الأحزاب قبل ولائها للوطن وهذا ما يؤكد فشل تلك الاجهزة وعدم قدرتها على تلبية المتطلبات الوطنية وحفظ الأمن والنظام في البلاد بل ان وجودها اصبح يشكل خطر كبيرعلى الامن الوطني لان منظومة تشكيلات المؤسسة العسكرية الجديدة فيها من التنافضات التي يمكن اعتبارها اكداس عتاد قابلة للانفجار عند اشتداد حدة الصراع بين القيادات السياسية للأحزاب المؤثرة داخل العملية السياسية المزعومة، بهذا الشكل من البناء المتهرء للقوات المسلحة العراقية اريد للعراق فراغ امني دائم لتبقى القوات المحتلة الى ما لا نهاية تحت ذريعة عدم اكتمال بناء القوات العراقية وهي على هذا الحال لو بقيت مئات السنين لما اكتمل بنائها ما دام شروط تأسيسها قائم على هذا الشكل، والمضحك بعد ست سنوات من الاحتلال يقول الجنرال فرانك هلميك المسؤول عن تدريب القوات العراقية "يجب ان نواصل تطوير قدرات الجيش العراقي وسوف نقوم بذلك بأسرع وقت ممكن!!!

 

بعدما أقر أن هجمات الاربعاء الدامي في بغداد ناجمة عن خلل في النظام الامني". والاكثر من ذلك اقحام الاجهزة الامنية في تناقضات العملية السياسية على حساب واجباتها الجنائية وباتت تزج في الميدان لتكون الظهير القوي لقوات الاحتلال لتقاتل وتقتل نيابة عن المحتل من اجل ان تبقى القوات المحتلة في مأمن من ظربات المقاومة الوطنية وليتسنى لها البقاء لأمد غير مسمى والاخطر من هذا كلة اصبحت تلك الاجهزة تشكل غطاء لجهات اجنبية تصدر الارهاب والسيارات المفخخة لقتل العراقيين كما حصل في يوم الاربعاء الدامي وغالبا ما يقوم قادة تلك الاجهزة باطلاق تصريحات رنانة تعلن فيها عن إلقاء القبض على عناصر إرهابية تحت مسميات وهمية أو اتهامات باطلة وفق اسطوانة الارهابين والصدامين والبعثيين ومن ثم تتبخر أسانيد تلك التصريحات لأنهم اعرف من غيرهم بمن يقوم بتلك التفجيرات، لان الشواهد المنظورة وفق حالة الاحتقان السياسي الناجمة عن تقاطع المصالح وفشل توافق اقطاب العملية السياسية وخصوصا من الموالين لنظام الملالي في طهران جعلت ايران لاعب رئيسي للخوض في دماء العراقيين من غير حسيب ولا رقيب وتقفز على التناقضات السياسية بالمفخخات بين الحين والاخر لأثبات حضورها كقوة مؤثرة على الارض العراقية وكوسيلة لتنبية القوى السياسية المتصارعة بمدى خطورة خلافاتهم ومدى تأثيرها على بقائهم في السلطة،

 

فأن ما تقوم بة ايران من جرة اذن لتلك القوى على حساب الدم العراقي لأجل اجبارها على أعادة النظر في ترتيب اولوياتها وجعل الفوز في الانتخابات القادمة في مقدمة تلك الاولويات خصوصا بعد ثبوت فشلهم الذريع في انتخابات مجالس المحافظات، ومن ثم تأتي مرحلة الاستحقاقات وتوزيع الادوار وتقاسم السرقات المهم اولاً الفوز بكعكة الحكم وبعدها ليدلو كل بدلوة ويغرف ما يشاء. مما حدى بتلك القوى السياسية الانصياع التام لأوامر قم وطهران والقيام بالاعلان الفوري عن تحالفات غير مسبوقة ودون سابق انذار بظهور الجميع على شاشات التلفاز كأنهم سمن على عسل كما يقول المثل العراقي لان هذة التحالفات ليست الا اتفاقات على توزيع الحصص من اجل عدم حصول فضائح خلال فترة الانتخابات المفبركة لضمان بقائهم في السلطة حتى يتم بعدها التفرغ للمرحلة الاهم وهي تصفية النخب الوطنية المعارضة للاحتلالين الامريكي الايراني والانتقام الطائفي حسب طريقة فرق الموت الجاهزة للتصدير من الجارة المسلمة ايران للقيام بمهماتها على اكمل وجة.


واخيرا ان هذة المذابح التي تحاك خيوطها في ايران ليست ببعيدة عن اجندة الولايات المتحدة الامريكية وهي المسؤولة بالدرجة الاولى عن كل ما يجري من حمامات دم في العراق، لقد بات واضحا ان التعاون الامريكي الايراني لم يعد محط شك، ولا يمكن اعتبار مواقف امريكا من ايران قائمة على موازين المعايير المزدوجة بل اتفاقات سرية تجسدت معالمها بشكل واضح منذ قيام ايران بتقديم الدعم السوقي واللوجستي العسكري للقوات الامريكية لأحتلال افغانستان والعراق حسب تصريحات ابطحي نائب الرئيس الايراني في حينة وبالمقابل كانت المكافئة بعد الاحتلال هي تنصيب قادة الحكم في العراق من الموالين لايران بل واغلبهم ذات اصول ايرانية ثمنا لاستحقاقات ذلك التعاون والا كيف يعقل ان تركن امريكا عملائها بعد الاحتلال وترتكز على عملاء ايران الذين مكنوها (أي ايران) من التدخل السافر في الشأن العراقي بشكل لم تكن تحلم بتحقيق جزء من ما حصلت علية من هيمنة سياسية واقتصادية وعسكرية على العراق خلال حرب الثمان سنوات،

 

وان ما يثير دهشة المراقيبين حول كيفية ايجاد تفسير لتركيبة المعادلة السياسية التي تخص مكونات اقطاب العملية السياسية على اعتبار ان من يحكم العراق اليوم هم حلفاء لأمريكا الشيطان الاكبر وممن جاءوا بجيوشها ويحثونها على البقاء وهم في نفس الوقت من ساعد ايران على احتواء العراق ومكنوها من الهيمنة على كل مفاصل ومرافق الدولة العراقية حتى اصبح دورها في السياسة العراقية اكبر من الدور الامريكي استنادا الى تقدم الولاء المذهبي على الولاء السياسي في الوقت الذي تستعرض امريكا عضلاتها وتعلن عن ملاحقة واعتقال كل من يثبت تورط ارتباطة بايران فكان من الاولى بها ان تعتقل كل اركان الحكومة العراقية،

 

الا ان ما يحصل هو تقاسم غنائم وتوزيع حصص وفق صفقات مشبوهة واستحقاقات اقليمية ودولية نتيجة اتفاقات سرية امريكية ايرانية فاحت رائحتها وبات اللعب على المكشوف ولم تكن تلك الدماء التي تنزف على الساحة العراقية من قبيل الصراع على السلطة فحسب وإنما هو مشروع امريكي ايراني مبرمج وان احد فصولة دعم مصالح قوى على حساب الاخرى خصوصا في اوقات المزادات الانتخابية لتحقيق أهم غاية من غايات الاحتلال وهي جر الشعب العراقي بأطيافة المختلفة للاقتتال فيما بينهم .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٦ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أب / ٢٠٠٩ م