المرحلة الحالية بين جيلين

 
 
 

شبكة المنصور

عراق المطيري

لم يكن العراقي يعرف التناحر الطائفي ولا التطرف القومي حتى الغزو الأمريكي البغيض فالكل يعمل باتجاه واحد هو تحقيق المصلحة الوطنية وليس في هذا شيء من المبالغة بل يتضح ذلك من خلال الإبداع الذي وصل إليه العقل العراقي خصوصا بعد إعادة إعمار القطر اثر العدوان الذي شاركت فيه أكثر من ثلاثين دولة أبان أحداث الكويت طيلة تسعينات القرن الماضي والحصار الأمريكي الذي فرض ظلما على العراق لقرابة عقد ونصف فقد رفع العراقي حينها شعار يعيد الأخيار ما دمره الأشرار وقد أذهلت نتائج ذلك الإعمار الأصدقاء قبل الأعداء وهذا جانب من الغيظ الذي أثار غضب إدارة بوش الصغير وعدوانها الذي خلف الكثير من المتناقضات الوقتية التي ستزول إن شاء الله بمجرد زوال المؤثر الناتج عن العدوان وأدواته , ومنها الصراع الطائفي الذي يتبناه الآن رواد الفكر ألصفوي كجناح والتطرف الإسلامي عموما كجناح آخر الذي اخذ يتغلغل في المجتمع العراقي بشكل خطر , وقد ولدت سنوات الغزو الأمريكي صراع من نوع جديد نتيجة للصحوة الوطنية وثورة الشعب ضد الاحتلال وما أثبتته الأحداث من عمق العلاقة بين المقاومة وحاضنتها الشعب العراقي وبمختلف الانتماءات .


لقد سوغت إدارة بوش الأمريكية عدوانها على القطر بمختلف الذرائع التي سقطت تباعا باعتراف الرموز الأمريكية التي قادت العدوان فلم تكن هناك أسلحة دمار شامل تهدد امن المنطقة واستقرارها ولا غيرها وكانت من أقذر نتائج العدوان زعزعت امن المنطقة وتدهور أمنها , كما لم تفلح شخصنة العدوان في القيادة العراقية الوطنية لعزلها عن امتدادها الجماهيري فعلى العكس من ذلك توثق ارتباط الجماهير بقياداتها التي اغتيلت أو أسرت أو التي تقودها الآن بدلالة صمود المقاومة الوطنية بكل فصائلها وتلاحمها أمام اعتى هجمة وحشية عرفها تاريخ البشرية الحديث وطبعا نتائج المعارك لا تقاس بمقدار التغلغل بل يعقد النصر بتحقيق نتائج فعل العدوان وصمودها واستثمارها لصالح غايات العدوان وأهدافه وبمنتهى الحيادية وللأمانة فان نهاية الآلة الأمريكية ومن عليها وسقوط الأسطورة الأمريكية كان في العراق بعد العدوان .


وعليه فان المرحلة الحالية هي جزء من صفحات العدوان الخطرة على قطرنا العزيز وتتمثل في الصراع بين شريحتين أو جيلين أو لنقل نموذجين متقاطعان كليا يقعان تحت تأثيره :


الأول يسوغ للاحتلال منتفع منه ويبرره ويعتبره مرحلة انتقالية ويحاول استثمار نتائجه ويروج لشعاراته ويستخدم لذلك مختلف الأدوات كالعنف وما تولد عنه من تصفيات للرموز الوطنية المعارضة ويتمسك بالسلطة التي وفرها له الاحتلال ويستعين بالنهج الطائفي لترسيخ وتبرير وإطالة عمر الاحتلال ويعمل بواجهات متعددة مدعومة من خارج القطر لخلط الأوراق تتستر بالوطنية ويعمل باتجاهين أفقي ليحقق له الانتشار المطلوب في الداخل والخارج على السواء قوميا وعالميا وعمودي في العمق الجماهيري ليضمن منافعه الخاصة على حساب المجتمع وقد نتج عن ذلك تدمير الاقتصاد العراقي وبناه التحتية وفساد إداري جعل القطر يتمركز في المرتبة الأولى عالميا رغم ما ينفق فيه هدرا من مبالغ طائلة كانت ستؤدي إلى قفزات نوعية في مستوى المواطن ألمعاشي وتقديم الخدمات , وتميع الانتماء للوطن لصالح الانتماء الطائفي والمذهبي او العرقي وفشل إلى ابعد حد كما مخطط له في الوصول إلى مشروع يخدم المواطن ويتجاوز مشاكله الخدمية ولا تنقصه الخبرة الإدارية كما يحاول أن يبرر إخفاقاته بل على العكس فهو تنفيذا لسياسة المحتل يعمل على ترسيخ اجتثاث وإقصاء الخبرات والطاقات الوطنية الخلاقة وكوادر بناء دولة العراق الحديث المتطور تحت ذرائع واهية وعقيمة رغم توفر إمكانيات الاستعانة بالخبرات الأجنبية المؤازرة للاحتلال والمرافقة له وتتوفر في بلدانه , ولك أن تسترسل في مخلفات هذا النموذج التي بلغ سيلها الزبا .


أما الجيل الثاني الذي لم تتاح له الفرصة الكاملة للتمتع بمنجزات الحكم الوطني العراقي ونضج وترعرع في ظل الاحتلال وحكوماته وتأثر كليا منه وأصبح يدرك نتائج الاحتلال من خلال الواقع المرير الذي يعيشه ويعاني منه فلا يتأثر فيها كما أثبتت الأحداث في عدة مناسبات ومنها النشاطات الرياضية وفعاليات الطلاب والشباب حيث أكد توحده وتجاوزه لطروحاتها التي تمثل مأساته التي ذاق الامرين منها فلا يؤمن بها وهو يستمد ثقافته من الرعيل الوطني الأول الذي نذر نفسه للوطن وانشغل في مكافحة الاحتلال والحفاظ على انجازات الحكم الوطني ومواصلة البناء وتنوع واتساع لوسائل الاعلام , ويكتسب تأكيدا لما يذهب إليه في تفكيره ووطنيته من معاناته بالمقارنة مع ما يطرحه النموذج الأول من شعارات تفتقد في أحسن أحوالها إلى المصداقية , هذا الجيل هو الذي نعول عليه في بناء النموذج العراقي الجديد فمن كان عمره مع بداية الغزو في حدود العشرة سنوات أصبح الآن شابا يافعا يجب تبنيه وزجه في كل الفعاليات الوطنية واحتضانه وتدريبه للانخراط في المسيرة الوطنية وتأهيله لتولي العمل في المرحلة الحالية ومساعدته لفرز القيادات المقبلة التي تواصل المشوار في المرحلة القريبة القادمة التي بدأت ملامحها تتكشف وتلوح في الأفق خصوصا بعد أن بدأ المعسكر المعادي يتخبط في سياسته ويتهور في قراراته ويعلن انهياره من خلال تبنيه الشعارات الوطنية التي كان يحاربها في الأمس القريب .


لذلك فان دعم العناصر الوطنية التي يجب زجها لتفوز في ما يسمونها بالعملية السياسية والتي ستشارك في الانتخابات المقبلة يتطلب قاعدة كبيرة من الشباب الواعي المساند والمستثمر لنتائج النصر عقيدة فكرية وفعلا عمليا وهو موجود فعلا ولكن هذا بطبيعة الحال يحتاج إلى جهود جبارة للتعويض عن فترة الدمار الشامل التي لحقت بشعبنا خلال سنوات الاحتلال البغيض والتركيز على العمل في ميادين الشباب دون إهمال الميادين الأخرى .

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور