ندوة فكرية مركزية في الذكرى الثالثة لاستشهاد صدام حسين

 
 
 
شبكة المنصور
 

الرافعي : متمسكون بالثوابت المبدئية للمقاومة العراقية على خطى الرئيس الشهيد

 

بمناسبة الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس صدام حسين نظَّم  حزب طليعة لبنان العربي ندوة فكرية مركزية، وذلك قبل ظهر يوم الأحد في الثالث من كانون الثاني/ يناير الجاري في قاعة الاحتفالات بفندق الميريديان كومودور في بيروت.

 

وقد حضرت الندوة شخصيات سياسية من لبنان وفلسطين والعراق، ووزراء ونواب سابقون وممثلون للقوى والأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية.

 

وبعد الوقوف للنشيد الوطني اللبناني، ألقى عريف الحفل الشاعر عمر شبلي بعضاً من قصائده الوطنية والقومية ثم أعطى الكلام لرئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي تحدث عن التجربة النضالية والذكريات التي جمعته بصدام حسين من خلال موقعهما معاً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

 

نص كلمة الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي:

 

الأخوات والأخوة / الرفيقات والرفاق

أيها الحفل الكريم

أرحب بكم في الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس صدام حسين، وأرجو أن أفيه حقه في هذه العجالة، وهو الذي تعرفت عليه أخاً ورفيقاً، مناضلاً ورئيساً، وقبل هذا وذاك هو الإنسان المؤمن.

 

تعود معرفتي بالرئيس الشهيد إلى العام 1963 حين التقينا معاً في المؤتمر القومي السادس للحزب المنعقد في دمشق في شهر تشرين الأول، غير أنني قبل ذلك كنت أسمع عنه بواسطة أبناء طرابلس الدارسين في جامعة القاهرة حيث كانوا يتحدثون بإعجاب عن ذاك الشاب العراقي الواعي والناضج والواضح في هويته البعثية، شديد الإيمان بفكر البعث، وصاحب الاستعداد العالي للنضال في سبيل تحقيق أهداف الحزب.

 

ولقد كبر عندي هذا الانطباع، وأنا استمع إليه مع غيري من الرفاق في المؤتمر القومي حين كان يتحدث عن العراق وعن الأوضاع التي عاشها الرفاق هناك بعد ثورة رمضان في 8 شباط عام 1963 حيث لمسنا فيه الشفافية والحس العالي بالمسؤولية والنقد لمسيرة الحكم وهو يخطب فينا ما يقارب الساعتين، ما استرعى اهتمام الجميع وخاصة الأمين العام الأستاذ ميشيل عفلق، ثم تطورت معرفتنا حين انتخبنا معاً أعضاء في القيادة القومية عام 1970، لتتعمق بعد ذلك حين التحقت بالعراق مبعداً عن لبنان مرة، في العام 1977 لمدة سنتين تقريباً، ثم في العام 1984، ولمدة تسعة عشر سنة ونيف، وفي هذه الفترة عرفت الرفيق صدام عن كثب، بمزاياه العربية الأصيلة، حيث رأيت فيه الإنسان المؤمن بالبعث وحق الأمة والعراق في التحرر والتقدم الحضاري، إيمانه بقدرات شعب العراق والأمة العربية على رفض الذل والهوان، إذا ما قُيِّضت لها الإرادة الصلبة والوعي وحسن التقدير في شتى الحقول.

 

إلى ذلك، امتلك صدام حسين الثقافة الواسعة، خاصة في ميادين التاريخ والاستراتيجيا، ما جعل منه رجل الدولة المؤمن بالتخطيط الاستراتيجي، المدرك لحقوق وواجبات المجتمع بعمق، والمستوعب لكل ذلك بحسٍ نقدي حتى للذات ولما يجري في الدولة ولرفاقه. ومع تحليِّه بمزايا الشجاعة والكرم والنخوة والنجدة والحزم في القرار، والصبر على المكاره، وحسن الضيافة، كان حاد الذكاء، يوحي الاحترام، مستمعاً جيداً، فيشعرك بالاهتمام بما تقوله؛ كان وطنياً وقومياً وحراً، ليس للطائفية أو المذهبية أو العنصرية مكانٌ في تفكيره أو قراراته، سواء في العراق أو خارج العراق، وأذكر أنه عندما أرسل مساعدات غذائية إلى لبنان أثناء الأزمة والحصار، أصر على توزيعها سواسية للمنطقة الشرقية، كما المنطقة الغربية، حسب المسميات المؤسفة في تلك الفترة. حبُّه لشعبه، وإحساسه بالمسؤولية تجاهه، دفعه إلى القيام بزيارات المواطنين على غير موعد، لتفقد أحوالهم والاطمئنان على مستوى معيشتهم، وهل المؤونة والغذاء تكفي حاجاتهم، كما كان يخصص في كل أسبوع وقتاً للاجتماع بالمواطنين مباشرة، والاستماع إلى شجونهم وشكاواهم.

 

كان لا يخشى في الحق لومة لائم، وهو المتصف بالرجولة وشدة البأس، ذو العقل التنظيمي المتميز والقدرة الفائقة على التخطيط. هذه الصفات ظهرت في مسيرته النضالية وفي سنوات حكمه، وبعدها أثناء محاكمته ولحظة اغتياله، وأبرز ما تجلَّت في عدم المساومة على الوطن والأمة، سواء في العراق أو فلسطين، وهذا ما عمدَّ شهادته ووقفته التاريخية أمام المحاكم، ثم أمام الجلادين والمقصلة، هاتفاً بكل رباطة جأش وجرأة ورأس مرفوع:

 

عاش العراق، عاشت فلسطين، عاشت الأمة العربية، واشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

 

ومن المزايا الإنسانية فيه، إنه وحتى في مرحلة السجن والمحاكمات كان يسأل عن أحوال الرفاق، وفي إحدى المرات وهو في مقابلة مع الأستاذة المحامية بشرى الخليل لم يفته السؤال عن زوجتي الرفيقة ليلى، مطمئناً على صحتها، وهو يعلم أنها كانت مريضة.

 

ومن الأمور التي لا يعرفها الكثير عن صدام حسين، هي الروح المرحة وحب النكتة والهوس بالشعر الوطني والغزل، ولقد كان يحلو له في أيام الشتاء أن يذهب إلى الصحراء لجني "الكماية" والفطر، ويهديها لرفاقه في القيادة القومية.

 

إنه المناضل البعثي الذي تعرض للملاحقة والاعتقال في فترات الشباب، وعرف كيف يخطط للهرب من السجن ليعيد بناء التنظيم الحزبي في العراق، بعد الضربات المتتالية التي تعرَّض لها قبل ثورة تموز عام 1968.

 

وهو القائد القومي الذي كان له شرف المساهمة في المشاركة الفعالة للعراق في حرب تشرين عام 1973 وعلى جبهتي مصر وسوريا، بالجند والسلاح والمال والقتال والموقف القومي.

 

وهو الذي فتح أبواب العراق لأكثر من مليون مواطن عربي مصري، خاصة الفلاحين، للعمل والإنتاج والكسب، كما فتح أبواب الجامعات والمعاهد العراقية لآلاف الطلبة العرب للدراسة فيها، وإرسال المتفوقين منهم في بعثات دراسية إلى الخارج لإكمال دراساتهم العليا في أرقى الجامعات، كما أنه لم يكن ليتوانى يوماً عن إرسال ما يمكن إرساله من مساعدات إلى الأشقاء في فلسطين ولبنان واليمن وموريتانيا والصومال وعندما كانت الحاجة تدعو إلى ذلك.

 

إنه صدام الحاكم، بطل التأميم ومحقق شعار "بترول العرب للعرب" معيداً لشعب العراق ثرواته النفطية المنهوبة على أيدي المستعمرين. إنه رجل الدولة بامتياز وهو يضع العراق على سكة الحداثة والعلم، محققاً النهضة والتطور والازدهار في شتى المجالات ومنها:

 

- التقدم في الصناعات الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة، والتوصل إلى تحقيق القدرات الذاتية في صناعة الأسلحة، حماية لقرار العراق السيادي الوطني وعدم ارتهانه للقوى العظمى، وهذا ما جعله يحوز على إعجاب العالم وحتى البعثات الأجنبية في العراق، وعلى خشية البعض، من هذا التفوق في صناعة الأسلحة.

 

- النجاح في إصلاح الأراضي الزراعية وشق قنوات الري، دون أن ننسى مشروع "النهر الثالث" (نهر صدام) للبزل والري. ومن المفيد الإشارة هنا إلى ما حققه العراق من اكتفاء ذاتي على صعيد الزراعة حتى في أصعب سنوات الحصار الظالمة.

 

-الارتقاء بالخدمات الصحية إلى المستويات العليا من التطور وبدون مقابل للعراقيين وللعرب المقيمين، ولقد كان كثير من الأخوة العرب ومنهم لبنانيون يؤمَّون العراق للاستشفاء والاستفادة من هذه الخدمات.

 

-إقرار قانون محو الأمية وتنفيذه، مما جعل منظمة الاونيسكو تضعه في المرتبة الأولى في العالم.

 

-إعطاء المرأة حقوقها سياسياً واجتماعياً وإدارياً.

 

- تطبيق التعليم الإلزامي ومجانيته، وإجبار الأهل على إدخال أبنائهم إلى المدارس تحت طائلة المسؤولية إذا تقاعسوا، حيث كان التعليم مفتوحاً حتى الدراسات العليا فأفسح المجال لتخرُّج آلاف العلماء والمبدعين، فضلاً عن الطلب من الذين كانوا في الخارج أن يعودوا إلى الوطن للمشاركة في البناء مع إعطائهم ما يستحقون من امتيازات.

 

ولقد حرص صدام حسين على دعم وحدة العراق، حرصه على إبقاء هذا القطر سيداً حراً مستقلاً، ومن هذا المنطلق كانت مساهمته في اتفاق الجزائر الذي حقق الحكم الذاتي للأكراد، فأعطاهم من الحقوق ما لم يستطيعوا تحصيلها في أي بلدٍ آخر يتواجدون فيه بنسب عالية.

 

ولقد ساهم كل ذلك في إرساء عملية التقدم الاجتماعي ونمو الوعي الوطني وبناء الجيش الوطني العقائدي المرتبط بقضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين الحبيبة التي لم يتوان عن تقاسم رغيف الخبز معها حتى في أحلك أيام الشدة والحصار التي تعرض لها العراق، هذا إلى جانب المكانة المرموقة عربياً وعالمياً التي استحقها هذا القطر بكل جدارة واقتدار.

 

الأخوات والأخوة...

إن ما حصل في العراق بعد الاحتلال الأميركي- البريطاني الصهيوني الغاشم، لم يكن البتَّة للتخلص من ديكتاتورية مزعومة أو أسلحة دمار شامل غير موجودة، أو علاقة موهومة مع تنظيم القاعدة، ما حصل من غزوٍ واحتلال كان للانتقام من التجربة الوطنية التحررية الرائدة التي أرساها حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بقيادة الرفيق الأمين العام للحزب الرئيس صدام حسين ومواقفه القومية، خاصة في فلسطين، والتحكم في ثروته الوطنية، ولقد بدأت ظواهر الحقد تتكشف منذ الساعات الأولى للغزو عندما تم تفكيك مؤسسات الدولة العراقية وتسريح الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية واستصدار ما يسمى بـ "قانون اجتثاث البعث". وعملاً بالمخطط الإجرامي الأميركي الرامي إلى بناء شرق أوسط جديد مبني على تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية، عمد الاحتلال إلى وضع قانون "إدارة الدولة" الذي تتضمن المادة الرابعة منه على: "إن نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارة المحلية، أي أن العراق صار مقسماً إلى حكومات بدل حكومة واحدة، وموزعاً إلى ميليشيات طائفية ومذهبية تنهب الوطن بدل حمايته، وتزرع فيه الشقاق والفتنة الداخلية بدل توحيده، ومؤخراً أعيدت الامتيازات النفطية إلى الشركات الأجنبية التي سبق وطٌردت من العراق عام 1972، كل ذلك ثمناً ومكافأة من حكومة العملاء لمن ساهم وشارك في احتلال العراق، وشردَّ بنيه واغتصب خيراته.

 

أيها الحضور الكريم...

على خطى شهيد الحج الأكبر صدام حسين وتوجيهاته في وضع الأسس الميدانية والتنظيمية للمقاومة الشريفة، قررت القيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني وكذلك القيادة العامة للقوات المسلحة، وعلى رأسها القائد المجاهد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق عزت إبراهيم الدوري، توحيد الجهد القتالي برمته نحو الغزاة الأميركيين وسواهم، وحرَّمت تحريماً مطلقاً قتل العراقي أو قتاله في كل تشكيلات وأجهزة السلطة العميلة، فيما يسمى بالجيش والشرطة والصحوات وأجهزة الإدارة، إلا ما يستوجبه الدفاع عن النفس من حالات.

وإن المبدأ الثابت الأول هو الجهاد الدائم والمتصاعد حتى التحرير الشامل والكامل للعراق.

 

وكما فعل الشهيد صدام حسين حين فوتح بإعلان وقف المقاومة، فإن القيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني ثبتت أن من عوامل التحرير: عدم التفاوض مع المحتل ولو طال الجهاد، حتى يعترف العدو بشروط المقاومة وثوابتها، وهي:

 

أولاً: إعلان الانسحاب الفوري والشامل من العراق.

ثانياً: الاعتراف بالمقاومة بمختلف فصائلها المسلحة والسياسية، وبأنها الممثل الشرعي الوحيد لشعب العراق.

ثالثاً: إلغاء المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية التي أنشأها الاحتلال، ولن يفيده ما أضفاه عليها من مظاهر شرعية، فما بني على الباطل هو باطل.

 

رابعاً: استعادة وحدة العراق أرضاً وشعباً من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ولن يستفيد أحد من الانفصاليين من حماية أو وصاية من أي جهة أتت.

 

خامساً: إطلاق سراح الموقوفين والمسجونين جميعاً بدون استثناء.

سادساً: وقف المداهمات والملاحقات بحق المناضلين.

سابعاً: إعادة الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى الخدمة وفق قوانينها وأنظمتها التي كانت عليها قبل الاحتلال.

ثامناً: اعتراف العدو بجريمته النكراء والتعهد بتعويض العراق عن كل ما أصابه من الاحتلال وجرائه.

 

تاسعاً: تسليم العملاء والخونة الذين أجرموا بحق الشعب والوطن استباحةً وقتلاً وتشريداً لشعب العراق ومقاومته الباسلة لكي ينالوا القصاص جزاء ما ارتكبوا.

 

أخيراً، التحية والإكبار والإجلال لروح شهيدنا الرئيس البطل صدام حسين ورفاقه الأبرار، صدام حسين الذي قدَّم كلَّ شيء حتى روحه الطاهرة في سبيل العراق والحزب والأمة، صدام حسين الذي حقَّ فيه قول القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق بأنه "هبة البعث للعراق وهبة العراق للأمة العربية"  والسلام عليكم

 

الأستاذ رياض صوما : طريق الشهادة هي قدرنا

 

بعد ذلك تكلم الأستاذ رياض صوما، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني الذي ألقى كلمة اللقاء الوطني الديمقراطي في لبنان فاعتبران تكريم صدام هو تكريم لمواقفه الوطنية والقومية وعلى إصراره على خيار المواجهة للقوى الاستعمارية المتغطرسة في العالم، داعياً إلى عدم الافتئات على دور المقاومة العراقية وحقها وإسهاماً المباشر في دحر مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي دعا إليه جورج بوش وقيادة المحافظين الجدد، ومؤكداً على أن بناء العراق الحديث لن يكون إلا على أسس أكثر ديمقراطية ولن يستثنى منها سوى العملاء والخونة المرتبطين بالمحتل والذين أوغلت أيديهم بدماء العراقيين، مؤكداً في ختام كلمته على أن طريق الشهادة من أجل فلسطين والعروبة والتقدم هي قدرنا.

 

معن بشور:

 

الأستاذ معن بشور : نحو إقامة أفضل العلاقات بين القوى العربية الحية

 

ثم تكلم الأمين العام الأسبق للمؤتمر القومي العربي الأستاذ معن بشور داعياً إلى اعتماد ثقافة الإنصاف التي يجب أن تكون عنواناً لثقافة المراجعة.

 

ومن أهم ما جاء فيها:

قلّما اختصرت لحظة عمراً كما اختصرته اللحظة التي استشهد فيها الرئيس صدام حسين.

وقلما فسرت كلمات قليلة سيرة حياة طويلة، كما فسرتها آخر الكلمات التي قالها الرئيس الشهيد من على منصة الإعدام.

 

وقلما جسدت وقفة واحدة شمائل عدة، كما جسدتها وقفة أبي عدي الشجاعة التاريخية أمام جلاديه...

 

لقد أنصفت تلك اللحظة، كما الكلمات، كما الموقف، الرجل الكبير أمام الجميع، لا سيما من خاصمه منهم لسنوات طويلة، ومن عاداه منهم ومن أنزلق إلى اتهامه بأقسى التهم... إلا قلة قليلة لم تستطع أن تترفع عن أحقاد مستأصلة، وعن حزازات متجذرة في نفوسها، فعزلت نفسها عن غالبية العراقيين أولاً، ثم عن أحرار الأمة وشرفاء العالم الذين أيا كان رأيهم في تجربة حكم الرئيس الراحل لكنهم خشعوا جميعاً أمام رهبة الموت ثم أمام بسالة القائد واستهزائه بجلاديه.

 

لقد عززت تلك اللحظات الأليمة من صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك، وآخر أيام العام 2006، مما يمكن أن نسميه "ثقافة الانصاف" في العمل السياسي وفي التقييم التاريخي، وهي الثقافة التي تجتمع بها الموضوعية والأخلاق معاً. فالموضوعية بما فيها من تجرد دعوة لنا أن ننظر إلى الأمور لا بعين واحدة، فتكون الرؤية شاملة واضحة ومتجردة، أما الأخلاق فدعوة لها إلى الترفع عن الصغائر، وتجاوز الرواسب والعصبيات المريضة.

 

وثقافة الإنصاف هي كذلك المدخل لثقافة المصالحة، كما هي الابنة الشرعية لثقافة المراجعة، كما هي الطريق لتعميق ثقافة الوحدة، التي بدورها درع المقاومة وثقافتها، وإطار المشاركة وحصنها، والطريق اليوم لتحرير كل أرض محتلة ولتوحيد كل الطاقات المهدورة واستنهاض كل القدرات المعطلة إنما يمر عبر تقييمات أربع، رفعناها بعد أسابيع على احتلال العراق، وهي: مقاومة، مراجعة، مصالحة، مشاركة...

 

فثقافة الإنصاف تقتضي الاعتزاز برجل اتهموه بالهرب من بلاده في صفقة دولية فإذا به يظهر مقاوماً في بغداد وكل العراق، واتهموه بالسفر عبر طائرة روسية من مطار بغداد فإذا بزيارته الأخيرة للمطار كانت ليشارك بنفسه مع جنود العراق والمتطوعين في معركة شهيرة أوقعت خسائر كبرى بقوات الاحتلال، واتهموه يوم أسره بأنه كان منكسراً محبطاً ومنهاراً، فإذ به ينبري مساء اليوم ذاته في وجه من زاره تشفياً من رجال الاحتلال، وباعترافهم ليوجه لهم كلمات تؤكد أنه الحرّ بينهم وهم الأسرى، وأن زنزانته الضيقة هي أوسع بكثير من فضاء المنطقة الخضراء التي بها يحتمون.

 

وثقافة الانصاف تقتضي الإقرار أن حزب البعث، الذي ارتبط به صدام حسين فتى، وناضل في صفوفه شاباً، وحكم باسمه رجلاً، ليس حزباً عابراً في حياة العراق حتى يمكن استئصاله من خلال حرب عالمية شنت على البلد العظيم، وليس حزباً طارئاً على نسيج العراق حتى يمكن اجتثاثه بقانون صادر عن سلطة احتلال، وليس تجمعاً لمنتفعين أو انتهازيين حتى  يمكن إلغاؤه بإبعاده عن الحكم، بل أن هذا الحزب بات جزءاً من حقيقة العراق ورمزاً لوحدته وعروبته وكرامته ترتعد فرائص المحتل وأدواته أمام مناضليه الأشاوس،  وتهتز سطوة الاحتلال أمام وقفه قادته في المحاكم، وصمودهم في بوادي العراق ووديانه ودساكره، فلا الاغتيال أسكتهم، ولا الاعتقال أضعف من عزيمتهم ، ولا الملاحقات والمطاردات والتشديد والمنافي أوهنت من إرادتهم، وغيرت من وجهة مقاومتهم.

 

وثقافة الانصاف تقتضي الإقرار بالفارق الكبير على كل صعيد بين أحوال عراق ما بعد الاحتلال عن عراق ما قبل الاحتلال، وأن ما ارتكبه الاحتلال وأعوانه في كل مجال من فظائع وجرائم وإفساد وتدمير يبقى أضعاف أضعاف ما كانوا ينسبونه هم، أي أعداء العراق، إلى حال العراق قبل الاحتلال، وهو فارق بدأ يحسب به الغالبية الساحقة من أبناء العراق الذين تقاطرت منهم أعداد ضخمة إلى ضريح الرئيس الشهيد في العوجة في ذكرى استشهاده، أعداد تمثل العراق بكل مكوناته، ويكفي أن نذكر كيف صدر مرسوم حكومي قبل أشهر يمنع زيارة طلاب المدارس إلى الضريح.

 

وثقافة الإنصاف أيضاً هي الضمانة لنا بوجه أسلوب "الشيطنة" التي يسخر لها أعداؤنا وسائل ضخمة وإمكانيات كبيرة لكي "يشيطنوا" صورة أي رجل أو حزب أو دولة تتصدي لمخططاتهم ومطامعهم، فالمقاوم يصبح إرهابياً، والمدافع عن حقوقه متطرفاً، والمتمسك بالمبادئ عميلاً لهذا النظام أو ذاك، حتى إذا فشلت "الشيطنة" بإسقاط من يريدون إسقاطه كانت الحرب، وكان الحصار وكان الاغتيال.

 

وثقافة الإنصاف تقتضي منا الإقرار بأن أول المعارك التي شهدها العالم مع نهايات القرن الماضي وبدايات هذا القرن ضد ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، إنما كانت تلك المعارك التي خاضها العراق بقيادة حزب البعث، ودفع أثماناً باهظة فيها وصلت إلى حد احتلاله وتدمير مقومات دولته ومجتمعه، بل تلك المعارك التي انكشفت بها حقيقة ذاك النظام الذي أعلنه جورج بوش الأب من مخاض الآلام العراقية عام 1991.

 

وثقافة الانصاف تقتضي منا الإقرار أيضاً أن الكثير من الرموز والقوى والهيئات العربية والإسلامية والعالمية التي ساندت العراق ضد الحصار والعدوان والاحتلال فتعرضت بسبب ذلك لكل محاولات التشويه، ولكل أنواع الاتهام، هي اليوم كما دائماً، على رأس المدافعين عن حق المقاومة في فلسطين ولبنان وصولاً إلى العراق في تأكيد لوحدة المقاومة التي هي التجسيد الحقيقي لوحدة الأمة.

 

أيها الأخوات والأخوة...

في الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس صدام حسين يمكننا أن نقول أن دائرة إنصافه ورفاقه وتجربته تتسع يوماً بعد يوم، فإنصاف المحامين والمتحمسين له والمدافعين عنه هو دعوة لمراجعة التجربة، بما لها وعليها، بهدف تحصينها وتعميقها وتنقيتها مما علق بها من شوائب، ان إنصاف من كان مختلفاً مع الرجل أو معترضاً على حكمه أو حتى متحاملاً على تجربته فهي أن يمتلك الجرأة لإعادة النظر بموقفه السابق، وأن يكون أكثر توازناً في النظر إلى السلبيات والايجابيات، بل أن يكون أكثر تحرراً من الحساسيات والعصبيات والرواسب القديمة...

 

في ذكرى استشهادك نقول لك، نم قرير العين يا أبا عدي فشعبك في العراق يهزم المشروع الأميركي، كما وعدته ووعدك يوماً، وشعبك في فلسطين يصمد في وجه الحصار والعدوان كما صمدت،  وشعبك في لبنان يقاوم مدركاً أن المؤامرة لتمزيقه قد حاولت أن تستمد لها من عراق ما بعد الاحتلال مدداً ووقوداً.

 

في ذكرى استشهادك نقول لك، أن المشروع الطائفي والمذهبي في العراق إلى اندحار بإذن الله، وأن المشروع الفدرالي قد سقط بوعي العراقيين ووحدتهم وأن العراق العربي المستقل الموحد المتحرر الديمقراطي عائد بأقوى مما كان بإذن الله... وان الله على كل شيء قدير.

 

بشرى الخليل: لتكريس مناسبة ذكرى الاستشهاد من أجل الأجيال العربية

 

أما محامية الرئيس الشهيد، الأستاذة بشرى الخليل فقد بدأت كلمتها بالدعوة إلى تكريس مناسبة إحياء ذكرى استشهاد صدام حسين لتحتفل بها الأجيال القادمة وتأخذ من تجربة هذا القائد ما تحتاجه من دروس في النضال تؤثر على نمط وسلوك مسيرتها فيما بعد.

 

ووصفت المحامية الخليل تجربة صدام داخل المعتقل بتجربة (الصوفي) الذي كان يتصرف حتى وهو داخل جدران السجن، كمن هو خارج الزمان والمكان وشكل في ذلك محور تأثير واستقطاب لكل المحيطين به، حتى الضباط الأميركان الذين كانوا مولجين بحراسته كانوا يفتخرون بالجلوس مع صدام حتى أن أحدهم من أصل عربي لم يتمالك القول أمام الملأ: هذا الرجل لا يستطيع أحد أن لا يحبه، واستشهدت بمواقف صدام القومية حتى وهو داخل السجن سواء في سروره لانتصار المقاومة اللبنانية وصمودها أمام العدوان الصهيوني على لبنان صيف عام 2006، أو حرصه على أمن واستقرار دولتي مصر والسعودية رغم مواقف الأخيرتين المؤيدتين لغزو العراق.

 

وكشفت المحامية الخليل أن الرئيس صدام قد بايع نائبه المجاهد عزت إبراهيم الدوري أمامها لتولي قيادة الجهاد في العراق وكذلك فعل طه ياسين رمضان، مستشهدة بكلام الرئيس العراقي وهو يعلق على قرار الحكم بإعدامه:

"إن الإعدام عندي لا يساوي حذاء أي عراقي"

 

الأستاذ علي الزبيدي : لولا المقاومة العراقية لامتد الاحتلال إلى أقطار أخرى

 

اختتم الحفل بكلمة العراق الجريح التي ألقاها الأستاذ علي الزبيدي معدداً الانجازات التي حققها حكم البعث وصدام لشعب العراق مؤكداً أن صدام كان عنواناً لكل المعاني النبيلة وبيرقاً صالحاً لفضائل الحق والصدق والشهامة، مركزاً في ختام كلمته على الدور البطولي للمقاومة العراقية اليوم في دحر المحتلين ولولا هذه المقاومة لامتدت يد الاحتلال إلى أقطار عربية أخرى وصولاً إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.

 

واختتمت الندوة بكلمة لمنظمة كفاح الطلبة ألقتها الرفيقة عروبة الحركة

 

هذا قرار البعث يا عربُ، "الحقُّ فوق العروبة حتى تتحد العروبة بالحق"، وأراد صدَّامنا الاتحاد بالحق، فكان الفداء ابتداء.

 

فجر العيد كنت المضحي والمضحى به يا صدَّام

كنت نهار الأمة الذي أتى بعد ليل طويل

يومها أتى ليل طويل

يومها أبا عدي كنت جميلاً أكثر منا جميعاً ورأينا كيف يكون قبح وجوه العملاء

كنت مشرقاً حتى أن الشمس يومها أشرقت بك وما زالت

يومها علمتنا بالفعل أن الحياة للأقوياء بنفوسهم

أبا عدي ماذا عساي أن أقول فكل الأحرف ضاعت أمام عظمة الوقفة

يوم رفضت إلا أن تُظهر كم أن العملاء صغاراً

حتى صاح بهم صوت الأمة مدوياً لا ترفعوا قاماتكم الهزيلة أمام عملاق التاريخ

أبا عدي سجلت سطور التاريخ المجيد باليد الحمراء

ورويت بدمك شرف العروبة الغراء

ونثرته على العراق لينبت حربة شماء

وأخرجتنا من الدوار والاغماء

وعلمتنا رفع الرؤوس والهامات إلى السماء

وكنت لأمتك يوم العواصف رداء

ويوم الظلمة ضياء

أبا عدي لك منا الحب كل الحب

لك منا الوفاء

وفاءٌ لمن بنى العراق العظيم عراق العلم والعلماء، عراق ال 300 ألف شهادة عليا (دكتوراه وماجستير)، عراق ال 40 ألف اختصاص علمي (في الفيزياء والكيمياء والعلوم الذرية)، وبفضل كل هذا العلم تزخر المقاومة العراقية البطلة اليوم بإبداعاتها في العمل المقاوم، فها هي تخترق أنظمة الطائرات الأميركية المسيَّرة، وتسقطها أمام كل العيون الشرّيرة التي دنَّست أرض العراق.

 

هكذا مسيرة الانبعاث الأبدي، فلا موت يبدِّد حلمنا، ولا علوج هذا الزمان تُنهي أمانينا، وكل زمانٍ لنا فيه بداية، ويبقى فكر حزبنا يا صدّام لنا راية.

 
 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور