لماذا بقى صدام أقوى من كل اعداءه ؟

 
 
 
شبكة المنصور
عادل الجوجري - رئيس تحرير الانوار  - القاهرة
اجعلني يا الله فريسة الأسد قبل أن تجعل الأرنب فريستي ( جبران خليل جبران )


مرت السنون بسرعة منذ جاء الاحتلال الاميركي الغاشم الى أرض الرافدين مدعوما بحكام عرب ملعونين الى يوم الدين ،وجاء على ظهر دباباتهم خونة يحملون جوازات سفر متنوعة الالوان والاسماء ليس بينها جواز سفر عراقي واحد،فالعراقي الحر لايقبل أبدا أن تحتل بلاده ،وان تهان نساؤه وأن يتجول كلب اميركي مسلح في شوارعه،العراقي الحر عارض نظام الرئيس صدام حسين بكل شجاعة ،وهذا حقه بل من واجبه ان يقول الرأي الآخر،وأن يقول كل ماعنده ويتحمل التضحية سواء بالسجن أو بغيره،فنحن في بلاد العرب ولسنا في السويد،نعارض ونناطح وندخل السجن ونتعب في توفير قوت اولادنا لكننا في المقابل نحظى باحترام الناس حتى خصومنا السياسين،


ولي اصدقاء اعزاء ظلوا يعارضون سلطة حزب البعث، لكنهم التفوا حول القائدة صدام حسين ،وتحالفوا مع شعبهم يقاتلون ضد الغازي الاجنبي الذي لم يكن يريد صداما بقدر ماكان يريد العراق الدور والمكانة والامكانات.


لقد مرت السنون وبتنا في حاجة الى تأمل هادئ لماجرى من احداث دامية في ارض الرافدين،وفي30 ديسمبر/ كانون الاول الجاري تكون ثلاث سنوات قد مرت على الإعدام/ الاغتيال للرئيس العراقي صدام حسين، ذلك الحدث الجلل الذي رغم خطورته لم يمكن الاحتلال من الاستقرار بل ازدادت المقاومة ضراوة ،وتنوعت اشكالها وضمت من كل طوائف الشعب العراقي الاشم رجال ونساء ،انخرطوا في تنظيمات المقاومة وهي انبل ظاهرة عربية في الالفية الثالثة ،وقد استعرت التعبير من زعيمي جمال عبد الناصر وهو يصف المقاومة الفلسطينية.


ولم يفلح عملاء الاحتلال في فرض الاستقرار وانعاش الاستثمار، وبعد ستة أعوام من الغزو لازال الشعب العراقي يئن تحت وطأة العنف الذي تديره عصابات على علاقة بالحبل السري للميلشيات التي تقود بغداد ،وتتحكم في دهوك والبصرة وغيرها.


ولاشك عندي كقومي عربي ان نظام الرئيس صدام كان شوكة في حلق العدو الامريكي الصهيوني، ولو كان قد ساير اميركا و"اسرائيل " في مخططاتهما كما يفعل معظم الحكام العرب لكان مدللا ومحميا من الاستخبارات الاميركية وربما الموساد وليس سرا ان بعض الحكام العرب يحميهم صهاينة،وان كانوا يحملون جوازات سفر بريطانية واميركية.


،ومن حق المواطن العراقي ان يبدي تحفظه على ذلك حكم الرئيس صدام حسين بسبب مايراه البعض غيابا للديمقراطية او ممارسة السلطة لاشكال متنوعة من العنف ضد المعارضة، وهذا أمر نتفق على معارضته .


لكن لايختلف أحد حتى بين أشد اعداء القومية العربية على ان عراق صدام كان عراق العروبة والعزة والكرامة،وهو العراق الذي دعم الشعب الفلسطيني بكل قوة ودعم المقاومة بدون تردد وانفق مليارات الدولارات لتعويض أسر الشهداء واصحاب المنازل التي هدمها الاحتلال ولولا تآمر العرب على العراق ماحصلت الجريمة الكبرى في عام 1991 و2003.


كان صدام حسين راديكاليا فذا في رفض كل مخططات التسوية مع العدو الصهيوني،وكان واضحا شفافا في رفض الاعتراف الكيان الصهيوني مهما كانت النتائج ،علما بأنه لو كان اعترف بالعدو لكان اليوم يحكم العراق كما يريد مثلما يحكم حسني مبارك وأولاده مصر بالطول والعرض.


لقد اتيحت له كل الفرص لكي يخرج هو واسرته ومريديه من بغداد قبل الغزو ،ووفرت الامارات له كل سبل الراحة ،لكنه ومن معه من قادة رفضوا ذلك العرض بقوة ،واثروا البقاء في بلادهم حتى الرمق الاخير.


ان صدام حسين نموذج في الشجاعة والاخلاص لوطنه،ومهما قيل عنه سيبقى في ضمير الامة رجلا عربيا أشم رفض ان يسلم بلاده للغازي الاجنبي وقاوم بكل شرف ،واستشهد ابناه وحفيده في معركة يمكن وصفها ب"القتل" العمد،فقد اراد الاحتلال واعوانه انهاء اسرة صدام بقتل ولديه وحفيده بحيث تضعف المقاومة وتتأثر نفسيا.


ولو كنا في وطن حر،فيه قيادات حرة لتمت عملية محاكمة جورج بوش باعتباره قاتل مع سبق الاصرار والترصد،لأنه كان يمكن للقوات الاميركية أن تمسك بالرجال الثلاثة"عدي وقصى ومصطفى " دون ان تقتلهم وتمثل بجثثهم،لكنه الخوف من شبح الرجال الي دفع الاميركيين الى القتل العمد للرجال الثلاثة.


ثم جاءت جريمة اغتيال الرئيس صدام واعدامه علانية في مشهد يدين كل من شارك فيه،وأنا على ثقة أن كل يد قذرة شاركت في جريمة اعدام صدام ستلقى الجزاء التي تستحق ولو بعد حين.


وسوف يقول التاريخ كلمته في الحكام العرب الذين شاركوا في قتله بعد ان ساهموا من قبل في احتلال العرق،وليس من شك ان احتلال العراق ماكان يمكن ان يتم لولا ان شاركت فيه قيادات عربية هي محل احتقار من شعوبها اليوم وغدا.


ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو :هل أدى غزو العراق واغتيال صدام الى احلال الديمقراطية والتنمية في العراق؟


هل ادى اغتيال الرجل الى انهاء هاجس العنف والارهاب من الشرق الاوسط؟


هل ينام الاميركي اليوم في نيويورك وواشنطن مرتاح البال ام انه خائف مذعور من عمليات عنف قد تدق عنقه وهو في بيته؟


وبمعنى آخر :هل صار العالم أكثر أمنا بإغتيال صدام؟


الاجابة على الاسئلة السابقة هي :لا


فالعراق نفسه شهد أحداثا إرهابية دموية خلال الشهور الأربعة المنصرمة ادت الى مقتل3 آلاف مواطن ،والعراق دفع مليون شهيد تحت ظل الاحتلال و4مليون مهاجر أو مهجر،ومليون معاق أو معقد نفسيا بسسب جرائم الاحتلال، ورغم كل محاولات القضاء على حزب البعث ،وكل اشكال القومية العربية لاسيما الاحزاب الناصرية ذات الصلة بالمقاومة المسلحة لازال البعث يرفع راية الصمود ،ورفض الاحتلال ولايدخل في مساومات مع العدو وأزلامه بل يواصل ترتيب البيت من الداخل ،يستفيد مثل كل حركة سياسية حية من اخطاء الماضي ويعد كوادره لمرحلة لاشك آتية ينافس فيها بشكل ديمقراطي في المشهد العراقي،ويقدم تصوره الوطني لقيادة البلاد.


ويخطئ من يظن أن قرارات عشوائية انفعالية من نوع"اجتثاث البعث" يمكن أن تقتلع حركة سياسية من تربتها، فعقلية الثار والانتقام ادت بالعراق الى المهالك.



تقول صحيفة "الاندبندنت " البريطانية في تقرير لمراسلها من بغداد "ان العراقيين ادركوا بعد فترة قصيرة من سقوط بغداد ان الشيء الوحيد الذي جاء به الاحتلال ورجال السياسات في واشنطن هو العنف والدمار. وأنهم سرعان ما ادركوا أيضا ان غياب حاكم قوى في العراق ادى الى الفوضى غير الخلاقة،حيت تنامت الاطماع ،واتسعت دوائر الجشع السياسي والاقتصادي."


وواهم من يعتقد أنه يمكن القضاء على الافكار،فالفكرة القومية متعددة الاشكال ،ولايمكن حصرها في نظام سياسي واحد،بدليل وجود الناصرية والبعث والقوميين العرب وكلها من انتاج بذرة واحدة،تشعبت في الارض العربية.


لقد فشل الاحتلال في ايجاد رديف اجتماعي له،ولايمكن بأي حال اعتبار العصابات التي اغتصبت السلطة في العراق هي تعبير عن كتل اجتماعية ،فالشارع العراق لازال تحكمه الكتلة الصامتة،وهي تتنوع بين الشيعة والسنة والكرد وباقي طوائف المجتمع العراق،ولابد أنه سيأتي يوم قريب تقول كلمتها ضد عملاء الاحتلال ، ومايجري اليوم من حكم الميلشيات التي تحرض ضد سوريا،وتفتح الأبواب الخلفية لكل من هب ودب هي زبد البحر،لايستمر طويلا ولايبقى أبعد من الشاطئ.


ان سياسة نهب ثروات العراق على يد الفئة الحاكمة واعوانها فضلا عن النهب الاميركي المنظم لهه الثروة يؤكد بمالايدع مجالا للشك ان الامة العربية كلها مستهدفة ليس من الخارج فحسب وانما من فئات لسانها عربي وقلوبها صهيونية،والعياذ بالله.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٧ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور