أما من ناصر ينتصر لشهداء العراق ؟

 

 

 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي

لم تكن البطولة في يوم من الايام رداء معلقا بأستار كرسي السلطة , يرتديها كل من تسلط على شعبه فتحل عليه بركات السماء ويصبح بطلا , فتلقى عليه النعوت والالقاب ويحمل كل معاني البطولة , يحق الحق ويبطل الباطل حتى لو كان على نفسه , يجير الخائف وينتصر للمظلوم , يشيع العدل والانصاف ويحرص على الرعية حتى لو كانت شاة خوفا أن تعثر في الارض التي يتولى السلطة فيها , بل أن التاريخ البعيد والقريب يحدثنا عكس ذلك تماما , فنقرأ بين صفحاته من أرتضى لنفسه أن يكون دمية يحركها الاجنبي كيفما أراد من أجل البقاء في السلطة,أو مطية يحمل الغرباء , كي يوسع بديار أهله قتلا وتهجيرا ونهبا وسلبا .


لكننا اليوم في العراق أمام حالة أكثر مأساوية تعبر بوضوح تام عن مدى أستهتار الحاكم بالمشاعر الانسانية لابناء شعبه , وأفتقاره الى أبسط شروط المسؤولية الملقاة على عاتقه حتى باتت دماء شعبه رخيصة الى الحد الذي جعله يتاجر بها لمصالحه الخاصة , ويقبل يوميا الايادي الغازية التي تسفك دمائهم , فبالرغم من الخراب والدمار وأغتصاب الرجال والنساء الذي جرى في سجون الاحتلال, وشلال الدم الذي مازال متدفقا على جنبات وادي الرافدين , نجد مايسمى رئيس العراق يحضر قداسا في لندن لذكرى الجنود البريطانيين الذين قتلوا في حرب العراق , معلنا عن مساهمة الحكومة العراقية في بناء نصب تذكاري في منطقة ستافوردشر لتخليدهم , بينما أرامل وأيتام الذين أستشهدوا في العراق وهم يواجهون الغزاة أو الابرياء الذين قضوا نحبهم على أيدي المليشيات وفرق الموت يجوعون ويعرون ويسكنون في مخيمات للمهجرين داخل الوطن ولامن من معيل لهم , كما أن غيرهم يعيش مهاجرا في دول الجوار وبعض الدول الاوربية في ظروف مادية واجتماعية صعبة جدا , بعد أن تمادى البعض من مليشيات السلطة وراح يجرم كل من قاتل أو أستشهد في الدفاع عن العراق في حربه مع أيران, أو كانت له مساهمة علمية أو تكنولوجية في نهضة الوطن , ولازالت مجموعة منهم تتخذ من أحدى الكنائس في بلد أوربي مسكنا لهم منذ أكثر من شهرين , بعد أن تم رفض لجوئهم .


أن المتتبع لتصريحات طالباني في ثنائه على الاحتلال وغيرهم من أعداء العراق , سوف لن يصاب بالدهشة وهو يجده في قداس الجنود البريطانيين , فهو الذي وصف زيارة المسؤول الايراني الذي كان يشرف على تعذيب الاسرى العراقيين بانها نعمة من السماء , وان بوش رجل عظيم جلب الحرية للعراق , وهو الذي وصف السفارة الامريكية في بغداد أثناء أفتتاحها بانها ( صرح حضاري على أرض العراق وضخامتها دليل على عمق الصداقة بين الشعبين العراقي والامريكي ) ,حتى كاد يساويها بجنائن بابل المعلقة , متناسيا بانها أكبر محطة للمخابرات الامريكية في العالم , تتجسس عليه وعلى شركائه في الحكم حتى في غرف نومهم .


أنه من المفارقة حقا أن يرفض والد احد الجنود البريطانيين الذين قتلوا في العراق , مصافحة رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير قائلا له ( لن أصافح يدك لان يديك ملطخة بالدماء ) ويصفه بأن ( مجرم حرب ولن أطيق أن أكون معه في غرفة واحدة ) , بينما يقف رئيس العراق مع من أقترفوا أكبر جريمة تاريخية بحق أبناء شعبه معزيا لهم وشادا على أيديهم , في وقت مازال القضاء البريطاني يحقق في عدد من الجرائم التي أرتكبها الجيش البريطاني بحق الابرياء العراقيين , وتشكل اللجان لمعرفة الاسباب الحقيقية التي قادت الى مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق , ويعلن اللورد بنغهام الرئيس السابق لمحكمة اللوردات الاعلى في بريطانيا بأن (الغزو أنتهاك خطير جدا للقانون الدولي ولم يكن هناك أي عمل يبرر أستخدام القوة ضد العراق ولاتوجد أية أرضية صلبة , أو أثباتات قوية تؤكد أن هذا البلد أرتكب أي مخالفة , أو أقدم على أي عمل يستحق على أثره أعلان الحرب عليه ) .


أن فشل المشروع الامريكي في أيجاد شىرق أوسط جديد وتحطمه على أسوار بغداد , وأفتضاح مبررات الغزو الكاذبة , وأنكفاء قوتهم الغاشمة بعد الخسائر المرة التي منيت بها قواتهم وأقتصادهم , حفزت شعوبهم للمطالبة بالملاحقة القانونية لكل السياسيين الذين طبلوا للحرب وأشعلوها , ودفعتهم للتضامن مع الشعب العراقي في مأساته , وكان الاجدر بمن يدعون بان الشعب هو الذي أنتخبهم أن يكونوا أحرص من غيرهم على دماء وأموال وحرمات العراقيين وان يتعلموا من قادة أخرين شرعوا بطلب التعويضات والاعتذار من دول أستعمرت بلدانهم قبل قرن من الزمان , بل كان عليهم أن يتذكروا بان العراق لازال يدفع التعويضات عن حرب الخليج الثانية ,الى دول ومؤسسات وافراد بمليارات الدولارات عن أذى بسيط قد تعرضوا له والتي كانت أكبر عملية تعويض في التاريخ , فهل دماء العراقيين أرخص من دماء أولائك ؟!


أننا لسنا هنا في معرض الاستهانة بارواح الاخرين, والانتقاص من مكانتهم في قلوب أهلهم ومحبيهم , بل أننا نجرم كل من يقف مع قادة العدوان الذين كذبوا على شعوبهم وساقوا أبناء بلدهم الى الموت من اجل السلطة والثروات بروايات كاذبة ولاهداف مغرضة ,وتسببوا بالموت والدمار لشعب العراق الذي يعاني ثمانية ملايين نسمة فيه من الجوع , وأربعة ملايين يعيشون تحت خط الفقر ويوجد فيه مليونين ونصف المليون يتيم يعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة بان الدولة غير قادرة على رعايتهم لان عددهم يفوق قدراتها , وان العراق ضمن أكبر عشر أزمات أنسانية في العالم حسب منظمة أطباء بلاحدود , وان هجرة أبنائه الى الخارج هي أكبر هجرة عرفتها البشرية بعد هجرة الفلسطينيين في العام 1948 , فهل يحق لاحد من (القادة المنتخبين بثورة الاصابع البنفسجية ) بعد هذه المأساة أن يصنف في خانة الوطنيين الحريصين على شعبهم وهم يتدافعون بالمناكب لتقديم التعازي لدول الغزو بمقتل جنودهم في العراق ؟


وهل يحق لمن حمل أكاليل الورد ووقف دقيقة صمت في مقبرة الجنود الامريكان في واشنطن أن يدعي بأنه حامل لواء دولة القانون !؟ بينما يلاحق كل سجين يطلق سراحه من السجون الامريكية ويعيد أعتقالهم , ويرفض مستغربا المطالبات بوقف عمليات الاغتصاب والتعذيب في السجون العراقية , ويرسل قواته المرتبطة به مباشرة الى المحافظات لاعتقال المئات من ضباط الجيش العراقي السابق, بالرغم من وجود 3226 معتقلا من دون أوراق تحقيقية لازالوا في السجون الحكومية , حسب تصريح أحد نواب البرلمان .


أنهم يقفون اليوم متضاهرين بالدفاع عن حقوق العراقيين ومطالبين بمحاكم دولية للثأر لدمائه بينما يترحمون على قتلته , ويتنازلون عن حقوق الشعب والوطن في التعويض , ويتسترون على اللصوص وسراق المال العام , ويتبرعون باموال اليتامى والثكالى والارامل لبناء نصب تذكارية , لمن قدم من وراء البحار يقاتل شعبا مسالما .

 
لقد حمل شهداء العراق أرواحهم على أكفهم , وروا بدمائهم الزكية ثرى الوطن كي لايكتب التاريخ عنهم بانهم أستكانوا وتخاذلوا في الدفاع عن أرضهم , وكي لايسجل شعب العراق سابقة تاريخية تتحدث عن أنهم أستقبلوا المعتدي بالورود والزغاريد , حتى أصبح العالم اليوم يتحدث عن مقاومة باسلة أنطلقت في العراق في وقت قياسي وبأمكانات ذاتية وبدون مظلة دولية أو أقليمية , قاتلت أكبر قوة في التاريخ وأفشلت مخططات الاعداء وفرضت على قادتهم الجدد منهج ( التغيير) شعارا لهم للفوز بالسلطة , وهاهم اليوم يضعون في حساباتهم السياسية قوى المقاومة , كمعادلة صعبه لابد من الاخذ بها في كل تحرك سياسي يأملون منه الحفاظ على ماء وجههم , وبذلك فان من يفرط بحقوق الشعب والوطن , يقينا سيكون في صف الغزاة المعتدين مهما تبجح بالشعارات الوطنية , وهم اليوم معروفون من شعب العراق .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٨ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور