الأحزاب الطائفية ... ليست تعددية ... بل انتهاك للديمقراطية

 

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

لم تصب الامة العربية بالعقم كيما تلد قوى واحزاب سياسية دينية اسلامية مُوَحِدَة أو قوى وأحزاب مدنية لكي يصير الخيار الاهم والاقوى امام هذه الامة وابناءها هو التعامل والخضوع لأحزاب طائفية او عرقية أُسست بعقائد وأفكار وأجندات تمزق الدين والشعب وترتبط بمصالح الاجنبي، وحين وجدت نفسها مرفوضة ومنبوذة بارادة الامة لجأت لتسقط بأحضان الاجنبي تستقوي به بوسائل مختلفة وصلت الى حد تسويغ جلب قوات غازية لتحقق لنفسها مواقع في سلطة حكومية تحت الاحتلال.

 

ان من الخطأ الفادح ان يفسر اي انسان يمتلك عقلية سياسية متحررة ومتمسكة بخط الوطن والامة ان سقوط القوى الطائفية كلا او جزءا في دوائر العمالة والخيانة على انها متأتية عن ضيق مساحة الديمقراطية على ساحة العرب، لان الديمقراطية تتعارض جذريا مع التعددية المبنية على اسس اثنية او عرقية شوفينية لسبب بسيط، هو ان الديمقراطية لاتعني بأي حال من الاحوال اباحة التشرذم الاجتماعي وحق تمزيق الاوطان. ان مثل هذا الطرح انما يسوغ الخيانة والسقوط الاخلاقي للسياسة الطائفية واحزابها لا اكثر ولا اقل لان منظومة الشرف والقيم الاخلاقية الاجتماعية والسياسية الوطنية والقومية لم تؤسس يوما على حق استلام السلطة خارج اطرها المعروفة والمتداولة من قبل كل دول وشعوب العالم. ان الادعاء بممارسة او بتأسيس منظومة ديمقراطية لمجاميع سياسية جلبها الغزو والاحتلال هو انطلاق من باطل لم ولن يفضي الا الى تشكيلات غير اخلاقية ومنافقة وتقاتل من اجل مصالح فئوية وعرقية وشخصية تقع بالضد من معايير الاخلاق الانسانية والوطنية، وتتعارض كليا مع معايير وكيان الدولة المدنية الحديثة. ان الاحزاب الطائفية والشوفينية هي اصلا تشكلت لتكون ادوات عمالة وخيانة بيد الاجنبي والقوى المعادية للامة. لماذا؟؟ لان عصرنا الراهن انتج بقوة العلم والتكنولوجيا عصر الانفتاح على الكيانات العملاقة والامم الكبيرة ضمن فضاءات جغرافية واسعة تتوفر على المورد البشري وموارد الثروة وقوة التاثير السياسي الموحد ضمن توافق خطوط السياسة العامة القائمة على منهجية دولة واعراف الدولة القانونية والدستورية وهيكلها العسكري والامني ومنظومة علاقاتها المحلية والخارجية. وهذا العصر و منظوماته العملاقة الذي تم تداوله وتطبيقه في اميركا واوربا وبريطانيا مثلا والتوجهات الوحدوية القارية قد تمت مواجهته والتصدي له في الوطن العربي بوسائل خارجية وداخلية ليبقى هذا الوطن اسير المنظومات القزمية واسير خطوط الفعل السياسي التشرذمي والتقسيمي. الاحزاب والتشكيلات المغطاة بغطاء الدين والطائفية جاءت كاختراق استعماري امبريالي وصهيوني لتظل الامة العربية خارج التشكيلات القارية او الاممية المؤثرة لاسباب تتعلق بالاستثمار والاستيطان والاحتلال الامبريالي والصهيوني ومن يعضدهما لهذا الهدف او ذاك ومن بين ذلك استراتيجية ايران في بناء دولة او امبراطورية فارسية بغطاء مذهبي مكشوف.

 

لماذا تسود الطائفية وتنتشر مثل خلايا سرطانية في جسد العرب؟ هل ان الحديث عن الطائفية ورفضها محصور برفض طائفية الاحزاب ام ان الرفض لكل اشكال السياسة الطائفية سواءا صدرت من احزاب وقوى وتكتلات أو من حكومات؟

 

الاجابة تحمل مضامين المشكلة برمتها. فالانتشار الظاهر للطائفية السياسية بعد احتلال العراق يفسر موقفنا وجوهره من السياسة الطائفية اذ ان الاحتلال قد استند في صيغة التفريق الجديدة للشعب على السياسة الطائفية لانه يدرك بجد وعمق ان الفرقة الطائفية السياسية تتفوق في تحقيق التمزيق والفرقة واغراضها على الفرقة والتمزيق الطائفي الديني ان صح التعبير او العشائري او ما شاكل ذلك. الفرقة الطائفية فاعلة في عملية التمزيق وتتفوق بكثيرعلى الفرقة الدينية لان التعايش الديني قد تجاوز بمديات معروفة الافتراق المؤدي الى اقتتال محلي واسع يحقق اغراضا استعمارية واحتلالية في بقعة صغيرة او بقع صغيرة فوق جغرافية العالم نتيجة انتهاء صلاحياتها بعد الحروب الصليبية وافتضاح امرها على نطاق يمنع اعادة استخدامها حتى مع وجود رغبات مكبوتة عند اليهودية والمسيحية لاعادة بث الروح فيها. ان التفرقة الطائفية هي السلاح الاستعماري والاحتلالي الذي أُعتمد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لان هذه الطائفية غير محكومة بتعايش رباني كما هو حال الاديان وبذلك فانها تبقى خارج اطار السيطرة وبوسعها ان تحقق اهداف استخدامها في تمزيق الاوطان والشعوب على اوجه في غاية الخطورة والاتساع، فضلا عن فاعليتها في الاجهاز على الدين الاسلامي الحنيف الواحد قبل أي شيء آخر.

 

التعددية السياسية الاثنية لا تمزق ابناء الشعب الواحد في اي قطر عربي او على مستوى الامة العربية كلها فقط، بل هي ادوات ذبح يقيني للديمقراطية لان التعايش الطائفي ضمن سقف برلماني او مجلس وزراء هو اكذوبة العصر التي ارادت اميركا تمريرها كتجربة معاونة لها في الاحتلال والتدمير المقنن للعراق. واليقين ان العرب كلهم ادركوا الان هذه الاكذوبة وخاصة ابناء العراق. وبناءا على الوعي الواسع الذي تولد في العراق بعد 6 سنوات من الاحتلال والتمزق والتدمير بخطورة الكذبة الديمقراطية الطائفية في العراق فان اميركا واحزاب طوائفها بدأت بالانحراف بمسارات عملها الظاهري بما يوحي بعدم طائفيتها وأُرغمت كذلك على نزع ثوب الطائفية مظهريا ونفاقا فقط وارتداء جلباب الوطنية زيفا ونفاقا ايضا. ومن بين مستلزمات انجاح المحاولة البائسة لتاسيس ما عُرف بالعراق الجديد ان يعلن عملاء الطوائف انسحابهم من سياسة الطوائف التي اسقطتهم في احضان العمالة للاجنبي وان يعلنوا ايضا سحب مشاريعم التي بنيت وتغذت على الروح الطائفية المقيتة ليس عودة الى عقل او منطق، بل مراوغة لاحتواء الوعي الجماهيري المتصاعد والمتزايد ضد هذه السياسات التفريقية المجرمة.

 

ان السياسة الطائفية تبرر لكوادرها وروادها حق التمرد على الاوطان وحق استلام المساعدات الخارجية خارج اطار النظام الوطني وتبرر لنفسها حق القتال والبناء وتكوين العلاقات الخارجية والداخلية خارج اطار المنظومة الوطنية للدولة وهذا كله ممنوع قانونيا ودستوريا في كل انحاء العالم ويُراد له فقط ان يصير منهجا مقبولا وطبيعيا في الجغرافية المحيطة بالكيان الصهيوني, اي على حساب العرب.

 

اما الشق الثاني من التساؤل عن طائفية الحكومات فهي الاخرى قد برزت واخذت مديات خطرة في تداخل منظور ومستتر بعد احتلال العراق ويساعده ويعضده بدون وعي  ان لم يكن الوعي والادراك حاضرا ويعزز ارادة الاحتلال. ان اية حكومة عربية تعامل العراقيين طائفيا وفق الهوية انما تمارس تمزيقا للعراق وشرعنة مقصودة او غير مقصودة لنتائج الاحتلال وعمليته السياسية الاجرامية. فالعراق مكون من جناحين مذ تشكل كدولة وطنية وقبلها ككيان جغرافي غير منتظم بهيكل دولة او خاضع لاستعمار فارسي او تركي او انجليزي. والواجب الاسلامي والوطني والقومي يتطلب فورا اعادة قراءة سياسة دولة العراق الوطنية التي اجبرت على التصادم مع الحركات الطائفية واحزابها وعصاباتها ومافياتها واموالها واسلحتها وكياناتها كطريق لانهاء الدور الوطني والقومي للعراق وانهاء معارضته للكيان العنصري الطائفي في ارض العرب المغتصبة فلسطين. ان هكذا قراءة لا تفترض بالضرورة اعادة ذات النظام الوطني والقومي الذي تكالبت عليه كل الاطراف لتنهيه غير انها وجدت حالها الان امام معطيات لم تحسبها بل تفضي الى انتاج موقف عربي واقليمي يعاون العراقيين على الخروج من عنق الزجاجة الطائفية والعودة الى الهيكلية الوطنية في ادارة بلدهم وهذا يقتضي طبعا وجدلا اخراج المحتل بالمقاومة المسلحة والمدنية.

 

ان ما يؤسَف له تماما ان تقوم انظمة عربية كانت تستقبل العراقيين دون سؤال عن هويتهم الطائفية او المناطقية ان تقوم الان بالتعامل معهم طبقا لنتائج الاحتلال، وتم تعميم منطق اقل ما يوصف بانه بليد لتخوين العراقيين على اساس مذهبي بليد. ان ابناء العراق عموما غير مسؤولين عن انتاج النظام الطائفي والمناطقي والعرقي، بل هي اميركا ومَن عاونها من العراقيين من مختلف الاتجاهات الطائفية السياسية المعروفة ودول اخرى اقليمية ذات مصلحة بالهيكلية الطائفية.

 

ان التجانس الطائفي بين الدستور الايراني مثلا وبين دستور نوح فيلدمان للعراق المحتل والمحكوم طائفيا هو المنطلق الاساسي لتعزيز النزعات الطائفية السياسية واعطاء بعضها هالة مقاومة مثلما تمنحها حق الاتصال بايران أو بغيرها خارج اطار الهيكل الوطني والقومي. ان نموذج العلاقة بين الاحزاب الطائفية مع ايران من جهة او مع اطراف اقليمية اخرى من جهة ثانية وكذا حال الحراك الطائفي في هذا الجزء او ذاك من اقطار الامة هو الطريق الذي سيفضي الى تمزيق الممزق على اسس طائفية بعد ان اخذ التمزيق على مقتربات سايكس بيكو مدياته المطلوبة، بل وأخطر من ذلك هو الطريق الذي سيفضي الى تثبيت نتائج سايكس بيكو بعد ان يحولها الى اهون الشرور مقارنة مع ما ستفضي اليه نتائج التمزيق الطائفي، بمعنى آخر ان التوجهات الطائفية بكل مصادرها هي سبيل لتكريس القطرية والانطلاق منها نحو تمزيق اضافي جديد للامة العربية.

 

وخلاصة القول هنا ان الغزو واحتلال العراق قد انتج الكارثة الطائفية ليس في العراق وحده، بل في كل المنطقة وفي مقدمتها الاقطار العربية، وليس من سبيل لانهاء هذا الوضع الشاذ الا انهاء الاحتلال وابطال كل نتائجه وافرازاته. واذا كانت مصلحة الامبريالية قد اقتضت هدم جدار برلين لتعود وحدة الالمانيتين فان مصلحة العروبة والاسلام تقتضي ان تنتصر الامة للعراق وتخرج منه عبر مساندة المقاومة الباسلة جميع القوات المحتلة ومعها الطائفية التي انتجها الاحتلال وتبنى احزابها وميليشياتها وعمليتها السياسية البائسة.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٢٩ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور