هل تكون تركيا الضامن الحارس لوحدة العراق وعراقية كركوك

 

 

 

شبكة المنصور

د. أيمن الهاشمي

في ظل تمادي الأطراف الكردية، وبالأخص الحزبين الكرديين، في سياسة فرض الأمر الواقع، وتصاعد سقوف مطاليبهما إستغلالاً سيئا وجائراً، لحالة ضعف العراق اليوم، وضعف الحكومة المركزية وتحلل دورها لصالح الدور الأيراني الذي يسعى، لشرذمة العراق وإضعافه، إنطلاقا من حقيقة مفادها أن مصلحة إيران تكمن في عراق مفكك مُجزّأ وضعيف, ووسط تحشيد البيشمركة لقواتهم في كركوك والمناطق المسماة بـ"المتنازع عليها"!! والتغيير الديموغرافي المتعمد في التركيبة السكانية لتلك المناطق عموما وفي كركوك خاصة، بضخ أكراد يتم جلبهم من محافظات أخرى وإسكانهم عنوة في مناطق من كركوك بإدعاء أنهم من المُرحلين والمُهَجَرين سابقا من كركوك، ووسط ضياع لأية إجراءات ضابطة أو أدلة أو وثائق تُثبت الأدعاءات الكردية، عَمل ويعمل أكراد الحزبين على تصعيد سقوف مطاليبهم التعجيزية بمحافظة كركوك كلها وأجزاء كبيرة من محافظات ديالى وصلاح الدين والموصل بل وحتى من محافظة واسط !...

 

الموقف الامريكي المُداهن للكرد، والمتردّد الضعيف تجاه سقف مطاليبهم التعجيزية، كان له دور فاعل في تشجيع الاكراد على التمادي في مطاليبهم وتجاوزاتهم التي فاقت حد المقبولية والمعقول، ولولا الموقف الصلب لعشائر وقوى العرب والتركمان من ابناء محافظة كركوك وتصديهم لمحاولات الحزبين الكرديين بالأنفراد بكركوك، لكانت قضية كركوك قد حُسمت جبراً وإبتزازاً لصالح الاكراد.

 

ويتطلع أبناء كركوك بإهتمام إلى الدور الذي تلعبه حكومة الجمهورية التركية في الوقوف بحزم بوجه محاولات تقسيم العراق، أو سلب محافظة كركوك وأجزاء من محافظة نينوى الى ما يسمى باقليم كردستان، وجاءت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبغداد على رأس وفد وزاري يضم وزراء الداخلية والخارجية والتجارة والطاقة لتفعيل «المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين بغداد وأنقرة»، وأسفرت الزيارة عن توقيع 48 بروتوكولا ومذكرات تفاهم في الأمن والطاقة والنفط والكهرباء والمياه والصحة والتجارة والبيئة والنقل والإسكان والإعمار والمواصلات والزراعة والتربية والتعليم العالي، ووعدٌ بإطلاق حصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات وتعهّد باستمرار الوساطة بين بغداد ودمشق. وقبيل عودته الى أنقرة قال أردوغان: «لقد عشنا يوماً تاريخيًا ولحظة تاريخية بوجود تسعة وزراء وخمسين من رجال الأعمال وتم التوقيع على 48 مذكرة تفاهم». وإلتقى أردوغان بكل من رئيس الجمهورية جلال الطالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي، ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي والذي أشاد بمواقف تركيا الداعمة للعراق وبوساطتها «النزيهة» بين بغداد ودمشق، داعياً الى «استمرارها»، فأيّده اردوغان بقوة ، مؤكداً ان «تركيا ستستمر في وساطتها حتى ينتهي الخلاف بين البلدين الجارين» . وأقترح الهاشمي على أردوغان ان «تنفذ تركيا مشاريع صناعية ضخمة في كركوك يكون فيها ابناء المدينة بأطيافهم ومكوناتهم الأيدي العاملة والمستفيدة منها لتكون بوابة لحل المشاكل السياسية العالقة»، مبيناً ان «أنقرة استطاعت عبر البوابة الاقتصادية ان تحل العديد من المشاكل السياسية العالقة مع جيرانها ومن شأن ذلك اعادة الأوضاع في كركوك الى ما كانت عليه سابًقا». ويبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق 5 بلايين دولار سنويًا ، تريد تركيا رفعه الى 20 بليوناً.

 

وكان أردوغان صريحا بمطالبته بايجاد وضع خاص لكركوك ينهي معاناتها ومشاكلها، الا ان رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني بدا منزعجاً جداً من الدعوة العلنية لرئيس الوزراء التركي بايجاد وضع خاص لكركوك، وقال بارزاني (ان الامر مريب وأخشى أن يكون بضوء اخضر امريكي)، وطالب بان يكون هناك لقاءات على مستوى (الرئاسة) بينه وبين تركيا. وتاتي اعتراضات البارزاني بعد الدعوة التي وجهها طارق الهاشمي لاردوغان باستثمارات كبرى في كركوك.  

 

وعبّر اردوغان من جانبه عن وقوف تركيا الكامل مع الشعب العراقي مرحباً بمقترح طارق الهاشمي  والذي اكد انه سيكون له الاثر العميق في تطبيع الاوضاع في المدينة واستعادة اجواء التعايش الاخوي فيها. بينما أعلن محمود عثمان النائب الكردي في مجلس النواب العراقي: (أن طارق الهاشمي والحزب الإسلامي العراقي يتبنون الموقف نفسه مع الجبهة التركمانية والعرب الشوفينيين من حلّ مسألة كركوك، حيث يدعون أن لكركوك وضعا خاصا). ((وعبارة "الشوفينيون" هي التهمة الدائمة التي يوجهها الأكراد لكل من يقف في طريق تنفيذ مطاليبهم الأبتزازية")). وأضاف عثمان: (أن تنفيذ المشاريع في كركوك من قبل أية دولة كانت فهي خطوة مرحبة بها شرط أن تكون بالتعاون والتنسيق مع حكومة (الاقليم)  وأن لا يقصد من ورائها التدخل في الشأن الداخلي لكركوك). وتابع عثمان أن طلب  الهاشمي من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان"لقيام تركيا بتنفيذ مشاريع صناعية ضخمة في كركوك، إنما هي دعوة لتركيا للتدخل في الوضع الداخلي لكركوك خصوصا أنه جاء في هذا الوقت الحساس للغاية. ووصف عثمان دعوة الهاشمي تلك بالخطوة غير الجيدة، وأوضح أن مسألة كركوك شأن عراقي داخلي بحت، يجب حله وفق الدستورالعراقي، ودون تدخل أطراف خارجية.

 

منذ وقفت تركيا موقفها الصريح بمعارضة الغزو الأمريكي، ورفضت أستخدام أراضيها وقواعدها لضرب العراق، وهي  تلعب دورا إقليميا يتسم بالأنصاف للقضايا العربية، كما في موقفها الشجاع ضد ممارسات إسرائيل وجرائمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتركيا التي تقودها اليوم حركة سياسية شعبية ذات اتجاه إسلامي تسعى لأن تعزز حضورها في المجتمع التركي وداخل مؤسسة الجيش التي باتت متناغمة مع سياسات الحكومة التركية الإقليمية،  كما أن الحكم التركي الحالي يتميز بالواقعية السياسية والليبرالية الاقتصادية، ويسعى لتطوير علاقات تركيا مع الجميع. ويبدو واضحا أن الإستراتيجية التركية تنطلق من إمكانية واقعية لبناء دور فاعل إقليميا ودوليا يتخطى حصرية العمل لدخول الاتحاد الأوروبي الذي يواجه الطلب التركي برفض واعتراضات عنصرية قائمة على مفاهيم التمييز الديني والتصادم الحضاري التي شحنها المحافظون الجدد في مضمون السياسة الخارجية للولايات المتحدة . كما ان الهوية الإسلامية للشعب التركي و للقيادة التركية تعطي وزنا خاصا للدور التركي في حل المشاكل العالقة في المنطقة.

 

إن العراقيين الأصلاء يرحبون بأي دور تقوم به الحكومة التركية لوقف التصدع العراقي، ولجم جماح المطالب الكردية المستغلة لأوضاع العراق، والوقوف بقوة ضد أية  مساع لتقسيم العراق، وإذا ما نفذت تركيا مشاريعها الاقتصادية في كركوك فإنها ستتيح فرصة لأفشال الأرهاب وبنفس الوقت إسكاتا للابتزاز الكردي، وتعزيزا لحالة الأمن في كركوك، وربما غيرها من مناطق الموصل وصلاح الدين،  وإن غداً لناظره لقريب، ولن تكون كركوك إلا مدينة عراقية لكل القوميات والاديان والطوائف والملل.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٢٩ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور