تساقط المرضى فما بكم من مرض كي تسقطوا

 

 

 

شبكة المنصور

حديد العربي

الواقع المرير الذي تخيم صباحاته المفجعة ومساءاته الكئيبة المحزنة على شعب العراق وسائر الأمة العربية منذ نيسان 2003م والى يومنا هذا وحتى يأذن الله تعالى فتنقشع سحب الحقد والإجرام الصليبي الصهيوني المجوسي عن سمائهما صار يرهق عقول البعض فيمسخها لتتحول إلى جماجم خاوية تنسج فيها العناكب بيوت وهنها، لا تحتمل قحفتها إلا الخواء ووساوس الشيطان، بهيمية خالصة تركزت فيها شراهة الأكل والشرب والملبس والملذات والفتات المتساقط من أيدي السراق اللصوص غزاة العراق وأعوانهم الأوباش.


فيما كان وسيبقى حافزا ومشجعا للبعض الأخر ليشحذوا كل طاقات وقدرات عقولهم ويقدحوا بها قدحا لتبدع وتأتي بكل ما هو مفيد وجديد تتعزز به مسيرة الكفاح الدامي والجهاد الأسطوري لشباب العراق النشامى والذين لم يعد الشباب وخصاله ليليق بغيرهم وان بلغ بعضهم من العمر عتيا.


وإذا كانت أعداد المتساقطين في بحبوحة الخواء والخيبة والخسران قد تزايدت مع تمدد زمن الاحتلال وأيامه فان أعداد الملتحقين بركب الجهاد والكفاح والممانعة قد تزايدت هي الأخرى أضعافا مضاعفة بفضل الله ومنته، كلٌّ بأسبابه ودوافعه.


فعشاق الدنيا بلا التزاماتها وأسبابها وحقيقة كينونتها لا يستوعبون من وجودهم فيها إلا جني الأموال وإن كانت سحتاً مع الأكل والشرب ولا غير، تردد اغلبهم بداية الغزو وأحجم لكن حال الذين ارتضوا لأنفسهم أن يلحقوا بركب الجواسيس المدنسين ليشكلوا معهم جيشا من عبيد المحتل الكافر وقد أُتخمت بطونهم وافْتُضَّت فروجهم شجعهم للرتع معهم في مرابع الغزاة وإن كان الثمن عذرية شرفهم ورباط دينهم وغضب خالقهم.


أما عشاق الدنيا والآخرة كلٌّ بشروطها وأسبابها ومبرراتها فقد اعتصر بعضهم الألم والشعور بالذنب والخيبة نتيجة تخاذلهم عما يدركون وجوبه منذ لحظة بدء العدوان وركونهم للاتكالية على غيرهم فيما نهض البعض الآخر من كبوته وأصلح حاله ثم التحق بمن تخلف عنهم ليحلِّق معهم في سماء البطولة والبذل وطلب الشهادة.


وأمام كلّ هؤلاء وهؤلاء وقفت الطلائع ووقف الحُداة الذين بايعوا الله تعالى على مواصلة المسير إلى حيث يريد ويرضى.


وقليلٌ هم الذين تخلوا عن شرفهم ودينهم وعروبتهم، قليل هم الذين ارتضوا لأنفسهم الذليلة أن تكون أوعية لخبث الشيطان ومكره ولأجسادهم الناتجة عن نطفٍ حقيرة غير مباركة أن تكون أحذية بأقدام الغزاة الكفرة تسعى بها لكل ما يُسئ للعروبة والإسلام وتدنيس حرماتهما وتشويه صورتيهما البهية الناصعة ولما يُغْضِب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلَّم، وحقاً هم قليل، ليسوا إلا زمر تافهة لا تشكل أمام الأمة إلا أصفاراً حقيرة في نسبتيهما المادية والمعنوية، لكنَّ الذي يوهم الواهمين فيرونهم وكأنهم كثير هو القصور في مديات الرؤية لديهم، فمثل هؤلاء لا ترى أعينهم إلا ما كان تحت الضوء ولاشيء سواه فتضنهم كثير، وتلك حال الذي لا يملك بصيرة يرى فيها ما تحت دائرة الضوء وما هو خارجٌ عنها، ومن لا يملك سوى عينيه للإبصار فمساحة فكره ووعيه عادة تكون محدودة لا تتعدى مدى رؤية عيناه وإن كانتا حادتي البصر، لا تمتد رؤيته عن موضع قدميه كثيراً ولا تتجاوز لحظة الزمن المعاش إلى ما بعدها، لهذا تجد بعضهم يتملق لمصالح دنياه هذا النفر المدنس الفاقد لكل قيم الأرض والسماء، ممن رفعوا رايات الزنا عالية على هامات أعراضهم وشرفهم دلالة مؤكدة على بيعهم وما اشتروا به من خزي الدنيا والآخرة، وهم كحال من سبقهم أو سيلحق بهم من الجواسيس الأراذل؛ أسرى أمراضهم وعقدهم النفسية القاتلة التي تُبيح لهم انتهاك كل فضيلة وركوب كلِّ رذيلة بدافع الهروب من واقعهم المخزي ذاك، فلا تجدنَّ فيهم أحد إلا وهو عاشقٌ للحرام متيمٌ به، أما من يسقط عليه بعضُ ذلك الضوء الفاضح ممن يقف بالقرب منهم ويغرف من وحلهم يضنّه مغنما فهم ليسوا إلا الرعاع الذين تجمعهم الفريسة وتفرقهم العصا.


فلا تنتاب الشريف خيبات الأمل حيال مثل هؤلاء النفر الضال المُضل ممن باعوا كل محرّمٍ بيعه، وهدروا كلَّ دمٍ حرمه الله تعالى إلا بالحق وهم للحق كارهون، وتلذذت أمعاؤهم بكلِ سحتٍ حرام، وليستدلُّ ببصيرته حتمية زوالهم كما زال الذين من قبلهم، فالأرض طاهرة لا تحتمل زمناً طويلاً ليمكث مثل هؤلاء الخزايا المدنسين على ظهرها، فسرعان ما ستلفضهم  إلى جحافل الدود والآفات تزف جيفهم إلى العذاب الأبدي بوعد الله وأمره وعدله سبحانه.


ولن تجد حول هؤلاء مبهوراً بهم إلا الرعاع ولائد الزنا وبراعم النبت الحرام الذين من موئلهم نهلت أرواحهم الخبيثة خستها ووضاعتها.


أما الذين هدى الله تعالى فحرامٌ عليهم وخزيٌّ لهم أن يلتمسوا خيراً أو بعض خير في أحدٍ من هؤلاء الذين تغذت أرواحهم وأجسادهم على نتن القمامة وجيف الفرائس خلائف الضباع وشطر خِستها، فالجوع والحاجة والعجز عن تلبية متطلبات الحياة لا تُبيح لهم استجداء علقمي جاسوسٍ قذر أهانه الله كي يبهجوا عوائلهم الأبية الشريفة الصابرة بلقمةٍ مُذِلَّةٍ، فعند ذاك ستمتلئ البطون وتُعَذَّب الضمائر وتتصاغر النفوس، وإن تصاغرت النفوس فقد مَرضت وخبثت والعياذ بالله.


أما الذين تداعبهم هواجس البراءة من تاريخهم وعزّ شرفهم لينالوا قسطاً من نعيم الدنيا أو فتات السراق العبيد الأراذل فهم على شفا جرفٍ هارٍ، فليحذروا غبطة الدنيا وغدرها كي لا تزلّ قدمٌ فتهوي بصاحبها إلى مستنقع الرذيلة والانحطاط، الساقط فيه لا يخرج منه أبدا، ولن يجديه عند ذلك الماضي مهما كان مشرقاً ومشرفا فسيسقط قبله في مستنقعه، وما عند الله خيرٌ وأبقى لو كانوا يفقهون، ففيه العزُّ والشرف الرفيع والمعاني العالية والصفحات البيض اللامعة أبهى من ضوء البدر والنجوم.


فيا أيها الذين سطروا حروف النور على صفحات الشرف في رحم التاريخ منذ أن عرف العرب في العراق طريقاً إلى النور لايفقدنكم الجوع وضنك العيش والظلم الكبير نور حروفكم وبياض صفحاتكم وجلائل أفعالكم يوم كنتم خدماً لأمتكم وشعبكم ولتواصلوا الخدمة فما كل من سعى بنفسه ليكون خادما أفلح وقد أفلحتم ولن ترضى أمتكم من بعدكم خدما.


ونعيم الدنيا إلى زوال اليوم أو غدا فلا يُقَطِّرن أحدٌ السواد على بياضه فتُمسخ الصفحات ويذهب بريقها، ولتقتدوا جميعا برجلٍ أضفى على بياض أيامه في صفحات التاريخ بريقاً وزهوا وحافزا للأجيال لا يفتر على مرّ الدهور يوم افتدى معانيها برقبة وضعها في حبل المشنقة ساعيا، فتجددت بيعته حياً وميتا، يجددها اليوم من لا يرتجي منه جاهاً ولا مالا ومن أَمِنَ عقابه، والله متم نعمته ونصره عليكم وإن طال الزمن.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٧ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور