البعد الروحاني في فكر البعث

 
 

شبكة المنصور

زامــل عــبـــد

تناولنا في أكثر من موضوع الأسباب الحقيقية لولادة فكر البعث وما يشكله في  ضمير الأمة العربية كونه الاستجابة الحية الصادقة للحاجة الجماهيرية والرد الواعي على كل المعاناة التي تعانيها الأمة بجماهيرها و الواقع الذي فرض على الأمة بفعل التأمر  والعدوان الذي تعرضت له منذ سقوط الدولة العربية الإسلامية  عام 1258 وما فعلته القوى الشعوبية لتدمير الحاضرة العلمية والازدهار الذي تمكن العرب من نشره في أرجاء المعمورة تفاعلا مع حضارات الشعوب الأخرى بروحية إنسانية تنشد التقاء إرادة الخير من اجل النمو والازدهار ، وان هذه الولادة لم تكن مجردة بل  أخذت من العمق التاريخي للأمة والفعل الثوري في كيانها الذي جسده الإسلام كونه الثورة الاجتماعية الكبرى التي  أرادها الله في هذا المكون البشري الذي اخرج خير امة للبشرية كي تقوم بدورها الرسالي  وهداية الشعوب والأمم الأخرى إلى طريق الحق والهداية ببعده الإنساني التفاعلي بحوار حول الدين والتراث وما تتعرض له الأمة من هجمة يقول الرفيق القائد المؤسس رحمه الله  ((  انه حي في هذا العصر أكثر من أي شيء آخر ، عصري ، ومســــــــــــتقبلي أيضا ، لأنه خالد يعبر عن حقائق أساســـــــــية خالدة ، لكن المهم هو الاتصال بهذه الحقائق لكي تؤثر وتكون فاعلة ومبدعة ، فكان رأي الحزب نتيجة التفكير ونتيجة المعاناة معا ، إن هذا الاتصال لا يكون بالنقل الحرفي ، ولا بالتقليد وإنما بان تكتشـــــــــــــــف هذه الحقائق من جديد ، من خلال ثقافة العصر ومن خلال الثورة والنضال ))  ،  من هنا نجد أن البعث العربي فعل لأبناء صادقين الرؤية والإيمان بقدر أمتهم وضرورة تمكنها من  التحرر والانطلاق برسالتها التي  شابها الركود والانزواء بسبب حجم الهجمة ومنفذيها والظروف التي  سادت بفعل ذلك مازجين فيما بين  الماضي التليد والواقع الســــــــائد والمســـــــــتقبل المنشود من حيث الأفق الرسالي  الذي يتمنون أن تؤديه أمتهم  انبعاثا" لدورها حيث يقول  ((  الحزب وضع مبادئ عقلانية علمية للثورة العربية أستنبطها من ثقافة العصر ، ومن واقع الأمة العربية واقع جماهيرها الواسعة جماهيرها الكادحة ، ورسم لهذه الجماهير طريقا للنضال من اجل بلوغ أهدافها وفي الوقت نفسه وضع هذا النضال في جو الرسالة العربية وقيمها الروحية والأخلاقية أي انه وضع ثورة الجماهير العربية في أفق حضاري متصل بماضي الأمة وتراثها الخالد من اجل تجديد هذه الرسالة في المستقبل ))

 

البعث العربي يراد منه انبعاث الإرث الحضاري  والعقل الإبداعي  وروح الإنسانية التي كانت لب الحياة اليومية في ألامه كونها  القوة التي حباها الله  بالدور  الرسالي التبشيري لما تختزنه من قيم ومفاهيم تؤهلها لحمل الرسالات السماوية وان تكون موطن حي للأنبياء والرسل والرسالات التي بشروا بها أقوامهم إن كانت محدودة أو ببعدها الاممي الأوسع وخاتمتها الإسلام ونبي الرحمة وخاتم الأنبياء العربي ألمضري الهاشمي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وأله وسلم  الذي بعث رحمة للعالمين و على خلق عظيم  كي يكون الشخصية التي  تقوم بالدور الرسالي اللاحق ، وقوفنا عند حدث مهم في تأريخ البعث العربي عام 1943 والكلمة التي ألقاها القائد المؤسس بذكرى ولادة الرسول العربي ( ص ) يتبين بوضوح البعد الروحاني الوجداني  الجدلي في فكر البعث وهو في مرحلته التبشيرية الأولى وما يشكله من أفق مستقبلي لحركة الثورة العربية حيث حلل الأفق الروحي في كلمته والبعد الذي يراه البعث في شخصية الرسول العربي  حيث قال بحوار في هذا الشأن ((   ومنذ ذكرى الرسول العربي عام 1943 وقبل ذلك أقول في ذكرى الرسول العربي يجب أن تتحد الصلاة مع العقل النير مع الساعد المفتول ، لتؤدي كلها إلى العمل العفوي الطلق الغني القوى المحكم الصائب ، فهذه قناعاتي الفكرية العميقة ، بان الفكر النير وحده لا يكفي بل لابد أن يتحد مع الصلاة ومع الساعد المفتول ( تعبير عن الشجاعة ، عن حيوية الإنسان وإرادته ) قبل ذلك ، ماذا أقول في ذكرى الرسول العربي ، قلت "نحن أمام حقيقة راهنة هي الانقطاع بل التناقض بين ماضينا المجيد وحاضرنا المعيب كانت الشخصية العربية كلا موحدا ، لا فرق بين روحها وفكرها ، بين عملها وقولها ، بين أخلاقها الخاصة وأخلاقها العامة ، وكانت الحياة العربية تامة ، ريانة ، مترعة يتضافر فيها الفكر والروح والعمل وكل الغرائز القوية ، أما نحن ، فلا نعرف غير الشــــخصية المنقســـــمة المجزأة ، ولا نعرف إلا حياة فقيرة جزئية ، إذا أهلها العقل فان الروح تجفوها ، وان داخلتها العاطفة فالفكر ينبو عنها ، إما فكرية جديلة ، أو عملية هوجاء ، فهي أبدا محرومة من بعض القوى الجوهرية ، وقد آن لنا أن نزيل هذا التناقض فنعيد للشخصية العربية وحدتها ، وللحياة العربية تمامها ))

 

إلا أن وجود الوطنية بالعروبة ، ووجود العروبة في الوطنية يجعل التماثل بينهما يبلغ ذروته وخاصة إذا أحضرنا الإسلام إلى جانبهما على النحو الذي رآه وشخصه القائد المؤسس باعتباره المفصح عن عبقرية العروبة وتجلياتها وتطلعاتها وإنسانيتها وما تهدف إليه  لأنه نشأ في قلب العروبة وشكل تواصلاً في شخصية الأمة العربية بين ماضيها وحاضرها كما أعاد  للشخصية وحدتها والحياة العربية تمامها والإسلام عندما شغل هذا الدور والوظيفة فإنه شغلها من موقعه في الحياة العربية باعتبار أنه حركة عربية  ، وكان معناه تجدد العروبة وتكاملها  وفهمه للأشياء كان بمنظار العقل العربي والفضائل التي عززها كانت فضائل عربية ظاهرة أو كامنة والعيوب التي حاربها كانت عيوباً عربية سائرة في طريق الزوال والمسلم في ذلك الوقت لم يكن ســــــــــــوى العربي

 

التماثل بين الإسلام والعروبة من أجل أن تستكمل صورة الأمة العربية ومعالمها ومعانيها المستقبلية بعد أن تشكلت نواتها وانطلاقتها الأولى في الجيل العربي المســــــــــلم المتمثل بالرسول العربي (ص) والصحابة رضوان الله عليهم  والمسلمين الأوائل الأشداء على الكفار الرحماء فيما بينهم وقلة قليلة من غيرهم في فجر الإسلام فيقول القائد المؤسس (( كان المسلم هو العربي الذي آمن بالدين الجديد لأنه استجمع الشروط والفضائل اللازمة ليفهم أن هذا الدين يمثل وثبة العروبة إلى الوحدة والرقي ))  ومن خلال هذه الرؤية والقراءة للموروث الحضاري  تم النظر للصورة  المستقبلية للأمة العربية في حينها بعد أن أعاد الإسلام تكوينها من جديد حيث نجدها في العناصر المكونة للمشــــــــهد الآتي  ، المسلم هو العربي الذي آمن بالدين الجديد  ،  والمسلم هو العربي الذي شكل الطليعة الجديدة في حياة الأمة العربية  و المسلم هو العربي الذي شكل شرط انتصار الإســــــــلام وانطلاقته الأولى  وكان الإسلام القوة الروحية والعقيدة التي استجمعت الشروط والفضائل للعربي المسلم ، ولذلك مثل الإســــــــــــلام وثبة العروبة إلى الوحدة والقوة والرقي  ، كما أن الصلة الوثيقة والرابطة العضوية القائمة بين الثلاثية القومية التي تشكل ثـوابت الأمـة ووجـودها وحـقيـقتها الحـضارية ( العـروبة – الإسلام – الوطنية ) كانت حقائق عربية ونقاط استناد في تفسير مسيرة الحياة العربية القائمة على الترابط بين  الوطنية ، والعروبة ، والإسلام ، العروبة وجدت قبل الإسلام لكن خصائص هذه العروبة ومقوماتها وقيمها هي التي شــــــــــــــكلت الحاضنة للإسلام ،  لكن الإسلام أنضج العروبة وأوصلها إلى الكمال ،  وهو الذي جعل من القبائل العربية أمة عربية عظيمة ، أمة عربية حضارية   والإسلام كان وهو الآن وسيبقى روح العروبة

 

البناء الاجتماعي من أجل استمراره وتماسكه وبلوغه الاندماج الاجتماعي  الشامل الذي يقوي اللحمة بين المحلية والوطنية والقومية بحيث يشكل هذا الاعتماد مدخله إلى أن يبين أن الاعتمادات الوظيفية المتبادلة في الحياة العربية بين الإسلام والعروبة سواء في مستواها المحلي أو الوطني أو الرسالي الإنساني تخلق كتلة من التراكمات التي تعمق بدورها الرابطة بين الوطنية والعروبة والإسلام وبما يعري الأفكار الشعوبية التي أريد لها  اذاء العرب والفصل فيما بين العروبة والإسلام بل كانت أهدافهم وغاياتهم ابعد من ذلك صناعة التناقض والتقاطع فيما بين العروبة والإسلام  ، البعث العربي  تصدى لهذه الأفكار  بمفردات شعاره الشامل الجامع  للأفق الروحاني ألانبعاثي التحرري (   أمة عربية واحدة       ذات رسالة خالدة  ) أي انه ربط بين النضال من أجل وحدة الأمة  وما يترتب عليه من  بعدا" إنسانيا من حيث  تقديم العطاء العربي للأمم والشعوب المضطهدة  ليكون محفزا لها لنيل حريتها واستقلالها

 

 

ألله أكبر                  ألله أكبر                  ألله أكبر

وليخسأ ألخاسئون

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ١٦ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٥ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور