موتوا سراراً .. أو فلتثوروا جهارا !

 
 
 

شبكة المنصور

ذكرى محمد نادر
اليوم , 15 من شهر نوفمبر تشرين الثاني.. من عام 2009.. خرجت تصريحات وزيرالقوات المسلحة البريطانية "بيل راميل" بمناسبة ارتفاع عدد الشكاوى من مواطنين عراقيين بحق جنود الاحتلال البريطاني, يقول فيها: ان الاتهامات بوقوع انتهاكات, واساءات لا اخلاقية واعتداءات جنسية, من عسكريين بريطانيين, في العراق لا تستوجب اجراء تقص علني للحقائق"! واضاف ايضا بالصلف البريطاني المعهود نفسه: سيتم التعامل مع هذه الاتهامات بجدية, الا انها ستكون تحقيقات سرية ولا يجب ان يتم التعامل مع الاتهامات على انها حقائق"!


وبالنسبة للسيد "راميل" فان قضية مثل مقتل المواطن العراقي "بهاء موسى 26 عاما" الذي اقتيد بالشبهة فقط من قاعة فندق "ابن الهيثم بالبصرة ليلة 15 من شهر سبتمبر ايلول 2003 مع صديقه "كفاح طه المطيري", والذي بقي بالرغم من التعذيب "شاهدا حيا" ليروي اخر لحظات حياة المغدور"بهاء" وهو يفرفح, بآخر كلماته قبل ان تفيض روحه: "لك خوية آنه اموت" عندما اقتيدا من دون سبب واضح, بأيدي الجنود البريطانيين الى دار الضيافة في مطار البصرة إذ عذبا, تعذيبا همجيا ومصورا بالصدفة ليفضح فيما بعد فعلتهما, وادى الى مقتل بهاء موسى متأثرا بـ 93 اصابة مختلفة  فتتت خلاياه, ودمرت احشاءه وسببت موته الموجع, وطبقاً لإفادة الجندي البريطاني السابق الذي كان يخدم في العراق اثناء الحادثة, واصفا عملية قتل بهاء بانه كان شاهدا على عملية التعذيب التي مارسها اثنان من جنود الاحتلال البريطاني وانه كان يسمع تأوهات بهاء, وانه كان ينظر مشدوها امام قوة الالم.. وان المغدور لم يكن قادرا حتى على الانين أو الاعتراض من قسوة الضرب الذي أدى، فيما بعد، الى وفاته, وحسب افادة الجندي "دونالد باين", الذي شهد امام القضاء البريطاني قائلا: لم استطع ان افعل شيئا سوى أن أصمت.. لأنني كنت خائفا وأنا انظر اليهما وهما يركلانه, وكان هو يموت!!!!"


أليست هذه جريمة أخرى أن ترى من يقتل امامك انسانا آخر فيما انت تصمت خوفا على نفسك, ولست هنا لأحاكم هذا الجندي الآن فهو لا يعني شيئا أمام حقيقة أخرى مروعة وهي أن تبقى جرائم المحتلين سرية وبعيدة عن أعين الضمير العالمي وسمعه, ولأني أريد أن أركز على تصريحات وزير القوات المسلحة البريطانية "بيل راميل" الذي يحاول جاهدا أن يدفع التهم عن جنوده على أساس أنها ليست حقائق دامغة راح ضحيتها عشرات العراقيين, وانما هي, كما يسميها بعض سياسيي الحرب "مزاعم مواطنين عراقيين" ويحرص  في الوقت نفسه على عدم اقامة أي دعوى قضائية بحق جنوده بذريعة خطيرة هي: إن هذه القضايا وقعت خارج حدود التاج البريطاني, مما يعني انهم لا يقعون تحت طائلة القانون البريطاني او الاوربي, وبعرف السيد راميل فان جرائم القتل بحق العراقيين لا تستحق المساءلة القانونية اولا, لانها دماء عراقية وثانيا, لان جنوده محميون, بقوانين تعفيهم من اي جرائم يقومون بها خارج هيبة القانون البريطاني!


فليس مهما للوزير "راميل" أن تفقد الطفلة حنان صالح (8 سنوات) حياتها  في شهر آب من سنة 2003 بسبب رصاصات جنود الاحتلال البريطاني وهم يقفون على مبعدة 60 مترا فقط عنها ليصطادوها كطير شارد من سربه في طريق فرحها حضور زفاف جارتها, وكان الجنود على مقربة منها, مما ينفي عنهم شبهة عدم الرؤيا، وكما ان الحادثة وقعت في وضح النهار, وطبقاً لتقارير منظمة العفو الدولية التي اكدت ان الجنود قاموا بقتلها تعمدا, لتعود جثتها باردة  الى اهلها مشخبة بدمها الطفل مرفوعة على الايدي لتزف لقبرها الصغير! وليس مهما للسيد راميل ان يقوم جنوده بقتل مواطن عراقي شاب (22 سنة), امام باب بيته بخمس اطلاقات في ظهره! من مسافة 50 مترا فقط, بادعاء ان الجنود سمعوا صوت اطلاقات نارية صادرة من حفل زفاف قريب منهم.. دائما زفاف.. ودائما يقتل فيه العراقيون.. بسبب الشبهة, ولا يهم موتهم احدا, فدم العراقيين رخيص جدا ازاء اقلاق مزاج جنود الاحتلال!


والمهم، بالنسبة للسيد وزير القوات المسلحة البريطانية، هو ان تبقى التحقيقات سرية لا تظهر إلى العلن, فماذا يعني له ان تقوم بعض من قطعاته باغتصاب فتى عراقي يبلغ من العمر 16 عاماً وحسب, وهل يبدو مهما جدا له ان الاغتصاب يتم باشتراك جندياته الشقروات مستمتعات بتصوير ضحاياهن!, وان الاهانات للمسنين المحتجزين في بوكا حيث يصرخ فيهم جنود بريطانيا قائلين "قرفص جيدا ايها الجد" يعذبون شيخوختهم المبجلة بالتفنن بالاستهزاء بهم والسخرية من اجسادهم التي اوهنها العمر ورذيلة ان يعيشوا آخره وهم مقرفصين امام بساطيل جنود الاحتلال في محاولتهم الثأر من قدامى ثوار ثورة العشرين وإذلال من تبقى منهم, أم هي بالنسبة له قمة اخلاق المحررين الجدد!,  وبتجليات انتهاكات اخلاقية, صاروا يبارزون فيها نظراءهم من السجانين الامريكان في سجن ابو غريب الفضائحي الذي لم يعرف التاريخ البشري شبيها لبشاعته وقذارته, وهي افعال ليست ذات اهمية لديهم لانها تحدث لشعب اخر هو دونهم بالقيمة والمستوى لانه شعب محتل وهي اقل مرتبة يحصل عليها اي شعب على هذه الارض! وحسب الكاتب البريطاني "ريتشارد فورتن" الذي كشف في مقاله المعنون "الحقائق القاسية في البصرة" والمنشور في صحيفة "الغارديان" البريطانية, منوها عن هذه الحقيقة ومعبرا عن خيبته في اخلاقيات جنودهم, ونقلا عن تجارب بعضهم وهم يتلقون نصائح مباشرة من نقيب بالجيش الامريكي يرشدهم لافضل طريقة بالتعامل مع الاسرى العراقيين, قائلا لهم: دعوني اذكركم ايها السادة.. بأن لا تكلفوا انفسكم مشقة مراعاة حقوق المعتقلين على حساب المعلومةالاستخبارية!" ويحثهم على استخدام الاساليب كلها في سبيل الحصول على معلومات مهما كانت اهميتها، ومؤكدا لهم ان حياة المعتقلين العراقيين ليست مهمة على الاطلاق بقدر اهمية تحصيل المعلومة الاستخبارية! فيكون حسب تقدير الضابط الامريكي والمقلد البريطاني, التشويه والتعذيب والاهانة والترهيب والاغتصاب وتصوير المعتقلين عراة, وترويعهم بالكلاب واقامة حفلات جماعية لانتهاك اعراضهم او استعراض حرماتهم امام مرأى الجميع وحرمانهم من النوم والطعام والتبول, ووضعهم في اقفاص حديد واكياس بلاستيكية كريهة الرائحة, في الزمهرير او لهيب الحر, او تقطيع اوصالهم احياءً, ليست سوى مسوغات استخراج معلومات استخبارية وحسب!


ويبدو أن قتل العراقيين خلف الابواب المغلقة لا يستحق لدى وزير القوات المسلحة البريطانية ان يكون التحقيق فيه علانية كي لا يثير اكثر, حفيظة الرأي العام العالمي والذي لم يعد يخدع بالادعاءات كلها التي سيقت لتبرير حربهم على العراق! وكي لا تضيف حقيقة اخرى تعري اكاذيبهم وتضليلهم, فما هو مهم, لديه هو ان تبقى التحقيقات سرية, وليس مهما لديه سواء ارتفع عدد قتلانا امام بيوتهم, أم في حفلات زفافهم, أو حين رحلة بحثهم اليومي عن كفاف يومهم, فمأتم العراقيين طويل وقائم منذ ما قبل الاحتلال وسيبقى إلى قيام ساعة التحرير التي تقترب.


وهذا شأن كل محتل.. ولكن ماذا عنكم..
انتم.. يا ابناء ثورة العشرين.. يا أولاد أم قصر.. وتل اللحم حيث صارت فيها اجساد العدو تلا من لحم محروق ببسالة رجال مازالت بطولاتهم مجهولة, الورثة الشرعيون لمجد مقاومة المحتل.. أم قصر القرية الباسلة.. التي ظلت تقاوم بأجمل وابهى واشرف ما تكون اشكال المقاومة.. يا ابناء السماوة والديوانية.. والبصرة الثغر الذي ما عاد باسما للعراق من فجيعته, يا ابنا ء الناصرية, والحلة وفيها اسد العراق القديم جاثما ما يزال, حتى في احلك اوقاته وان زأر أخاف.. يا ابناء بغداد. وتكريت وكركوك.. والفلوجة يا سباع البوادي يا شباب الانبار وموصل الربيعين.. يا نجفيون.. يا كربلائيون.. يا أبناء الجنوب الذي ما نام على ضيم.. يا كل العراقيين.. اترضون ضيمكم هذا.. كيف تصمتون على ضيم يقيمه فيكم من جاء ليدنس دمكم, حرماتكم, طينتكم التي عليها تسجدون, قباب مأذنكم, اعراض حرائركم خلف سجون الشبهة او لأسباب الضغط على رجالها المقاومين.. ماذا انتم فاعلون للعرض المنتهك للسبايا بايدي سجاني الاحتلال الصارخات في وجه المحتل ووجوهكم: وين اهلنا.. وين السباع.. من كان العرض والدار والاهل بكنفهم وبسدهم يحتمون.. ان جنود الاحتلال يستحييون نساءكم وعرضكم.. أيا ابناء ثورة العشرين ماذا انتم في سبيل عرضكم ووطنكم فاعلون؟


ان اعداءكم يوغلون اصابعهم في دمكم سرا وعلانية, ويهتكون اعراض حرائركم ويحرقون مزارعكم ويدنسون كتبكم وتاريخكم ويمزقون ببساطيلهم تراث ثوراتكم, ويشوهون معاني رجولتكم التي بها تفاخرون وينكسون عقالكم وشواربكم, فهل فيكم اليوم من صاح "الله..الله.. يا وطن.. الله الله يا رجال ثورة العشرين, الله يا اعراض الحرائر ويا صغارنا الطيبين نحن لكم ثائرون منتقمون, هل فيكم من سيهتز عقاله المبروم فخرا وينفضه بوجه الغزاة الحاقدين" لاني والله سأعجب واخجل, من رجال يرتضون ان يكون الذل امامهم ودرع المحتل حاميهم والخوف من زناة الارض يثير جبنهم.. فأين فيكم من صاح الليلة: "هذا انه اخو اخيته" ولبى بقلب شجاع صيحة الارض والعرض وذاد عنهما.. أين من سيهتف مهوساً: "حل فرض الخامس كوموله".

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور