وأخيرا إتّفق عملاء المنطقة الخضراء !

 
 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
تقول الأخبارالواردة من بغداد المحتلّة أن أعضاء برلمان المنطقة الخضراء إتفقوا على آخر التعديلات التي أجريت على قانون الانتخابات التشريعية القادمة, طبعا بعد جهود مضنية وتهديدات بالمقاطعة وإتهامات متبادلة وتأخير لعدة أشهر وهدرغير مبرر للوقت والمال العام, بدل الاهتمام بمشاكل وهموم المواطنين التي تتضاعف يوما بعد آخر. لكن الاتفاق على القانون, ومن ثم المصادقة عليه من قبل مجلس الرئاسة الغير موقّر, لا يعني بالضرورة نهاية المسرحية الديمقراطية التي لم تعد تثير في نفوس العراقيين غير الشفقة والسخرية على من يؤمن بقواعدها أو يصدّق بنتائجها.


والغريب, والعراق الجديد بلد الغرائب والعجائب, هو إن الانتخابات لاتشريعية سوف تجري, إذا لم يعكّرها مسعودها أو مالكها أو حكيمها لسبب ما, في ظل غياب قانون حديث لتنظيم عمل وتأسيس ونشاط الأحزاب السياسية بديلا عن الفوضى المطلقة التي يعيشها عراق اليومو وسط مئات الكتل والأحزاب والتنظيمات التي لا أحد يعرف بالضبط كيف تأسست وتشكّلت ومن يقف خلفها وما هي مصادر تمويلها, رغم أن الكثير منها يتلقى الدعم المادي والمعنوي وحتى العسكري من جارة السوء إيران. ثم إن الغالبية العظمى من الأحزاب والكتل التي أنضوت تحت خيمة هذا الائتلاف أوذاك, عن طمع لا عن قناعة, لا جماهير لها ولا حظوظ أو فرص حتى بالحصول على رجل كرسي في البرلمان, ولا نقول كرسي كامل.


وبكلام بسيط, إن برلمان المنطقة الخضراء توصل, بعد مخاض عسير ومضني, الى إتفاق على قانون الانتخابات دون أن يولي أي إهتمام لقانون الأحزاب. مع العلم إن القانونين مرتبطان مع بعض ويكمّل أحدهما الآخر. ومعلوم إن جميع دول العالم, سواء كانت متخلفة أو متقدّمة, تقوم أولا بتشريع قانون ينظم عمل ونشاط الأحزاب الساسية وفق ضوابط وقوانين يلتزم بها الجميع دون إستثناء قبل الشروع في إجراء أي عملية إنتخابية, وبعد التأكد بالوثائق والمستندات والبراهين بان الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية لها وجود فعلي وحضور جماهيري يالحد المقبول على الساحة السياسيةو وليست أحزاب وكتل وهمية, شأن الشركات الوهمية التي تسرق وتنهب ثروات وخيرات العراق منذ أكثر من ست سنوات.


لأنه لا يعقل أن تكون للعبة "الديمقراطية" قواعد وقوانين وشروط تنظمها بينما يبقى اللاعبون يسرحون ويمرحون على هواهم باسم تعددية زائفة وحرية مزعومة. فحتى في مباراة كرة القدم, كما يعرف الجميع, هناك قواعد وضوابط للعبة نفسها, وهناك ضوابط وقواعد تخص الفرق واللاعبين. فليس مسموحا على سبيل المثال دخول أكثر من 11 لاعب لكل فريق في الملعب ولا يسمح بوجود أكثر من حارس مرمى لحماية الهدف أثناء المباراة... وهلم جرّا.


ومن نافلة القول أن مساعي "قادة"عراق اليوم وصراعهم وجولاتهم التفاوضية وصفقاتهم المشبوهة مع بعضهم البعض, لا علاقة لها بالشعب العراقي ولا بما يُسمى بالعملية الديمقراطية. وجلّ ما يهمّهم ويعنيهم, نظرا لتاريخهم الأسود الحافل بالعمالة والسمسرة والبيزنيس السياسي والتجاري, هو ضمان بقائهم على مقربة من مصادر الثروة والمال العام مما يتيح لهم فرصة أكبر, من المؤكد أنها سوف لا تتكرّر أبدا, لسرقة ونهب المزيد من قوت الشعب العراقي. هذا إذا إفترضنا أن أسيادهم الأمريكان والمجوس سوف يسمحون لهم بذلك أو يتركون لهم شيئا يُذكر.


ثم إن القانون الجديد, وما أضيف اليه من تعديلات, لا يختلف عن جميع القوانين التي شرّعها برلمان المنطقة الخضراء بدعم وتأييد ومساندة المحتلّين الأمريكان, وكانت المحاصصة العنصرية والطائفية وما زالت هي السائدة في عمل وتصرّف وسياسة حكّام العراق الجديد. ومعلوم إنه عندما يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات في الدستور, في أي بلد سوى عراق اليوم, تنتفي الحاجة الى وضع حصص وكوتا لهذا الطرف أو ذاك. وتُحسب المقاعد البرلمانية على أساس المناطق وألأقاليم وليس على أساس العنصر والمذهب والطائفة والأقلية. ولذا يمكن لأي عضو برلمان, بصرف النظر عن لونه وجنسه ودينه وعرقه, أن يمثّل عموم الشعب. ولهذا أطلقت تسمية "نواب الشعب" على أعضاء البرلمان.

 

لكن ديمقراطية عراق المالكي والطلباني والحكيم والبرزاني والهاشمي ومن لفّ لفّهم أنهت الحاجة الى المواطنة, وهي أهم صفة ورابطة يمتلكها الانسان, لأنهم باعوا الوطن وخانوا الشعب وفقدوا شرف الانتماء الى العراق, وأرغموا المواطن العراقي على العودة الى الوراء لععدة عقود واللجوء, باعتباره الملاذ الآمن حسب فهمهم السيء, الى الطائفة والمذهب والعرق والعشيرة والحزب. ليجد نفسه في نهاية المطاف مشتتا وتائها بين جميع هؤلاء السماسرة واللصوص وميّتي الضمائر, بل ضحية لمآربهم وأهدافهم وطموحاتهم الشخصية الضيّقة وأنانيتهم المفرطة.


ومع ذلك , سوف يشارك الكثير من العراقيين في الانتخابات التشريعية القادمة لا إيمانا منهم بالديمقراطية, التي كلّفتهم آلاف الشهداء والمصابين وملايين المشرّدين والهاربين من جحيمها, وهدرت مليارات الدولارات من ثرواتهم الوطنية, بل أملا منهم بالتخلّص من العصابة الطائفية العنصرية التي سلّطها الاحتلال الأمريكي عليهم, والتي جلبت لهم ما لا يعدّ ويُحصى من المآسي والهموم والمشاكل, وأفقرتهم الى درجة أصبح فيها أكثر من نصف الشعب العراقي عاطل عن العمل تفترسه أنياب الفاقة والعوز والحرمان وفقدان الأمل بحياة أفضل.


خصوصا وإن هذا المواطن يرى بام عينه ويلمس لمس اليد كما يُقال حكومته العميلة وأعضاء برلمانه الغير شرعي يسنّون القوانين ويصدرون المراسيم والأوامر التي تمنحهم الحرية المطلقة في ملأ جيوبهم وحساباتهم المصرفية بالمال العام, نهبا وسلبا وسمسرة وإستحواذا, والحصول على المزيد من الثراء اللاشرعي والامتيازات الخيالية لهم ولعوائلهم ولاقربائهم. مع العلم أنهم جميعا كما نراهم عبر شاشات التلفزة, يتحدّثون بحماس منقطع النظير وبهمّة عالية عن صيانة الثروة الوطنية والحفاظ عليها, ويدافعون باستمادة عن مصالح الشعب العراقي, ويتفهّمون مشاكله وهمومه ويمسكون شورابهم وعمائمهم ويحلفون باغلظ الايمان بانهم ماضون في خدمة العراق والعراقيين والسهر على راحتهم.


وعليه, فان إتفاقهم على قانون الانتخابات ومشاعرالفرح والبهجة التي صدرت عن بعضهم وكأنهم حقّقوا معجزة لم يأتِ بمثلها بشر سواهم, ليس الاّ مسرحية سيئة الاخراج يُراد منها إرضاء حاكم العراق الفعلي السفير الأمريكي الذي صال وجال وعربد وأزبد في ردهات البرلمان وقاعاته من أجل إرغامهم, والاّ فانهم سيواجهون ألف داهية, على الاتفاق على آخر التعديلات في القانون المذكور والتصويت عليه قبل أن يفقد باراك أوباما صبره ويتركهم في العراء, أي خارج المنطقة الخضراء, يواجهون مصيرهم المحتوم, مصير كل عميل خائن مرتزق وطائفي أو عنصري حاقد, تلطّخت أيديه وثيابه بدم آلاف العراقيين الأبرياء.

 
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٠ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور