لم يعد العالم حديقة خلفية لفردوس إسرائيل

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكاظم العبودي
بين شروق سنة 2009 وضحاها وغروبها بحر متلاطم من دماء الفلسطينيين الابرياء، ظل مسكوبا لاجل الحرية على كل الجبهات. ولا يمكن التعامل أبدا مع بحر الدماء كمياه البحر الميت تتركز فيها املاحه وتترسب في يم النسيان، والدم لا يجف ولا يتبخر حتى لو تبخرت من حوله أوهام العالم ونخبه السياسية في إقامة السلم والعدل بفلسطين المحتلة والمستباحة أرضا ودماً.


بدأ عام 2009 والحرب على غزة مشتعلة بالفوسفور الابيض والنابالم وكل اسلحة الدمار الشامل، بما فيها حروب الحصار والتجويع والابادة المنظمة التي باتت تُخزي قادة اسرائيل، وتدفع بضمير العالم الى صحوة حقيقية إزاء ما يجري في فلسطين عبر قرن كامل من المظالم، ولتفتح عيون العدالة الانسانية على اجرام قادة اسرائيل رجالا ونساء وخلفها العديد من النخب السياسية الاوربية والامريكية.


كانت تباشير الصحوة الاخلاقية للعالم شعبية ومن خلال منظمات المجتمع المدني، بدأت وتكشفت من خلال إنصاف تقرير غولدستون للدماء الفلسطينية. ومن خلاله اكتسبت فيها قضية شعبنا الفلسطيني مأثرة اخلاقية عالمية ستمهد السبيل الى رؤية جديدة لمعاناة الشعب الفلسطيني. تلتها قرارات المجموعة الأوربية للتعامل مع قضية القدس المحتلة والاعتراف بواقع القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين والمطالبة بالكف عن الممارسات الاسرائيلية القسرية لتغيير معالم القدس المحتلة ووقف تهويدها، ودعت الامم المتحدة لأخذ دورها في حماية القدس.


هاتان الخطوتان سجلتا موقفين لشجاعة لا نستعين بها، ولو جاءتا متأخرتين للعالم إزاء المظالم الاسرائيلية، لذا إندفعت الماكنة الصهيونية بكل مؤسساتها بهستيريا ملفتة للنظر لسد ثغرات باتت خطرة تهدد جدران الكيان الصهيوني حول فلسطين. فالرباعية التي اسندت قيادتها الى طوني بلير لم تعد محايدة ويجد بلير نفسه محاصرا ومنشغلاً بالتحقيق على جرائمه بحرب امريكا وبريطانيا على العراق، لذا لابد من تحرك صهيوني عالي المستوى لتهدأة الجبهة الاوربية من الاندفاع المتتالي في صحوة الضمير المتأخرة تجاه شعب فلسطين ولجمها؛ خصوصا ان التعنت اسرائيلي في وجه الرئيس الامريكي اوباما المتردد قد نجح في لجم القيادة الامريكية بمحاولتها تبني حل الدولتين ووضعه موضع التطبيق فواجهته القيادة الاسرائيلية بصلافة وبالتزمت المقصود في استمرار بناء المستوطنات.


ولطالما تصورت القيادات الصهيونية إن أوربا تشكل الحديقة الخلفية للفردوس الصهيوني لاسرائيل وخاصة في بريطانيا، ألا أن رياح التغيير العالمية وضغط الرأي العام بعد اكتشافه حقيقة وجوهر الاخلاقيات الصهيونية في الحرب والسلم أدى الى وجوب الاستجابة الى مطالب المؤسسات الحقوقية في العالم بالقاء القبض على القادة الاسرائيليين ومحاكمتهم وادانتهم جراء ما فعلت اياديهم القذرة في جرائم حروبهم في فلسطين.


وهكذا فإن أمرا قضائيا صدر أمس بالعاصمة البريطانية يقضي بإلقاء القبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، ويقينا انها علمت بذلك، لذا لم تكن المجرمة موجودة داخل بريطانيا لتنفيذ القرار، فامتنعت عن السفر او ربما وصلت أو هربت في اللحظة الاخيرة. بررها بيان مكتب ليفني بالقول: (... إن زيارتها التي كانت مقررة إلى لندن لم تتم، لأسباب لا علاقة لها بالقرار القضائي). وهي كالعادة اكذوبة صهيونية للالتفاف حول القرار بتكذيبه أولا، ومن ثم تمييعه والعمل على الغائه لاحقا.


وهكذا ظل النفي الاسرائيلي لمثل هذا الخبر وغيره، متسما دائما بالمكابرة الزائفة ومتعنتاً غالبا بالرفض او التكذيب بحقيقة الخبر الذي بات اليوم مؤكدا ويسمعه العالم كله.


قبلها كان هناك أكثر من قرار بريطاني حاولت اسرائيل الغائها، ولكن القرار الاخير خرج الى العلن ويشكل سابقة دولية كونه أحدث قرار قضائي يصدر بدولة غربية ضد مسؤولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الاسرائيلي على غزة قبل نحو عام.


قبلها بشهرين، وخلال هذا العام، بحثت محكمة بريطانية طلب منظمات حقوقية بريطانية ودولية بإصدار أمر إعتقال ضد وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك خلال زيارته إلى بريطانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال حرب غزة؛ مما جعل الخارجية الإسرائيلية تنصح باراك بمغادرة بريطانيا بسرعة والتوجه إلى فرنسا. كما ألغى موشي يعلون نائب رئيس الوزراء زيارة له إلى لندن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خشية التعرض للاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال عملية اغتيال القيادي بحركة حماس صلاح شحادة الذي قتل معه بالعملية 14 مدنيا بينهم تسعة أطفال. كما صدر أمر اعتقال بريطاني آخر بحق قائد الجبهة الجنوبية الأسبق بالجيش الإسرائيلي دورون ألموغ، لكنه لم ينفذ لعدم لنزوله من الطائرة بلندن، واضطر الى العودة على متنها إلى إسرائيل.


وفي كل مرة ترد اسرائيل بغضب وتلوح بالقطيعة لو لم يصحح مثل هذا النهج الاوربي الجديد، فتهدد كعادتها: ( ان بريطانيا ستخرج نفسها من عملية السلام؟). الرأي العالم يعرف ان تاريخ بريطانيا لم يكن مشرفا بفلسطين طوال قرن كامل منذ الاحتلال البريطاني للقدس ووضع فلسطين تحت الانتداب ومن ثم تقسيمها واقامة الكيان الصهيوني عليها، لكن مسار التاريخ ايضا لا يقبل ان تبقى لندن وجنيف وبروكسل وغيرها حدائق خلفية للفردوس اليهودي، يذهب اليها القتلة والمجرمون الصهاينة لقضاء اجازاتهم وعطلهم بعد كل مهمة قتالية وحرب ومذبحة للرقاب الفلسطينية.انه زمن لا تجف به الدماء ولا تترسب من الذاكرة الى خانات النسيان طالما ان أهل فلسطين أحياء بخلود دمائهم الزكية المستشهدة على أقدس ثرى في الوجود.


وان غدا لناظره قريب.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٩ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور