المقاومة العراقية : النواطير القدامى

 
 
 

شبكة المنصور

الوليد العراقي

اعرف انك واسع يا صدري الحديدي الذي صدئت عليه شظايا الزمن الغابر الرهيب زمن الاحتلال ولم تصدأ ولم تتاكل ككل المعادن لكن في تلك اللحظة اراك واحسك تضايقت ولم تعد تحتمل المثول امام المشهد الفريد الذي يتراءى لك وتغوص فيه لتتنفس الصعداء  الممتحن بذاته وهواجسه ودواخله وقناطير المشاهد الزاهية والمظلمة وحسب تواريخها ومرورها عليك ما تحب وما ترفض قاطعا كحد السكين.

 
اعرف انك تذكرت مشهدا فريدا هو مشهد النواطير القدامى وانت تواجههم بكل حياء وبذاك الوجه الخجول من يستحق الخجل منك ان كنت عراقيا عربيا تقيا راضعا من حليب عراقي عربي طهور..نعم وانا معك ايها الصدر الممتلئ بزهو النواطير القدامى وهم يحاورونك ذات يوم  بل وفي كل يوم بحضورهم وبغيابهم لا فرق وبموتهم وبحياتهم لا فرق عندك ايضا كونهم احياء في الذاكرة التي ترسل اليك  كل تلك الصور المعبرة عن خلود النواطير العمالقة الذين غادروا فكرة الموت وقلق الحاجة الى النوم حين استبدلوا كل هذا وذاك بفكرة الالتزام والتشبث بالحراسة كيف تكون واين تكون ومتى تكون..

 
اعرف يا صدري الحديدي كيف عدت اللحظة  تمتد وتنبسط حين مثلت امامك صورة بهية نادرة وانت تقابل هؤلاء الشيوخ باللباس العربي الريفي  رغم كل الخبرة والماضي البهي المستحيل الذي يحملونه بين حناياهم وتشهد عليه ايام السفر الطويل في زمن الغدر والرذيلة والسقوط الاخلاقي  الذي حل في الكثير من العقول والاجساد التي لم بل ولن تعرف معنى النواطير القدامى  وهم يحرسونهم من غوائل الايام ومن غدر الزمان الذي يعرفون والباقي الذي لا يعرفون..

 
نعم اعرف ان مشهد الشيخ القديم(القديم..!)ما زال يحتلك ويسكنك ويتغلغل بين اعصابك وحنايا روحك المرهفة لهم والتي لا تجد سواهم البديل بالسرعة التي يرى الغير ..اعرف انك تذكرت هؤلاء كونهم بركة الارض وزاد الحكمة والموعظة الحسنة وانت هذا الزاد تشتهيه شهية الاطفال للحلوى..واعرف ان لعابك  الفكري يسيل عندما يتحدثون  كسيل من يأكل الرمان..

 
لا بأس يا صدري ان تضايقت حبا لهم واجلالا  كونهم مداد الخبرة وسدادة الفكرة ونضج الرأي وحنكة الجليس الذي لا يمل مهما تحدث  وعن أي شئ ولأي زمن يشاء لانك  تنهل منهم ما يزيدك من زاد التشبث بالحقيقة مهما قربت ومهما بعدت لا فرق طالما انها حقيقة وطالما لا يمكن القفز عليها  والهروب منها ولأي فرد من حولك يعيش بيئتك وطنك المحتل اليوم والحر الابي في يوم ات لا محال..

 
فكرة تروح وبديلتها تنهض  لتتعايش هؤلاء القلائل في زمن الحاجة لهم والرغبة الجامحة بأحتساء ما تفيض به ذاكرتهم الوقادة الذهبية   ليذيب هذا الحساء كل ما تراكم من صدأ الايام ويعود البريق..

 
اعرف ان النواطير القدامى اصبر منك واعرف انهم اسرع منك في قطع الفيافي مشيا على الاقدام ودون كلل او ملل..كما اعرف ان الليل يستهويهم  ولا يجد في دواخلهم ما يدعو الى القلق والخوف..لا فرق عندهم بين الليل وبين النهار فكل يجري لمستقر له بزمن محسوب ..وكل يمتلك ادواته  ومفارقاته وغرائبه وعجائبه ..وعليه غادروا فكرة المفاجأة  ليشتهوا الالتقاء بها ومعالجتها والتعايش معها كيف تكون..

 
هذا هو محور تضايقك من لحظة ظهورهم عل شاشة الحياة التي  يكونها عقلك في لحظة الاسترخاء ومراجعة  الزمن الفائت ببواطنه  وبسحره وجرجرته لك نحو الالتصاق بالماضي والالتحام بالحاظر والامساك بالمستقبل من خاصرته كي لا يهرب من بين يديك الحديديتين وكما تعلمت من نواطيرك القدامى الذين احببتهم حد العشق  ونصرتهم حد الموت وطعنت من اجلهم روحا وجسدا الاف المرات لكنه الحب الذي لا يعرف المستحيل ليلغي كل المصدات المعقدة  ويستمر المسير..

 
يا سيدي الناطور اما تعبت..ليرد واثقا هادئا بريئا :كيف تطرح هذا السؤال وأنا حين امشي ناطرا يأخذني التفكير بماذا  اعمل غدا وكيف ستكون الاحوال ان تم القاء القبض على الخنازير  التي تريد النيل من حقلنا الذي ننطره وكيف سأقتلها واحد واحدا كي لا ترجع ثانية او يهرب الباقي بعد ان رأى ما رأى على جماعته الذين القيت القبض عليهم او قتلتهم بالحال..هنا لا توجد فرصة للتفكير بالتعب  ثم يمضي الزمن مسرعا  من خلال تقليص حدود الفراغ وتحويل الباقي منه الى انشغال بما تشتهي الروح ويخطط العقل المأخوذين بفكرة الناطور القديم..

 
نظرت الى الشيخ وهو ينطرني حين غفوت ولما نهضت وجدته ينطر باقي النيام من حولنا خوفا عليهم من شيطنة الاغتيال..ان معظم هؤلاء النيام لا يعرفون انه ينطرهم ويحميهم  وجل ما يعرفون عنه انه شيخ من بقايا النواطير القدامى مأخوذ بحقله  وممتلكاته..وذات يوم نهضوا من نومهم وأذا بالشيخ ينطر من حولهم تاركا بيدره الخاص ليقولوا له:اانت هنا ناطر بنا ؟فيجيب نعم ..ثم يردفون وكيف تركت حقلك ايها الناطور القديم ؟ليجيب عليهم ولاني ناطور قديم عرفت اليوم ان بعض الوحوش سوف تهجم عليكم وانتم نيام فكان الواجب القديم علمني ان احميكم كونكم ابنائي من حيث تدرون او لا تدرون..وما زلت احميكم  ايها النائمون....

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور