القومية المؤمنة

﴿ الحلقة الثانية ﴾

 
 

شبكة المنصور

زامــل عــبـــد

إن وصف القومية العربية بالمؤمنة ليس إلصاقاً من أجل ارتداء  ثوب جديد يتعارض مع حقيقتها ، بل هو تعبير دقيق عن حقيقة القومية الحية بفكرها وتعاملها مع الآخرين واستلهامها للتأريخ وما كلف به أبنائها ، القومية بفهمها ألبعثي هي العاطفة التي تربط الفرد بأهل بيته ، لان مساحة الوطن البيت الكبير لأبناء الأمة العربية التي تشكل الأسرة الواسعة ســــــــواء" كان مسلما أو من أهل الكتاب أو من ديانات وقوميات أو أقليات متآخية في هذا البيت  نمت ومازالـت تنموا بخيراتـه ، ولكي يميزها عن القوميات الغربية المتعصبة التي ظهرت على حساب أمم وشعوب  فالقومية المؤمنة تشكل طريق الإيمان الجديد لإنقاذ الأمة مما هي فيه ، ونقلها من حالتها المتردية إلى دور أنساني رسالي مميز بقدر امتلاكها لحريتها تجاهد من اجل الآخرين من خلال إيمانها بالتقاء قوى النضال والتحرر بقيم إنسانية  يسعد فيها المعذبون والتي هي تضلل بجناحيها كل من عاش على ترابها الوطني  كـما أن طرح القومية المؤمنة لــــيس المــقصود به وضع عقيدة بدل عقيدة ، أي وضع القومية والدين في موضع التصادم بل يقصد بهذا الطرح إلغاء أي تصور مريض أو خاطئ لإمكانية التصادم بين العروبة والإسلام ولكن المؤكد والصحيح هو حتمية التلازم والتفاعل بين الإسلام والعروبة وليس استبدال احدهما بالآخر أو سحب جوهر كل منهما ، وان ما عبر عنه الرفيق القائد المؤســــــس في خطبته بذكرى ولادة الرســــول الأعظم ( ص )  في 5 نيسان 1943 (( إن حركة الإسلام المتمثلة في حياة الرسول الكريم ليست بالنسبة إلى العرب حادثاً تاريخياً فحسب ، تفسر بالزمان والمكان ، وبالأسباب والنتائج ، بل إنها لعمقها وعنفها واتساعها ترتبط ارتباطاً مباشـــــــراً بحياة العرب المطلقة ، أي إنها صورة صادقة ورمز كامل خالد لطبيعة النفس العربية وممكناتها الغنية واتجاهها الأصيل فيصح لذلك اعتبارها ممكنة التجدد دوماً في روحها ، لا في شكلها وحروفها فالإسلام هو الهزة الحيوية التي تحرك كامن القوى في ألامة العربية فتجيش بالحياة الحارة ، جارفة سدود التقليد وقيود الإصطلاح ، مرجعة اتصالها مرة جديدة بمعاني الكون العميقة ، ويأخذها العجب والحماسه  فتنشئ تعبر عن  إعجابها وحماستها بألفاظ جديدة وأعمال مجيدة ، ولا تعود من نشوتها قادرة على التزام حدودها الذاتيه ، فتفيض على الأمم الأخرى فكراً وعملاً ، وتبلغ هكذا الشــمول ، فالعرب عرفوا بواسطة هذه التجربه الأخلاقيه العصيبة كيف يتمردون على واقعهم وينقسمون على أنفسهم ، في سبيل تجاوزها إلى مرحلة يحققون بها وحدة عليا  وبلوا فيها نفوسهم ليستكشفوا ا ممكناتها ويعززوا فضائلها ، وكل ما أثمر الإسلام فيما بعد من فتوح وحضارات إنما كان في حاله البذور في السنوات العشرين  الأولى من البعثة ، فقبل أن يفتح العرب الأرض فتحوا أنفسهم وسبروا أغوارها وخبروا دخائلها ، وقبل أن يحكموا الأمم حكموا ذواتهم وسيطروا على شهواتهم وملكوا إرادتهم ولم تكن العلوم التي انشـــــــــــأ وها والفنون التي أبدعوها والعمران الذي رفعوه ، إلا تحقيقا ماديا جزئيا قاصرا لحلم قوي كلي عاشوه في تلك السنوات بكل جوارحهم وإلا رجعا خافتا لصدى ذلك الصوت السماوي الذي سمعوه  وظلا باهتا لتلك الرؤى الساحرة التي  لمحوها يوم كانت الملائكة تحارب في صفوفهم ، والجنة تلمع من بين سيوفهم   هذا الجانب لخير إجابة على عمق العلاقة الجدلية فيما بين العروبة والإسلام  )) إن كانت هذه العلاقة في مضمون الدعوة والتبشير والانتشار وصولا للفتوحات الإسلامية وما  نتج من خلالها تأثرا علميا واجتماعيا حيث تمكن العرب المسلمين من نقل علومهم ومهاراتهم إلى البلدان التي تم تحريرها من نير العبودية والشرك وما بخلت قوميتنا العربية من إعطاء علومها وفلسفتها وطبها وجبرها  والفنون التي زخرت بها إلى أمم وشعوب مجاورة وغير مجاوره انطلاقا من إيمانها الإنساني العميق       

       
كراهية القومية العربية هي خصلة يشترك فيها كل أصحاب العناوين المريضة المتخذين مسميات مظهرها العلم والحداثة وباطنها النقيض العام ، وان القومية لا يخفيها أن اتخذت هذه القوى أساليب أخرى في الهجوم عليها تختلف عن المبررات الدينية" الموهومة التي استند إليها من مدعي السلفية أو التابع المطلق لأتباع الصفوية الجديدة التي تتخذ من الإرث الكسروي المعادي للأمة العربية قاعدة أساسية لفكرها وسلوكها وما إيران الخميني ببعيدة عن هذا الوصف و لا نغفل ألبُعد "السياسي" في ترويج هذه الكراهية وترسيخها في كل عنوان يختلقه السياسي لخدمة مصالحه ، إن لم يكن هو المحرك الأول والأساس    وكما توحدت العناوين المفلسة الرجعية الخائبة في تحالف  شرير على القومية العربية وسعت لضربها وتشويه مبادئها الحسنة وإثارة الغبار على نهجها والتهوين من إنجازاتها والحقد على رموزها الخالدة وعلى رأسهم القائد الشهيد صدام حسين أسكنه الله فسيح جنتنه وأرضاه في عليين والمرحوم جمال عبد الناصر ، رغم التباينات في رؤية الواقع العربي والضرورات التي لابد من خوضها لتحقيق فعل الدفاع المباشر عن الأمة وإرادة جماهيرها ومصالحهم المشروعة

 

فإن القوميين  الحقيقيين وما تنبئ عنه صفتهم من سعة لا تضيق بأي مبدأ نبيل ولا تعاني من " الأنانية " لن يحرموا  الأخيار من أي عنوان في حلف مضاد يعبر عن إرادة الأمة والمستقبل المنشود الذي  تتبلور فيه أفاق المشروع النهضوي القومي ، وضمن هذه الرؤيا والتصورات التي  وجدها مناضلو البعث الميدان الأرحب  للجهاد والتضحية وصولا إلى الأهداف السامية التي عجزت عن تحقيقها تيارات  فكرية كانت متواجدة على الساحة العربية


تتميز في الفكر والتاريخ العربي المعاصر ، أي القومية والماركسية والإسلامية ، عن التيار الليبرالي المتغرب ، أن التيار الليبرالي ينطلق من الفرد والخصوصيات الفردية في التعاطي مع الشـأن العام  وأنه يجعل المنظور الفردي والظروف الخاصة النقطة المرجعية في الحكم على الأشياء و تقييمها ، بينما تنطلق التيارات الإسلامية والقومية والماركسية ، بالرغم من اختلاف مرجعياتها الفكرية عن بعضها البعض ، من نقطة مرجعية اجتماعية أو جمعية أساساً ، أي من متحد اجتماعي ما ، سواء كان الأمة العربية بالنسبة للقوميين، أو الأمة الإسلامية بالنسبة للإسلاميين ، أو الطبقة العاملة أو البروليتاريا العالمية بالنسبة للشيوعيين    

 

ومن الواضح أن ثمة تنوعات وأجنحة واتجاهات داخل كل تيار من هذه التيارات ، فليس أياً منها كتلةٌ صماء متجانسة. ومن ناحية سياسية ، لا يمكن اختزال كل الأجنحة ضمن أي من هذه التيارات إلى قاسم مشترك واحد ، فشتان ما بين القاعدة مثلاً والحزب الإسلامي العراقي ، وكلاهما إسلامي ، أو ما بين القوميين الجذريين وقوميي الأنظمة ، وكلهم قومي ، حيث عبر الرفيق القائد المؤسس رحمة الله عليه بوضوح عن هوية القوميين الحقيقيين الذين لاتستهويهم الأنظمة (( نحن الجيل العربي الجديد نحمل رسالة لا سياسية، إيمانا وعقيدة لا نظريات وأقوالا. ولا تخيفنا تلك الفئة الشعوبية المدعومة بسلاح الأجنبي ، المدفوعة  بالحقد العنصري على العروبة ، لأن الله والطبيعة والتاريخ معنا. إنها لا تفهمنا  فهي غريبة عنا.  غريبة عن الصدق والعمق والبطولة، زائفة مصطنعة ذليلة. لا يفهمنا إلا المجربون والذين يفهمون حياة محمد من الداخل، كتجربة أخلاقية وقدر تاريخي. لا يفهمنا إلا الصادقون الذين يصطدمون في كل خطوة بالكذب والنفاق والوشاية والنميمة، ولكنهم مع ذلك يتابعون السير ويضاعفون الهمة. لا يفهمنا إلا المتألمون، الذين صاغوا من علقم إتعابهم ودماء جروحهم  صورة الحياة العربية المقبلة التي نريدها سعيدة هانئة، قوية صاعدة، ناصعة تتألق بالصفاء.

 

لا يفهمنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله. قد لا نُرى نصلي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة ملحة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة. ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان  ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه ارثاً ولا استلمناه تقليداً، فهو لذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة إتعابنا. ولا أحسب إن شابا عربيا يعي المفاسد المتغلغلة في قلب أمته، ويقدر الأخطار المحيطة بمستقبل العروبة تهددها من الخارج وخاصة في الداخل، ويؤمن في الوقت نفسه إن الأمة العربية يجب أن تستمر في الحياة، وان لها رسالة لم تكمل أداءها بعد، وفيها ممكنات لم تتحقق كلها، وان العرب لم يقولوا بعد كل ما عليهم أن يقولوه، ولم يعملوا كل الذي في قدرتهم أن يعملوه، لا احسب أن شابا كهذا يستطيع الاستغناء عن الأيمان بالله، أي الإيمان بالحق، وبضرورة ظفر الحق وبضرورة السعي كيما يظفر الحق. ))

 

له تابع ..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١٨ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور