من ملامح صحوة التدين الحقيقي

 
 
 

شبكة المنصور

هداج جبر
المتطلع إلى القران الكريم، يلاحظ، أن الإشارات التي وردت فيه، من الآيات الدالة على عبادة الله، رب العالمين، تأتي في سياق الهدى، والنور،والضياء، والتقوى، والصراط المستقيم،وما شابهها من الألفاظ، في إشارة صريحة، إلى جوهر التدين، في الإسلام، ونبذ الزيف،والادعاء، والطقوس، التي تبتعد عن جوهر الدين، والتي تكون مدعاة لتزييف الوعي، والضحك على الذقون، واستغلال الدين، لتحقيق أغراض خاصة.


ولقد أثبتت التجربة، من واقع حال التعامل، مع عملية تسييس الدين،وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، بان استغلال الإسلام كغطاء، يمكن أن يتم، من خلال هذا المنحى. ففي الوقت الذي يحث الإسلام الحق، المسلم ،على أن يتطابق سلوكه في الحياة،عبادات وتعاملات، مع جوهر تعاليم الدين، وان تكون النوايا، محكومة بما ذهبت إليه من قاعدة( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، بحيث يتقرر عند الله، القبول للأعمال، بناء على صدق تطابق النوايا معها، وهو نهج رباني عظيم، يرتكز على قاعدة، تطابق السلوك العملي مع مبادئ الدين، في وحدة عضوية، تقود إلى القبول، عند الله، والفوز برضاه، من خلال هذه الاستقامة الحقيقية، تجسيدا لقول الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).


على أن الملفت للنظر، أن البعض من أدعياء الدين،من الذين غالبا ما كان ينتابهم الهوس الديني، لتراهم أكثر الناس، تصديا للحديث، عن الدين، في كل مناسبة  ، وفي عموميات غالبا ما تكون مملة،ولاتخدم إلا صاحب الغرض،  والذين غالبا ما كانوا يكيفون حديثهم الديني المبرقع بالإسلام،مع مناسبة الحديث، لتحقيق أغراض ومكاسب خاصة، بدء ينحسر نشاطهم، بشكل واضح،هذه الأيام، ويواجه فضولهم بالوعظ المشوش بامتعاض، وتململ،من قبل معظم المتلقين، لاسيما ذوي البصيرة الثاقبة، من أصحاب الإيمان المرهف،المشهود لهم بالصدق، وعدم قبول، يصل إلى حد الرد السلبي والتقريع، بل والتجرؤ،على سرد، سلبيات تسييس الدين،وفي مقدمتها الاستقطاب الطائفي، الذي لم يجلب للأمة، سوى الخراب والدمار.


إن التوجه اليوم،بين الناس،على ما يبدو، هو تنامي ظاهرة التدين الحق، المتماهية مع جوهر الإسلام، والتركيز على السلوك القويم،بعد أن بانت بشكل واضح، سلبيات تسييس الدين. لذلك ترى الكثير، من بين المتدينين اليوم، من يرفض تسييس الدين تحت أي ذريعة، ويهتم بالدين بلا سياسات، و بلا طائفية، ويركز على تحقيق العدالة بين الناس، كأهم مقصد من مقاصد الدين، وعبادة الله، بصدق، ويعتز بدينه، وينتصر لحرماته،فيتمسك بالمعروف،وينهى عن المنكر ويستنكره، ويسارع إلى فعل الخيرات، بما يحقق وحدة الصف، من دون اكتراث، بظاهرة  التسييس، التي يعتبرونها،قد أساءت كثيرا، إلى جوهر الدين ، وشظت الأمة بالطائفية المقيتة، مما اضعف الأمة، وهدر طاقتها الروحية.


ويبدو أن الصحوة الدينية العفوية، التي بدأت تطل على المسلمين،اليوم، بعد أن لطخت عمليات التضليل والتشويش، جوهر الدين،على خلفية تسييسه، ومحاولة المتاجرة به، لتحقيق أغراض سياسية،ومكاسب خاصة، قد وجدت لها قبولا ايجابيا واسعا، في صفوف الناس، بعد أن تبين زيف عملية تسييس الدين، التي شوهت، بمسلكها الوصولي والانتهازي، نقاء الدين. ولذلك يلاحظ، توسع سلوكيات الالتزام بجوهر مبادئ الدين،بشكل ملفت للنظر، والتركيز على السلوك القويم، ومحاكمة صدقية الأفراد،في الساحة الاجتماعية،بين الناس، على هذا الأساس، عند الحاجة لتقييم معدن الرجال، وسلسلة الأسبقيات للتأثير الاجتماعي،في الميدان، ولم تعد المظهرية الدينية، والهوس الديني، والركض وراء الأضواء والمكاسب،وحب الظهور في المجالس، هي المعايير المعتمدة في التقييم.


إن انتشار ثقافة الالتزام بالنهج الحقيقي للدين، وتوسع ثقافة التحليل، والغوص في أعماق التحديات، واستخدام منطق العلم، بجانب القواعد الدينية، مكن الكثير من الناس،الجاهل منهم قبل المتعلم، والمنتمي قبل المستقل فيهم، من التمييز، بشكل واضح، بين المتدين حقا، سلوكا ومنهجا، والذي بدأ يأخذ مكانه، بجدارة واحترام، بين الناس، وبين المهووسين، وأصحاب الغرض، والمسيسين، الذين يتخذون من الدين، غطاءا لتمرير أجنداتهم المكشوفة.


ولعل بدء العودة إلى القواعد الحقيقية للدين،بتلقائية نقية، وإحياء السلوك الإسلامي الحقيقي، الخالي من الغرض الخاص، والداعي إلى الله، الساعي لتحقيق مرضاته، هو السبيل الحقيقي، الذي يقود إلى تجاوز حالة التشويش الحالية، في عملية التدين بين الناس،ويوحد صف الأمة، ويقود بالمحصلة، إلي تغيير حقيقي، في نفوس الناس،بتجاوز كل ما هو سلبي، بمقاييس الدين في حياتهم،بما يقربهم إلى الله زلفى، وبالتالي يحقق لهم التغيير، الذي ينشده الله لهم، وفقا لمراده الكريم،بقانونه الأزلي، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)،وبذلك فأنهم، قد وضعوا أنفسهم، على جادة الطريق الصحيح في التعبد،الذي سيكون مفتاح تمكين الله لهم، بعد كل ما عانوه من الضيق والحرج،بسبب تلك الابتلاءات، وذلك هو قانون الله الأزلي، في نصر المؤمنين به حقا(إن تنصروا الله ينصركم).

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٢٢ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١١ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور