الخارجية العراقية ودبلوماسية باب الآغا

 
 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن - كاتبة عراقية

هناك مثل عراقي معروف" مثل شغل باب الآغا" وقد شرحه العلامة العراقي الأب أنستاس الكرملي رحمه الله منوها ان( باب الآغا) أحدى مناطق بغداد المعروفة، يشغلها أصحاب المهن الحرة، لكن معظمهم لا يجيدون الصنعة وقتها لذلك فأن البغداديين القدماء سخروا من صناعتهم غير المتقنه ويطلقون عليها شغل سوقي أي يفتقر إلى الجودة والمهارة. ويضرب المثل في إشارة للصنعة الرديئة. ومنه أستعرنا المثل واصفين به الدبلوماسية العراقية ما بعد الإحتلال فهي صنعة غير متقنة بل مخزية بكل معنى الكلمة وهذا ما سوف نلمسه في الحديث عن العلاقات العراقية السورية خصوصا بعد الإحتلال ودور الحكومة العراقية المنصبة في صناعة الأزمة وتسويقها فيما سميً يالأربعاء الدامي. حيث ركبت وزارة الزيباري الفالكون الأخير من الأزمة بعد أن تصدر المالكي ومستشاري مكتبه( مجلس الحكماء) العربة الأولى وملأوا الجو زعيقا وضجيجا.

 

العلاقات السورية العراقية أتسمت منذ إنتهاء الوحدة الثلاثية بأيامها الملبدة بغيوم داكنة أكثر من أيام صحوها، وبرودتها أكثر من دفئها. حتى عندما تسلم حزب البعث زمام الحكم في البلدين لم تتحسن تلك العلاقات على نحو أفضل, وعندما أحتل العراق من قبل شياطين البيت الأبيض كانت تلك العلاقات متخمة بالتناقضات والصراعات مثلها مثل قطعة إسفنج وضعت في ماء عكر كلما عصرتها بقي فيها شيء منه, ورغم تبادل الزيارات بين المسئولين العراقيين والسوريين لكنها كان زيارات مجاملة أكثر منها جدية لحل المشاكل العالقة بين البلدين. وكنا نتوقع ان العلاقات مع سوريا ستكون مميزة مع حكومة الإحتلال لعدة اسباب أهمها: ان عناصرالقيادة الحالية معظمهم عاشوا في سوريا بمن فيهم الرئيس جلال الطالباني الذي يحمل جواز سفر سوري سلمه قبل عامين إلى القيادة السورية, ورئيس الحكومة جواد أو نوري المالكي الذي كان يمتهن بيع السبح وتزوير الوثائق العراقية وبشكل خاص جوازات السفر، وحتى الذين كانوا في إيران فأنهم تنقلوا بين محطتي دمشق طهران. في غضون سماح الحكومة السورية لهم بممارسة نشاطاتهم السياسة مضحية بالمزايا الكبيرة التي كان يمكن أن تحققها مع النظام الوطني السابق كالأردن على سبيل المثال، لكنها آثرت دعم المعارضة رغم ضحالتها وعمالتها لعدة جهات! في الوقت الذي لا تسمح سوريا للناشطين العراقيين الحاليين بالعمل السياسي على أرضها في مفارقة غريبة من الصعب هضمها.

 

كما ان القيادة السورية منحت المعارضة العراقية السابقة دعما ماليا ولوجستيا وإعلاميا ومخابراتيا ومكنتهم من توظيفه لخدمة مشاريعهم التآمرية ضد العراق, والأغرب منه إنها سمحت لهم بممارسة الحرف والمهن الخاصة ليرتزقوا منها إضافة إلى ما يتسلموه من دفعات عن طريق المخابرات العربية والأجنبية! في حين انها حرمت المعارضة العراقية الموجودة الآن في سوريا من هذه المكرمة الجليلة! بالرغم من حقيقة إنها تغض النظر عن عمل البعض منهم متجاوزين القوانيين النافذة. من جهة أخرى وفرت القيادة السورية الأمن والحماية الكاملة للمعارضة السياسية السابقة (الحاكمة حاليا) على عكس ما هو عليه الوضع الحالي للمعارضين للأحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني للعراق فهم صم بكم لا حول لهم ولا قوة. كما انها لم تساوم النظام الوطني السابق عليهم، وإلا ما كانت تقوم لهم قائمة, ولنتصور كيف سيكون موقف المالكي وبقية المعارضين لو ان الحكومة العراقية السابقة طالبت القيادة السورية بتسليم عناصر المعارضة! سيما انهم كانوا قد قاموا بأعمال إرهابية عنيفة منها تفجير صالات عرض سينمائي عام 1981 حيث قتل المئات من روادها إضافة إلى أصحاب بعض المحلات المجاورة والمارة, والعمل الإرهابي في الجامعة المستنصرية وتفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981التي راح ضحيتها العشرات من المدنين من بينهم زوجة الشاعر السوري نزار قباني وتفجير وزارة التخطيط وعمليات إرهابية عديدة؟ أو مطالبة النظام الوطني السابق الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيقية بحق المعارضة التي تأويها سوريا عن تلك الأعمال الإرهابية؟

 

الأمر الآخر هو أن النظامين السوري والإيراني يأكلان من صحن واحد وهذا الأمر لا يخفى على بصير فموقف سوريا خلال الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من تعاون بين الطرفين ضد العراق لا يقبل الشك ولا النقاش، وهو تعاون إستراتيجي بكل المقاييس الدولية. ولأن إيران تحتل العراق شأنها شأن الولايات المتحدة الأمريكية وهو إحتلال مباشر وليس كما يسميه البعض بغير المباشر أو غير المعلن وغيرها من التسميات الساذجة! ولكون الحكومة العراقية الحالية لقحت وفقست في إيران عضيدة سوريا فمن الطبيعي ان تنعكس هذه العلاقة إيجابيا على العلاقات السورية العراقية.

 

من المعروف أن حزب الله يتنفس برئتين إحداهما إيران والثانية سوريا, فهو إيراني التوجه مذهبيا وسياسيا، ويخضع بشكل مباشر الى نفوذ مرشد الثورة الإيرانية الخامنئي وهذا ليس بسر نكشفه، فقد عبر السيد حسن نصر الله مرارا وتكرارا بأن  حضن الخامنئي أكثر دفئا وأمنا من أحضان العرب, كما أن لحزب الله فرعا في العراق وله نفوذ داخل الحكومة والبرلمان, وهذه العلاقات الحميمة من شأنها أن تنعكس إيجابيا على العلاقات العراقية السورية، فسوريا هي الحبل السري الذي ينقل الغذاء من إيران لحزب الله.

 

الأمر الآخر هو وجود ما يقارب مليون عراقي تستضيفهم سوريا على أرضها وهم يشكلون ضغطا على الحكومة والشعب السوري رغم أن معظمهم جاءوا إلى سوريا محملين بالملايين بعد أن صفوا ممتلكاتهم في العراق. وعدد غير قليل من هؤلاء كانوا موظفين وعسكريين خلال النظام السابق لكنهم تخلوا عن حقوقهم الوظيفية والتقاعدية بحثا عن الأمن بعد أن أستهدفتهم الميليشيات الإجرامية بنوعيها الحكومي وغير الحكومي. كما أن وجود أكثر من مليون عراقي في سوريا أمر يخدم حكومة الإحتلال التي لم تنفق عليهم مليما واحدا تاركة مصيرهم إلعوبة بيد الأقدار! ولنتصور وجود (4) مليون عراقي خارج العراق فكم لهم إستحقاقات من ثروات بلدهم تترتب بذمة الحكومة؟ أليس عددهم يتجاوز عدد الأكراد في أقليم كردستان الذين لا يزيدون مع ضيوفهم من أكراد إيران وتركيا وسوريا عن (3) مليون نسمة، وقد خصص لهم من ميزانية العراق(17) مليار دولار سنويا؟ أي ان الحكومة السورية أحتضنت عراقيين لا يطالبون بحقوقهم من ثروات بلدهم ! وعودتهم للعراق من شأنها أن تشكل ضغطا مميتا على حكومة المالكي في جميع الأصعدة.

 

كما أن عدد غير قليل من المسئولين الحاليين يستثمرون ما يسرقونه من أموال العراق في سوريا ولا سيما في قطاع البناء والتشييد، ومنهم أحمد أبن المالكي وقد أنكشفت فضيحة شرائه فندق في دمشق بملايين الدولارات, ولاشك ان تدهور العلاقات مع سوريا من شأنه أن يهدد مصالح هؤلاء المسئولين لذلك من المفروض أن يحفظوا ماء وجوههم, هذا ان بقيت قطرة ماء فيها، وأن يحافظوا على مستوى العلاقة مع سوريا إذا لم يعملوا على تحسينها كأدنى تقدير.

 

حكومة المالكي إذن مدينه لسوريا عندما كانت في خانة المعارضة و مدينة أيضا بعد تسلمهم زمام الحكم من إدارة الإحتلال، وليس من الوفاء أو المروءة أن يغدر الضيف بمضيفه، أوالشحاذ بمن أحسن إليه, أو أن يعض الكلب اليد التي أطعمته. لذا فإن موقف حكومة المالكي من سوريا يثير الكثير من علامات الإستفهام، سيما أن الأزمة الجديدة جاءت بعد يومين من زيارة المالكي لسوريا والأعتراف بفضلها ورغبته بتطوير العلاقات بين البلدين. وان المطالبة بتدويل الأزمة بدلا من تعريبها يزيد العقدة غموضا، بل إن تعربيها من شأنه" أن يضيع حقوق العراق" كما قال المالكي ولا نعرف ما يقصد بتلك الحقوق التي ستضيع بعد أن ضاع العراق كله على يد حكومته المقيته! ولا أحد يجهل إن إستبعاد العرب عن المسألة العراقية تم بإرادة وتوجيهات إيرانية صارمة للحكومة العراقية لغرض الأنفراد بالعراق، وقد نفذتها حكومة المالكي بكل أمانه عن طريق وزارة الخارجية الزيبارية, فالوزارة كردية لا عربية التوجه! وكلمة العرب تسبب للزيباري وبطانته الفاسدة مغصا شديدا.

 

من البديهي اننا نشجب الإرهاب بكل أشكاله وانواعه ومصادره سواء كانت امريكيا أو أيران أو سوريا أو أي دولة أخرى، ولا فرق بين أرهاب أمريكي أو إيراني أو عربي وغيره إلا بمقدار الأضرار التي يتسبب بها للعراقيين, والعراق أمسى ميدانا خصبا للأرهاب، وهو على عكس ما صرح به الرئيس بوش فقد تحول الى مصدر إشعاع إرهابي لدول الجوار بأستثناء إيران بأعتبارها البنك الرئيسي لإصدار صكوك الإرهاب وتجييرها لحساب العراق، سواء عبر تنظيم القاعدة أو الميليشيات التابعة لها إضافة الى مخابراتها والحرس الثوري وفيلقي القدس وبدر والجمعيات الإنسانية وهي بلا إستثناء واجهات مخابراتية تلعب دورا خطيرا في العراق كما أشارت تقارير متعددة عنها. والأرهاب في العراق على شكلين: أوله الأرهاب الداخلي وهو الذي تقوم به الجهات الرسمية الحكومية بشكل مباشر أو من خلال الأجهزة التابعة لها, إضافة إلى ميليشيات الكتل والأحزاب السياسية التي تنفذ أجندات معظمها خارجية، ومن تلك الأنشطة الإرهابية خطف رئيس وأعضاء اللجنة الأولمبية وموظفي دائرة البعثات واختطاف البريطانيين الخمسة والمئات من هذه العمليات الجارية على قدم وساق منذ الأيام الأولى للغزو الأمريكي الغادرحتى الوقت الحاضر.

 

وثانيهما: الإرهاب الخارجي والذي قنواته الرئيسية قوات الإحتلال الأمريكي والصهيوني والإيراني إضافة إلى تنظيم القاعدة وبقية قوى الظلام التي تعبث بأمن العراق وشعبه, ويبدو للعيان أن هناك تنسيق أو ربما نوع من غض النظر بين قوى الإرهاب الداخلي والخارجي, فكل منهما يتستر عن أرهاب الآخر, وهناك العشرات من الأمثلة التي تثبت صحة كلامنا منها أختطاف رئيس وأعضاء اللجنة الأولمبية وما يقارب مائة شخص من دائرة البعثات، التي ارتكبتها ميليشيات حاكمة في وضوح النهار وبقوات كبيرة و بـ(15)عجلة حكومية ذات دفع رباعي وأسلحة وهويات رسمية ولم تتدخل القوات الأمريكية رغم علمها بهذه الجرائم ووجود قواتها بالقرب من مسارح الأحداث! من جهة ثانية فأن خطف البريطانين الخمسة من وزارة المالية دائرة المحاسبة المركزية وخطف خمسة مرتزقة من القوات الأمريكية من ديوان محافظة كربلاء بقوات وعجلات وأسلحة وهويات رسمية يؤكد تستر تلك الأطراف على بعضها البعض أي أن هناك إرهاب متبادل بالتراضي فكل ينفذ أجندته دون إعتبار للطرف الآخر ولا يخضع للمساءلة!

 

كانت فاجعة يوم الأربعاء الدامي قد أدمت قلوب العراقيين وهي عملية أرهابية قذرة سدد المواطنون الأبرياء فاتورة صراعات بين الكتل والأحزاب الداخلية, والعملية كما يبدو لم تكن تستهدف الوزراء الذين لم يحضروا لوزاراتهم ولا كبار المسئولين في أول علامة إستفهام مريبة؟ كما أن سحب السيطرات الأمنية القريبة من وزارة الخارجية قبل يوم واحد من التفجيرات تؤكد وجود تواطأ بين القوى المنفذة وتلك الجهات كما صرحت بعض الجهات الرسمية ومن ضمنهم وزير الخارجية هوشيار زيباري، وقد أحيل ما يقارب(70) منتسب إلى التحقيق. كانت التصريحات الرسمية المتناقضة مثيرة للسخرية ولحد الإشمئزاز! فقد أكدت وزارة الدفاع العراقية بأن الجهة المنفذة هي إيران من خلال تحليلات منطقية أعتمدت على دراسة أسلوب الجريمة و المادة المتفجرة وهي من صنع إيراني وقد ألقي القبض على امرأة عراقية قادمة من إيران تحمل نفس المادة المتفجرة تحاول أدخالها للعراق. كما أكد رئيس جهاز المخابرات السابق الشهواني ضلوع إيران بالجريمة مما تسبب بأزمة حادة بينه وبين رئيس الوزراء المالكي قرر بعدها الإستقالة وهرب إلى خارج العراق على أمل أن يعلن الحقيقة المرة لكنه ألتزم الصمت في حالة تثير الشك والحيرة!

 

بإسثناء وجود تواطأ بين الجهات الأمنية والإرهابيين فأن الخارجية توسدت الحدث وغفت غفوة عميقة ولم تدل بتعليق ما، رغم إنها تضررت أكثر من غيرها بسبب التفجيرات سواء كان الخسائر مادية أو بشرية, فقد تركت مهمة الإدلاء بالتصريحات إلى مستشاري المالكي وهم نخبة من المغفلين والحمقى أضروا المالكي ضررا بالغا. ولم يستيقظ الزيباري إلا بد أن وصلت الأزمة أشدها فإتخذ قرارا بليدا بسحب سفيره من دمشق دون ان يحسب المزايا والعيوب التي ستنجم عن ذلك القرار المتسرع.

 

وسنكمل الموضوع في مقال قادم إن شاء الله.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٥ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور