عزف منفرد - من طرائف الرؤساء

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع - البلاد البحرينية
كنت في قرابة التاسعة من عمري عندما زار الرئيس العراقي عبدالسلام محمد عارف مدينتي الكاظمية الواقعة شمالي بغداد، وقد مرت سيارته في الشارع، وكانت تمشي ببطء بينما كان هو يفتح نافذة السيارة ويمدّ يده من دون اكتراث ليصافحها الناس، وقد كنت من بين من صافحوه والسيارة تسير، ولحقت بموكبه إلى المرقد الكاظمي الشريف حيث أدى مراسم الزيارة، وتوجه ليزور سماحة الشيخ مهدي الخالصي الشخصية البارزة في الكاظمية؛ إذ كان يربط الاثنين عداؤهما للشيوعية، وكان الشيوعيون ناشطين في الكاظمية حتى أنه كان هناك شارع سمي بـ (شارع موسكو)...


استقبل الخالصي ضيفه تحت خيمة كبيرة عائدة لمأتم الجواهرية الذي كان يرأسه صانع السيوف المشهور الحاج عبود الجواهري، وبعد تناول العشاء صعد الرئيس عارف إلى المنصة وشرع يلقي خطابا وصف بأنه مهم، وكانت أمامه عشرات لاقطات الصوت لتلفزيون بغداد ولمحطات إذاعة، وروى طرائف مضحكة، وهاجم الشيوعيين والبعثيين، ثم فجأة خاطب مستضيفيه أبناء مدينة الكاظمية مهدداً: “يا أهل الكاظمية، والله اللي يطلع ذيله منكم اكطمه”، اي الذي يخرج ذيله منكم سأقطعه، ثم مضى في خطابه ليتوقف ويقول: “الله شكد طيبة كبة الجواهرية انطونا جدر منها ناخذه ويانا للبيت”، أي ما أطيب الكبة التي أكلناها لدى مأتم الجواهرية، املؤوا لنا قدرًا منها لنأخذه إلى البيت. 


والواقع أن عبدالسلام محمد عارف على الرغم مما كان يوصف به من شراسة وقسوة، فقد كان بسيطا في حياته، ويروى عنه أنه كان يستعمل وسائط النقل العامة أحياناً ويزور أصدقاء في المناطق الشعبية من دون أية حمايات أو فخفخة كالتي نراها عند مسؤولي العراق الجديد اليوم الذين لا يجرؤون على النزول الى الشوارع بين الناس.


كما أن الخطابات الارتجالية لعبدالسلام عارف كانت كلها على هذا النحو، وسأستعين بمكتبة الأخ الباحث خالد ميران لأروي أن عبدالسلام بعد قيام ثورة 14 تموز 1958، كان في خطبه في المعسكرات يستهل كلامه مخاطباً الجنود بـ (السلام عليكم أبو خليل)، و(أبو خليل) كنية شعبية جداً تطلق في العراق على الجندي، كما أنه أطلق في كثير من خطبه شعارات جديدة، لا رابط بينها، ولا تهدف إلى معنى معين، فهو تارة يقول: إن جمهوريتنا اشتراكية، وطنية، إلهية، خاكية، وتارة أخرى يقول: لا قصور، ولا دور، لا حاكم ولا محكوم، لا احزاب، لا كتل، امة واحدة وحزب واحد، ومرة يقول: لا شرقية ولا غربية، لا جنوبية ولا شمالية، لا جوني ولاجون بول، وإنما حمد وحمود، ومرة أخرى يقول: لا اقطاع بعد اليوم، لا قصور لا ثلاجات، لا تلفزيونات... لا تفاوت، لا طبقات، ولا جلالات، ولا فخامات، بل حرية وعدل ومساواة.


وقد سببت له خطاباته الارتجالية الكثير من ردود الأفعال الجماهيرية، وكانت سببا في التأليب عليه والتنديد به، وأبعدته عن المسرح العسكري والسياسي.


وعندما أصبح عبدالسلام رئيسًا للجمهورية العراقية لم تغادره هذه الحالة وظلت مستحكمة فيه.


يروي عبدالرحمن فوزي، وهو أحد كبار موظفي الإذاعة والتلفزيون، انه كان يعمل مونتاجاً على خطب عبدالسلام الرئيس، بأمر من محمد بديع شريف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، بسبب ان الرئيس لا ياخذ بنظر الاعتبار الأمور الدبلوماسية والعلاقات الدولية، لاسيما تلك التي ينكت فيها، فمرة تناول في خطبة له احد رؤساء الدول وأخذ يشتمه وينكّت عليه قائلا:


ـ بشرفكم يا جماعة مو (صاحبنا) راسه مثل راس الثور!


وتروي ابنة عبدالسلام، وفاء أن والدها اختلف مرة مع والدتها، واستنجدت بجدها (والد الزوجة)، فحضر وأخذ ابنته وقبل الخروج من عتبة الباب قال عبدالسلام لحماه: شوف يا عمي، إذا اخذتها والله العظيم راح أركب دبابة وأجي افلش “أهدم” بيتكم وأرجعها!


لكن أحرج طرائفه كانت عندما عاد الوفد العراقي من زيارة السد العالي في أسوان بعد افتتاحه، وفي مطار القاهرة الدولي، كان (خروشوف) و(ابن بيللا) و(جمال عبدالناصر) و(عبدالله السلال) واقفين في المطار لتوديع الوفد العراقي برئاسة عبدالسلام محمد عارف، فوجه ابن بيللا دعوة رسمية إلى خروشوف لزيارة الجزائر، (نظرا لمواقف الاتحاد السوفياتي المؤيدة لنضال العرب ومناصرة ثورة الجزائر)، فرحب خروشوف بهذه الدعوة ووعد بأنه سيقرر موعدها بعد ذلك، ثم التفت عبدالسلام الذي كان واقفا بالقرب منهم ويسمع إلى المترجم، وطلب منه أن يقول لخروشوف: “لو تموت ما تشوف بغداد!”، وقد قام المترجم بترجمتها حرفيًّا، فاحتقن وجه خروشوف، ونظر الى الزعماء العرب وقال بعد ان انفجر ضحكا: انتم العرب... ماكرون!


وفي خطاب ألقاه في مدينة البصرة قال: يا أهل البصرة... يا من زرعتم نومي البصرة، أشكركم وأرحب بكم، وأرجو أن تقدموا لي بعد خطابي هذا شاي نومي بصرة!.. ثم اضاف واصفاً مدينة البصرة، بأنها (طاسة ببطن طاسة، بالبحر ركاصة!)، وياليته قال “غطاسة”، فضحك الجميع وضجوا بالصفير!


وطرائف الرئيس عارف كثيرة ولكنني تناولت هذا القدر منها لتسليط الضوء على شخصيته.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٧ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور