أخلاق البعث .. وتهافت مشروع التبشيع

 

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

معروف ان حزب البعث العربي الاشتراكي هو حركة رسالية قومية عروبية مسلمة، تاسس في بداية اربعينيات القرن الماضي بقيادة قومية من مفكرين سياسيين عرب من عدة اقطار عربية، واعلن عن اهدافه المعروفة في وحدة الامة العربية وحريتها كأقطار و كمجتمع انساني، والاشتراكية كوسيلة علمية معاصرة لتحقيق العدل الاجتماعي وتشتق اسسها وتطبيقاتها من ظروف الامة وواقعها الاجتماعي والديني والسياسي، وليست نقلا اعمى عن النظريات العالمية المعروفة. البعث حركة قومية انسانية اصيلة عقائدية، وتحمل برنامجا كبيرا لبناء الانسان العربي الجديد المؤمن بذاته وقدراته ويعمل على تغيير واقع التخلف والتجزئة والاستلاب والتغييب.

 

ان سمة الثورية هي نقطة الانطلاق الاخلاقي في التشكيل الحياتي الانساني للبعث ووسيلته ومنطلقه للتغيير المنشود. ومقياس الثورية الاساس ومجسها الاول عند البعث هو ان يُربّى البعثي فكريا وعقائديا للارتقاء بأداءه النضالي الشخصي الى مستوى الثورة على مخلفات الجهل والتخلف والتجزئة والامية بروح ذاتية تستبدل مظاهر التخلف وكساد القدرة على العمل بالابداع والخلق واستثمار عامل الزمن بطريقة استثنائية تحرق فجوة التخلف الحضاري والعلمي والتكنولوجي, والايمان بموجبات التقدم والتطور والنهوض تأسيسا وبناءا على شرعة الهية مقدسة ( لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، حيث ان الانطلاق من الذات لتحقيق الثورة الجذرية لتغيير الواقع هو الاسلوب الانجع الذي يقود اولا الى تشكيل الطليعة الثورية التي تقود عملية الانقلاب على الواقع بذات الطريقة التي انقلبت هي على ذاتها, اي جدلية البدء من الذات لتشكيل الطليعة التي تاخذ على عاتقها قيادة زمام التغيير الجمعي للامة. البعث هنا يتمثل حلقات التبرعم العضوي الحي ليكون نسيج الثورة.

 

الانسان المنقلب على ذاته, الانسان الثائر, هو الذي يعرف معنى الوطنية الحقة والانتماء الصميمي الى الوطن، وشرف الذات الانسانية وعفتها (يشترط البعث على لسان القائد الخالد صدام حسين رحمه الله في المؤتمر القطري التاسع للحزب العفة المطلقة أو شبه المطلقة كصفة أساسية من صفات القائد). هذا هو الانسان الذي عمل البعث على تنشئته في العراق، وجاء الاحتلال المجرم وعملاءه لمسخه واعادته الى زمن الظلامية واللاوضوح في الوقوع بين الاخلاص للوطن وبين الارتماء بأحضان العمالة والخيانة. لقد جاء الاحتلال ليذبح اخلاق الانسان البعثية العربية المسلمة ويدخل العراقيين في الجدل السقيم والعقيم بين الاسود والابيض. فالجدل حول الديمقراطية التي جاء بها المحتل واذنابه هو ايقاع مخطط له سايكولوجيا لتدمير الروح الوطنية التي نادى بها وربى عليها البعث يعتمد هذا المخطط على مبدأ مناقشة الباطل ومحاورته لغرض توطينه والقبول بمناقشته، كخطوة أولى لقبول التعامل به. فأصحاب شعارات الديمقراطية الانتخابية تحت سرف الدبابات وأكداس الفساد المالي والاداري واللصوصية وسرقة المال العام وتدمير بنى البلد الاجتماعية والخدمية، هم نقطة انطلاق البناء الجديد لانسان يقبل الاحتلال والعبودية ومحاورة الباطل في الجوانب الوطنية والقومية. وديمقراطية الانتخابات مقابل الخدمات او بالاحرى ديمقراطية الوهم لتغيير واقع الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم مثلا تعبر عن عمل ممنهج لاسقاط الانسان وتعجيزه أمام متطلبات حياتية ضرورية وبديهية لكي يقبّل ايادي الاحتلال وعملاءه فيمسخ شخصيته ويدمر ذاته الانسانية ويهدر كرامته .. وكل ذلك واضح الان كمنهج من مناهج ما يسمى بالعراق الجديد ... والجميع يعرف ان الانتخابات لن تعبر ولن تتعدى الصور الكارتونية لأزلام واحزاب وميليشيات الاحتلال المجرم ولذلك وبناءا عليه فهي ليست ديمقراطية وليست انتخابات، بل تكريس للامر الواقع الذي جلبه الاحتلال والعملية السياسية التي فرخها. ديمقراطية الاحتلال وانتخاباته وسيلة خبيثة للاقرار بأمر المحاصصة العرقية والطائفية التي ستنتهي يوما باصدار قرارات تقسيم العراق إن لم تتمكن ارادة العراقيين العسكرية والمدنية من الانقضاض عليها واجتثاثها كسرطان يهدد الوطن العراقي، بكل الوسائل التي تقتضيها عملية مواجهة واقع الاحتلال السلمية منها والعسكرية.

 

لقد حاول الاحتلال جاهدا تكريس مصطلح الديمقراطية على اساس انه المنجز المتحقق بالاحتلال. واللعبة هنا واضحة وجلية ايضا وهي الهاء الناس وتعليقهم بحبال وهم التغيير القادم في اساسيات حياتهم المسلوبة على يد الاحتلال واعوانه. وهو في ذات اللحظة خطة خبيثة لاجبار العراقيين على قبول القوى التي سلطها الاحتلال وضمن ولاءها له وللاطراف التي عاونته في خطة الغزو.

 

وديمقراطية الاحتلال المناقضة لاخلاق وبرامج البعث العربي الاشتراكي هي التي ترى في مقاومة الاحتلال ارهابا او عصيانا مسلحا يصب في خانة الارهاب. انها الديمقراطية التي تسفه نتائج المقاومة امام حاجة الانسان الى الخدمات ... بمعنى .. ان الاحتلال واعوانه يتاجر بالخدمات ويستخدمها مصيدة .. والمقايضة هي .. تنكَّرْ واستنكرْ المقاومة ونحن سنزودك بالخدمات بعد الانتخابات القادمة، بمعنى آخر ان حكومة الاحتلال مقدسة وطاعتها واجب.

 

ألا ترون ان اللعبة قد صارت مكشوفة وان الهجوم على اخلاقيات البعث بعد الاحتلال وقبيله قد صارت مفضوحة امام شعبنا؟ وان مقايضة الخدمات بالمعايير والاتجاهات والايمان الوطني والقومي المسلم قد صارت ترى بعين حتى مَن لايرون بالمنخل؟ وان محاولة العملاء والخونة للخروج من عنق زجاج الخيانة قد ضيقت عليهم الخناق بدلا من اخراجهم من مأزق الاختناق؟

 

مفلسون رعاع ويكذبون .. يعتقدون ان اهل العراق سُذج, بل انهم يفعلون كل ما يفعلونه من كذب وتزوير يُثبت ويبرهن على قناعاتهم من ان اهل العراق سذج ويمكن ان تنطلي عليهم فبركات الخونة اللاهثين للحفاظ على كراسي السلطة العميلة. فشعبنا يُدرك ان الانتخابات كذبة وهي مجرد غطاء لادامة الاحتلال واذنابه وان الخدمات واحتياجات الناس الضرورية لن تتحقق لا بالانتخابات ولا باللعبة البرلمانية ولا بالعملية السياسية لسبب بسيط وبسيط جدا هو ان الاحتلال قد جاء لاهداف وغايات تقع في مقدمتها اغتيال اخلاق البعث في العراق وهذا الاغتيال لن يتم ولن يعلن عنه الا بانهاء المقاومة العراقية المسلحة للاحتلال .. ونحن نرى ان المقاومة المسلحة العراقية وبغض النظر عن عناوينها ومسمياتها هي الحرب التي لم ولن تنتهي، والاستسلام الذي لم ولن توقع صكوكه, اي ان المقاومة هي البعث ونظامه وشعبه وقواته المسلحة وامنه ومخابراته وعلماءه وتصنيعه ... اغتيال وانهاء المقاومة لن يتم ولن يُعلن لان اعلانه سيكون كذبة وفضيحة اخرى لامريكا واعوانها، يضاف الى كذبة اعلان بوش انهاء العمليات العسكرية، ولانها ستعني ان عليهم ان يعيدوا الكهرباء والماء وحيثيات الحياة وهذا ما لن يحصل مادام الاحتلال قائما لانهم يقايضون من طرف واحد .. انهم يقولون للعراقيين: لكم صناديق الاقتراع دربا للتحايل والمكر والدهاء الاحتلالي والعميل وللشعب الوهم والخيال الجامح والموت المؤكد قتلا واستلابا وقهرا واستبدادا ونقص مفجع في متطلبات الحياة .

 

اخلاق البعث .. قانون يحكم ومؤسسات دولة تنتج, وتصنيف للشعب بين وطني تخدمه الدولة ومؤسساتها بالتعليم المجاني والضمان الصحي وبكل الخدمات التي هي عنوان وجود الدولة والحكومة .. و بين اخلاق الاحتلال والعملاء التي هي ديمقراطية صناديق اقتراع بلا دولة ولا حكومة لان الخدمات والأمن معدوم والفساد ينخر عظم المجتمع والانقسامات الطائفية والعرقية تحرك مفاصل الحكومة الى مجهول لن يحقق غير الفناء للوطن وللشعب.

 

اخلاق البعث هي شعبية الدولة ودولة الشعب .. وهم جاءوا بالموت والمداهمات والتعذيب على ايدي المعرف من العملاء والمجهول منهم على حد سواء. وكل مافي جعبتهم للخروج من مأزق خيانتهم وسقوطهم الاخلاقي والسياسي هو ان يجترّوا ما تم اجتراره من مفردات اعلام التبشيع القذر الامريكي – الصهيوني – الايراني ضد البعث ودولته الوطنية وتجربته العملاقة في اقامة اهم تجربة دولة حديثة في تاريخ العرب المعاصر والحديث.

 

انهم يعتاشون على تصريح ( نُسب) في ستينات القرن الماضي الى احد قادة البعث وعلى المقابر الجماعية التي هم من انتجها قبل الاحتلال وكرسها منهجا لدفن العراق والعراقيين بعد الاحتلال, والانفال وحلبجة واعمال الغوغاء اثناء انسحاب الجيش العراقي من الكويت التي صنعتها ايران اثناء حربها العدوانية على العراق ... انهم يجترون ما اجترّته قطعان النعاج ولم يعد ما ينتج عن الاجترار سوى روائح تعافها انوف البشر وفضلات تزكم الانوف وتخزي مَن لم يعد قادرا سوى على انتاج الفضلات لانه محكوم بعبودية الاحتلال. ويبقى البعث يعطر ارض العراق بالجهاد البطولي والمقاومة المنتصرة باذن الله مع كل عراقي شريف ويسقط بعبير الارتقاء والسمو بالجهاد كل ترهات وسفاهات التبشيع.فالبعث فكر أمة ومشروع نهضة شعب وحين يصل العدوان والتامر عليه الى مستوى الغزو والاحتلال فهذا يعني ان من استهدفوه من اميركان وصهاينة وفرس وقردة وخنازير هم كلهم في ميزان اعداء العراق والعروبة والاسلام ومثل هؤلاء محكوم عليهم الفشل والسقوط وانتقام الباري سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الاخرة.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٧ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور