التناقض الفكري والسياسي لحزب الله ... وطنيا ... قوميا ... إسلاميا

 

 

 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي

من أكثر الحركات التي أحدثت جدلا في الساحة العربية في العقد الماضي هو حزب الله وقائده حسن نصر الله ,وخاصة بعد الانتصار الذي حققه على القوات الإسرائيلية قي حرب تموز عام 2006 ,والتي أثارت جدلا اكبر بين العرب ,وقد كان محور الجدل يتعلق بعلاقة حزب الله بإيران والتي لا ينكرها حزب الله بل يتفاخر بها ,والأكثر فانه يعلن التزامه الفكري بنظرية ولاية الفقيه التي أوجدها خميني ,والتي تستند إليها السلطة الإيرانية كمنهج فكري لها في سياساتها العامة وخاصة الخارجية وفي علاقاتها مع المحيط الدولي وخاصة مع المسلمين كحكومات وكشعوب وبالأخص مع الدول العربية ,وقد تعرض الكثير من الكتاب إلى التشابكات الحاصلة نتيجة هذه السياسة وخاصة التي تتعلق بحزب الله وما يمثله هذا الحزب للسياسة الإيرانية والدور الذي يقوم به في لبنان والمنطقة العربية فمنهم من يعتبره أمل الأمة في الصراع العربي الإسرائيلي يستند في ذلك إلى مواقفه التي دافع من خلالها عن الأرض العربية والتي استطاع أن يحرر الأراضي اللبنانية المحتلة إضافة إلى دعمه للمقاومة الفلسطينية, في حين يعتبره البعض الآخر مجرد رأس الحربة وشوكة إيرانية داخل الجسم العربي واجبه الرئيسي تنفيذ السياسات الإيرانية والضغط باتجاه تنفيذ الأهداف التوسعية والمصالح الإيرانية في المنطقة العربية وخصوصا في الخليج العربي وفي العراق كمرحلة أولى مستغلة في ذلك الشيعة العرب كأداة,بل مستغلة المذهب الشيعي ككل ,ويعتبر إن كل الأفعال التي قام بها ما هي إلا جزء من الإستراتيجية الفارسية الصفوية والتي تستخدم القضية الفلسطينية ومعاداتها للغرب ولإسرائيل كحصان طروادة الدخول إلى المنطقة العربية ولاستغلالها كورقة للضغط على الغرب لإجباره على الاعتراف به كقوة إقليمية تساهم في أدارة المنطقة مع تحقيق اكبر ما يمكن من أطماعها التوسعية في البحرين والعراق والخليج العربي لتصل إلى لبنان عن طريق سوريا التي تتحالف معها استراتيجيا ,وخاصة بعد التغير الحاصل في السياسة الأمريكية بعد وصول اوباما إلى البيت الأبيض ,بسبب الخسارة القاسية للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان,إضافة إلى الأزمة الاقتصادية والتي جعلت الولايات المتحدة تلجأ إلى خيار التفاهم مع إيران مما أعطى الفرصة والزخم للسياسة الإيرانية في الاستمرار بنهجها العدواني ضد الأمة العربية متصورة إن التبدل الذي طرأ على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية كان بفعل سياستها ,وهذا نابع من جهل وغرور.


إن موقف حزب الله بعد انتهاء الدور الذي كان يلعبه للتصدي للعدوان الإسرائيلي بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية ,قد بدأ بالانحسار وانكمش إلى الداخل اللبناني وعليه حاليا تحديد مسيرته ضمن السياسة الداخلية اللبنانية أي تحوله إلى حزب سياسي والتخلي عن سلاحه لانتفاء الحاجة إليه رغم إصراره على الاحتفاظ به للدفاع عن لبنان ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل حسب زعمه ,وهذا ما يولد وسيولد له الكثير من المشاكل داخليا وخارجيا وخاصة بعد اتضاح الصورة الحقيقية لدوره في تنفيذ السياسة الإيرانية رغم محاولته الإيهام بأنه يمثل كل أبناء الطائفة الشيعية اللبنانية التي انقسمت إلى مؤيد له ومعارض بسبب تبعيته إلى إيران ,هذه المعارضة التي جعلته يخسر الانتخابات وجزء من شعبيته السابقة .


هذه المقدمة ضرورية لفهم الوضع العام للمنطقة قبل طرح الموقف الحقيقي لحزب الله ,والذي تمثل بمواقفه طيلة أكثر من ثلاث عقود وقد تناول هذه المواقف الكثير من الكتاب ولكن تركيزهم كان ينصب على سياساته دون الخوض بالخلفية الفكرية التي تنبع منها هذه السياسات ,ولذلك سنتطرق إلى الأساس الفكري لهذا الحزب ,وبما انه قد أعلن مرارا على انه يستند إلى نظرية ولاية الفقيه فلا بد أن نحدد الأسس التي تعتبر الركيزة لهذه النظرية لكي نستطيع بعدها فهم سياسات هذا الحزب أو الأسس التي تستند إليها سياساته ,وخير ما يمكن أن يوضح هذه الأسس هو صاحب النظرية أي الخميني الذي سنستند إلى نصوص من أحاديثه وكلامه وكل ذلك لتحديد موقف حزب الله من الوطنية اللبنانية ومن القومية العربية ومن الدين الإسلامي.


فلقد ذكر الخميني في وصيته ما يلي:


1_ (ووصيتي إلى الحوزات العلمية المقدسة هو ما عرضته مرارا ,أي :انه في هذا الزمان الذي عقد فيه أعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية العزم على إسقاط الإسلام وهم يعتمدون كل طريق ممكن لتحقيق هذا الهدف )


2_ وفي حديث آخر بتاريخ  2 من ذي العقدة سنة 1400 في نداء له موجه إلى حجاج بيت الله الحرام قال (من المسائل التي خطط لها المستعمرون وعمل على تنفيذها المأجورون لإثارة الخلافات بين المسلمين ,المسألة القومية التي جندت حكومة العراق نفسها منذ سنين لترويجها وقد انتهجت بعض الفئات هذا الخط القومي أيضا ,غافلة أن موضوع حب الوطن وأهل الوطن وصيانة حدوده وثغوره لا يقبل الشك أو التردد ,وهو غير مسالة إثارة النعرات القومية الهادفة إلى خلق العداوات والبغضاء بين الشعوب الإسلامية )


3_ وفي خطاب له بتاريخ 9/9/1964 قال (على العموم فان فكرة الوطنية والقومية هي فكرة تطالب بإحياء الجذور والأسس للنزعة العنصرية التي تتعارض مع فكرة الدين الشاملة والعامة )


4_وفي خطاب له لعلماء وطلبة وأساتذة الحوزة العلمية في 22 ربيع الثاني 1409 قال ( كلنا مأمورون بأداء تكليفنا وواجبنا ولسنا مأمورون بالنتيجة ,لو أن الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام )كانوا مكلفين في زمانهم ومكانهم بالنتيجة لما كان ينبغي أبدا أن يتحدثوا عن أهداف تفوق استطاعتهم ,ولا يتطرقوا أبدا لذكر الأهداف العامة طويلة الأمد التي لم تتحقق أبدا في حياتهم الظاهرية ,في حين إن شعبنا تمكن بلطف الله الكبير أن يحقق انجازات في أكثر المجالات التي رفع شعاراتها _ ويضيف _نحن لمسنا عمليا آثار شعار إسقاط الشاه وقد زينا بعملنا شعار الحرية والاستقلال ,نحن شاهدنا عمليا شعار الموت لأمريكا في قيام شبابنا الثوار والأبطال المسلمين باحتلال وكر الفساد والتجسس الأمريكي نحن اختبرنا شعاراتنا عبر الممارسة العملية )


هذه بعض الأقوال لصاحب نظرية ولاية الفقيه الخميني والتي تعبر عن أسس ومرتكزات هذه النظرية والتي يؤمن بها حسن نصر الله وحزب الله اللبناني حسب ما يقر به ,ورغم وجود الكثير من الأقوال التي تعطي معاني متقاربة إلا إننا ذكرنا نماذج منها تكفي لتوضيح مرادنا منها .


وقبل الولوج في توضيح موقف حزب الله أو صفة هذا الحزب غير المحددة أو المغطاة,حيث إن  الأحزاب تقسم إلى أحزاب قومية أو أممية أو إسلامية أو وطنية أو طائفية وتستدل إلى ذلك من اسمها أو أهدافها وأفكارها والمرهونة بممارساتها وسياساتها العملية وقد تجد في بعض الأحيان بعض الممارسات المخالفة للفكر أو للأهداف ولكنها على الأغلب تكون مؤقتة ولظرف ما , حيث يختلط أحيانا على البعض العمل الاستراتيجي مع التكتيكي أو لأسباب أخرى ,ولكن في الأمور المبدئية والأسس الفكرية الأساسية لا يمكن ذلك لأنها تمثل هوية الحزب ,فكيف يمكن الادعاء بغير ما يؤمن به ؟!!


وقبل التطرق المباشر لا بد من ذكر بعض الملاحظات التي يجب توضيحها وهي إن الخميني قد ركز في اغلب خطاباته على انه يدعو إلى الوحدة الإسلامية ,والتي تعني ضمنيا وظاهريا وحدة الشيعة من خلال العشرات من المؤشرات والمفاهيم التي يدعوا لها والتي تعني تركيز الانقسام الطائفي للمسلمين وتكريسه حيث لا يمكن أن يدعي من يؤيد النظرية الأمامية دون غيرها بأنه يسعى لتوحيد المسلمين ,لان اغلب المسلمين لا يؤمنون بهذه النظرية بل وحتى الكثير من شيعة أهل البيت لا يؤمنون بالأئمة الاثنى عشر مثل الزيدية والإسماعيلية ,أي إن أي دعوه لا يمكن أن تكون لوحدة المسلمين إلا إذا تجاوزت الخلافات الموجودة بين الطوائف بل وحتى داخل الطائفة الواحدة وهذا ما لم يتم من قبل نظرية ولاية الفقيه لأنها تدعو مباشرة إلى اعتماد منهج الشيعة الاثنى عشرية ظاهريا رغم ان الكثير من المؤشرات توضح استغلال الخميني للمنهج الشيعي لصالح القومية الفارسية وإيران وبالتالي فان دعوتها إلى وحدة المسلمين هو باب للترويج ليس إلا.


1_ موقف نظرية ولاية الفقيه من الوطنية _


ليس سرا بل إن الخميني قد حدد بدون لبس موقفه من الوطنية عندما اعتبرها نزعة عنصرية وكما موضح في الفقرة 3  أعلاه ,وهذا يعني انه لا يؤمن بالوطنية ,ومن الطبيعي إن كل من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه لا يؤمن بالوطنية .


2_ موقف نظرية ولاية الفقيه من القومية _
يتضح موقف الخميني واضحا من القومية عموما وبالذات من القومية العربية حيث لو عدنا إلى النصوص المذكورة عالاه الفقرة 2 و3 لوجدنا رأيا واضحا مباشرا بشان القومية والتي اعتبرها نزعة عنصرية ,واعتبر إن الدعوة للقومية العربية ما هي إلا دعوة هادفة إلى خلق العداوات والبغضاء بين المسلمين.


ولكنه يستطرد وفي نفس الحديث ليبرر الوطنية الإيرانية والقومية الفارسية
لأنها دفاع عن الثغور وصيانة حدود الوطن ,أي عندما يتعلق الموضوع بإيران وبالقومية الفارسية فان القومية والوطنية مبرره ولكنها غير مبرره للآخرين وخصوصا العرب .


3_ الموقف من الإسلام _
ولم يكتف بموقفه من القومية والوطنية بل ربط الإسلام بإيران وبالجمهورية الإسلامية تحديدا الفقرة 1 أعلاه ,أي إن صحة إسلام الفرد مرتبط بمدى التزامه بخط الجمهورية الإسلامية في إيران,ومن المؤكد التزامه بكل ما يصدر من أوامر وتوجيهات من المرشد الأعلى الإيراني,والذي يمثل مصالح المسلمين وفي نفس الوقت يمثل مصالح إيران الوطنية ويمثل مصالح القومية الفارسية الحاكمة في إيران,ولنفرض جدلا أن هناك تطابق بين هذه المصالح أي مصالح إيران الإسلامية ومصالح المسلمين عموما ,وهذا ما يجب أن يؤمن به من يؤمنوا بهذه النظرية ولكن ما هو الحل في حالة حدوث بعض التناقض بين هذه المصالح,مثلا ما بين مصالح لبنان أو العراق أو السعودية أو أي دولة إسلامية وبين مصالح إيران الإسلامية ,فما هو موقف من يؤمن بهذه النظرية أي نظرية ولاية الفقيه ,فهل سيؤيد مصالح دولته ووطنه أم مصالح الإسلام التي تمثلها إيران استنادا إلى هذه النظرية؟


من ذلك يتضح إن الوطنية والقومية هي دعوة عنصرية كما ذكر الخميني بالنسبة لجميع المسلمين وفي كافة الدول الإسلامية ,أما الوطنية الإيرانية والقومية الفارسية فهي مبررة إسلاميا وهذا تناقض فكري من جهة وتبرير لا أخلاقي لسيادة القومية الفارسية على الشيعة وخصوصا الشيعة العرب باسم الإسلام والمذهب وهي في نفس الوقت دعوة إلى التفرقة بين المسلمين داخل كل دولة إسلامية,وهي دعوة لتبديل الولاء الوطني والقومي والإسلامي إلى ولاء لإيران وللقومية الفارسية الحاكمة فيها وهذا ليس تحليلا أو استنتاجا ولا تفسيرا بل تأشير مستند إلى أقوال الخميني المعروفة والمنشورة والمذكورة أعلاه .


وأخيرا ما تطرق له الخميني والمذكور في النقطة 4 أعلاه ,والذي يقارن فيه الخميني بين عهده وما قام به هو والشعب الفارسي من أعمال جليلة وبين عهد الأنبياء والمعصومين ( عليهم السلام ) ,ويعتبر إن ما قام به متقدم على ما قام به الأنبياء والمعصومين ,ولن اعلق على ذلك ؟!!!


وبعد كل ما ذكر ,أما زال حزب الله  يصر على إنه يؤمن بنظرية ولاية الفقيه وفي نفس الوقت هو حزب وطني ولبناني وعربي  بل وشيعي ومسلم ,وهذا ينطبق على زعيمه حسن نصر الله. سؤال يحتاج إلى إجابة ؟

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٠٣ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٢ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور