من أوراق بغداد إلى فتى العراق منتظر الزيدي

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الستار الراوي - القاهرة
عندما أقدم منتظر الزيدي على تصميم لوحة الزمن الاخير، كان يعلم بنباهته المعذبة ووعيه الوطني ، مسؤوليته العراقية عن وضع جواب الاسئلة الكونية الحائرة ( أين، وكيف، ومتى ،) فكان عليه أن يقتحم بكل إيثار وسخاء وشيمة دائرة القتل المؤكد، وكان يعلم أنه سوف لن يفلت من قبضة غابة المنطقة الخضراء، المكتظة بالوحوش الضالة والكلاب المسعورة ، وإذا كان العراق والكون العربي وأحرار العالم  يستذكرون اللحظة التاريخية التي صنعها الفعل المجيد لمظفر الزيدي في فاتحة كتاب التربية الوطنية، وفي سفر المقاومة العراقية ، فإن أحفادنا في المدارس ، سيقرؤون  في  الغد السعيد الآتي حتما، سيرة الفتى الشجاع العراقي الذي عبرعن أشواق وأماني الكوكب الارضي كله، عندما حرر الكلمة الغائبة  من أسرها والقاها بوجه (القاتل) والتي دونت في وثيقة الامن الامريكي، وأدخلتها المعاجم والقواميس السياسية، وعلقت عليها آلاف مؤلفة من الدوريات والجرائد ، وأفاض المحللون والخبراء السياسيون في تفكيك رمزية معنى الصعقة المتتالية التي تسببت في إخراس صوت مجرم الحرب رئيس الامبراطورية الامريكية، وخيبة نوري وفزعه المميت، وكان فتى العراق أراد أن يؤكد لشعبه وهو يسدد ضربته الثانية ، بأنه لايهاب المصير المحتوم وانه يسجل هذا الموقف لإسقاط أساطير التحرير الامريكية، ويسجل للتاريخ إحتجاجا ماديا بالكلمة والفعل بأن العراق لن يسمح أن يخرج مجرم الحرب  في آخرة أيامه إلا خائبا مدحورا، وكان يعلم تماما بأنه ماض إلى أرض الموت، متحديا كل الاسلحة والقوارض وكلاب الصيد من الامريكان وحلفائهم.

 

ستجد  أجيالنا القادمة آلافا مؤلفة من المصادر والمراجع في مكتبة العراق الوطنية ، وسيتبارى الفنانون في إظهار المشهد البانورامي الذي شاهده مئات الملايين في تلك الليلة ، والذي سيقى وثيقة ناطقة في المتاحف ودور التوثيق، وستقص الجدات القادمات من زمن المستقبل  على أحفادهن حكاية صورة الفتى المعلقة في كل بيت ، حكاية الرجل العائد من أرض الموت ، وسيصبح مظفر وساما على صدر الوطن .  

 

ومن المؤكد أن العراقيين الذين  يوقرون أبطالهم  يدركون معنى  فلسفة الفعل الوطني المقاوم، العمل البطولي الذي تحول إلى واحدة من السببيات الفاعلة في تصعيد معدلات النهضة على جبهات النضال الاممي ، ضد طغاة البيت الابيض، الفتى الزيدي الذي عاش في هذا الزمان، تقدم لالتقاط أسئلة العصر، وهو المتمرد النبيل على إسطورة (الخبز المهني أولا)  الذي حول مؤتمر العار  إلى ميدان النزال ، كان مدججا بالمحبة  لشعب الرافدين، وهو يضم الوطن في عينيه ، ليختار الحرية ، مما جعل الدنيا من أدناها إلى أقصاها تقرع   الاجراس تحية واجبة للفتى الذي قرر وحده أن يكون الصوت والضوء، وأن يكون الجندي المحارب الوحيد داخل الارض الحرام ، ولعلها من بين المرات النادرة أن تتحول الحالة إلى ظاهرة في الزمان والمكان ، فيسعى  الكثيرون  على تخليده حيا، كل حسب طاقته وكل حسب إمكاناته،  ولعلي أحييّ أبناء صلاح الدين في تكريت الذين بادروا إلى تخليد رمية الفتى الزيدي على طريقتهم المعبرة، وكل الذين حولوا أن يشاركوا العراق أفراحه،


بعث الفعل في مبناه ومعناه، رسالة واضحة وصريحة إلى  ملمعي أحذية الاحتلال وزبانية الحكومة وكتابها وإتحادها العقيم المزايد، بأن معنى الكلمة التي تحمل مسؤوليتها الزيدي، وحرص أن تكون أمينة وصادقة ، لاتلغي موقفه الوطني، بل رفعت من شأن الكلمة في حضرة حاكم ظالم ، قالزيدي بوصفه  هو مواطن عراقي قبل أن يكون رجلا إعلاميا ، ولعلنا قرأنا وسمعنا مقولة شيشرون ( بأن من العيب الذميم والعار الابدي، سيلحق بكل مواطن يكون محايدا أمام العدو الاول لبلاده، وإلا فقد شرف المواطنة) .

 

العزيز  مظفر كل عام وأنت بخير ، فقد جعلت من لحظة الرمية، ليلة بيضاء،إسترد فيها الشهداء راحتهم الابدية، وإمتلأت قلوب الاحرار بيقين الغد المؤكد، وإرتفعت لاول مرة  هلاهل الامهات،  وسيحتفل شعبنا ومعه أحرار العالم  في مثل هذا اليوم 14-12 من كل عام.  أما معاناتك في السجن ، فهو وسام آخر ، يوثق موقف الحكومة الوضيع التي نخرتها الرذيلة بكل طواقمها...


سلاما على بغداد أم العراقيين،  عندما خرج التؤمان، الرصافة والكرخ وسارت الضفتان سويا وإلتقتا على جسر الشهداء  وتعانقا..


والسلام على أم حمادة التي أوقدت شمعتين  في شباك خضر الياس ، واحدة من أجل ولدها الشهيد حمادة، والاخرى تحية لفتى العراق المظفر الزيدي . والسلام ختام .  

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٧ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٤ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور