العروبة أولاً

 
 
 

شبكة المنصور

لائحة القومي العربي

مهزلة المعارك والحملات الكروية بين مصر والجزائر تتطلب موقفاً وحدوياً آنياً ومشروعاً نضالياً وثقافياً طويل المدى

 

الرجاء التوزيع على أوسع نطاق

 

ليست المباراتان الرياضيتان بين المنتخبين المصري والجزائري المرة الأولى التي يختلف فيها نظامان عربيان لأسباب سخيفة وتافهة.  فمنظومة التجزئة العربية قامت أصلاً لكي تمنع الوحدة ولكي تكرس مثل تلك الخلافات المنبثقة من لدن حدودٍ مصطنعة رسمها الاستعمار.  أما انتقال خلافات أنظمة التجزئة القطرية إلى مستوى الشارع، فقد نتج عن تسهيلات حكومية وحملات إعلامية مشبوهة عبر الفضائيات والصحافة الصفراء في البلدين من الواضح أن هدفها كان تعميق الشرخ في العلاقات العربية-العربية، وتوجيه الشحن والتحريض قبل وخلال وبعد المباريتين إلى صدر الشعب العربي، بعيداً عن أعداء الأمة الحقيقيين، وعلى رأسهم أنظمة التجزئة التابعة للأجنبي. 

 

إن خلف هذه الحملات طرفين أساسيين هما اللوبي الصهيوني في النظام المصري واللوبي الفرنكوفوني في الجزائر.  ومن الواضح أن النتيجة الموضوعية لها في البلدين هي محاولة تكريس الوعي القطري شعبياً ومناهضة العروبة ممثلةً بالطرف الأخر (المصري في حالة الجزائر، والعكس بالعكس).  ولهذا فإن خطورة ما يجري يتمثل بالسعي لنقل الخلاف من مستوى الأنظمة إلى مستوى الشارع، وتوظيف الصحافة المأجورة والفضائيات المصرية والجزائرية والجهاز الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي في البلدين، والطائرات والحافلات العسكرية والمدنية، ومسؤولي الدولة وأقارب الحكام، وأعداد من الفنانين والمثقفين والمغنين والدعاة والأئمة، والمجرمين والمشاغبين الذين تم نقلهم من السجون إلى أم درمان، لتحقيق ذلك الغرض المشبوه.

 

إن ما جرى يهدف لمنح المشروعية لأنظمة قطرية مفلسة لم تجد منفذا للاحتقان المتراكم شعبياً إلا بالترويج للنزعات القطرية بعد أن عجزت عن حماية الأمن القومي العربي وتواطأت عليه في كثير من الحالات وفتحت اقتصادها للاختراق الإمبريالي المعولم، وتعاونت عسكرياً وأمنياً مع أعداء الأمة في الوقت الذي يزداد فيه فسادها وتحكمها برقاب البلاد والعباد.   ولهذا فإننا كقوميين عرب لا نكتفي بالدعوة المجردة للوحدة والأخوة في وجه هذه المحاولات الخطيرة لشق الشارع، ولا نقبل أن نواجه التحريض القطري بين النظامين المصري والجزائري، أو بين أي نظامين عربيين آخرين، بالدعوة للتعقل والاعتدال، بل نعتبر أن مثل هذه الخلافات المفتعلة ستستمر ما بقيت أنظمة التجزئة فاقدة الهوية والمشروعية، ولذلك فإننا نعتبر أن النقيض الحقيقي لمثل هذه الخلافات السخيفة ولتلك الحملات المشبوهة هو الدعوة لتحقيق الوحدة العربية بما يعنيه ذلك من كنس تام لأنظمة التجزئة التابعة للخارج.

 

ونود الإشارة في هذا السياق إلى بعض المصطلحات التي أسيء استخدامها خلال الحملات الإعلامية بين النظامين المصري والجزائري.  فتعبير "وطني" و"وطنية" لا تستخدم في وجه عربي أخر، بل تستخدم في وجه احتلال أجنبي من حيثما جاء... ضد الاحتلالين الفرنسي والبريطاني لمصر والجزائر مثلاً.  فما جرى لا يعبر عن "وطنية متطرفة" كما ذهب البعض، بل يعبر عن فقدان الحس الوطني تماماً، لأنه يخدم العدو الخارجي.  ما جرى اسمه "قطرية" أو "إقليمية"، بمعنى تغليب الانتماء الجهوي الفرعي لحدود مصطنعة على الانتماء القومي العربي، وهو أخطر ما في الموضوع. 

 

كما نود التأكيد هنا على رفض وإدانة كل حس أو خطاب قطري أو إقليمي أو طائفي أو عشائري أو أقلوي في الوطن العربي لأنه حسٌ وخطاب يقود إلى تفكيك الأمة وشطبها، و يقود بنتيجته الموضوعية وبالضرورة إلى التبعية، بل والى التحالف مع الصهيو-امبريالية أو مع القوى الخارجية المعادية للأمة، إقليمية كانت أم دولية.  وتكاد لا تخلو دولة عربية من مثل هذه النزعات التفكيكية التي يتوجب اجتثاثها بلا هوادة بالفكر وبالعمل.   وفي غياب المشروع القومي العربي، فإن مثل هذه النزعات لا بد لها أن تستقوي وتستفحل بالضرورة وأن تملأ الفراغ الذي يتركه المثقف والناشط والإعلامي والفنان ورجل الدين الملتزم والواعي والمتنور والمنخرط في قضايا شعبه وأمته خارج إطار النخب المعزولة في أبراجها العاجية وحلقاتها الضيقة أو منظمات التمويل الأجنبي.

 

إن الشعب بلا وعي كالجسم بلا عقل.  والأمة بلا مشروع سياسي كالسفينة التائهة في البحر.  وفي حالتنا اليوم، بات العقل الجمعي للأمة ساحة الصراع، وغياب مشروعنا أحد مصادر الأزمة.  ولذلك فإننا ونحن  نعلي صوتنا في إدانة ما حدث، وندعو لوقف الحملات الإعلامية فوراً ونطالب معاقبة المجرمين من الطرفين، نرى أن من المهم أكثر أن نتحرك معاً بصورة أكثر فعالية لنقل الفكر الوحدوي والمشروع الوحدوي إلى الشارع وإلى حيز العمل السياسي والثقافي لكي نقتلع النزعات التفكيكية من جذورها.  

 

ولكن بالرغم من خطورة ما يجري، لا يجوز أن نستسلم للإحباط وأن نقفز للاستنتاج بأن الشعب العربي قد فقد عقله واندفع وراء السفاسف والتفاهات.  فالأمة لا يمكن أن تكون ضد نفسها.   ويستطيع أي نظام في العالم يملك موارد دولة أن يحرك قطاعات شعبية كاملة بقوة ماله وإعلامه وسلطته السياسية والأمنية، وهذا يصح على أي نظام في أي مكان، فما بالك حين يفتح نظام عربي الأبواب على مصراعيها باتجاه السخافات، ويغلقها بالرهبة الأمنية باتجاه قضايا الأمة الحقيقية؟  ولكن ذلك لا يعني أبداً أن الأمة العربية قد انتهت أو فقدت صوابها، أو أن التجاوب الشعبي مع مباراة رياضية أو منافسة ما بين مغنيتين هو المؤشر الصحيح لمنسوب الوعي والحس القوميين.  ولو فتحت جهة مناضلة ذات مصداقية باب الجهاد وأعلنت النفير ودعت المتطوعين ولم تجد من يلبي، يمكن عندها أن نقول "على الأمة السلام" كما يفعل البعض اليوم، ربما عن حسن نية، دون أن يدركوا أن من حركوا هذه الأزمة كان يقصدون إيصال شرفاء الأمة لهذه النتيجة السوداوية والخاطئة بالذات وهم يتساءلون لماذا يتحرك الشعب العربي لمباراة كرة قدم ولا يتحرك للعراق وفلسطين ولبنان أو حتى للمطالبة بأبسط حقوقه السياسية والاقتصادية. 

 

أيها الأخوة، هذا لم يكن تحركاً للشعب العربي، بل للأنظمة!  والأنظمة التي سهلت ودفعت هذه التحركات منعت غيرها بعنف ودموية.  ونحن كقوميين عرب ندين ما يجري بأقوى لهجة ممكنة.  وندعو في الآن عينه لمواجهة العدو الحقيقي وهو الأمر الذي يتطلب عملاً ثقافياً وسياسياً طويل المدى يعيد المشروع الوحدوي إلى الشارع.  لأن المعركة على عقل وقلب الشعب العربي جارية هنا والآن ولم تنته بعد كما يريد أن يقنعنا البعض.  المطلوب هو غيابنا عن الميدان لكي يخلو الجو لهم، فإلى متى؟!

 

تسقط أنظمة التجزئة القطرية!  نعم للوحدة والتحرير والنهضة!  وليرفع شرفاء الأمة أصواتهم عالياً لكي يغلقوا كل أبواب التفكيك والانقسام.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٠٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور