في الذكرى المشؤومة لتوقيع اتفاقيات وادي عربة ... هل من وقفة مسؤوله للتخلص من اعبائها ..؟

 

 

 

شبكة المنصور

المحامي احمد النجداوي
•    منذ البدايات قلنا وها نحن نعيد القول انه لا يمكن لاحد ان يزعم بأن توقيع اتفاقية وادي عربة وملاحقها العلنية وغير العلنية بين الاردن والكيان الصهيوني كان حدثاً عادياً شأنه شأن سائر الاتفاقيات والبروتوكولات التي تتعاقد عليها الدول والانظمة لتطوير او تنظيم علاقاتها على المستويين الاقليمي والدولي. واذا كان قد جرى على مدى وقت طويل الترتيب المدبر التسلسلي بهدف استئخار دخول الاردن في منظمة التخطيط  لما يسمى بالاتفاقيات العربية الصهيونية التي كان انور السادات قد فتح لها ابواب مصر الشقيقة العربية الكبرى برعاية امريكية لاخراجها وتحييدها بكامل ثقلها القومي من معركة التحرير بعد كل التضحيات الي قدمها شعب مصر العظيم من اجل فلسطين القضية العربية المركزية فأحدثت تلك الصدمة والصدع الاخطر على الاطلاق في العلاقات العربية والاقليمية ومهد الطرق امام اطراف عربية اخرى للنكوص والترجع عن اهداف النضال القومي الذي خاضته الجماهير العربية منذ وطنت اقدام الصهاينة ارض فلسطين قبل حوالي قرن من الزمن، فجاءت بعد ذلك وبرعاية امريكية الاتفاقيات بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني التي بدأت من اسلو ومهدت بدورها لتوقيع اتفاقية وادي عربة على جناح السرعة مع الاردن مترافقة مع مثل ذلك القدر الكبير من التهليل والتطبيل والوعود الخادعة باحلال السلام وجلب السمن والعسل، تلك الوعود التي لم يصدقها في الحقيقة الانسان العربي خارج دائرة الانظمة الرسمية وهيئات المنتفعين في اضيق الحدود.


•    والان وبعد المدة التي انقضت على توقيع اتفاقية وادي عربة بات واضحاً انه لا الاردن الرسمي ولا غيره ن الاطراف العربية التي قبلت بتوقيع اتفاقيات معلنه او غير معلنه مع الكيان الصهيوني او حتى تلك التي تبادلت معه التمثيل السياسي او الاقتصادي قد تحقق لهم بعض مما كانوا يحلمون بتحقيقه وهذا امر توقعه كل العرب منذ البداية الا نفر قليل من المخدوعين فالمثل الشعبي يقول [ اللي بلقط ما بسقط ... ] اذ المعروف عن اليهودي بطبعه منذ وجد في الخليقة وبالاوصاف التاريخية والكتب السماوية انه شخصية انتهازية ابتزازية امتهنت اللجوء الى اقذر الاساليب لامتصاص الدماء، فكيف بالصهيوني الذي ورث الاحقاد وعمل على تطوير برتوكولات صهيون وفلسفة جابونتكسي واتباعه ممن اسسوا للحركة الصهيونية المعاصرة برعاية الاحقاد البريطانية الامريكية الغربية على الامة العربية وطموحاتها للنهوض والوحدة.


•    لم يكن المواطن العربي عموماً والاردني والفلسطيني خصوصاً يتوقع او يمني نفسه بالاحلام الكبار المزعومة في ان يجني خيراً من وراء تلك الاتفاقيات وان كان يدرك منذ البداية انها لن تؤدي الا الى مزيد من المعاناة والقيود التي تكبله وتعرقل حركته باتجاه الحرية والتحرير والتقدم، وهو كذلك قد ادرك بالفطرة ما لم يرغب بادراكه الرسميون والسائرون في موكب تلك الاتفاقيات الذين باتوا اليوم لا يجرؤون ان يجاهروا بالفشل وخيبة الامل، لذلك يجد المواطن انه كان على صواب عندما ادار ظهره مستنكراً ورافضاً لكل تلك الاتفاقيات – وهذا اضعف الايمان – طالما انه لم يستطع ولو مرحلياً ان يتصدى لجبروت للقوى العاتية التي حملت رايتها.


في القانون الدولي او لنقل فيما يسمى بمثل تلك التسمية هناك مباديء وابحاث ومؤلفات تتعلق بالحروب التي تحصل بين الدول جاءت على اوصاف الهدنة او الصلح والتسويات والعودة للعلاقات السلمية الاقليمية والسياسية، لكن ما جرى ويجري في حقبة اتفاقيات "كامب ديفيد" ووادي عربة وغيرها في مجال الصراع العربي الصهيوني والرعاية الدولية الامريكية والغربية – ان جاز التعبير – فهي رعاية منحازة بالمطلق وبكل اشكال القوة الغاشمة للكيان الصهيوني تأسيساً على العديد من الاسباب والاهداف والدوافع المعروفة تعطي للصراع هذا ابعاداً ومواصفات لا علاقة لها بتلك المباديء والمواثيق الدولية التي استقر عليها العالم المتمدن في عهود ما بعد الظلام واساليب الغزو البربري، فقد كشف الكيان الصهيوني الان في مرحلة الانفراد الامريكي عن حقيقته وانه ليس اكثر من عصابة بلطجية من المرتزقة عصابة حاقدة على كل القيم الانسانية مستغلة للظروف والقوى الدولية الاستعمارية المهيمنة على مقدرات العالم في هذه المراحل من التاريخ ومن خلال ذلك فهي لا تلتزم بمبدأ ولا تحترم عهداً او نصاً دولياً ولا تقيم وزناً لغير القوة وهذا وضع طبيعي لا غرابة فيه طالما ان ذلك الكيان كان في الاصل افرازاً متزامناً للقوى الاجنبية الغاشمة وسياساتها واطماعها الاستعمارية الممتدة منذ ما قبل الحروب الصليبية التي يومنا هذا.


يكاد ان يكون ثمة اجماع شعبي على ان تلك الاتفاقيات انعكست سلباً على كل جوانب ومناحي الحياة العربية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودخلنا نحن في الاردن نفق التطبيع المجاني والهيمنة الاقتصادية دون ان تتحرر فعلياً اراضينا المحتلة او يطلق سراح اسرانا او تتزحزح قضيتنا القومية المحورية من موقعها الا للاسوأ نتيجة التعنت الصهيوني وجاءت جرائم الصهاينة وحروبهم في السنوات الاخيرة على لبنان وغزه التي ادانها المجتمع الدولي بينما تدافع عنها الدول الحاضنة الامبريالية لتؤكد الحقائق الثابتة حول طبيعة أؤلئك الغزاه مما ترتب عليه كذلك توسيع الهوة بين الدول العربية التي لم تحصد سوى المزيد من الازمات داخلياً وعربياً واقليمياً على كافة الصُعد وقد بات ضرورياً هنا في الاردن اعادة النظر وتقييم تلك المرحلة ما دام قد ثبت ان تلك السياسات التي تعاملنا بها غير منتجة وغير قادرة على حمل مثل هذا العبء ولا احد يستطيع ان يتنبأ بما تحمله العقود القادمة... فهل من صحوة على هذه الاخطار..؟!


وفي الرد على تلك التساؤلات والمقولات نقول ان ما يسمى تجاوزاً باتفاقيات وادي عربة حتى ما يساق من حجج للدفاع عن اهميتها لا بد وان يحجمها من وجهة نظر القانون الدولي ومن هذا المنطلق فهي تدخل في مفهوم المعاهدات الخاصة على اعتبار ان الغاية من عقدها تبقى محدودة في تنظيم علاقات معينة بين دولتين فقط بشأن حدودهما ومصالحهما الخاصة، وبالتالي فإنها تبقى ذات مركز ثانوي في ينابيع القانون الدولي ومثلها لا يجوز ان تخلف بنفسها قواعد قانونية ابدية ومن الحق القول ان قوة هذه القواعد لم تنشأ من قوة الاتفاق وانما هي تخضع الى مدى الامتناع بالحاجة اليها ومدى تقيد الطرف الاخر باحترامها وتنفيذ ما يترتب عليه من التزامات نشأت او تنشأ عنها، ولقد درجت حكومات الكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقيات وادي عربة والى يومنا هذا على الضرب عرض الحائط بالتزاماتها تجاه الاردن ورعايه ومصالحه العليا الوطنية والدينية والشعبية وليس سراً ما تتسبب له من احراج في علاقاته وارتباطاته بالمؤسسات القومية والاقليمية التي ينتسب اليها منذ عقود طويلة الامر الذي يوجب الاستماع الى الصوت العالي للشارع الاردني خاصة والعربي بصورة عامة حول ضرورات اعادة النظر بتلك الاتفاقيات والبحث في الصيغ الدستورية والقانونية لالغائها او على الاقل مبدئياً تقليص الاثار السلبية التي ترتبت عليها وصولاً الى التخلص منها وقبرها الى الابد في التحرك الاستقلالي والسيادي الحقيقي؛ ففي العصور الوسطى وضع الفقيه (البركلوس جنتيليس) عام 1598 وتبعه الفقيه (فرنشيسكو سوارس) عام 1612 منهاجاً سياسياً استنبطا فيهما العلاج الجوهري لاصلاح حال طالما سخط الناس عليه فتقبلها الناس بالترحيب للخلاص من التجاوز على ارادتهم ونفاق الساسه ارضاء للحكام والبابوات الى ان جاءت النظريات والمعاهدات الدولية في العصور الحديثة وبات الرأي السائد ان السلطة السياسية قائمة لمنفعة المحكومين لا لمصلحة الحاكمين وهي كذلك ليست حقاً للحاكمين وانما هي تكليف يقومون به لتحقيق المصالح العامة العليا للوطن والمواطنين.


واذا كان الاصل تقيد الدول بالاتفاقيات التي تبرمها فإن ذلك يبقى مرهوناً ببقاء تلك الاتفاقيات محققة للغرض منها، فإذا تغيرت الاوضاع تغيراً من شأنه ان يجعل استمرار التمسك يشكل عبئاً او ضاراً بالمصالح الحيوية لاحد اطرافها فإن من حق الدول اعادة النظر فيها على ضوء المستجدات للتحرر من اعبائها، حيث يجمع فقهاء القانوني الدولي ان كل معاهدة او اتفاقية غير محدودة الاجل ولا تحتوي شرطاً صريحاً يبيح الانسحاب منها في وقت معين، تحمل بين ثناياها شرطاً ضمنياً مؤداه بقاء الاوضاع على حالتها، وهو ما يسمى لاحقاً بنظرية تغير الظروف التي وكمثال على ذلك في العصر الحديث استندت اليها مصر عام 1951 بفسخ معاهدتها مع بريطانيا عام 1936 ومن ثم تأميم قناة السويس عام 1956 وفسخ المغرب بعد استقلاله عام 1957 لمعاهدة الامتيازات الممنوحة لبريطانيا عام 1856 وفسخ بنما لمعاهدتها مع الولايات المتحدة الامريكية عام 1905 فهل من وقفة اردنية عربية شجاعة لوضع حد لتلك الاتفاقية وكامل الخلل في الموقف العربي.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور