راي في الانتخابات العراقية المقبلة

 
 
 

شبكة المنصور

صلاح عمر العلي

لا شك بأن المشاركة في الاستفتاءات أوالانتخابات العامة التي يتم بضوئها إختيار ممثلي الشعب أو رئيس الدولة  أو تقرير مصير ومستقبل الشعب في اي بلد من بلدان العالم هي حق مقدس من حقوق المواطن بقدر ما هي واجب عليه، وإن ممارسة هذا الحق يمثل أحد الجوانب الهامة في النظام الديمقراطي. وهذا الحق حينما يمارس بصفته الدستورية والقانونية وفي ظل أجواء حرة ونزيهة وصادقة وشفافة وبطريقة متوازنة تجعل المواطن يشعر بانه يمارس هذا الحق بصدق وعدالة ومساواة مثله مثل غيره من المواطنين، لا فرق بين شخص أو آخر مهما كان إنتماءه السياسي أو القومي أو الديني أو الثقافي تترتب عليها نتائج على غاية من الاهمية في تقدم البلاد  واستقرارها وتطورها وتقدمها في جميع الميادين وتسهم مساهمة كبرى في توظيف وحشد قوى المجتمع الفاعلة في مختلف مجالات الخدمة العامة، وكل في مجال إختصاصه. وهو ما نراه شاخصا في عدد كبير من الدول الاجنبية في مختلف القارات، الامر الذي أتاح لها فرص التطور والتقدم والازدهار بمسافات قصية قياسا بما يجري في بلدان الوطن العربي بصورة عامة.

 

ولو حاولنا تقييم الانتخابات التي جرت في العراق بعد إحتلاله من قبل الجيش الامريكي وجيوش الدول الحليفة سواء منها ما يتعلق بانتخابات البرلمان او مجالس البلديات وفقا لتلك المقاييس التي جئنا على ذكرها والتي تقرها القوانين الدولية والوطنية في البلدان الديمقراطية وميثاق الامم المتحدة، وفيما اذا جرت في ظل تلك الاجواء والشروط أم غير ذلك، لوجدنا أنها كانت مخالفة لمعظم تلك الشروط والمقاييس، إن لم تكن جميعها، بالاضافة الى أنها جرت في ظل الاحتلال، وإنفراده بالاشراف عليها، وإعلان نتائجها، بما يخدم مصالحه في انجاز مشروعه الاستعماري في بلادنا من دون وجود رقابة دولية محايدة ونزيهة ومعترف بها، الامر الذي أدى نتيجة لذلك الى ضمان فوز القوى والشخصيات العراقية الموالية للمحتل والمرتبطة بمشروعه السياسي في العراق. وهذه النتيجة لا تشكل سابقة فريدة في العالم بل جاءت تكرارا واستمرارا لتجارب مماثلة حدثت في كل ألدول التي خضعت لاحتلال أجنبي،  كالجزائر وفيتنام وكوريا الجنوبية وافغانستان وفي أغلب دول أمريكا اللاتينية، ودول أخرى، وأخيرا وليس آخرا ما حصل في العراق بعد إحتلاله من قبل الجيش البريطاني مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين، حيث جرت إنتخابات برلمانية عديدة في ظل ذلك الاحتلال طوال ما يقرب من اربعة عقود من الزمن، بذلت خلالها الحركة الوطنية مجهودات مضنية كي يكون لها دور فاعل ومؤثر  فيما يجري في العراق خلال تلك الفترة الطويلة دون طائل، الى أن اطاح الجيش العراقي بالنظام الموالي للمحتل البريطاني عام 1958 ، وليس بعيدا عنا ما حدث ويحدث في فلسطين، فقد خضعت أسرائيل والتيار الفلسطيني الموالي لها، لضغوط دولية واقليمية، للقبول برقابة دولية للاشراف على آخر عملية إنتخابات عامة في الضفة الغربية وقطاع غزة لأول مرة منذ وقعت فلسطين في قبضة الاحتلال الاسرائلي عام 1948. فجاءت نتيجة تلك الانتخابات لصالح تيار مقاوم للاحتلال، ممثلا بمنظمة حماس بصورة ساحقة ضد التيار المتهادن مع الاحتلال.

 

فتعالوا معي لنرى ماذا حصل؟ لم يتم الاعتراف بنتيجة تلك الانتخابات من قبل المحتل الاسرائيلي أولا، وثانيا، بدا الاحتلال بفرض حصار تدريجي على حكومة حماس وإفتعال الازمات بوجهها تمهيدا لاسقاطها، وعندما لم تجد كل محاولات المحتل الخبيثة نفعا، شنت قواته حربا ظالمة وقاسية جدا استعملت فيه كل أنواع الاسلحة الفتاكة، ولكن فات هذا المحتل ان يدرك حقيقة تاريخية ثابتة تؤكد ان من يعمل مع شعبه ومن أجل مصالحه العليا لا يمكن أن يقهر بالقوة الغاشمة مهما كانت،. فماذا جرى بعد ذلك؟ بدأ المحتل الاسرائيلي بتحريك ادواته الفلسطينية، للقيام بمهمة اسقاط حكومة حماس الوطنية والاسلامية، فوجدنا كيف بدأ مسلسل الضغط من جديد ضد حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا بشهادة دولية قوية، وصولا نحو اصدار قرار من رئيس السلطة الفلسطينية ورمز التواطؤ المفضوح مع المحتل، ذلك القرار سيء الصيت بحل حكومة حماس واعلان تشكيل حكومة بديلة عنها لا تملك شروط الحد الادنى من الشرعية. وما زال الىمسلسل متواصلا، وما زال صمود الشعب الفلسطيني الاسطوري مستمرا. والحرب سجال بين الطرفين المتنازعين.

 

وعودة الى الانتخابات المرتقبة في العراق، المقرر إجراءها منتصف كانون الثاني من العام القادم، حيث يعلو حولها ضجيج مفتعل، تصاحبه حملة إعلامية غير مسبوقة، وظفت لها مبالغ خيالية وإمكانات مالية لا نعرف الكثير من مصادرها وكرست كل القنوات الفضائية وأجهزة الاعلام الاخرى،  وكثرت القوائم الانتخابية والمنافسات السياسية والاعلامية حولها والمراهنات على هذا الطرف أو ذاك بالفوز فيها، ومن ثم استدراج القليل من المحسوبين على النسيج الوطني تحت مبررات ليس لها صلة بمصالح الشعب العراقي وتطلعاته في التحرر من الاحتلال واستعادة سيادته الكاملة.

 

لان كل هذه الانشطة والفعاليات بمختلف جوانبها دون استثناء تجري تحت خيمة المحتل الغازي الذي دمر البلاد والعباد وباشرافه وتوجيهه المباشر وبكل التفاصيل الدقيقة ولم نجد شعارا او مطلبا في اي قائمة من تلك القوائم المتعددة جادا بالعمل على طرد المحتل من العراق ولا باطلاق سراح مئات الالاف من المعتقلين والمعتقلات ولا بايقاف النزيف الدموي المتواصل منذ يوم الاحتلال ولغاية الان ولا المطالبة بمحاسبة من نهبوا ثروة العراق التي تقدر بمئات مليارات الدولارات كما لم يجرأ شخص من كل هؤلاء بالمطالبة في إجراء تحقيق قضائي بما قام به المحتل من تدمير شامل للدولة العراقية بكل مؤسساتها المدنية والامنية والعسكرية، والاقتصدية،الامر الذي يطرح سؤالا جادا عن معنى وفائدة المشاركة في إنتخابات تجري على هذه الشاكلة؟ ومن سيكون المستفيد الحقيقي منها غير المحتل واذنابه في العراق؟ الامر الذي يلزمنا مناشدة أولئك الذين ما زالوا يصرون على تصنيف أنفسهم بصفتهم جزءا من النسيج الوطني ممن تدحرجوا داخل خيمة ما يسمى بالعملية السياسية التي صممها لنا المحتل الغازي بأن لا يوغلوا في خداع المواطنين بتلك ألاماني والاحلام الزائفة والمظللة تحقيقا لمآرب وأهداف شخصية لا تمت باي صلة بمصالح شعبنا العراقي المظلوم.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٨ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٦ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور