دماء العراقيين وقود الصراع في انتخابات العراق المقبلة

 

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة

الأمن في العراق يتحسّن بشهادة الجميع.. قافلة الخير والحريّة تمضي غير مبالية بأصوات الناعقين.. مسيرة الديمقراطيّة والرخاء تكسر أمواج الردّة والبعث والتكفير والإرهاب.. والعراقيّون أصبحوا يجرؤون على الخروج من بيوتهم.. فيتجوّلون ويأكلون في المطاعم ويتمشّون على ضفاف دجلة.. ثم يموتون.. نعم.. يموتون..


وهكذا فإن المسيرة التي يقودها نوري المالكي بكل حرص واقتدار لا تهب للعراقيّين سوى خيار واحد هو الموت.. قد يتعطّل قطار الموت في إحدى محطّاته لأنه ضاق بكثرة الركّاب.. ولكن السائق يُطمئن المنتظرين في المحطات القادمة: الجميع سيركب القطار، ولكلّ مقعده الذي حجزته الحكومة.


الأمن في العراق وبخلاف بلدان العالم كله يقود إلى نتيجة واحدة: الموت.. وهذه في الحقيقة معادلة لا يفهمها إلا مهندسوها.. يسقط الضحايا كلّ يوم وفي كلّ مكان ولأيّ سبب.. بل بلا سبب.. فتغدق عليهم حكومتهم الوطنيّة لقب "شهداء".. وتطوي صفحة هؤلاء لتتفرّغ لغيرهم.. لوجبة جديدة.. 


إنه موت مجانيّ.. القاتل الذي يشرف على حفلات القتل الجماعيّ لم يتوقّف عن القتل.. والذين أجلسوه على عرش السلطة يؤكّدون دعمهم له إثر كل جريمة يرتكبها.. والذين يدّعون أنّهم أبرياء من دم مواطنيهم لم يطالبوا بهذه الدماء.. 

 

القتلة أطلقوا على يوم 19/8/2009 الأربعاء الدامي.. وها هم يطلقون على يوم 25/10/2009 الأحد الدامي.. ولست أعرف الحكمة من هذه التسميات أو وجاهة هذه الأوصاف التي يطلقونها على أيّام بعينها إذا كانت سنوات العراق الستّ الأخيرة دامية كلّها.. من منّا يستطيع أن يذكّرنا بيوم واحد منذ الغزو الأمريكيّ الحاقد لم تُسْقَ فيه أرض العراق بدماء أبنائه؟ وهل كفّ العراقيّون عن تقديم القرابين والضحايا بإرادتهم وهم يقاتلون المحتلّ وأعوانه.. ورغما عنهم لأنّ القدر ساقهم إلى حيث قطار الموت؟ 


نوري المالكي الذي يقود قطار الموت بمساعدة بعض الأتباع لم يكفّ عن اتّهام سوريا والبعثيّين الشرفاء ومن يسمّيهم التكفيريّين بالعمل على زعزعة الاستقرار وتخريب الأمن في العراق، رغم أنّ كثيرين لا سيّما في الآونة الأخيرة أصبحوا يقولون صراحة إنّ عمليات التفجير الكبرى في بغداد هي من صنع المالكي نفسه.
لا عجب في هذه الاتهامات.. فكلّ شيء ممكن في العراق الجديد، وقد تجد له تفسيرا..


وزير الداخليّة في حكومة الاحتلال جواد البولاني أصبح يصنَّف باعتباره منافسا جادّا للمالكي في الانتخابات القادمة.. صحيح أنّ كليهما في خدمة المشروع الأمريكيّ، وكليهما تابع للمحتلّ قابع في بيت الطاعة. لكنّ المطامع الشخصيّة تغذّي هذه الخلافات فيتربّص الواحد بالآخر على أمل إزاحة خصم في المنافسة الانتخابيّة القادمة، ومن مظاهر هذا التربّص العمل على تشويه صورة الخصم وإظهاره بمظهر العاجز عن تحقيق تطلّعات الناس وتوفير الأمن لهم.


المالكي والبولاني كفَرَسَيْ رِهان في حلبة ليس فيها غير العزّل من أبناء العراق الجريح.. كلّ منهما يستعرض فحولته على أبناء شعبه في سياق محاولته إقصاء الآخر والاستئثار بالغُنْم المنتظر..
كلّ منهما ينحر الأضاحي تقرّباً إلى أسياده وخدمة للذين لولاهم لما كان..


أين بقيّة فسيفساء العمالة واللصوصيّة والغدر؟ الحزبان الكرديّان العميلان.. والمجلس الأعلى الإسلاميّ.. وأين أولئك المرتبطون بإيران؟ بل أين إيران من كلّ ما يحدث؟ أين نظام طهران من حفلة الدم العراقيّ؟ ألمْ تَشْفِ تفجيرات بغداد وبابل والموصل وكربلاء والتأميم غليل الحاقدين والمتآمرين؟
بغداد دامية.. نعم.. "خلّوها دامية في الشمس.. ستقيء الحمل عليكم.."


العصابة الحاكمة في العراق بلا استثناء متّهمة في هذه التفجيرات.. ليس بالضرورة أنّ الجميع شارك في الجريمة.. فذلك أمر غير ممكن، ولا هو معقول..


ولكن.. لا تستغربوا شيئا في عراق اليوم.. وأين وجه الغرابة في بلد يضع رئيس وزرائه أكاليل الزهور على قبور الجنود الأمريكيّين المحتلّين لبلده ويترحّم على أرواحهم، ويبني حائطا في مدينة البصرة لتخليد شجاعة قتلى الجيش البريطانيّ المحتلّ  لبلده؟

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ١١ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور