ما هي .. ولماذا جبهة التحرير العربية ؟

 
 
 
شبكة المنصور
أعداد الرفيق ابو وديع / فلسطين - قطاع غزة

لقد انبثقت جبهة التحرير العربية اثر مبادرة أطلقها حزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمره القومي التاسع لإنشاء منظمة فدائية ذات طابع جبهوي وتركيب قومي وفكر ثوري ، استنادا الى تحليل علمي لواقع الأمة العربية وهي تواجه العدوان الصهيوني _ الاستعماري _ الرجعي الذي يستهدف وجودها :

 

فالكفاح الشعبي المسلح قد فرض نفسه كأسلوب وحيد قادر على تحقيق مواجهة جدية وحاسمة مع العدو ، وكمرحلة لابد منها للارتفاع بالأمة العربية الى مستوى حرب التحرير الشعبية الشاملة .

 

فهو أولا : الأسلوب الوحيد القادر على الاستفادة من التفوق العددي عند العربي ليضعه وجها لوجه أمام التفوق التكنولوجي عند العدو ، وهو الذي يظهر العدو على حقيقته كمجموعة عنصرية مصطنعة في بحر واسع من الجماهير المكافحة في سبيل حريتها وتقدمها وتحرير أرضها .

 

وهو ثانيا : الأسلوب الوحيد القادر على خلق الأجواء الثورية والمناخ الجدي الملائم لتفجير طاقات أبناء شعبنا العربي أمام التحدي الكبير المفروض عليهم ، وبالتالي يمكن هذه الأمة من اختصار الزمن في أجواء التضحية والكفاح والثورة .

 

وهو ثالثا : الأسلوب الوحيد القادر على أن يعيد القضية الى الشعب ، وأن يبعدها عن الوصاية التي فرضتها عليها الأنظمة العربية طيلة السنوات السابقة ، وحين تعود القضية الى الشعب ، وتتسلم الجماهير الكادحة زمام أمورها ، يصبح الاطمئنان على مصير القضية واردا ، والثقة بانتصارها كبيرة .

 

وهو رابعا : المعيار الوحيد لكشف جدية الحركات والأنظمة والإفراد ، إذ أمام التضحيات الكبيرة التي يتطلبها هذا الكفاح لن يصمد إلا المناضلون الحقيقيون ، ولن يتمكن من قيادة الجماهير إلا الحركات التي تثبت بتضحياتها وبطولاتها جدارتها بهذه القيادة .

 

وهو خامسا : الطريق الوحيد المؤهل لأن يخلق في الأمة مناخا ثوريا حقيقيا تسقط في أجوائه كل المؤسسات والطبقات المهتزئة العاجزة عن مواكبة حركة التغيير التي تفرضها ضرورات المواجهة ، وهو بالتالي النافذة العريضة التي تطل منها الجماهير الكادحة صاحبة المصلحة الا بقى والنفس الأطول في استمرار الثورة حتى .

 

أما الطابع الجبهوي لهذه المنظمة فقد فرضته حاجة الأمة الى تكتيل صفوفها وتجميع قواها وتحريك طاقاتها .

 

فلقد أثبتت هزيمة الخامس من حزيران عجز أية فئة بمفردها عن القيام بمتطلبات المواجهة الجدية مع العدو ، فلقد كانت جميع الفئات والقوى الوطنية أسيرة لتناقضاتها الثانوية ، واضعة إياها فوق التناقضات الرئيسية مع العدو ، عاجزة لسبب أو لأخر أن تتمكن أي واحدة منها أن تحرك كل الجماهير العربية وفي كل الأقطار لتواجه العدو .

 

ثم أن هذا الطابع الجبهوي هو الكفيل بوضع حد للتنافر والتنابذ والانقسام الذي ساد العلاقة بين القوى الوطنية طيلة سنوات ، وان يعيد هذه العلاقة الى أجواء التعاون والتساند والتعاضد لمواجهة العدو .

 

كما أن هذا الطابع الجبهوي هو وحده القادر على الاستفادة من جميع طاقات الأمة ، وعلى أفساح المجال أمام كل المواطنين للمشاركة الجدية في الكفاح ، نازعا من طريقهم معظم العقبات التي قد تعترض رغبتهم الصادقة في هذه المشاركة .

 

لهذا فبالرغم من أن جبهة التحرير العربية قد نشأت نتيجة مبادرة اتخذها حزب البعث العربي الاشتراكي ، فأنها مفتوحة بفكرها وتنظيمها وصيغتها الجبهوية الواسعة لكل فئة وطنية ولكل مناضل يختار طريق الكفاح الشعبي المسلح طريقا وحيدا للأمة لكي تجابه التحدي التاريخي المفروض عليها وترد الغزاة وتحرر الأرض والإنسان .

 

وإذا كان أسلوب الجبهة هو الكفاح الشعبي المسلح وطابعها هو الطابع الجبهوي ، فإن تركيبها أيضا يجب أن يكون تركيبا عربيا قوميا يضمن اشتراك الجماهير العربية في المعركة ويؤكد وحدة النضال العربي على ارض فلسطين .

 

فالمعركة هي معركة عربية ، ولذا يجب أن تكون أدائها عربية ..وتحرير فلسطين يرتبط ارتباطا دقيقا بالوحدة العربية ، ولذا يجب أن تكون أداة التحرير قادرة على أن تصنع الوحدة وهي تحرر فلسطين .

 

وتحرير فلسطين يحتاج الى طاقات الأمة العربية كاملة كي تستطيع مجابة التحالف الصهيوني الامبريالي والتفوق التكنولوجي .

 

ومن هنا كانت الجبهة تنظيما قوميا يضم مقاتلين عربا من جميع أطراف الوطن العربي ، عاهدوا أمتهم العربية على أن يعيدوا إليها فلسطينها ويجبلوا تراب الارض المقدسة بالدم العربي الثائر .

 

أن منظمة قومية جبهوية تعتمد أسلوب الكفاح المسلح لابد لها من ان تستنير بفكر ثوري يحدد لها معالم الطريق ويرسم لها مراحل النضال الطويل .

 

أن فكر جبهة التحرير العربية ، هو فكر الحركة العربية الثورية الذي تحرك مع بداية الأربعينات من هذا القرن ليدرك الترابط العضوي بين النضال القومي والنضال الاشتراكي والنضال التحرري وليرفض النظرة الجامدة المتحجرة التي تحاول الفصل بين هذه النضالات والعاجزة عن أدراك القوة التي يمنحها كل نضال للنضالات الأخرى .

 

ولهذا فأن جبهة التحرير العربية تؤمن بأن الكفاح الشعبي المسلح المؤهل لأن يمثل وجود الأمة العربية في فلسطين ، هو الكفاح الشعبي المسلح المتصف بصفات القومية والاشتراكية والديمقراطية .

 

أن قومية الكفاح الشعبي المسلح من شأنها أن تؤمن امتداد الوعي إلى كل أجزاء الأمة ، بالخطر على وجودها من الغزو الصهيوني والاستعماري والالتزام بالتصدي لهذا الخطر .

 

أن توجه العرب كوحدة نحو فلسطين يصنع الوحدة وهو يحرر فلسطين ، وبقدر ما تعيد الوحدة لفلسطين حريتها فإن فلسطين تعيد للعرب وحدتهم ، ان فلسطين هي طريق الوحدة والوحدة هي طريق فلسطين ، وكل محاولة للفصل بين الشعارين ووضع الواحد في وجه الأخر ، هي إضعاف لمعركة التحرير وإساءة إليها ، مثلما هي إضعاف للوحدة وإساءة إليها .

 

واشتراكية هذا الكفاح هي وحدها القادرة على توعية جماهير الشعب العربي الكادحة وتعبئتها تعبئة ثورية ورفع مستواها وتنظيمها وكفاءاتها ، عازلة بذلك كل الطبقات والمؤسسات والأنظمة المرتبطة تاريخيا بمصالح الاستعمار ووجوده السياسي والاقتصادي والمتضررة من الأجواء الثورية التي يولدها الكفاح المسلح في فلسطين والمهددة بالتساقط عند أية خطوة تغييريه تفرضها الحاجة إلى رفع مستوى المساندة لهذا الكفاح .

 

أن هذه الطبقات تتحرك ضد الثورة ، أما بالمجابهة المباشرة أو بالالتصاق بها وبتنظيماتها ، امتصاصا لجذريتها ومنعا لامتدادها ، وتعطيلا لمسيرتها الطويلة .

 

والاشتراكية هي الضمان لبقاء القيادة في يد الجماهير الكادحة صاحبة النفس الطويل والمصلحة الابقى , في إيصال هذا الكفاح الى مستوى الحرب الشعبية.

 

كما ان الصفة الاشتراكية والتقدمية لهذا الكفاح تضعف من فعالية الدعاية الصهيونية والاستعمارية في خداع الشعوب وتصوير إسرائيل كدولة يراد لها ان تكون ملجأ لشعب مضطهد وشعب راق متقدم , وتكشف الحقيقة العنصرية الاستعمارية لإسرائيل أمام كل ضمير حر في العالم بل ترفع عن اليهود أنفسهم سيطرة الحركة الصهيونية وتظهر لهم حقيقة القضية العربية وعدالتها.

 

وديمقراطية هذا الكفاح تمكن فيه الصلة بعقل الشعب وروحه وتحميه من أمراض الوصاية والغرور والانفراد , ومن مخاطر الانحراف والتحلل من المبادئ والقيم الثورية ومن التحجر البيروقراطي والتضخم في المؤسسات , وتمده بروح من السلامة والصراحة في علاقة القيادات بالقواعد وتخلق لكل فرد مكانا في المعركة يؤدي واجبه كاملا ويطلق طاقته.

 

والفكر الثوري الذي تلتزم به الجبهة هو بالضرورة فكر علمي يؤمن بالعلم إيمانا كاملا لا بل يعتبر ان امتنا امتحان لإدراكها لقدرة العلم وضرورته لأي كفاح ثوري ويضعها أمام تحدي جعل العلم في خدمة الثورة ورفع الثورة في فكرها وتنظيمها وتخطيطها وأدوات عملها الى المستوى العلمي والفني والتقني النامي باستمرار , وبلوغ هذا المستوى والتطلع إليه هو إمارة أساسية لصدق أي منظمة عربية ثورية مع نفسها ومهمتها.

 

ان الإيمان بقدرة الجبهة الفدائية الأسلوب العربية التركيب الثورية التفكير والعملية المنهج إيمان كبير.. وهو محرك جبهة التحرير العربية باستمرار الى الأمام .

 

 

لماذا

جبهة التحرير العربية ؟

 

 

إن الإجابة على هذا يتطلب في الحقيقة الإجابة على سؤالين يتفرعان عنه : 

لماذا يجب أن تكون أداة التحرير جبهة ؟ 

ولماذا يجب أن تكون هذه الجبهة عربية ؟

 

إذ أن التحرير بما يعنيه من إحقاق للحق ، وإعادة الارض لأصحابها ، وطرد للغاصب والمستعمر لم يعد بحاجة إلى نقاش أو تفسير ، بل أصبح أملا راسخا في مخاطر كل عربي ، وهدفا حيا تناََََضل من أجل تحقيقه كل الجماهير العربية ، لا بل أصبح التحرير مقياسا نعتمده في حياتنا ، ومحكا نمتحن على ضوئه جدية الأنظمة والحركات والتنظيمات وإخلاصها .

 

ومن هنا بات من الضروري أن نحصر نقاشنا حول السؤالين التاليين : لماذا جبهة ؟ ولماذا جبهة عربية ؟.

 

والإجابة على السؤال الأول ، كالإجابة على السؤال الثاني ، تحتاج إلى تحليل دقيق لواقع الأمة الراهن ، ومقدرتها ، ولحاجة المعركة المصيرية التي تخوضها .

 

فواقع الأمة المجزأة إلى أقطار ، المفتتة ضمن حركات وتنظيمات مختلفة ، واقع صارخ لا يحتاج إلى أثبات ، ولقد تجلت عيوب هذا الواقع أكثر ما تجلت صبيحة الخامس من حزيران حين استفاقت الأمة وسط تجزؤها وتفتت قواها ، وتشرذم أبنائها ، لتجد الهزيمة قد نفذت إليها بسرعة لا تصدق ، ولتجد العدو خلال فترة قصيرة جدا يحتل أراض جديدة تفوق الأراضي المحتلة سابقا وبإضعاف ، وبوجه هذا الواقع ، يقف العدو موحدا ، تتحالف كل تنظيماته في الوقت المناسب وتنتظم كل قواه حين تدعو الحاجة ، كما تقف وراء العدو ، حركة صهيونية عالمية واسعة الامتداد شديدة التأثير .. واستعمار عالمي كان يتقاسم إلى وقت قريب العالم كله بخيراته وثرواته وإمكانياته ، ورجعية داخلية تجد في ارتباطها بأعداء الأمة حماية لها من نقمة الجماهير وثورتها .

 

إن هذا التناقض الواضح بين واقعنا وواقع عدونا يجعل معركة المصير التي نخوضها بأشد الحاجة لكل طاقة نملكها ، ولكل تضحية نقدمها ، ولكل مستوى من النضال نقدر عليه ، ومن هنا كانت الحاجة إلى جبهة باعتبارها الإطار الأقدر على تجميع القوى المفتتة ، وتحريك الطاقات المهدورة ، والاستفادة من مستويات النضال المختلفة .

 

فالجبهة بكونها صيغة لتحالف يضم أكثر من فئة ، أو طبقة ، هي إقرار صريح بعجز أي فئة بمفردها ، بأن تقوم بمهام ومتطلبات المعركة بشكل يؤدي بها إلى النصر ، وبالفعل هذا هو واقع كافة الفئات السياسية ، والطبقات الاجتماعية ، التي استفاقت جميعها صبيحة الهزيمة لتجد نفسها لسبب أو لأخر عاجزة وحدها عن تحقيق مهام المواجهة الكاملة .

 

كما أن الجبهة بصفتها إطارا واسعا للقاء الجماهير الكادحة المرتبطة بالثورة حول تحقيق هدف محدد واضح هو التحرير ، تصبح الصيغة الأقدر على أن تفسح مجالا لكل فرد من أبناء هذه الأمة كي يقوم بتقديم ما لديه في المعركة وأن يكون هذا التقديم أمرا منتظما مستمرا يؤدي تراكمه إلى تحقيق النتائج الايجابية .

 

وإذا كانت الجبهة صيغة فرضتها كل حروب التحرير التي خاضتها الأمم نظرا لما تستطيع أن تحشد من طاقات ، وتوفر من إمكانيات ، فان للجبهة في امتنا العربية ، وفي ظروف مواجهتها المصيرية مع أعدائها ، ضرورات أخرى نابعة من طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين القوى الوطنية والتقدمية قبل الخامس من حزيران والتي كانت مطبوعة بطابع التنابذ والتنافر والانقسام الذي دفعت ثمنه الأمة العربية غاليا .

 

إن هذه العلاقة السلبية التي كانت تقوم بين قوى الثورة العربية ، قد رفضتها الجماهير العربية بقسوة ، من ضمن ما رفضته بعد أن بدأت تستفيق من صدمة الهزيمة ، وأصبحت صيغة اللقاء الجبهوي بين هذه القوى ضرورة وطنية وقومية تطالب بها الجماهير كل يوم ، كما تناضل في سبيل تحقيقها كل القوى الشريفة الواعية .

 

ومن هنا كان للجبهة أهمية خاصة لا تنبثق فقط من حاجات معركة التحرير ، وإنما تفرضها أيضا ظروف الانقسام القاسية التي عاشتها الأمة العربية في السنوات السابقة لهزيمتها في حزيران 1967 .

 

ولننتقل الآن للإجابة على السؤال الأخر ، لماذا يجب ان تكون هذه الجبهة عربية .

 

إن نظرة سريعة إلى تاريخ حركات التحرير في الوطن العربي تجعلنا نلاحظ بكل وضوح كيف أن القوى المعادية لهذا التحرير كانت تلجأ دائما لدى يأسها من إمكانية المواجهة المباشرة الى أسلوب حصر هذه الحركات في نطاق أقطارها لأنها تدرك أن هذا الأسلوب هو الأكثر قدرة على أفراغ هذه الحركات من مضمونها الثوري الحقيقي وتحويلها الى حركات تحرر شكلية أكثر طواعية لهذه القوى ، وأضعف قدرة على الرفض الجذري لمنطقها وعروضها ، كما أن حصر هذه الحركات في نطاقها القطري يمنعها من التفاعل والتأثير المتبادل مع حركات التحرير في الأقطار الأخرى بكل ما يحمله هذا التفاعل والامتداد من غنى ودعم لحركة التحرر العربية الشاملة .

 

إن هذا الأسلوب ليس إلا تطويرا للأسلوب الاستعماري المعروف القديم ( فرق تسد ) .

 

وإذا كانت القطرية تشل أية حركة تحررية في أي قطر عربي بشكل عام ، فأنها على وجه الخصوص أقدر ما تكون على تشل الحركة التي تستهدف تحرير فلسطين .

 

فقضية فلسطين بالحقيقة ليست مجرد قضية قطر عربي ، بل هل بطبيعتها وتفاعلاتها قلب القضية العربية الذي تتجسد فيه وبشكل صارخ كافة التحديات التي تواجه الأمة العربية ، كما تتمثل في فلسطين أعلى مراكز المواجهة وأهمها بين الأمة العربية وأعدائها الاستعماريين والصهاينة والرجعيين ...

 

فمعركة تحرير فلسطين هي معركة ، عربية الطابع ،عربية المنطق ،عربية المحتوى ،عربية المصير .

 

فهي معركة بين حركة التحرير العربية من جهة ، وبين الاستعمار والصهيونية والرجعية من جهة أخرى .

 

وهي معركة الأمة العربية في دفاعها عن وجودها ، ووحدتها ، ونهضتها ، ضد القوى التي اختارت فلسطين منطلقا لتوسعها على حساب الوجود العربي ، وحاجزا يعيق قيام وحدة الأمة العربية ، وجسرا تعبر فوقه مصالحها على حساب نهضة الأمة ونموها وتقدمها .

 

وهي معركة تحتاج ، نظرا لما تحشد فيها إسرائيل من إمكانيات الحركة الصهيونية العالمية ، ونفوذ الاستعمار وخيانة الرجعية ، الى حشد هائل بالمقابل يكون مداد الأمة العربية ، ومادته الجماهير العربية ، وإمكانياته الخيرات والطاقات العربية كلها .

 

وهي معركة لم يشأ العدو ذاته أن يحصرها في قطر واحد ، بل أمتد بعد الخامس من حزيران ليحتل أراض سورية ومصرية بالاضافة إلى أرض فلسطين ، كما أخذ يهدد باحتلال أراض جديدة قد تكون هذه المرة على حساب الأردن أو لبنان أو العراق ... وهكذا لم يعد الخيار متروكا ، أن تكون المعركة عربية أو لا تكون ، بل لقد فرض العدو عروبتها ، ويفرضها كل يوم عبر ممارساته واعتداءاته وتصريحاته .

 

وإذا كانت تلك المعركة عربية أولا وأخيرا ... فهل يعقل بأن تخاض بغير أداة عربية ، بغير تنظيم قومي يعبئ المقاتلين العرب في كل أقطار الوطن العربي ؟

 

إن هذه الأداة العربية هي وحدها التي تستطيع أن تحشد كافة إمكانيات الأمة وتستنفر كل طاقاتها وتتوجه بها إلى الجزء الأكثر تعرضا وتحسسا بالألم من أجزائها .. إلى فلسطين ...

 

وهذه الأداة هي وحدها القادرة على أن تجعل من الملايين العربية المائة قوة حقيقية على طريق التحرير .

 

وهي أيضا الوحيدة القادرة على أن تجسد وحدة النضال العربي على أرض فلسطين بكل ما في هذه الوحدة من منابع القوة والقدرة ، وبما تحمله من إمكانية التطور نحو الوحدة العربية الحقيقية .

 

وهي وحدها القادرة بتركيبها العربي القومي على أن تمحو في لهيب المعركة والى الأبد الفروق القطرية والإقليمية التي تحاول قوى الاستعمار والصهيونية منذ قرون أن تغذيها وتقويها لتحيل الوطن العربي الى مجموعة من الكيانات الهزيلة العاجزة عن المواجهة الجدية مع تلك القوى ، والأميل بطبيعتها إلى المساومة والتفريط .

 

وهذه الأداة بحكم امتداد جذورها في الارض العربية كلها ، هي وحدها القادرة على أن تكون طليعة فعلية لحرب تحرير شاملة للوطن العربي كله وتتكون مادتها من الجماهير العربية كلها ، تلك الحرب التي هي في أساس انتصارنا ومواجهة التفوق التكنولوجي والعلمي للعدو علينا ،.

 

كما أن هذه الأداة هي وحدها القادرة على أن تعطي تلك الحرب ، صورتها الحقيقية كمد عربي واسع جارف يصادم مجموعة عنصرية مصطنعة ومجاوبة من أطراف العالم ، وقواعد استعمارية عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية مزروعة زرعا في الارض العربية ، وهل يعقل أن تكون حرب بهذا المستوى غير الحرب التي يكون مجالها الساحة العربية كلها ، وجندها الجماهير العربية الكادحة الفقيرة .

 

إن هذه الأداة العربية الشعبية ليست في حقيقتها سوى تعبير عن يأس الجماهير العربية من قدرة الأنظمة العربية على توحيدها وتوحيد نضالها وكفاحها ، لا بل وتشكيك في نوايا هذه الأنظمة ، تماما كما كان العمل الفدائي الفلسطيني في أول انطلاقه تعبيرا عن يأس الجماهير من قدرة الأنظمة العربية على مجابهة العدو ومصادمته ، لا بل وتشكيك بنواياها وجديتها في ذلك المجال .

 

وهذه الأداة العربية الشعبية بفتحها الأبواب واسعة أمام الشعب العربي ليتوحد حتى يكون قتاله أشد إيلاما في العدو وأكثر فعالية في مواجهته ، تتشابه مع العمل الفدائي الفلسطيني الذي فتح الأبواب أمام الجماهير لتحمل السلاح بيدها وتقاتل دفاعا عن أرضها .

 

وهذه الأداة في الأمرين هي تطوير لأدوات المقاومة وإكمال للمسيرة البطولية التي شقها رواد العمل الفدائي قبل سنوات .

 

إن الترابط العضوي بين تحرير فلسطين والوحدة العربية قد أدركته الجماهير العربية منذ زمن طويل حين رفعت شعارات مثل : فلسطين طريق الوحدة ، والوحدة طريق فلسطين .

 

وأن أشد ما يخشاه الصهاينة والاستعماريون هو أن يترجم هذا الترابط الى عمل يومي ، وإلى جهد دؤوب منظم ، لان في مثل هذا تكمن أمكانية الانتصار العربي ليس فقط على إسرائيل وإنما على كافة عوامل الاستغلال والاستثمار والتخلف .

 

وأن أوضح ترجمة لهذا الترابط هو أن تقوم جبهة عربية التركيب ، عربية النظرة ، عربية الامتداد ، من أجل تحرير فلسطين ، إذ أن هذه الجبهة حين تأتي بالمقاتلين العرب من أطراف الوطن العربي الكبير ليقاتلوا على أرض فلسطين ، إنما تكون بذلك نواة الوحدة العربية على الارض التي أراد لها أعداء الأمة أن تكون حاجزا بوجه الوحدة العربية ، وعلى التراب الذي تنمو فوقه واحدة من أعظم التجارب الثورية في العالم زخما وعمقا وقوة .

 

وقيام جبهة عربية لتحرير فلسطين يقضي وإلى الأبد على الطرح الجامد الذي يسأل : أيهما قبل الأخر ، الوحدة أم تحرير فلسطين ... إذ أن مثل هذه الجبهة " تصنع الوحدة وهي تحرر فلسطين " .

 

(( البيان السياسي لجبهة التحرير العربية  الصادر من عمان بتاريخ 30/8/1969 ))


لقد أيقظت هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) أمتنا على أنها كادت ، في غمرة الانهماك في معالجة مشاكلها وأمراضها الذاتية ، أن تنسى العدو الذي كان في عام 1948 سبب تنبهها إلى هذه المشاكل والأمراض.


وأوجد الخامس من حزيران (يونيو) جوا من الموضوعية والنقد الذاتي ، ورفع عن الحياة العربية ضغوط الصيغ القديمة من التعصب الفئوي ، والتزمت الحزبي ، واحتكار الحقيقة ، والاستئثار، والتنافر بين الأنظمة الثورية ، وأفسح المجال للمراجعة وإعادة النظر في المفاهيم والمؤسسات ، وهذا الجو أكثر ما يكون ملائمة لحاجة العمل الفدائي وروحه وطبيعته ، حيث ينتفي كل استئثار وكل انفراد وكل ضيق وكل تنابذ.

 

فأمام الاستعمار العالمي والصهيونية والرجعية ، تقف الأمة العربية مهددة في وجودها ، لا تجد طريقا للخلاص إلا تضافر القوى الثورية وتجنيد طاقات الأمة كاملة في المعركة.


إن عامين انقضيا على الهزيمة قد أكدا حاجة العمل الفدائي إلى وثبة جديدة تكمل المسيرة المجيدة التي أختطها أبطال هذه الأمة حين اختاروا طريق الكفاح المسلح ، وتجعل العمل الفدائي أقوى وأمنع في وجه خطر التطويق والمحاصرة الذي تتعرض له الثورة العربية في فلسطين.


إن هذا الخطر يتجسد ، بصورة خاصة ، في محاولة حصر الثورة في نطاقها القطري ، وقطع شريان الحياة الذي يصلها بمنابع القوة والقدرة والكفاءة في جماهير الثورة العربية تطلعا إلى اليوم الذي يصبح فيه بالإمكان ضرب الثورة في فلسطين.

 

تضخيم القدرة الفلسطينية:


لقد استفادت القوى المعادية المتآمرة من حاجة العمل الفدائي الماسة ، وخصوصا في منطلقه ، إلى تأكيد الشخصية الفلسطينية انتزاعا للإرادة الشعبية من وصاية الأنظمة ، وإبرازا  لصورة الحق الضائع والشعب المشرد في فلسطين ، كي تتظاهر بموالاة هذه الشخصية والاعتراف بها ، بل ومساعدتها عمليا على الظهور،  وقصدها إعطاء هذه الشخصية طابعا منعزلا عن الشخصية العربية ، بل ومتنافرا معها حيث يمكنها ذلك وهي تزين للعمل الفدائي إمكانية التحول إلى نظام آخر بين مجموعة الأنظمة العربية ، تتمثل فيه هذه الشخصية بأكمل صوره.


إن هذه القوى تضخم مرحليا من قدرة الشخصية الفلسطينية المنفصلة عن الشخصية العربية على القتال والصمود والتحرير الكامل ، لتصل في النهاية إلى غايتها في دعوة الفلسطينيين إلى التخلي عن القتال والصمود والتحرير الكامل ، بحجة عدم قدرتهم وحدهم على ذلك.


وهكذا تكون هذه القوى قد نقلت أبناء فلسطين من الأمل إلى اليأس غير المبرر.


وقد استفادت القوى المعادية أيضًا من تخلف الحركات العربية الثورية عن تلبية الحاجة للمباشرة الفعلية بالعمل الشعبي المسلح في فلسطين ، لتصور الثورة العربية بصورة التخلي عن قضية فلسطين ، لتقول بأن المرحلة السابقة كانت مفرطة بفلسطين لأنها كانت مرحلة الثورة العربية ، بينما الحقيقة هي أن المرحلة السابقة لم تكن مرحلة الثورة العربية ، بدليل أنها لم تكن قد وصلت إلى صورتها الصحيحة في حمل الجماهير العربية للسلاح ، وإذا كان حمل السلاح قد كان واردا جزئيا ومؤقتا بالنسبة إلى هذه الثورة ، فإنها لم تكن تنظر إليه كقانون دائم للثورة وطابع ملازم له.


الارتباط بالوحدة العربية:


ومنذ أن انطلق العمل الفدائي ، وهو هدف لمحاولة تشترك فيها جهات عديدة ترمي إلى منع الثورة في فلسطين من الارتباط العلني والصريح والمبدئي بالوحدة العربية.


إن الأعداء يعرفون الخطر على مصالحهم في إعلان وتوكيد مبدأ الارتباط بين تحرير فلسطين والوحدة العربية ، لأنهم يقدرون حيوية هذا المبدأ وتجاوبه مع الواقع العربي ومع استعداد الجماهير العربية في كل قطر ، لذلك فهم مستعدون لتقديم التنازلات وأحيانا المعونات من أجل الوقوف في وجه هذا الارتباط.

 

إنهم فعلوا ذلك مع كل ثورة عربية في كل قطر، وهم اليوم يكررون الشيء نفسه مع ثورة فلسطين.


إن هذه الجهات لا تقتصر على الدول الاستعمارية التي يريحها طرح كل قضية عربية على أنها قضية قطر، وتصر بنوع خاص على عدم الاعتراف بوجود أي علاقة لقضية فلسطين مع الأمة العربية ووجودها ووحدتها ونهضتها.، بل تشمل أيضًا معظم الحركات اليسارية التقليدية الغربية غير الشيوعية والأنظمة الرجعية العربية ، ولم تنجح من أثرها بعض الفئات اليسارية القطرية في الوطن العربي.


فالحركات اليسارية الغربية التقليدية كانت تتسابق في تأييد ثورة الجزائر بشرط واحد هو أن تبقى جزائرية ، وبعضها اليوم يشترط الشرط نفسه في تأييد العمل الفدائي ، وتفسير هذا الموقف أن الحركات ما تزال تحت تأثير النفوذ الصهيوني داخلها الذي لا يتسامح أبدا في أي مساندة تعطي لعمل عربي ذي طبيعة قومية ، كما أنها غير مقطوعة الصلة تماما بالمصالح الاستعمارية ، فهي تستطيع أن تتخذ موقف معارضة لأشكال معينة من الاستعمار، ولكنها لا تستطيع المضي إلى آخر الطريق في مقاومة كل أشكال الاستغلال والنفوذ الاستعماريين اللذين تشكل الوحدة العربية قضاء مبرما عليهم.


وكان هذا دوما منطق الجامعة العربية والأنظمة العربية الرجعية ، سواء بالنسبة لقضية فلسطين أو بالنسبة لأي ثورة عربية ، وقد تجلى هذا المنطق ، وما يزال ، بالتمسك بمبدأ السيادة داخل كل قطر، وبرفض الاعتراف بعلاقة الغزو الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل بالأوضاع الداخلية للأقطار العربية ، وبارتباطات الأنظمة الرجعية مع الاستعمار.


كانت هذه الأنظمة ترفض ، مثلا ، استخدام سلاح البترول للضغط على الدول الاستعمارية ، وإلغاء المعاهدات والقواعد الأجنبية في بعض الأقطار كجزء من عملية المواجهة العربية لإسرائيل.


وهكذا ، تبقى مساهمة الدول العربية في تحرير فلسطين في مستوى المعونات والهبات والتبرع ، مما يعني مسخا لحجم المشكلة وتجاهلا لعمقها وإنكارا لواقعها الصارخ غير المجهول بأنها غزو صهيوني استعماري.


إن الأنظمة العربية ، كما كانت دائمًا ، لا تريد أن تترك الثورة العربية في فلسطين تصل إليها وإلى أوضاعها الاجتماعية والسياسية ، وهي لذلك تستخدم حصر القضية بالفلسطينيين كأسلوب رشوة ترد به عن نفسها تفاعلات هذه الثورة.


ولا تختلف بعض الأنظمة العربية التقدمية وبعض الحركات اليسارية في الوطن العربي عن الأنظمة الرجعية ، من حيث منطقها في قضية فلسطين إلا بالكم والدرجة وليس بالنوع ، وهي تبني يساريتها الزائفة ، بل تطرفها في هذه اليسارية ، على سكوتها المشبوه والمتآمر عن هذا الارتباط العضوي بين قضية فلسطين وبين الوحدة ، وتسليمها بواقع التجزئة والعمل القطري هو التعبير عن هذا السكوت.


ولقاء الرضي والتقدير والدعاية في الأوساط العربية والدولية ، تطالب هذه الجهات جميعها العمل الفدائي بتجاهل الارتباط العضوي بين تحرير فلسطين وحركة الثورة العربية ، والاكتفاء بطرح المسألة على نطاق المعونة والنخوة والنجدة الأخوية.


إن المطلوب تكرار تجربته اليوم ، قد جربه العرب خلال خمسين عاما ، فمنذ يوم وعد بلفور، ومن الثورة الفلسطينية المتعاقبة ، وحرب عام 1948، وسلسلة الأحداث التي أوصلت إلى قيام دولة إسرائيل ، اتضح عجز الثورات التي بقيت محاصرة ومخنوقة.


حرب التحرير الشعبية:


إن الرد العربي على الغزو الصهيوني الاستعماري الذي يحمل المناعة في وجه تآمر القوى المعادية لفك العمل الفدائي عن الثورة العربية هو في رفع كل مستويات الثورة العربية ونواحيها لتتجمع وتتركز وتتلخص في الكفاح الشعبي المسلح صعودا به نحو تحقيق حرب التحرير الشعبية.


إن حرب التحرير الشعبية لا تكون قد انطلقت فعلا واستحقت هذا الاسم ، إلا عندما تأخذ المقاومة العربية حجمها الشعبي الضخم ، واضعة ثقل التفوق العددي عند العرب ، في وجه التفوق التكنولوجي الاستعماري والصهيوني ، آخذة صورتها الحقيقية كمد عربي واسع وجارف يصادم مجموعة عنصرية مصطنعة ومجلوبة من أطراف العالم ، وقواعد استعمارية عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية مزروعة زرعا في الأرض العربية ، مستخدمة كل الإمكانات والطاقات والوسائل الهائلة التي يمتلكها الشعب العربي كله.


إن مهمة الحرب الشعبية أن تجند الشعب العربي كله ، عن طوع وحرية ، وتدخل كل عربي في المعركة جنبا إلى جنب مع الجيوش العربية التي هي في تكوينها شعبية وكادحة ، وفي روحها باسلة ومؤمنة ، انطلاقا من أن هذه المعركة تحتاج إلى اشتراك كل عربي فيه.


إن حرب التحرير العربية ، وهي تشكل تيار الكفاح المقدس ضد وجود العدو الاستعماري الصهيوني ومصالحه حيث كانت على طول امتداد الوطن العربي، تشكل إحدى الجبهات العالمية الأساسية في مقارعة الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وتبني الأساس الراسخ لمجتمع إنساني تسود فيه الحرية والسلام وينتفي فيه كل شكل من أشكال الاستغلال.


لقد قصرت الحركة العربية الثورية في بناءً الثورة العربية ، لأنها لم تعط هذه الثورة صورة الكفاح الشعبي المسلح ، وسيبقى الكفاح الشعبي المسلح مقصرا عن الوصول إلى مستوى حرب التحرير الشعبية إذا لم يتصل بمبادئ العقيدة العربية الثورية.


القومية والاشتراكية والديمقراطية:


إن العمل الفدائي المؤهل لأن يمثل وجود الأمة العربية الكامل في فلسطين ، هذا الوجود الكامل الذي لا غنى عنه في تحقيق التكافؤ مع القوى الهائلة التي يضعها الاستعمار والصهيونية والرجعية في المعركة ، هو الكفاح الشعبي المسلح المتصف بصفات القومية والاشتراكية والديمقراطية.


إن قومية الكفاح الشعبي المسلح من شأنها أن تؤمن امتداد الوعي إلى كل أجزاء الأمة بالخطر على وجودها من الغزو الصهيوني والاستعماري والالتزام بالتصدي لهذا الخطر.


إن توجه العرب نحو فلسطين يصنع الوحدة وهو يحرر فلسطين ، وبقدر ما تعيد الوحدة لفلسطين حريتها ، فإن فلسطين تعيد للعرب وحدتهم.

 

 إن فلسطين هي طريق الوحدة والوحدة هي طريق فلسطين ، وكل محاولة للفصل بين الشعارين ووضع الواحد في وجه الآخر هي أضعاف لمعركة التحرير وإساءة إليها مثلما هي أضعاف للوحدة وإساءة إليه.


وبعد اليوم لن يقبل الشعب العربي وحدة إلا إذا كانت متوجهة منذ البدء نحو التحرير، ولن تقوم وحدة إلا على يد الجماهير المتوجهة نحو فلسطين .

 

كما أن الشعب لن يصدق بقدرة جبهة على التحرير، إلا إذا سارت إليه بقوة الوجود العربي كله ، أي بقوة الوجود العربي كله , أي بقوة الرابطة القومية المجسدة بأداة قومية وبتنظيم يضم مقاتلي الوطن العربي كله.


واشتراكية هذا الكفاح هي وحدها القادرة على توعية جماهير الشعب العربي الكادحة ، وتعبئتها تعبئة ثورية ، ورفع مستواها وتنظيمها وكفاءاتها ، عازلة بذلك كل الطبقات والمؤسسات والأنظمة المرتبطة تاريخيا بمصالح الاستعمار ووجوده السياسي والاقتصادي ، والمتضررة من الأجواء الثورية التي يولدها الكفاح المسلح في فلسطين المهددة بالتساقط عند أية خطوة تغييريه تفرضها الحاجة إلى رفع مستوى المساندة لهذا الكفاح.


إن هذه الطبقات تتحرك ضد الثورة إما بالمجابهة المباشرة أو بالالتصاق بها وبتنظيماتها ، امتصاصا لجذريتها ، ومنعا لامتدادها ، وتعطيلا لمسيرتها الطويلة .

 

والاشتراكية هي الضمان لبقاء القيادة في يد الجماهير الكادحة صاحبة النفس الأطول والمصلحة الأبقى في إيصال هذا الكفاح إلى مستوى الحرب الشعبية.


كما أن الصفة الاشتراكية والتقدمية لهذا الكفاح تضعف من فعالية الدعاية الصهيونية والاستعمارية في خداع الشعوب وتصوير إسرائيل كدولة يراد لها أن تكون ملجأ لشعب مضطهد وشعب راق متقدم ، وتكشف الحقيقة العنصرية الاستعمارية لإسرائيل أمام كل ضمير حر في العالم ، بل ترفع عن اليهود أنفسهم سيطرة الحركة الصهيونية ، وتظهر لهم حقيقة القضية العربية وعدالته.


وديمقراطية هذا الكفاح تكمن فيه الصلة بعقل الشعب وروحه ، وتحميه من أمراض الوصاية والغرور والانفراد ، ومن مخاطر الانحراف والتحلل من المبادئ والقيم الثورية ومن التحجر البيروقراطي والتضخم في المؤسسات ، وتمده بروح من السلامة والصراحة في علاقة القيادات بالقواعد ، وتخلق لكل فرد مكانا في المعركة يؤدي فيه واجبه كاملا ويطلق طاقاته.


جبهة التحرير العربية:


إن النبض الثوري الذي تنتفض به روح أمتنا منذ الخامس من حزيران (يونيو) إذ يشد الأمة إلى جرحها الكبير في فلسطين ، ويجعل من المجابهة المسلحة للعدو المحك الصادق لجدية الإنسان العربي في ارتباطه بوطنه وفي إخلاصه للقيم والمثل ، لا يمتحنها في قدرتها على الفداء فحسب ، وإنما يمتحنها في إدراكها لقدرة العلم وضرورته لأي كفاح ثوري ، ويضعها أمام تحدي جعل العلم في خدمة الثورة ، ورفع الثورة في فكرها وتنظيمها وتخطيطها وأدوات عملها إلى المستوى العلمي والفني التقني القادر والنامي باستمرار وبلوغ هذا المستوى والتطلع إليه هو أمارة أساسية لصدق أي أنظمة ثورية مع نفسها ومهمته.


إن قوة جديدة تدخل اليوم ساحة الفداء باسم جبهة التحرير العربية ، تشق أمام الثورة دربا جديدا تخوضها تحت راية العقيدة العربية الثورية وبتنظيم قومي يضم مقاتلين عربا ، من جميع أطراف الوطن العربي ، عاهدوا أمتهم الخالدة على أن يعيدوا إليها فلسطينها ويجبلوا تراب الأرض المقدسة بالدم العربي الثائر.


إن جبهة التحرير العربية هي مفتوحة ، بفكرها وتنظيمها وصيغتها الجبهوية الواسعة ، لكل فئة وطنية ولكل مناضل يختار طريق الكفاح الشعبي المسلح طريقا وحيدا للأمة لكي تجابه التحدي التاريخي المفروض عليها وترد الغزاة وتحرر الأرض والإنسان .

 

 

ملاحظة : كان لابد من نشر ( ما هي ولماذا الجبهة وبيانها السياسي الرئيس الذي صدر عنها ، ليتمكن رفاقنا الأشاوس وكل الأحرار في العالم وشرفاء وثوار امتنا العربية وحركات التحرر وقوى العمل الوطني الفلسطيني من الاطلاع ومعرفة ما ورد من ثوابت فكرية وسياسية وثورية وكفاحية الذي لن يتغير أبدا لأي ظرف أو عوامل ، الأمر الذي نعتقد بأنه هام جدا على صعيد وضوح وثبات ونضوج الرؤية الفكرية والقاعدة المبدئية الثورية للجبهة من الصراع العربي الصهيوني وتبنيها لوحدة المصير والهدف والكفاح المسلح الشعبي طريقا وحيدا لتحرير فلسطين والتي أداته الطبيعية الجماهير العربية الكادحة .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٠٧ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور