مسافر بلا هوية

 

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم الخزرجي
كأي انسان في هذا الكون، من الذين يتمتعون بحرية السفر وتغيير المكان سواء من اجل السياحة او الاعمال التجارية او لاغراض اخري، حملت حقائبي في سيارة تاكسي وتوجهت الي مطار بغداد الدولي، وياليتني لم اتوجه اليه ـ، سلسلة من نقاط التفتيش التي تواجهك، وفي كل نقطة تفتيش عليك ان تفتح حقائبك وتعيد غلقها مرة ثانية، خلاصة الامر الوقت يستغرق بك من بغداد الي المطارنحو ساعتين، هذا اذا كان الطريق سالكا، وعليك ان تتحمل اخر نقطة من نقاط التفتيش حيث الكلاب نفسها تقوم بتفتيش حقائبك.


عند مدخل صالة الدخول الي قسم الوزن والكمارك ومن ثم الجوازات، اصابتني الدهشة عندما لم اجد نفسي سوي واحداً من مئأت المسافرين ولكنهم غير عراقيين، متعددة الجنسيات اصبحت امام ناظري بكل تشكيلاتها وتكويناتها، فلبيني، تايلندي، اوغندي، استرالي واشكال والوان اخري لم اشاهدها في حياتي، وهتفت مع نفسي، واه عليك ياعراق،ابن الوطن اصبح غريبا والغريب اصبح ابن الوطن، معاملتهم تختلف عن معاملتي، هم تقدم لهم كل التسهيلات، بل وكل الاحترامات، ولا ادري عن خوف او عن احترام حقيقي، حيث بعض الناس في بلادي جبلوا علي ان يكونوا عبيدا للغير اي كان هذا الغير.


تمتعت وبقية المسافرين بهواء صالة المسافرين المبردة، ملآت رئتي بالهواء وتحسرت وسحبنا نفسا طويلا علي ابناء وطني الذي لم ينعموا بهذه البرودة حيث الكهرباء المصابة بالامراض المزمنة التي لاشفاء لها سوي مقابلة رب العالمين، كانت صالة المطار تعج بالمسافرين وكانت النظافة علي قدم وساق، لاتشبه سوي النظافة التي تقوم بها امانة بغداد في العاصمة حيث المزابل والنفايات والانقاض تزكم انوف البشر من العفونة والروائح (العطرة) وتراكم جماهير الذباب والبعوض والحشرات الاخري عليها تعبيرا عن فرحتها بيوم عيدها .


غادرت المطار، وحطت قدماي الطائرة التي تقلني الي عمان حيث هناك تنتظرني ابنتي التي لم ارها منذ اكثر من خمسة عشر عاما، في مطار عمان خرج جميع البشر ومن مختلف الجنسيات، الا العراقيون حيث امروا بالتوجه الي غرفة رجل الامن الذي اخذي يدقق ويحقق في الوجوه والجوازات، وبعد ان خرج الجميع بأستثناء العراقيون، فقدت الامل ان استطيع الدخول الي عمان، وهنا تأسفت لحالي ولحال العراقيين النجباء كيف اصبحوا اذلاء في هذا الزمن الذليل الذي جاءنا مع مجيء المحتل والمحتلين ـ لكن ضابط الامن النجيب ادرك حسرتي (فتفضل) علي وعلي زوجتي بالاقامة لمدة اربعة ايام (ثلاث ليالي) وبعدها علي مراجعة اقرب مركز للشرطة لدفع غرامة يومية قرها ثلاثة دنانير عن كل يوم .


عمان نظيفة في شوارعها، والويل كل الويل لمن يرمي (عقاب سيكارة في الشارع) مثلما هو الحال في بغداد ومبروك لامانة بغداد، عمان تشهد حركة عمرانية غير اعتيادية، عمان فيها الكهرباء لاينقطع، عمان يقدمون لك (قدح الماء المعدني بدينار واحد) وليس عندهم شحة مياه في المنازل والفنادق والاماكن العامة، بينما اهل دجلة والفرات يعانون من شح الماء .. شيء مخجل حقا، لكن هنا مسؤولين حريصين علي شعبهم وبلدهم، وعندنا مسؤولين يخشون علي جيوبهم ومايهربونه للخارج وللشعب المسكين ان يستكين ويصبر فهو شعب بلا هوية مثلما انا مسافر بلا هوية.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٢٩ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور