مجلس ايران الاسلامي الاعلى .. أول الساقطين

﴿ الجزء الثاني ﴾

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

في بلد متعدد الاديان والاعراق كالعراق, وتحت ظلال المستويات الفكرية والثقافية والتعليمية المعروفة والسائدة لسواد الناس, يصبح امام السياسة خياران لا ثالث لهما. الاول خيار البلد الواحد الذي يقتضي ان تكون الطبقة السياسية والنخبة التي تتصدى لادارة الدولة تنتمي الى كل الشعب وليس الى فئة واحدة دينية او مذهبية او عرقية وأبعد من هذا أن لا يحضر في التصرف السياسي مطلقا اي انتماء لا في الباطن ولا في الظاهر، الى اي توزيع من هكذا نوع. أما الخيار الثاني فهو ان تتحول نخب ادارة الحكم الى شراذم ينتمي كل منها الى مذهب او دين او عرق وليس خدما وبناة ومخططين، كل فرد فيهم هو الشعب بكامله والوطن بكل تضاريسه البشرية والجغرافية.

 

 كان خيار العراق السياسي مذ قامت الدولة العراقية الحديثة والمعاصرة اعتماد قوى سياسية وطنية وقومية, وكان التنافس السياسي والنمو الحزبي يكاد ينحصر بين هذه القوى رغم ان تشكيلات طائفية وعرقية كانت تتحرك تحت ثقل الرفض الواعي لوجودها، فبقت اما منكفئة بعدد لا يعدو بضع عشرات من الحالمين خارج زمن الواقع او بذات العدد يقبعون كخلايا نائمة تحت الارض لا يشفع لها شفيع غير السرية والعمل المتكتم لعمالتها وانتماءها المشرذم.

 

كانت عودة خميني الى ايران عام 1979 على اكتاف ثورة الشعب الايراني العارمة على نظام الشاه العميل المتخلف وعلى متن طائرة فرنسية بداية انطلاق المد السياسي الديني الطائفي ليس في ايران وحدها، بل وفي المنطقة عموما والعراق خصوصا. ان عودة خميني لم تكن كما يريد البعض ان يصور, واقعة خارج سيطرة وحسابات نهج وخط السياسة التي ينتهجها اصحاب الطائرة التي اقلته وحلفاءهم التقليديون من اميركان واوربيون وصهاينة ... ومن السذاجة بمكان ان يقبل انسان راشد ان ابعاد الشاه وهو العميل التقليدي وشرطي الامبريالية والصهيونية في المنطقة وابداله بخميني قد كان تعاطفا عفويا مع ثورة الشعب الايراني او خضوعا مطلقا لارادتها مقرون بخروج كل القوى ذات المصلحة من التواجد في ايران سرا وعلنا .. هكذا افتراض يسقط معاني المصالح الاستراتيجية ويضع المفترض في متاهات اللا يقين ودائرة البلادة قبل ان يضع اهل المصالح المعنية في دوائر السذاجة والبلادة. الصحيح ان الامبريالية والصهيونية قد اوكلت لخميني ودولته وطائفيته ان تقوم بادارة وتعميم وتصعيد وتجذير الخط السياسي الديني والطائفي والعرقي طبقا لمصالحها ومصالح الصهيونية.  

 

أوجزنا في الجزء الاول من هذا المقال ظروف ومداخلات تاسيس المجلس الاسلامي الايراني في قم وطهران مع بدء الحرب الايرانية على العراق ومن عناصر ايرانية وعراقيين من التبعية الفارسية سُفروا من العراق لانهم شكلوا طابورا خامسا ومن الاسرى العراقيين الذين أُجبروا وورطوا بالضغط والترهيب والترغيب وهم يقاسون اسوأ انواع التعذيب وابشع صنوف التعامل غير الانساني في اقفاص الاسر وأُدخلوا تحت هيمنة المجلس وبدر بمسمى مهين هو التوابون .. للدلالة على انهم لم يكونوا مسلمين وتابوا على يد الفرس ومحمد باقر وعبد العزيز الحكيم وهادي العامري والقبنجي والصغير وامثالهم من سفاحين وجلادين وقتلة لم يعرف تاريخ البشرية مثيلا لوحشيتهم واجرامهم. ومن الجدير بالذكر ان مئات من هؤلاء قد فر من المجلس وبدر فور عودتهم الى العراق وانتقلوا للسكن في محافظات غير المحافظات التي نُسبوا للعمل فيها عندما دخل بدر خلف دبابات الاحتلال بصفته جيشا ايرانيا مثله مثل اي جيش آخر دخل العراق غازيا محتلا.

 

اذن سننتقل الى المظاهر الاخرى الدالة بوضوح على تدحرج هذا التنظيم الكسيح العميل والدخيل وانهيار مشروعه الايراني العسكري والسياسي. وسنضع رؤيتنا في بابين اساسيين:

 

السقوط الطائفي:

 

قدم المجلس وميليشياته كيانهم بعد الاحتلال للشعب العراقي على انهم الجهة التي تمثل شيعة العراق. وانهم الفئة المصطفاة لاستعادة حقوق هُضمت للشيعة مذ اوجدهم الفرز الطائفي للاسلام. وحملوا الوية فك طلاسم ما عرف بمظلومية الشيعة. واذا كانت هذه الادعاءات قد وجدت من يصدقها او يصغي اليها في بداية الغزو وتحت عوامل الفراغ والتيه السياسي فانها بعد حين قصير قد اخذت بالافول والتراجع لانها لا تمتلك شيئا من مقومات البقاء ولا جذرا من جذور    العقبة الاولى التي اصطدمت بها العجلة الطائفية المجلسية الايرانية هي وعي شعبنا العظيم بأخطار الطائفية وكذلك فان سنوات ما بعد الغزو والاحتلال وما مارسه دهاقنة المجلس من سياسات خرقاء وجوفاء قد برهنت على صواب المواقف الوطنية التي اتخذتها دولة العراق الوطنية وحزب البعث العربي الاشتراكي من الطائفية عموما، وادرك الناس على نطاق واسع ان تحجيم نشاط الاحزاب الطائفية لم يكن مبررا فقط، بل انه كان واجبا وطنيا مقدسا. كما ان المئات من عناصر الجناح العسكري, بدر, قد فرت فور دخولها العراق وهربت من تشكيلات فيلق الغدر وهاجرت كما قلنا الى محافظات مختلفة لتتخفى وساهمت باضافة اشراقات وعي وتنويرمهمة الى ما كان ينشره آلاف الاسرى العراقين عن ممارسات محمد باقر الحكيم وعبد العزيز الحكيم وسواهم من اقزام العمالة والولاء للفرس ومنهجهم الطائفي المقيت والوسائل المنحطة التي عذبوا بها الاسرى العراقيين. لقد تحول هؤلاء الى اجهزة اعلام بشرية داخلية ساعدت في تمزيق رهان اميركا وايران الاعلامي الضخم على المجلس واسقطته في متاهات الازدواجية، و برزته هيكلا للكذب المفضوح ومشروعا للانتفاع الحرام يستخدم الدين والملة والعمامة ستارا للمشروع الفارسي الاجرامي.

 

ولقد كان  لدخول العجم الى العراق الجنوبي وخاصة المحافظات المقدسة وتحكمهم بأوضاع البلد ورقاب الناس قتلا واعتقالا وتهجيرا قد اوقدت من جديد مشاعل الرفض الشعبي العام، وعند عشائرنا العربية بشكل خاص التي يأبى رجالها الخنوع لوسخ وقرف وجبن العجم ان يحكمه. واضافت تصرفات العائلة الحكيمية الفارسية الشاذة والمنحرفة حفيظة العراقيين حين وجد هؤلاء العراقيين انفسهم تعلو رؤوسهم صور خميني, وايات الفرس الاخرين, الذي قتل الآلاف عبر حربه القذرة على بلدنا وكان السبب الرئيسي في تدمير نهضتنا وبنانا التحتية وعرقلة مشروعنا القومي التحرري العظيم مستجيبا لاملاءات الغرب لتسليمه السلطة في البلد الذي جهزه الغرب ليكون خامس قوة في العالم في زمن شرطيه الشاهنشاهي العميل, وفي نفس الوقت رأوا بأم اعينهم الفساد والافساد الذي يتناقض مع العمامة والجبة بشكل فاضح سواءا عبر الامتلاك غير المشروع للعقارات والاراضي والبساتين ومنشآت الدولة او عبر آلاف المقاولات والمشاريع الوهمية التي مُنحت لدهاقنة المجلس. وفوق هذا وذاك انكشاف الكم الهائل من جرائم القتل بدم بارد التي مارسها قادة المجلس وبدر لعراقيين ابرياء لا ذنب لهم سوى الانتماء الى وطن يحبونه ويسعوون لرفعته.

 

لقد سقط المجلس في برنامجه الطائفي لان شعبنا ليس طائفيا ولا يؤمن بالطائفية ولا يحتكم اليها ويعتبر الولاء للوطن فوق اي اعتبار اخر. ان اهل الفرات والجنوب العراقي الذين راهن عليهم خاسئا مجلس ايران الطائفي هم انفسهم من قاتل الطائفية الخمينية وتوجهات تمددها الاجرامي في ظل دولتهم الوطنية وانتصروا عليها في حرب الثماني سنوات وهم انفسهم من ادركوا ويتصاعد ادراكهم الان ان مرحلة ما بعد الغزو والاحتلال قد جاءت لتثأر لايران وهزيمتها ولتقتل الروح الوطنية التي انتصر بها اهل الجنوب على العدوان الخميني الذي زرعته اميركا والصهيونية لتدمير الامة وتزور التاريخ مع ان شهوده احياء بالملايين . لقد ادرك اهلنا الجنوبيين ان المجلس يشوه تاريخ عرب الجنوب الوطني ويلطخه بعار الولاء لغير الله والوطن.

 

لقد سقط المجلس سقوطا مدويا واثبت انه لا شيعي ولا مسلم بالفعل العياني مثلما اثبت انه لا يصلح لادارة دولة .. ومع موت عبد العزيز الحكيم بعد ان اكل صدره المملوء بالغل والحقد الفارسي ذاك السرطان الذي انتقمبارادة الله سبحانه لأوجاع وآلام آلاف الاسرى الذين عذبهم في اقفاص الاسر الايرانية ليجبرهم على الانضمام للمجلس ولبدر وانتقم لدماء مئات الآلاف من العراقيين الذين هدرت دمهم طائفية المجلس وانتماءه للعدوان الاجرامي الفارسي، بعد الاحتلال الغاشم.

 

السقوط الفيدرالي:

 

دخل المجلس واعوانه من اقزام الفرس متحالفا مع الاحزاب الكردية الخائنة العميلة ومحزما بخطط اميركا لتمزيق العراق على خارطة فيدرالية اعد لها في دهاليز مخابرات اعداء العراق والامة وتوافقت معهم ايران لتحقق غرضا عدوانيا سريعا هو اسقاط الحكم الوطني العراقي. واستفاد المجلس من خاصية لم يلتفت اليها الكثيرون لبعض الوقت .. هي ان شعبنا لم يتداول مفهوم الفيدرالية من قبل ولم يعرف على درجة كافية معناها ومخاطرها على بلد موحد منذ الازل. لذلك كان دخول المجلس واعوانه من بوابة التثقيف على ان الفيدرالية هي مجرد اسلوب للحكم تتيح الرفاهية والتطور للمنطقة المفدرلة!!. غير ان هذا التوجه الاجرائي المجلسي قد بدأ بالاصطدام تدريجيا بتصاعد فرز خيوط اللعبة الوقحة لتقسيم العراق عبر الفيدرالية، وبعد ان اتضح ان الفيدرالية هي تقسيم للبلد على اسس طائفية حقيرة وارتكاز على اجتزاء ثرواته وخيراته على ذات الاساس العرقي والاثني المجرم في احط جريمة وطنية يتعرض لها العراق في كل تاريخه. لذلك سقط هذا الخيار شعبيا وثبت هذا السقوط باستفتاءات كان لها وقع الصواعق على كيان المجلس وبدر ولذلك انطمر المشروع ولو آنيا تحت عباءة التقية الفارسية وباطنية الفساد المعمم زورا وتدليسا.

 

ومرة اخرى فان مرحلة موت عبد العزيز الحكيم قد ادخلت المجلس ودهاقنته الفرس واولياءهم من اقزام الجنسيات المزدوجة في طور جديد .. سنتناوله في الجزء الثالث بعون الله.

 

وننتهي هنا لنقول: لقد سقطت خيارات المجلس وبدر فهل سيتعلق عمار الحكيم بذات الحبال التي تعلق بها حزب الدعوة المالكي بعد ان ادرك ان ما دخلوا به من اجندات غير قابلة للتطبيق؟ وهل سيسمح شعبنا بانطلاء لعبة دولة القانون المزيفة، وتوجهات عمار الجديدة التي يستفيد فيها من دهاء الباطني للمالكي والدعوة ويحاول ان يدفن فيها عفن المجلس مع جثة والده التي تعفنت عقابا من الله سبحانه في سطح الارض قبل جوفها؟

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٠٣ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور