عمى ألوان لثيران المنطقة الخضراء

 
 
 
شبكة المنصور
ا.د. عبد الكاظم العبودي
كلما تابعت قراءة التصريحات الإيرانية الرسمية بدءاً من تصريحات متكي او لاريجاني وانتهاءاً بأبواق المندوب السامي الإيراني وفضائياته الطائفية ببغداد المدعو ملا حسن كاظمي قمي وبقية الاعوان بما يردده الأتباع من الموالي والملالي والملايات والرواديد والرادودات من أمثال علي الدباغ ومحمد العسكري وكريم ماهود وحسن سلمان مرورا بمن هب ودب من المصرحين والمصرحات في الميكروفونات الطائفية حول حقيقة الوضع الأمني والعسكري على الحدود الايرانية العراقية، وتحديدا عند حقول الآبار النفطية، أشعر بأني أسمع العجب العجاب لمثل هذا العُصاب الذهني عند هؤلاء المرضى .


تارة نسمع هناك من يتحدث عن مشهد الراية الإيرانية المرفوعة فوق بئر نفطي عراقي، وحكاية أخرى تتحدث عن رفع " راية عراقية" منزوعة النجوم الثلاث عن موقع بترولي حدودي، انها بالنسبة للبعض مُجرد راية ايرانية تُرفع هنا وتُنَزَّل عن مكانها راية عراقية هناك... وهلم جرا.


أُحاول جاهداً رصد الحالة هناك من خلال متابعة رسم خريطة لتوزيع مواقع الرايات والجنود وتوزيع القوات على ارض العراق، وفي الميدان أين شرق محافظة ميسان والبصرة لكي أعرف بالضبط كيف حال ومصير حدود بلادي العراق بعد تكامل الاحتلالين. لا أحد يعرف بالضبط اليوم أين حدود بلاد الفرس في عمق أراضي العراق ومدى توزيع وبقاء قوات الغزاة اليانكيين على ارض الرافدين.


أعترف انه، من خلال ما يطرح إعلاميا من تضليل في بغداد المحتلة وطهران يجعل الكثيرين في وضع الصعوبة لفهم ما يجري بالضبط من تنفيذ محموم لوضع خرائط الأطماع النفطية الأمريكية والإيرانية على ارض العراق.
وجدت ان الواقع الفعلي لا يطابق أبدا التصريحات التي يحاول إعلام الإحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق. فهناك تضليل كبير لشعبنا الصابر، وفي محاولات قوى الاحتلالين تتضح لعبة كسب الوقت على حساب مأساة العراقيين الدامية، وهناك من يتفاوض على جثة العراق من تحت طاولة التشريح لارضه، ظنا من هذا الاعلام البغيض القدرة على إجهاض بوادر وإرهاصات انفجار ثورة عارمة محتملة في أوساط ابناء العراق الأحرار.


وعندما يهرع العملاء بكل الوانهم وأطيافهم الى محاولة وقف حالة الغليان الشعبي والوطني السائدة، والملموسة كالبركان في نفوس العراقيين الوطنيين الذين يتزايدون تباعا من أجل توسيع نطاق راية حركة المقاومة العراقية الشاملة لكنس الاحتلالين الأمريكي والايراني وتوابعهما معا من ارض العراق الطاهرة.


تساءلت مع نفسي مندهشا من حجم صفاقات المُتَقَّولين الأعاجم في الإعلام الإحتلالي في محاولة يائسة لرسم صورة توحي بوجود حالة طبيعية مُضَلِلَة راهنة عند الحدود المرسومة بين البلدين الجارين. توصلت الى تفسير منطقي، لعلي أُصدق ما يقال ويُنشَر، وأنا أسمع صوت تصريحِ غرائبي منسوب لعمامة سوداء كبيرة من بقايا مجلس حكم بول بريمر، هذا العضو الناشط في صفقات برلمان "شركة السامرائي والعطية المتوافقة بلا مسؤولية محددة". سلوك مثل هذا يُبشِر ان الامور وصلت الى درجة الغليان، متجاوزة المحذور المُرتقب وبأسرع مايتصوره البعض عندما تنطلق المظاهرات لاستنكار الممارسات العراقية في اغلب محافظات الجنوب بما فيها كربلاء والنجف مروراً ببغداد الى الشمال العراقي وغربه.


وفي خضم هذا الحراك الوطني لم تجد هذه العمامة السوداء الا منبر المأتم الحسيني وفي ليلة عاشوراء لتُقسِم بصوت كفحيح الافاعي، كذباً وزوراُ وبهتاناُ، وأمام جمهور مستمعيها من المنكودين، وهي تحلف بـ "رأس الامام العباس" تارة، وبدم " الشهيد الحسين" تارة أخرى، وتقول أمام الملأ بكل صلافة : (... ان ما يجري على الحدود العراقية الإيرانية هو وضع طبيعي جدا، لا يوجد أي توتر أو تجاوز ما بين البلدين الجارين، فهناك راية إيرانية خفاقة فوق أراضيها، كما هو حال هناك راية للعراق على الجانب المقابل لها، وإن ما يجري من تناقل للاخبار والتصعيد الاعلامي حول وضع الحدود، لا يعدو جزءاً من جوانب عابرة مرتبطة بالحملة الانتخابية الجارية، يثيرها أنصار البعث الصدامي وفلول القاعدة، وتدفق أموال دول الجوار العربية للتدخل في الشأن العراقي للتأثير على نتائج العملية الانتخابية القادمة.).


وعلى قاعدة المثل القائل: ( أسمع كلامك أتعجب...أشوف افعالك أستغرب)، لا ادري كيف تجاوزت هذه العمامة السوداء أخلاق الاسلام الحنيف والحنث باليمين والقسم مهما كانت صيغته وغرائبيته. تلك العمامة أقسمت قبل ذلك مرتين سابقتين وهي تضع يدها على المصحف الشريف موضوعا على طاولة وضعتها وجلبتها قوات الاحتلال، غداة غزو العراق 2003. أقسمت مرة في مجلس أوثان الحكم برعاية بول بريمر والمارينز، ومرة أخرى بمجلس النواب قسماً علنياً يُلزم أصحابه على: خدمة شعب العراق، والذود عن أرضهِ وعِرضه، وحماية مصالحه وحدوده وسمائه ومياهه ... الخ.


وهكذا كذب هذا " السيد" وهو يحمل على رأسه عمامة سوداء ترمز الانتساب لآل بيت الرسول أكثر من مرة، ومع سبق الاصرار. قسم قدم العبد من خلال قبوله الطوعي خدمة مؤسسات الاحتلال" الكافر" ، وأنجز مع من أقسم معه من الخمس والعشرين عضوا آخرين، عُينوا بفرمان أمريكي، أعواناً في مجلس الحكم، ثم تكررت العهدة لهم مع المئتين وخمس وسبعين فردا في برلمان حكومة الاحتلال الرابعة. نفذوا كل ما طُلبته منهم سلطات الاحتلال من ممارسات مخجلة يَندى منها الجبين، مرروا للاحتلال وصفقاته المنكرة عبر دستور وقرارات ومجالس للمنادب " النواب" لتمرير أقذر لعبة سياسية عرفها تاريخ العراق المحتل منذ الغزو البريطاني الاول في القرن الماضي، والى الغزو والاحتلال الامريكي الجاثم اليوم.


عند محاولة تحليل صيغة القسم الأخير، حتى ولو تم بدون مصحف، فقد ذهبت العمامة السوداء الى ممارسة الفتنة مرة اخرى بالقسم بـ " رأس الامام العباس"، و" دم الحسين الشهيد"، وبما ورد في نص تصريح العمامة السوداء، الذي أشرنا اليه أعلاه. أُكتشفت بعض المبررات التي قد تخفف من الاندفاع لإدانة من تاجر بالعراق، وبدماء آل بيت الرسول على ارض العراق.


مثل هذا الرجل وأمثاله، كثيرون اليوم، هم متهمون بالكذب والإفتراء على الحقيقة أمام جمهور عراقي مُعَذًّب، مُثقل بتنفيذ بُدَعِهِم في ليلة عاشوراء، ومن على منبر منسوب ظُلماً، لأهل البيت، وهم براء من ذلك المسرح الكاذب بإخراجه وممثليه ومنتجيه ومن يقف وراء كواليسه سراً أو علناً.


ورغم إدراكنا ويقيننا إن من أقسم فوق المنبر الحسيني هذا سيكون مُطالباً يوماً بتثبيت شهادته مستقبلا، لمن سَيَّدعي عليه، واليمين لا يُبَرِّر له ولا يحميه مرة اخرى على ما سينكره من فضائحه. لكن هذه النماذج لا تستحي، حتى لو فضحها العالم بكل حقائق الارض بجغرافيتها وتاريخها، ومظالم الدم المسكوب من جسد شعب العراق.


هذه العمامة السوداء، برأسها المأفون تجاوزت بطموحاتها السلطوية حتى أبعاد قُطر عجلة الهمر ألامريكية، وأطوال سلاسل دبابات الاحتلال، وهي تنهب كل شئ على ارض سواد العراق. وهذه العِمَّةُ السوداء أرادت إقناع جمهورغافل، ومسكين، مغلوب على أمره، و قطاع منه لازال مضللاً، من خلال بث دعاوى المظلومية التاريخية للشيعة وآل البيت على ارض عراقية تناهبتها يوماً الاطماع والتكالب على السلطة للوصول الى الحكم وبلاط الخلافة.


وباستغلال خصوصية المجلس الحسيني المقام عشية ليلة العاشر من محرم، ليلة عاشوراء، وبالقسم المغلظ المتكرر برأس "الامام العباس أبو راس الحار" [على حد تعبيرهم] ، و"بدم الحسين الشهيد"، بأن ما يجري على الحدود مع ايران يقول عنه: انه مُجَرد دعاية إعلامية لاغير، وما قيل عن إجتياح الحدود ليس ذا صلة بأطماع ايران في العراق؟. وبمثل هذا الخطاب تُتَمم العمامة السوداء خدمة الإحتلالين الأمريكي والإيراني معا على حساب مُعاناة شعب العراق.


عدم صدقية قَسَم مثل هذه "العجلة السوداء" في ليلة العاشر من عاشوراء، تتجلى بالنسبة لنا في قضيتين نوجزها في نقطتين مُرَكَّزَتين من دون إطالة:


أولا: تفرض التبعية الإيرانية على أزلامها الإيمان المطلق: بأن "الجمهورية الاسلامية في ايران" باتت دولة إمبراطورية، من غير حدود دولية مرسومة لها سلفاً، وهي دولة تجد نفوذها يمتد الى أي مكان يتواجد فيه مسلمون. وأرض الإسلام باتت أرضاً مُرَسَّمة لهم، وكما تصورها ذهن أطماع قادة الفرس. والجمهورية الاسلامية هذه تبدأ من أطراف جُزُر اندونيسيا شرقاً وتنتهي عند المحيط الأطلسي بسواحل جمهورية موريتانيا الإسلامية غرباً، ومن شمال القوقاز الى جنوب جمهورية السودان الاسلامية جنوبا.


وان "قضية الخمسين مترا"، المُتَنازَع عليها بين العراق وإيران، تقدماً او إنسحاباً، ما هي الا اراضٍ تقع ضمن أقاليم الجمهورية الاسلامية الممتدة الواحدة. وسواء كانت هذه الأمتار المعدودة من الارض العراقية تقع في ناحية الفاو، جنوب العراق، أو في حلبجة، كما كانت خلال بعضة ايام من الحرب السابقة فهي إيرانية،كما تراها الاطماع الفارسية، واذا ما وقعت مناطق اخرى لاحقاً، مثل حقل الفكَّه، شرق ميسان وغيرها اليوم بعد هدنة الحرب الضروس التي سحقت بسنواتها الثمان ملايين الابرياء فهي ايرانية ايضا، حتى وإن هزمت الحرب كل التطلعات الايرانية لإحتلال ارض العراق.


كل هذه الامور ترسبت في ذهن العمامة السوداء وانبعثت اليوم بعد الاحتلال الامريكي للعراق. أما إحتلال العراق فقد بات من القضايا الهامشية التي يتجاوزها خطاب وقَسَم صاحب العمامة السوداء، حتى وان ردد لفظياً، بأغلظ الإيمان قسمه الليلة برأس الامام العباس أو دم الشهيد الحسين، فهو يمارس بذلك إشهارا منافقاًً بصدقية وظيفة مثل هذه العمامة ودورها المُمارَس اليوم.


ثانيا: يبدو أن التطبيع منذ سبع سنوات مع الاحتلال الأمريكي والتعايش اليومي مع رعاة البقر، والإعتلاف معهم في إسطبلاتهم في فروع مراعي تكساس المنطقة الخضراء قد أفقد مثل هذه الكائنات البشرية المُعتَلِفة جزءاً من خصائص حاسة البصر الطبيعية عند البشر الأسوياء؛ فالحقيقة العلمية البيولوجية المرتبطة بآليات الرؤية والإبصارعند ثيران البقر تقول: ان هذه الحيوانات مُصابة بعمى الألوان الدائم، وهي لا تُميز ما بين اللونين الأخضر والأحمر أبدا. وهو ما يُعرف عند البيولوجيين بـ " مرض عمى الالوان"، حيث ترى تلك الحيوانات في كل ما هو أحمر وأخضر لونا أسودا فقط، من دون تمييز بينهما. وكل ما نشاهده من محاولات الثيران الهائجة في نطح الخرقة الحمراء بيد مصارعي الثيران الاسبان في حلبات المصارعة، وما يرافقها من نزف دماء حمراء قانية من أجساد الثيران المسكينة، وأحيانا عند إصابة اللاعبين في مشهد مصارعة الثيران المثير، هي مجرد لعبة مُحكَمة، أتقن إخراجها القائمون والمنظمون والمتاجرون بهذه المصارعة غير البريئة في ملاعب " الطورو" الاسبانية. مشاهد تعتمد إثارة غرائز الجمهور بخرقة حمراء وثيران هائجة مُستفزَّة، ولاعب راقص في الحلبة لا غير.


هناك ما يشابه مثل هذا المشهد الدموي في بلادنا، ولكن إخراجه يتم على الطريقة الامريكية والايرانية، بدفع صراعاتٍ تجري في مسرح تناطح ثيران العملية السياسية الجارية في العراق. مسرحان دمويان، كلاهما لا يعدو الركح فيه أن يُشغَل بالنطاح في إخراج مُتقَن لمشاهد الرعب، لإثارة الناس واستفزازهم وإرعابهم ، فالثور الاسباني هناك لا يرى من الألوان الحمراء والخضراء الا سوادها. وخاصة الأحمر منها.


والعمامة السوداء وأمثالها ممن لا يميزون بين حدود الأرض العراقية ولون تُرابها، ولا تعرف الوان علم العراق الممتد من شرق الفاو وشط العرب وحقل الفَكَّه وحدود حلبجة وغيرها من نقاط الألف وأربعمائة كيلومترا التي تفصل أرض العراق عن بلاد فارس، فهو مصاب أيضاً؛ لا بعمى الوان الثيران؛ بل بعمى البصيرة السياسية والوطنية كلها؛ لأنه يُريد من خلال منظاره ومرقبه الطائفي، وتبعيته المطلقة للأعاجم أن يرى كل المشهد العراقي أسوداً، ولا فكاك من سوداويته ودمويته الراهنة الى يوم الدين، وهو يُنكِر، بهذا، على العراقيين حقهم في التمييز الواضح ما بين ألوان ارض بلادهم وعلمهم، الذي كان يحمل ثلاثي نجومه وتكبيرته.


العراقيون، غير المصابين بعمى الألوان الوطنية، ضَحوا دائما، ودافعوا عن الوان علم بلادهم، وافتخروا بالعراق بكل اطيافه، وفي بيض صنائعه، وسود وقائعه، وخُضر مرابعه، وحمر مواضيه.


فهل بلغ الامر فيه اليوم، انه بات منكسرا في ظرف صعب في ضفاف الرافدين وعلى الحدود؟. انتم مخطئون ياسادتي. ولننتظر قليلا. صبراً جميلا يا بغداد. وعهد العراقيين لكِ بالتحرير.


وإن غدا لناظره قريب.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٩ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور