في سبيل البعث '' مقتطفات من وحدة النضال ووحدة المصير ''

 
 

شبكة المنصور

زيد احمد الربيعي

بعد نكبة فلسطين التاريخيةتأتي حوادث المغرب العربي واهمال بقية الاقطار العربية لهذا الشطر الكبير من وطننا، ومساومة حكومات بعض هذه الاقطار على نضاله، دليلا جديدا على الحدة التي بلغها تناقض أوضاعنا القومية. لقد صمد المغرب مدة قرن وأكثر لأشد أنواع الاستعمار هولا ووحشية، الاستعمار الفرنسي الغاشم الذي كانت خطته إبادة العرب في الشمال الافريقي وإلحاق هذه البقعة العربية الغالية بالارض الفرنسية. وكان المغرب طوال تلك الحقبة يكافح وحيدا اعزل، لا يدري به العالم، ولا يستطيع عرب المشرق الخاضعون مثله لنير الاستعمار أن يمدوه بأي عون. وفي السنوات الاخيرة، أستأنف المغرب معارك حريته مؤملا في عون الجامعة العربية ودولها المستقلة، الا انه لم يلق غير الوعود والجحود.

 
إن الشعب العربي مؤمن بوحدة مصيره وبضرورة توحيد نضاله كشرط أساسي لتوحيد أقطاره في المستقبل القريب. فما هي العوامل والاسباب التي تؤدي الى تشويه ارادته على هذا الشكل الذي نرى فتجعل جهوده تتبعثر بدلا من ان تتوحد، وقواه تتناحر بدلا من ان تنسجم؟ ذلك ان وحدة النضال التي نحاول تحقيقها عبثا، لا تكون ممكنة الا بنضال الوحدة أي بتكوين عقيدة واضحة عن الوحدة العربية تصبح الموجه الاول لتفكيرنا، والناظم الرئيسي لكل ناحية من نواحي نضالنا. 


وليس أشد الافكار خطرا على الوحدة العربية هي الافكار الاقليمية والشعوبية الصريحة المفضوحة، انما هي الافكار التي يروجها دعاة الوحدة الرائجة، أي "وحدويو التجزئة".


فكرة الوحدة العربية هي الفكرة الانقلابية بالمعنى الصحيح، لا يدانيها في انقلابيتها التحرر من الاستعمار على ما فيه من جدية وقسوة، ولا التحرر الاجتماعي الاشتراكي الذي يصدم في المجتمع أضخم المصالح وأقوى العادات والنظم. ذلك ان التحرر الخارجي يستفيد من عاطفة الشعب السلبية المباشرة، والتحرر الاجتماعي يعتمد على مصلحة الشعب المادية المباشرة، وكلا التحررين الخارجي والاجتماعي يلتقيان باتجاه هذا العصر السائر في طريق تصفية الاستعمار والاستثمار الطبقي. في حين ان فكرة الوحدة لا تحمل في طياتها أي معنى من معاني السلبية، ولا تتراءى فيها المصلحة المادية الا جزئية آجلة غير مباشرة، فهي ايجابية كلها، وروحية قبل ان تكون مادية، وإرادية أكثر منها عفوية، تغالب السهولة والمصالح الآنية، وتخاطب العقل والايمان العميق وتطلب التضحية بالحاضر في سبيل المستقبل وتقتضي تهيئة جدية، وتربية جديدة.

 
جميع الاحزاب العربية تقول بالوحدة العربية، وكذلك الحكومات، ومع ذلك فان هذه الاحزاب  المتماثلة الهدف لا تلتقي ولا تتعاون، اما الحكومات فانما تلتقي لكي تتخاصم. ذلك لان الاحزاب والحكومات تعتبر الوحدة العربية محصلة ونتيجة لنضال كل قطر من أجل حريته ونهضته، في حين ان العكس هو الصحيح. فحرية كل قطر عربي ونهضته هما محصلة ونتيجة لنضاله من اجل الوحدة. فالايمان بالوحدة والنضال في سبيلها هما اللذان، بتوجيههما نضال القطر وجهوده الوجهة الصحيحة، أي بتذكير القطر باستمرار انه جزء من كل، لا كل قائم بذاته، يجعلان من حرية القطر حرية سليمة أي خطوة ووسيلة الى حرية مجموع الامة، لا انفصالا وعقبة في طريق هذه الحرية الشاملة، ويرسمان لنهضة القطر ملامحها وحدودها لتكون تهيئة وتمهيدا للنهضة العربية العامة دون تبذير او تصادم في الجهود والمصالح.

 
ان اهداف العرب الكبرى (الحرية والاشتراكية والوحدة) تشكل كلا لا يتجزأ ولا يجوز فصل بعضها او تأجيله عن بعضها الاخر. وهذا يكفي للقول بأننا نفهم من الوحدة العربية غير ما ينشده بعض العاطفيين الخياليين الذين يعتقدون بامكان توحيد العرب في ظل السيطرة الاجنبية، او بعض النفعيين واصحاب المصالح الكبرى الذين يأملون من وراء التوحيد تدعيما للحكم الرجعي الذي يستطيع ان يحمي مصالحهم من ثورة الجماهير.

 
وتبعا لهذا المنطق نفسه -منطق وحدة الاهداف القومية وتداخلها- فان ارتيابنا بأولئك الذين يحسبون أن شيئا جديا صادقا من الحرية والاشتراكية يمكن أن يتحقق في نطاق القطر الواحد ليس اقل من ارتيابنا بدعاة الوحدة الخياليين او النفعيين. انها دعوة مشبوهة تلك التي تحاول ان تسبغ على الاستقلال القطري، صفات الاستقلال التام الكامل، لتجعل منه مرادفا للانفصال وعقبة في طريق الوحدة القومية. وهي نظرة ضالة سطحية تلك التي تسمي الاصلاحات الجزئية التي تحققها بعض الاقطار ثورة وانقلابا، في حين انه لا ثورة جدية الا في نطاق الامة العربية الواحدة.   


فلم يعد اذن عمل الاحزاب القطرية والحكومات مرحلة توصل الى الوحدة بل اتجاها جديدا وطريقا مختلفا يبعد عنها ويضعف امكانياتها. والوحدة ليست عملا آليا تتم من نفسها نتيجة للظروف والتطور، فالظروف لا تخدمها والتطور قد يسير معاكسا لها، نحو تبلور كاذب للتجزئة. فهي بهذا المعنى فاعلية وخلق، ومغالبة للتيار، وسباق مع الزمن أي انها تفكير انقلابي وعمل نضالي. 


في الايام الجدية العصبية، اذ يشتد الخطر وتنزل المحن وتتعاظم التضحيات، تحظى الامة بلحظات خاطفة نادرة، تسترد فيها وعيها لمصيرها الحقيقي، ويصبح الجو النفسي العام اكثر ملاءمة وتقبلا لموقف التجرد وكلمة الحق. وعسى أن تكون البطولة الشماء والايام الدامية التي يحياها قسم من شعبنا في المغرب العربي وخاصة في الجزائر، مناسبة صالحة وثمنا كافيا لبعض الحق والتجرد يدخلان جونا ويساعداننا في مختلف أقطارنا على النظر الى مصيرنا بمنظار جديد يهيئ لنا سبيل تحول أساسي في تفكيرنا وعملنا.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٩ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / أيلول / ٢٠٠٩ م