التوازن السياسي وازمة التأليف

 
 
 

شبكة المنصور

المحامي حسن بيان

بعد الانتخابات النيابية الاخيرة،دخلت البلاد دوامة ازمة تأليف حكومة جديدة،لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ ولج "العهد الاستقلالي" عام 1943.وكثرت التأويلات حول اسباب ومسببي العرقلة،البعض رجح العوامل الداخلية وادى تقاذف المسؤولية الى دفع كل فريق من فريقي الاصطفاف السياسي الى تحميل الفريق الاخر،عبر تحالفاته وقوى اسناده الخارجية مسؤولية الاعاقة ومن ثم التأخير في ولادة الحكومة الجديدة،


هذا التقاذف للمسؤولية سواء كانت عبر خطاب سياسي ملطف المفردات ام عبر خطاب متوتر النبرة،وصل مؤخراً الى حد حصر المشكلة بموقع وزاري او حقيبة وزارية او اسم مطروح للاستيزار او التوزير .
 

هذا التشخيص لابعاد المشكلة،هو في حقيقته وابعاده تسطيح لجوهر الازمة بتناوب مواقع مسببيها،لأن المشكلة في بعدها الحقيقي تتمحور حول ثلاثة عناوين اساسية وهذه العناوين بعضها يرتبط بطبيعة النظام ،وبعضها يرتبط برؤية اطراف الازمة بأدواتها الداخلية وقواها الخارجية لموقع لبنان في الاستراتجيات المتقابلة،


ان العناوين المرتبطة بطبيعة النظام تتلخص بعنوان واحد هو بنية النظام الطائفي المحكومة بطائفية سياسية،جعلت ما نص عليه الدستور حول الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها مجرد فكرة هيولة،لأن النص في مكان و الممارسة العملية في مكان آخر.


ان الممارسة السياسية العملية لا تلحظ فصلاً للسلطات وهي سمة من سمات النظام الديمقراطي،بل تلحظ تداخلاً وتشابكاً وتصارعاً في داخل كل سلطة منها من خلال السلطات الطائفية برموز تمثيلها السياسي والطوائفي.ولهذا فإن الفصل القائم ليس بين السلطات الدستورية بل بين السلطات الطائفية بحيث يصح القول انه يوجد في لبنان فصل بين السلطات الطائفية وليس بين السلطات الدستورية.وهذا الفصل الطائفي للسلطات يدفعها لان ترمي بكل قوتها وفعالية تأثيرها على السلطات الدستورية التي تقع تحت تأثير التثقيل الطائفي وبما يجعل الاشتباك السياسي وطريقة ضبط ايقاعه مساكنة ام توتراً هو الناظم لاداء السلطات الدستورية،


اما العناوين المرتبطة بأدوات الازمة وقواها،فهي تتمحور ايضاً حول عنوانيين
العنوان الاول ان الاطراف الداخلية التي تتولى ادارة الشق الداخلي من الازمة انطلاقاً من نظرة ذاتية تعتبر نفسها امتداداً وحضوراً لقوى خارجية وهذه الاخيرة بمختلف مواقعها تنظر الى لبنان باعتباره ساحة مفتوحة "او منطقة حرة تدخل اليها بضاعتها السياسية دون رسوم جمركية"


تسعى كل من موقعها لتطويع ساحة لبنان بالاتجاه الذي يخدم اهدافها السياسية في اطار الاستراتيجية المتقابلة،وهذا هو العنوان الثاني الذي تتمحور حوله كل ازمة حادة تعصف بلبنان .

وعلى هذا الاساس،كان الوضع اللبناني محكوماً دائماً بتسوية سياسية بين قوى ادارة الداخل وقوى تأثيرات الخارج،وهذه التسوية كان تختل كلما اختل نصاب التوازنات ان ببعدها الداخلي ام ببعدها الخارجي،


ضمن هذا السياق يجب النظر للازمة التي تأخذ مسمياً حركياً تحت مسمى ازمة تأليف الحكومة باعتبارها ازمة التوازن .لان الخلاف الفعلي ليس على حقيبة او اي شيء آخر له علاقة بشكليات التأليف بل سببه الفعلي،ان جميع القوى داخلية ام خارجية تنظر الى ساحة لبنان بأنها ساحة متلقية،وان الازمة برزت على هذا المستوى من التصعيد،لأن ثمة عاملان اساسيان اديا الى ذلك،


العامل الاول،هو ان القوى التي تتولى ادارة الشق الداخلي من الازمة اصبحت محكومة بتوازن سياسي دقيق وان هذا التوازن هو الذي يجعل الوضع الداخلي يراوح مكانه دون انشداد لهذا الفريق او لذلك.وهذا التوازن افرزته سباقات الاحداث التي انفجرت في 7 ايار وظهرت نتائجها في اتفاق الدوحة،و نتائج الانتخابات النيابية ،وبما يحول دون تمكين اي فريق كسر نصاب التوازن لا بقوة السلاح واكثريته ولا بالقوة التمثلية النيابية واكثريتها .وكل من يحاول او يسعى او يندفع لكسر هذا التوازن استناداً الى ما يعتبره عناصر قوة ذاتية لديه سيجد نفسه في اتون ازمة جديدة اكثر تعقيداً من الاولى وبالتالي لا يجد متاحاً الا العودة الى المربع الاول،


ان العامل الثاني فهو مرتبط بقوى تأثيرات الخارج،وهذه القوى التي تدخل الان مرحلة اعادة تقييم تحالفاتها،كون الساحة اللبنانية كساحة متلقية محكومة بتوازن داخلي ليست الا انعكاساً لتوازن عناصر تأثيرات الخارج التي يبدو انها وصلت الى قناعة بأن احداً لا يمكنه ان يلغي حصة الاخر ولهذا اتجهت الامور الى المساكنة خاصة وان ساحات اخرى كانت ضمن مديات تفاهمات اوسع لارتباط بذلك بترتيبات اشمل تطال المنطقة برمتها،


من هنا ان تشكلت الحكومة قريباً او طالت عملية تأليفها، فالوضع لن يكون الا تظهيراً للتوازن الذي يعبر عنه في لغة التكاذب السياسي بحكومة التوافق الوطني،و ان لم تشكل قريباً فإن ذلك لن ينعكس توتيراً سياسياً حاداً ولا توتيراً امنياً مفجراً الا اذا كسر نصاب التوازن السياسي فهل من مصلحة احد كسره؟؟؟؟

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ١٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور